array(1) { [0]=> object(stdClass)#13490 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 119

علاقة (مصر ـ إيران) و (المملكة ـ تركيا) لها دوافع ومبررات على كل طرف تقديرها وتفهمها المملكة ومصر تواجهان مخاطر مشتركة منها عدم استقرار المنطقة واحاطتهما بدول فاشلة

الأحد، 07 أيار 2017

كثر الحديث مؤخرًا في وسائل الإعلام عن توتر مفترض في العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية، إلا أن هذا الحديث في مجمله يفتقد للعمق في فهم محددات هذه العلاقات وهو ما حاولت بيانه من خلال عدة وقفات أسبقها بثلاث ملاحظات عامة مهمة قد تسهم في ترشيد الحديث حول هذه العلاقات المحورية في المنطقة:

(أولاً) أن العلاقات السعودية المصرية تحت أي اسم كان (شراكة أو تحالف غير رسمي أو حتى مجرد علاقات) أصبحت اليوم تمثل العمود الأخير الذي يرتكز عليه ما تبقى من نظام عربي إقليمي ولذلك فكل من يريد خيرًا لهذه الأمة لابد وأن  يتمسك بهذه الشراكة ويدافع عنها مهما كان لديه من آراء خاصة حول تفاصيلها. فتاريخ الأمة العربية ومواجهاتها المستمرة مع الأطماع الإقليمية والدولية يؤكدان مركزية العلاقات السعودية المصرية في أي مشروع للتصدي لهذه الأطماع والتحديات والتي أصبحت اليوم تمثل تهديدًا وجوديًا للأمة ماثل أمامنا في أربع دول عربية.

(ثانيًا) أن تاريخ العلاقة بين المملكة ومصر يظهر أن هذه العلاقة تعد ركيزة أساسية في السياسة الخارجية للدولتين. فلا يمكن تصور تحرك سعودي نشط دون علاقة  جيدة مع مصر، كما أن الحضور الفاعل لمصر في الإقليم لا يتحقق دون علاقة  جيدة مع المملكة. وتظهر الحوادث التاريخية أن القيادة في الدولتين تدرك هذه الحقيقة وتحرص على استقرارها.

(ثالثًا) أن زيادة فرص ظهور قيادات إقليمية في المنطقة نتيجة انتهاء الحرب الباردة وتراجع دور القوى الكبرى فيها يقابله اليوم قيود جديدة تحد من قدرة أي قوة إقليمية للعب دور قائد إقليمي؛ فالكيانات دون القومية المتمثلة في التنظيمات والحركات العنيفة والنزعات دون الوطنية تمثل تهديدًا للقوى الإقليمية يفوق القيود التي فرضتها القطبية الثنائية على أدوارها وتحركاتها. كما أن تعدد التحديات وحجمها التي تواجه كل دولة  يفوق قدرتها المنفردة في التصدي لها ؛ الأمر الذي يستدعي البحث الجاد عن آليات إقليمية مشتركة للتعاون وهذا بلا شك يتطلب تسويات تاريخية صعبة.    

أما الوقفات الثماني حول الواقع الراهن للعلاقات السعودية المصرية فهي على النحو التالي:

الوقفة الأولى

أن العلاقات السعودية المصرية تعاني من تخمة إعلامية تسببت في كثير من اللبس. فمعظم ما يشاع عن وضع العلاقات بين المملكة ومصر هو مجرد أحاديث وكتابات إعلامية طابعها التخرص وتتسم بالكثير من العاطفة والمبالغة وتعبر عن اتجاهات المعلقين والكتاب وقراءاتهم الخاصة للعلاقة دون أي سند موضوعي من سياسات أو مواقف معلنة من  المسؤولين في الدولتين، بل هي أحيانًا تتعرض للنقد والتفنيد من المسؤولين. ورغم وضوح السياسة السعودية وثباتها تجاه مصر إلا  أنه يساء  فهمها بسبب محاولة قراءتها من خلال ما ينشر في وسائل الإعلام ويعبر عنه كتاب رأي.  والمؤكد أن وسائل الإعلام ليست من مدخلات أو مخرجات صنع السياسة الخارجية في المملكة ومن أعتقد غير ذلك فهو وأهم  وقد يكون الأمر كذلك في مصر.

 فنادرًا ما توظف المملكة إعلامها للتعبير عن موقف أو توجه خارجي ما، وإذا حدث هذا فهو يظهر من خلال افتتاحيات منسقة للصحف الرسمية. ما عدا ذلك  فكل ما يكتب  ليس سوى آراء شخصية يعكس في غالبه قراءة ايدلوجية غير موضوعية. قد يقول قائل أن المملكة لديها شبكة وسائل إعلامية عربية ضخمة وهذا بلا شك صحيح، إلا أن هذه الشبكة الإعلامية تعبر دائمًا عن موقف سعودي ثابت وهو الاستقرار الإقليمي ومن أولى ركائزه استقرار الدول العربية، وهذا موقف سعودي لم يتغير منذ تأسيس المملكة.

 الوقفة الثانية  إننا إذا قبلنا بالافتراض القائل بوجود التباس في العلاقات فإن مرد هذا الالتباس هو الاضطراب الكبير الذي شهدته المنطقة نتيجة الربيع العربي وما نتج عنه من ارتباك في السياسات الخارجية ليس لدول المنطقة فحسب بل لكل الدول المعنية بها وظهر الارتباك بشكل واضح في بدايات الاحتجاجات الشعبية وكان مظهره تبدل المواقف بشكل سريع. لقد تطلبت هذه الأحداث اتخاذ سياسات وإعلان مواقف بشكل سريع دون دراسة وافية نتيجة الضغط النفسي الذي تعرض له صانعو السياسات ومنفذوها وإحساسهم بضرورة التحرك السريع حيث الموقف يتطلب ذلك ما تسبب في شيء من عدم الوضوح عند المراقبين وبين الرأي العام. كما أن الاضطراب الكبير الذي شهدته المنطقة ولا تزال تعيشه تسبب أحيانًا في تضارب تحركات السياسة الخارجية لدولها. إن حجم ما تواجه المنطقة من تحولات يحتم إعادة صياغة السياسات الخارجية من حيث توجهاتها وأولوياتها وتخليصها مما يبدو عليها أحيانًا من غموض وتناقض. كما أن حجم التحديات التي تواجه مصر والمملكة وترتيبها لسلم الأولويات يستدعي ترك مساحة للتباين المقبول في وجهات النظر والسياسات والاطمئنان بأن هذا التباين لن يؤثر في الركائز المتينة للعلاقة.

 الوقفة الثالثة  إن العلاقات العربية اليوم وخاصة بين مصر والمملكة تأثرت بحالة من الشعبوية التي تمر بها المجتمعات العربية.  هذه الشعوبية التي نلحظها بشكل واضح في الغرب ونتسابق على نقدها ؛ موجودة بيننا، إلا أننا لا نكاد نراها بسبب عدم وجود ممثلين لها سواء كانت أحزاب تتسابق على الفوز بانتخابات أو زعامات سياسية مثيرة،  إلا أنها تظهر من خلال قنوات أخرى وفي مقدمتها وسائل الإعلام الجديد. ومن أبرز مظاهر هذه الشعبوية  (1) النزعة إلى لوم الأخر وتحميله كافة المشاكل (2) انتشار التفكير التآمري.  ففي مصر يشيع حديث بتآمر قوى إقليمية على أمن مصر من خلال تقديم الدعم للإخوان، و في المملكة نسمع من يتحدث عن تآمر على أمن المملكة  بعدم تقديم الدعم اللازم للتحالف العربي في حربه لاستعادة الشرعية في اليمن بل تقديم الأسلحة للحوثيين. ولا يبدو أن هذه الحالة الشعوبية ستختفي قريبًا فهي مرتبطة بالوضع العربي العام الذي يعاني أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، إلا أن المهم هو أن يحرص المسؤولون على حماية سياساتهم وعلاقاتهم الخارجية منها وعدم الالتفات إلى أي دعوات عاطفية لا تدرك تعقيد العلاقات وأولويات المصالح الوطنية.

الوقفة الرابعة  إن السياسات الخارجية للدول هدفها الأساس تحقيق المصلحة الوطنية وهذه المصلحة في الغالب تتعلق بالحفاظ على الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية و الرفاه. إلا أن دائرة المصلحة الوطنية للدول التي تتمتع بخصائص القوة الإقليمية ومنها المملكة ومصر تتسع لتشمل الإقليم بشكل عام حيث يصبح استقرار المنطقة هدف أساسي لهذه القوى لتأثيره على استقراراها. وفي الغالب تتوافق القوى الإقليمية على المحافظة على استقرار محيطها الإقليمي وهو ما يظهر من تاريخ العلاقات السعودية المصرية الأمر الذي جعل العلاقة في مجملها في حالة توافق وانسجام في حين أن عدم التوافق كان أمر عارض ومحدود ما يلبث أن يزول أمام أول أزمة تواجه الأمة العربية ولعل ما حدث في مؤتمر الخرطوم في 1967 شاهد على ذلك.

الوقفة الخامسة إن من أسباب الالتباس في العلاقة عدم إدراك كل طرف لحجم القلق لدى الطرف الآخر وتعريفه لمصادر التهديد لأمنه الوطني. لاشك أن المملكة ومصر تدركان ما يشكل أولوية في السياسة الخارجية لكل منهما، إلا أن هذا الإدراك لا يبدو عميقًا بما يسمح بفهم وتقدير تحركاتها وسياساتها الخارجية التي تترجم تشخيصها لمصادر التهديد وحجمه. فالأشقاء في مصر يعلمون أن المملكة قلقة من التدخلات الإيرانية، إلا أنهم قد لا يدركون عمق هذا القلق ما يجعلهم يرون في الموقف السعودي شيء من المبالغة والتضخيم من الخطر الإيراني. القلق السعودي من إيران حقيقي وله أسبابه الممتدة منذ الثورة الإيرانية التي جعلت استهداف أمن واستقرار المملكة سياسة ثابتة وظفت لها كافة الأدوات من الحرس الثوري والمليشيات التابعة له. إن قراءة الخطاب الإيراني الذي تعبر عنه كافة قياداته واللغة التي يستخدمونها وتوصيفهم المملكة تكشف نزعة عدائية متأصلة لم تفلح كل محاولات المملكة في الانفتاح على إيران من إزالتها. وهذا ما يفسر الموقف السعودي الثابت تجاه الصراع في سوريا حيث تمثل علاقة طهران مع النظام السوري أحد الركائز الأساسية للتحركات الإيرانية في المنطقة.

    في المقابل يفهم السعوديون القلق في مصر البيئة الإقليمية المفككة شمالا في سوريا وليبيا غربا إضافة إلى القلق من تحركات التنظيمات السياسية، لكن لا يبدو أن هذا الإدراك عميق بالدرجة التي تجعلهم يتفهمون ما أخذته مصر من سياسات تجاه سوريا  وكذلك التوتر الذي يشوب علاقاتها مع بعض دول المنطقة بسبب مسألة الإخوان. فلو أن كل طرف أدرك عمق هذا القلق لدى الطرف الآخر لما كان هناك تباين حول المواقف والسياسات التي يتخذانها لمواجهة هذه التهديدات الحقيقية لأمنهما الوطني.

الوقفة السادسة  إن المملكة ومصر تواجهان مخاطر مشتركة تتمثل في حالة عدم الاستقرار في المنطقة واحاطتهما بدول فاشلة وفراغات أمنية تمثل تهديدًا لأمنهما وللأمن القومي العربي. كما أنهما تواجهان بيئة دولية ضاغطة وعلاقات دولية ملتبسة الأمر الذي يتطلب تنسيقًا مستمرًا لا يسمح بأي تباينات يمكن استغلالها، وتاريخ العلاقات شاهد على إدراك القيادتين لهذه المسألة. ويكفي أن نشير فقط إلى العدوان الثلاثي وحربي 67 و73  وتحرير الكويت وأخيرًا موقف الملك عبدالله رحمه الله الحازم مع الدول الغربية التي هددت بوقف الإعانات عن مصر للضغط عليها حين أعلن استعداد المملكة تعويض مصر جميع ما يقطع من مساعدات وكذلك اتصاله بالرئيس الأمريكي باراك أوباما  وقوله" ارفع يدك عن مصر". وزيارة الأمير سعود الفيصل للدول الأوروبية لهذا الغرض.

 الوقفة السابعة

أن نفهم أن العلاقة مع الطرف الثالث (مصر مع إيران) أو (المملكة مع تركيا) لها دوافع ومبررات على كل طرف تقديرها وتفهمها وأنها تعبر عن رؤية يحملها صناع القرار في الدولتين حول أفضل السبل لتحقيق مصالح دولهم. التحولات الكبيرة التي تشهدها المنطقة وحجم التحديات تستوجب من القوى الإقليمية توسيع خياراتها ومن ذلك الانفتاح على كل القوى التي ترى فيها مصدر دعم دون أن يكون ذلك على حساب علاقاتها الأخرى. لذلك فيجب التنبه لعدم السماح لهذه العلاقة مع طرف ثالث أن تؤثر على العلاقة الثنائية. المسؤولون في المملكة ومصر يدركون عمق وأهمية العلاقة بين الدولتين لذلك فهم يحرصون على إدارة علاقاتهم مع الأطراف الأخرى بما لا يتعارض مع  العلاقة السعودية المصرية.

الوقفة الثامنة

 إن هناك أطراف إقليمية وأخرى داخلية تتعاطى مع العلاقة بين المملكة ومصر من زاوية نفعية لتحقيق مصالحها ولذلك فهي شريك في إشاعة مظهر الالتباس في العلاقة والترويج للاختلاف بين الرياض والقاهرة. ولهؤلاء نقول أن المملكة ومصر يرتبطان بشبكة واسعة من العلاقات التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يستحيل تفكيكها أو حتى المساس بها ومهما ظهر من التباس فإن الجميع في الدولتين سواء كانوا من النخب أو العامة لا يمكن أن يقبلوا التفريط بها.

أخيرًا من المهم حماية وتحصين العلاقات السعودية المصرية من أضرار الدبلوماسية غير الاحترافية التي لا تدرك القواعد غير المكتوبة للعمل الدبلوماسي العربي. فأهمية العلاقة للدولتين يجب أن لا تسمح لأي اجتهادات خارج الأعراف الدبلوماسية.

مجلة آراء حول الخليج