من المؤكد أن المنطقة العربية غنية بالموارد الطبيعية المتنوعة التي يمكن أن تكون نواة حقيقية للتكامل والتقارب إذا ما تم التنسيق بين الدول العربية لتحقق الاستفادة من المزايا النسبية المتاحة من المحيط إلى الخليج، وفي حال توجيه الاستثمارات إلى إقامة مشروعات تكاملية كبرى توفر المنتجات وتزيد معدلات النمو وتحقق التنمية المستدامة، سوف يتحقق تكامل المصالح الذي يعد من أهم مرتكزات التقارب الحقيقي والفعال بين الدول العربية، فالتكامل العربي لن تحققه شعارات العاطفة الرنانة عديمة الجدوى التي جربتها المنطقة العربية كثيرًا ولعقود وفشلت فشلاً ذريعًا كونها أقرب إلى الشعارات البراقة الجوفاء التي لا تحمل مضمونًا حقيقيًا خاصة في ظل زيادة أهمية الاقتصاد على ما سواه من مشروعات سياسية لا تستند إلى واقع يفيد الشعوب العربية.
والتكامل العربي في شقه الاقتصادي، يقوم على الفرص المتاحة والمزايا النسبية من الموارد الطبيعية والخدمات والقدرة التصنيعية والاستهلاك والقدرة على المنافسة والتصدير إلى الأسواق العالمية، إضافة إلى تنشيط التجارة البينية العربية، وتقليل الفجوة بين الاستيراد والتصدير بين الدول العربية والعالم الخارجي، وكذلك تحقيق الأمن الغذائي العربي وتوطين اقتصاديات المعرفة، والتقدم الصناعي من خلال النهوض بالقطاع الصناعي سواء في مجال الصناعات الثقيلة أو المتوسطة والتحويلية، أو إعادة تصدير للصناعات المستوردة إلى الأسواق القريبة من المنطقة العربية، والاستفادة في ذلك من الموارد الطبيعية المتاحة أو مخرجات هذه الموارد، وفي هذا الصدد توجد تجارب عربية قديمة يجب البناء عليها و الاستفادة من الخبرات الموجودة، وكذلك من العقول العربية المبدعة الموجودة في داخل أو خارج المنطقة.
وفي حال التوسع في هذه الفرص، سوف تجذب المنطقة العربية استثمارات أبنائها والاستثمارات الأجنبية وسوف تحقق نهضة صناعية تقود إلى زيادة معدل النمو وكذلك زيادة الناتج المحلي الإجمالي وزيادة فرص العمل وتوفير العملات الأجنبية، بدلاً من الاعتماد على الاستيراد من الخارج، أو تظل المنطقة العربية سوقًا للشرق والغرب في حين لديها مقومات النجاح الصناعي ربما أكثر من دول الاقتصاديات الناشئة التي حققت نجاحات كبيرة وقفزات عملاقة على الصعيد الاقتصادي.
كما يجب أن تستفيد الدول العربية من موقعها المتميز القريب من الأسواق الاستهلاكية الكبيرة ومنها القارة الإفريقية والآسيوية وأيضًا أوروبا، مع الاستفادة من الاتفاقيات التي وقعتها العديد من الدول العربية مع التكتلات الاقتصادية الموجودة في الكثير من قارات العالم.
ولتحقيق هذا التكامل الاقتصادي يجب اتباع حلول غير تقليدية ومبتكرة في مقدمتها تنحية تأثير العلاقات السياسية على المنافع الاقتصادية، وتعديل التشريعات الخاصة بالاستثمار والتحويلات المالية والعمالة والجمارك والقيود المفروضة على التصدير والاستيراد وتأشيرات السفر ،وتحفيز القطاع الخاص العربي ومنحه تسهيلات ومزايا ؛ الأمر الذي يشجع رؤوس الأموال العربية على التواجد في المنطقة.
وتتضمن الحلول غير التقليدية ترك مجال التخطيط والتنفيذ للقطاع الخاص والممثل في الغرف التجارية ومجالس الأعمال المشتركة المشكلة بين الدول العربية دون التدخل الرسمي إلا في أضيق الحدود عندما يتعلق الأمر بالتشريعات والتسهيلات والحوافز، حيث تقتل البيروقراطية الحكومية فرص الإبداع لدى القطاع الخاص سريع الحركة والذي يعمل بدون قيود وتكون أهدافه العمل وتحقيق الربحية شريطة أن يكون المناخ آمن وحرية العمل والضمانات موجودة، وللدول العربية تجارب عديدة في تعثر المشروعات الاقتصادية تحت مظلة العمل العربي المشترك وجامعة الدول العربية منذ إعلان إنشاء السوق العربية المشتركة ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية، والهيأة العربية للتصنيع، وغير ذلك.
والمطلوب في المرحلة الحالية تحفيز القطاع الخاص العربي ومنحه مزايا تفضيلية تحت مظلة اتحاد المستثمرين العرب ومن خلال الغرف التجارية والصناعية وتشكيل اتحادات فرعية للصناعات المختلفة، وكذلك الاستفادة من دور اللجان الاقتصادية في البرلمانات ومجالس الشورى العربية، على أن يتولى القطاع الخاص زمام المبادرة طبقًا لرؤية مستقلة وبعيدة عن تقلبات السياسة ومناخها المتغير خاصة بعد أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي التي عصفت بالاستقرار السياسي والاقتصادي في الكثير من الدول العربية.
وعلى أن تتم الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة صناعيًا، وأيضًا الدول الناشئة في جنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية والتكتلات الاقتصادية الكبرى التي حققت قفزات ضخمة في فترة زمنية قصيرة، وإذا تحقق ذلك عندها لن يبكي العرب على أطلال التقدم الصناعي أو فرص التنمية المهدرة، وتكون منطقتنا قد دخلت عالم الصناعة والاعتماد على الذات.