هيمنت الولايات المتحدة بشكل خاص على هيكل الأمن الإقليمي في الخليج كلما اختارت التدخل المباشر. وشملت هذه التدخلات مساعدة اليمن الشمالي ضد جنوب اليمن، والتدخل في الحرب الإيرانية العراقية من خلال إعادة نشر ناقلات النفط الكويتية في 1987-1988م، مما أدى إلى تحرير الكويت في 1990-1991م، وغزو العراق في عام 2003م، في هذه العملية، تحولت الولايات المتحدة من مجرد '' كيان يبدو في الأفق '' إلى '' كيان يُرى باستمرار على مدى البصر.''
وعلى الرغم من إنشاء مؤسسات إقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي في عام 1981م، فإن "الأمن" الخليجي كان نتاج جهود وطنية غير منسقة إلى حد كبير. بينما عملت إيران والعراق دائما كقوات مستقلة. وقد سلكت كل دولة من دول الخليج الجنوبية طريقها الخاص نحو الأمن القومي، واعتمدت دول الخليج الأصغر على تدخل قوات من قبل المملكة المتحدة والولايات المتحدة لتحقيق الأمن وإعادة التوازن مع جيرانها.
أفرز الغزو الأمريكي للعراق مستويات جديدة من الغضب الشعبي ضد الولايات المتحدة في جميع الدول العربية في الخليج. كما أنه خلق انقسامًا بين الأغلبية الشيعية المهيمنة في العراق والأقلية السنية التي كانت مهيمنة وقد يمتد الانقسام إلى بقية المنطقة. لقد خرجت إيران من الوضع الدفاعي نسبيًا بعد هزيمتها في الحرب الإيرانية العراقية في صيف عام 1988م، ولديها الآن نظام متشدد يتخذ موقفًا أكثر عدوانية تجاه إسرائيل وجيرانها. وقد لجأت إيران إزاء استمرار ضعف قواتها التقليدية، وعدم قدرتها على تحدي التفوق الأمريكي في الحرب التقليدية إلى تطوير أنماط جديدة من أدوات الحرب غير المتماثلة، ونظم إطلاق لصواريخ بعيدة المدى، وأسلحة نووية على ما يبدو. حتى ظهرت مخاوف أن يخرج من إيران ما دعي بـ "الهلال الشيعي" الجديد، إذ يهيمن على الشيعة العراق، والعلويين السوريين، والشيعة في لبنان. ومما يزيد من تعقد الأحوال تنامي ضغوط جديدة من خارج المنطقة، فالتطرف الإسلامي يحيط بمنطقة الخليج، ولدى الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة والحركات التابعة لها قواعد ارتكاز في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى. وهم يواصلون محاربة الحكومات في دول رئيسية مثل مصر والجزائر، ويشكلون تهديدًا في جميع الدول العربية على حدود الخليج.
وبالنسبة للمأزق العسكري الحالي في اليمن فربما يتمثل الحل الوحيد الممكن في الاتفاق بين أطراف النزاع على مشاركة السلطة السياسية والموارد الاقتصادية. وأي عمل خلاف ذلك لن يجلب إلا المزيد من القتلى، وإتاحة مساحة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية للعمل، وزيادة مشاعر الكراهية للولايات المتحدة في المنطقة.
وبديهي أن تحدث تغيرات في التكتيكات العسكرية والتدريب والتكنولوجيا مجاراة للتغيرات الأخرى في طبيعة التهديد. لقد قدمت كل من حرب الخليج وحرب العراق إشارات واضحة بأن على جميع دول الخليج إجراء تغييرات كبيرة في طبيعة القوات العسكرية وقوات الأمن الوطني إذا أريد لها أن تكون كيانات فعالة. وفي الوقت نفسه، يجب عليها أن تتصدى لتحسين قوات الأمن الداخلي التي تتزايد أهميتها. يجب على كل دولة أن تختار وتحاول تحديث قواتها العسكرية التقليدية بطرق تسمح لها بمسايرة الطفرة الهائلة في الشأن العسكري، وهو تحد يتطلب استثمارات ضخمة وكفاءة في التدريب وجودة في نوعية المحاربين. وفي الوقت نفسه، يجب عليهم التعامل مع خطر الانتشار الإيراني والحاجة إلى تعزيز قدراتهم لمكافحة الإرهاب والتصدي لهجمات الحرب غير المتماثلة (asymmetric warfare). في هذا النوع من الحروب تقف مجموعة من الأفراد في مواجهة دولة بأكملها وتنفذ عمليات إرهابية متفرقة لتحقق في النهاية نفس هدف الحرب التقليدية بين دولة ودولة أخرى "تماثلها". إن التغيرات التي ظهرت في طبيعة الحروب الأخيرة في المنطقة تفرض معدل تغيير عسكري يتجاوز بكثير سباقات التسلح التقليدية.
لا تستطيع أي من الدول تجاهل مسألة انتشار أسلحة التدمير الشامل. لم يعد هناك إلا إيران وحدها المرشحة لامتلاك القوة الصاروخية والنووية، وعلى أية حال أصبح لزامًا على دول الخليج الأخرى والولايات المتحدة وبريطانيا أن تتعامل مع هذا الخطر. وقد يأخذ ذلك شكل الهجوم على المواقع الإيرانية، أو الاحتواء، أو بناء قدرات ردع دفاعية بجر دول الخليج الأخرى للحصول على أسلحة نووية. ولما كانت إسرائيل توظف قوتها النووية لردع إيران فهي بالضرورة أحد اللاعبين في هذه المعادلة. والأخطر من ذلك، أن أطرافًا آخرين مثل القاعدة قد ينجحون عند مرحلة ما– في أكثر التقديرات تواضعًا- في الحصول على أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية بدائية، تضيف نوعًا جديدًا من العتاد إلى المنطقة.
الحليف الأمريكي – كيف يرى الخليج؟
لابد من رؤية شاملة تضع الموقف في الخليج العربي ضمن خريطة أشمل لصراعات الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين، وهي تبحث عن مصالحها في المقام الأول.
فالولايات المتحدة تريد أموال الخليج، وعندما كان ترامب مرشحًا للرئاسة قال أمام تجمع انتخابي في ولاية فرجينيا: "إنه سيزور دول الخليج العربي التي لا تقوم بالكثير، دول الخليج لا تملك أي شيء، لكنها تملك الأموال، سأجعلهم يدفعون الأموال، لدينا دين عام يقدر بـ19 ترليون دولار، ولن ندفع أموالا عن هذا، ولا تنسوا دول الخليج، من دوننا ليس لها وجود".
إن على الإدارة الأمريكية بموجب القانون أن تضمن أن مبيعات الأسلحة لدول الشرق الأوسط عدا إسرائيل لن تؤثر سلبًا على تفوق إسرائيل العسكري. وهو هدف أساسي للسياسة الأمريكية وتقع مسؤولية تنفيذه على عاتق وزارتي الخارجية والدفاع.
وكان الرئيس السابق باراك أوباما، ووزيرة خارجيته ووزير دفاعه وعدوا بتعزيز دفاعات حلفائهم في الخليج وهم مستاؤون من الصفقة النووية التي خففت العقوبات ضد إيران. ولكن التأخير في الموافقة على مبيعات طائرات لصالح دول خليجية أثار غضب البعض في أمريكا واعتبروا ذلك رمزًا لنظام متعنِّت للمبيعات العسكرية الأجنبية فشل في الاستجابة لاحتياجات حلفاء مقربين مثل قطر، وهي دولة ليست فقط تستضيف مركز القيادة الرئيسي للولايات المتحدة لتخطيط وتنفيذ الضربات الجوية ضد داعش ولكنها أيضًا توفر قاعدة للطائرات الحربية الأمريكية مثل القاذفاتB-52.
منذ انعقاد قمة مجلس التعاون بين الولايات المتحدة والخليج في كامب ديفيد بولاية ماريلاند، مايو 2015م، أخطرت إدارة أوباما حينذاك الكونجرس عن مبيعات أسلحة بأكثر من 20 مليار دولار لدول الخليج. وقد عبر متحدثون أمريكيون عن قلقهم إزاء التأخير في إتمام الصفقات: "إن وجودنا في الكويت كان مهمًا لمتابعة المعركة الحالية ضد داعش، ولابد لنا من البحث عن سبل للإسراع في تسليم المعدات لأن لديهم الأموال وسيذهبون إلى أماكن أخرى". من شأن ذلك أن "يدفع الدول لشراء أسلحة من روسيا والصين ويؤثر على الوظائف في الولايات المتحدة، ولو أن دول الشرق الأوسط اشترت من الصين طائرات بدون طيار أو مقاتلات أو قاذفات أو صواريخ أو نحو ذلك، حينئذ سيكون من الصعب للغاية بالنسبة لنا أن ننشئ تحالفات معا في ظروف مواتية كما نجدها الآن"
أما روسيا فيهمّها تأمين حدودها الجنوبية، ولذلك تدعم إيران، وتركيا. والمملكة المتحدة وفرنسا والصين تتنافس لبيع الأسلحة إلى المنطقة.
إدارة ترامب ومبيعات الأسلحة في الشرق الأوسط؟[1]
حملت تصريحات ترامب كثيرًا من التضارب وهو ما يجعل من الصعب تحديد ما سوف تفعله إدارة ترامب في الشرق الأوسط، وبالذات فيما يتعلق بعمليات توريد الأسلحة الأمريكية إلى المنطقة. لقد وجَّه ترامب انتقادات غير موضوعية إلى المملكة العربية السعودية، التي تعتبر أكبر مشتر للأسلحة الأمريكية، و عندما استهدف هو ومستشاروه إيران، ووصفوها بأنها تمثل أكبر تهديد للأمن في المنطقة.
من المهم أن نلاحظ أنه قد يكون من الصعب على الرئيس ترامب أن يتجاوز ما وصل إليه المستوى الهائل لمبيعات إدارة أوباما في الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي على وجه الخصوص. فقد حققت الولايات المتحدة رقمًا قياسيًا-وفقًا للبيانات الصادرة عن البنتاجون -ما يعادل 115 مليار دولار من مبيعات الأسلحة منذ عام 2009م، إلى المملكة العربية السعودية، و 198 مليار دولار إلى كل دول الخليج العربي. وتشمل المبيعات المتوقعة إلى المملكة العربية السعودية طائرات مقاتلةF-15، ومروحيات أباتشي، وسفنًا حربية، وأنظمة دفاع صاروخي، ومدرعات وقنابل وصواريخ – أي ما يقارب ترسانة كاملة. وكثير من هذه الصفقات يستغرق سنوات حتى يكتمل، ويضمن تدفقًا مستمرًا من شحنات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية لفترة طويلة حتى عقد العشرينات 2020م.
كيف ستتعامل إدارة ترامب مع هذا النمط القائم من عمليات بيع الأسلحة على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط؟ تبدو تصريحات ترامب حول الموضوع مربكة في أحسن الأحوال. لقد كانت كلماته قاسية بالنسبة للسعوديين، متهما إياهم بالوقوف وراء هجمات 11/9 وهدد بإنهاء واردات النفط الأمريكية من المملكة. حتى أن "بايرون كالان" المحلل في بايرون ألفا بارتنرقال في إشارة إلى ذلك "قد يبرهن الرئيس ترامب على موقفه الهجومي على الدول الإسلامية، وقد يدفع ذلك تلك الدول لأن تسعى للبحث عن مصادر بديلة للأسلحة."
وفي المقابل هناك عامل من شأنه إقناع إدارة ترامب بتقديم الأسلحة بوفرة إلى المملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج وهو موقف مستشاريه الرئيسيين القوي ضد إيران. وفي رده على سؤال حول أكبر ثلاثة تهديدات في الشرق الأوسط وجنوب آسيا قال وزير الدفاع الأمريكي الجنرال جيمس ماتيس: "إيران، إيران، إيران".
وبالنسبة للتصنيع الحربي، هناك تساؤل عن الجديد الذي يمكن أن تقدمه إدارة ترامب لدول الخليج. إن أحد الاحتمالات المربحة، هو بناء نظام دفاع صاروخي متكامل باتساع الخليج وستكون كلفته عشرات المليارات من الدولارات، وتنشأ عنه فرص عمل ضخمة للشركات المتعاقدة مثل لوكهيد مارتن Lockheed Martin ورايثيونRaytheon. وثمة خيار آخر يتمثل في محاولة تسريع العروض الحالية إلى المملكة العربية السعودية، وكثير منها لم يدخل بعد مرحلة التعاقد.
تدابير فعالة لدعم أمن الخليج
تشمل التدابير الواضحة لتأكيد فاعلية أمن الخليج بذل الجهود للقيام بما يلي: - إنشاء نظام فعال للتخطيط الدفاعي المشترك والاعتماد على قوات متكاملة ذات أنماط تسمح بتبادل المواقع؛ - تكامل أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والحواسب والاستخبارات وأجهزة الاستشعار للوحدات الجوية والبحرية، وتعزيزها بقدرات القتال لأبعد من مدى البصر (beyond visual range) والقتال الليلي (night warfare)؛ - إنشاء قدرات مشتركة من الدفاع الجوي والقوات الجوية؛ - إنشاء قدرات فعالة لتعزيز القوات والتحركات التكتيكية؛ - الإعداد للتدريب المشترك، والدعم، وعناصر البنية التحتية؛ - إنشاء قوات ضاربة جوية بحرية مشتركة؛ - نشر دفاعات أرضية مشتركة سعودية ـ كويتية على الحدود المعرضة للخطر؛ - الاستعدادات لتعزيز القوات القريبة والبعيدة؛ - إنشاء أنظمة تدريبية متقدمة مشتركة؛ - إنشاء قوات أمن متطورة في المناطق الحضرية للتعامل مع الحرب غير التقليدية والقتال منخفض الكثافة؛ - التأكيد على فاعلية القيادة والتفاوض؛ - إنشاء القدرة على الحد من الأضرار الجانبية؛ - وضع الخطط لجهد مشترك للردع والدفاع ضد خطر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية ، الأسلحة الإشعاعية، والنووية؛ - تكامل التدابير الأمنية الداخلية ومكافحة الإرهاب.
محددات التوازن العسكري بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي
هناك عوامل حاكمة يتشكل على ضوئها التوازن العسكري التقليدي وغير التقليدي في منطقة الخليج، ومن أبرزها:
- سباق التسلح المتسارع بين إيران وجيرانها من دول الخليج العربية.
- دور القوى الخارجية، وخاصة مستوى القدرات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى شركائها في الأمن العربي بالرغم من أن روسيا والصين تعدان من اللاعبين المحتملين.
- الصراعات الداخلية والانقسامات في العراق وسوريا واليمن وتأثير "الحروب الفاشلة" على النفوذ الاستراتيجي النسبي لإيران مقابل الدول العربية الأخرى والولايات المتحدة.
- التحسن المطرد في قدرات الحرب غير المتماثلة لإيران في دعم العناصر الموالية لإيران في الدول العربية، وفي تطوير القدرة على تهديد حركة الملاحة البحرية في الخليج، كما تشكل الصواريخ البالستية وصواريخ كروز تهديدًا لجيرانها العرب يعوِّض قدراتها التقليدية المحدودة.
- تهديد المتشددين والتأثير المتنامي للجماعات المتطرفة يجعل محاربة الإرهاب جانبًا مهمًا في التوازن العسكري.
- من شأن الاتفاق النووي الإيراني أن يؤخر، ولكنه لن ينهي المنافسة بين إيران وجيرانها العرب والولايات المتحدة فيما يتعلق بالنشاط النووي وأسلحة التدمير الشامل.
- يبدو أن الأمور تسير في اتجاه خلق مستوى عالٍ من الردع المتبادل بين دول المنطقة، وتحديات الإرهابيين الذين لا يُبدون أي بادرة للتراجع. ولكن ذلك لا يعني تجنب استعمال القوة من قبل الدول في بعض المواقف.
- قد يخلق هذا الخليط من القوى المختلفة وغير المتماثلة خطرًا حقيقيًا لاندلاع صراع عربي- إيراني قد يتطور بصورة غير متوقعة جراء حسابات خاطئة.
- ربما ينشأ خطر الصراع أيضًا بفعل نشاط الجماعات المتطرفة وحالة عدم الاستقرار في كثير من دول المنطقة، وما يزكي الخلافات بين العرب والفرس والأكراد، وبين السنة والشيعة.
- هناك تصاعد ضخم في أنشطة الأمن الداخلي وأعداد القوات والإنفاق المرتبط بها.
- تأثر الوضع الداخلي بانخفاض عائدات البترول والسياحة والاستثمار.
مقارنة القدرات الإيرانية والخليجية
برغم الشواهد المغايرة، هناك من يرى أن الولايات المتحدة "حليف سري" لإيران، وأن "الخط الأحمر" النوويغير مؤكد وزائف. وكان غزو العراق كسرًا للقوة العراقية المناوئة لإيران، ويعتبر عدم إحراز التقدم والتماسك في قوات دول مجلس التعاون الخليجي، وفقدان الاستقرار في اليمن، ووجود الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي يصب في صالح إيران. وتحاول إيران تطوير الصواريخ البالستية وعناصر الحرب غير المتماثلة. والملاحظ في خطاب الإيرانيين أنهم يضخمون في قدراتهم العسكرية، ويهددون بتنفيذ ضربات في العمق و"إغلاق الخليج"، ويبالغون في القدرات الصاروخية، ويدعون تحديث عتادهم وتفوقهم في الإنتاج والتكنولوجيا العسكرية.
وفي الواقع تتفوق دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة للتطوير الذي قادته الولايات المتحدة في نظم الأوامر والتحكم والاتصالات والحواسب والاستخبارات (C4I)، والرادار (ISAR)، وتواصل التدريب في قوات دول مجلس التعاون الخليجي، والمستوى العالي للفاعلية في واردات السلاح والتكنولوجيا لهذه الدول. تواجه إيران صعوبات نظرًا للقصور في إمكانيات نشر القوات وإجراء المناورة وصمود السلاح الجوي وجغرافية الخليج، وقد تأثرت بالطبع بالعقوبات وتأخير برنامجها النووي، وأعباء الإنفاق العسكري والاستقرار. تفتقر إيران إلى الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، والقدرة على توجيه الضربات الدقيقة بعيدة المدى، وتحقق تطورًا محدودًا في مقومات الحرب غير المتماثلة.
تنويع مصادر السلاح
تأسست رؤية تنويع مصادر السلاح إثر تجارب مريرة، فحين تواجه إحدى الدول ضرورة ملحة إلى التحصل على مدد إضافي من نوع معين لديها من السلاح أو بعض متعلقاته، وقد تمرست على هذا السلاح وخبرت قدراته وتكتيكاته، ولكن لسبب ما طرأ عجز في المخزون المتاح منه، ولم تسعف الدولة المنتجة بتقديم الإمداد السريع الكافي لتعويض الفاقد، متعمدة أو غير متعمدة، والحرب دائرة، وربما يحدث ذلك الأمر في الصيانة أو الإصلاح أو قطع الغيار الضرورية لرفع كفاءة السلاح وجعله في أعلى درجات الاستعداد. ومن المؤكد أن هناك بعدًا سياسيًا لهذه التصرفات، وللأسف فإن السياسات تتغير بتبدل الحكومات والمواقف. ونعطي مثالاً بسيطًا لطائرة مقاتلة مدججة بأحدث الأسلحة ولها قدرات فائقة لإحداث خسائر مؤكدة لدى العدو، ولكن أحد الإطارات لا مناص من تبديله، وليس متوفرًا. إن هذه الطائرة ليست جاهزة لإنجاز المهمة، ولا شك أن الدولة المصدِّرة قد تعمدت حجب قطع الغيار الحرجة رغم بساطتها والأمر يتطلب طرق أبواب أخرى للحصول عليها.
والأدهى من ذلك أن التكنولوجيات الحديثة قد تسمح بإرسال إشارات خاصة تعطل أو تعدل المهمة دون أن يشعر مستخدم السلاح بماهية هذا التدخل. وكمثال، فإن نظام الملاحة الكوني (GPS) الذي تعتمد عليه أجهزة حرجة يمكن إبطاله في ظروف معينة مع ما يترتب على ذلك من إرباك وإفشال لمهام حرجة، ومن هنا تحرص الدول الكبرى على أن يكون لها نظامها الملاحي الخاص.
لقد جعل التقدم التكنولوجي شططا في خيال البعض حتى تصور أنه سيكون في الإمكان إرسال أمر بالنقر على أزرار حاسوب من قبيل (احذِفْ مدينة كذا Delete xxx) لتتحرك على الفور مجموعة من الطائرات والصواريخ عالية التقنية في تناسق وتناغم عجيب، لتزيل هذه المدينة من الوجود، أي أن ما نراه في ألعاب الفيديو قد يتحول إلى واقع حقيقي في المستقبل. لا شك أن شكل الحرب لا محالة سيتغير، وسيكون الاعتماد على طائرات صغيرة بلا طيار أو صواريخ ذات رؤوس ذكية أو قنابل نووية تكتيكية ، وسيلعب البعد الرابع (الفضاء) دوره مكملاً للأبعاد الثلاثة: البر والبحر والجو لنرى معارك من نوع جديد تمامًا.
هناك ثورة صناعية رابعة، والبدايات عادة تكون في المجال العسكري - كل شيء يتعلق بالسلاح سيصبح رقميًا، ذكيًا، صغيرًا، قادرًا على الوصول إلى أي هدف بدقة عالية، ليحدث تدميرًا محسوبًا. هذا التطور الهائل من شأنه أن يجعل من المنطقي وجود فائض من السلاح (القديم) لدى الدول الكبرى فضلاً عن رغبتها في تجربة السلاح الأحدث خارج أراضيها، ويمثل ذلك حافزًا للتخلص من بعض مخزون سلاحها (القديم) بالتصدير وكسب مبالغ طائلة. بالتوازي مع ذلك، من مصلحة صانعي السلاح اختلاق صراعات بعيدة عن حدودها، وإزكائها وإطالة أمدها حتى ينتعش سوق السلاح، وتضيف إلى خبراتها العملية مع الاستخدام الفعلي للقديم والجديد.
إن أي منصف يوازن بين الخاسرين والرابحين، سيجد الرابحين في كل مكان آخر، وأن الخاسرين هم من يلقون بأبنائهم في أتون المعارك ويدفعون ثمنًا باهظًا مقابل السلاح ثم الإعمار المرتقب الذي يطول أمده.
تحديث الترسانة العسكرية
توضح الأشكال البيانية الوضع النسبي للإنفاق العسكري بين إيران ودول مجلس التعاون، وكذلك طلبات السلاح والوارد منها في الفترة الماضية. تجلب دول الخليج السلاح بمعدلات أكبر من إيران وتنفق أكثر منها على التسليح وقد تزايدت الفجوة في هذه المعدلات بحدة في السنوات الأخيرة لصالح دول الخليج. وجرى علاج القصور في تحقيق التوحيد في نوعيات السلاح وإمكانية تكاملها في العمليات بأن قامت القوتان الرئيسيتان في الخليج – السعودية والإمارات – باستيراد كميات ضخمة من السلاح من الولايات المتحدة مع مراعاة التكامل والتوحيد. وتقدم القواعد الأمريكية المتقدمة في البحرين وقطر والكويت دعمًا للعسكريين في هذه الدول وتعوضهم عن بعض أوجه الخلل. وبعيدًا عن الإنفاق العسكري، فإن نظرة إلى المكونات الرئيسة للعتاد الإيراني تُظهر أن كثيرًا من الأسلحة قد تقادمت وعفا عليها الزمن أو ذات جودة منخفضة نسبيا. الكثير منها يعود إلى عصر الشاه أو استهلكت خلال الحرب مع العراق. نسبة الأعطال في كثير من الأحيان مرتفعة، وبالتالي تنخفض درجة الاستعداد القتالي.وتتفاقم مشكلات إيران بسبب نقص فرص تطوير وترقية الأنظمة، والذخائر الحديثة، وأجهزة الاستشعار، وإدارة المعركة، ومعدات البحث عن الصور واستعادتها والنظم الفرعية. وهذه لها تأثير تراكمي حرج.
رؤية في المتغيرات التي قد تشكل المستقبل
إن المستقبل قد يشهد تطورات ليست مستبعدة الحدوث، رغم ما ينبئ به الواقع الآن، فإيران مثلاً قد تنجح في نشر قوات ذات إمكانيات نووية، وقد يدفع ذلك الولايات المتحدة أو إسرائيل إلى شن ضربات وقائية. وربما تتمكن إيران من التوصل إلى صواريخ ذات توجيه طرفيٍّ (terminal guidance) مما يعزز من دقتها في الوصول إلى الهدف. ولابد من التحسب لأي تأزم في العلاقات مع الولايات المتحدة يتسبب في تراجع حاد في مبيعات الأسلحة إلى دول الخليج. وعلى الجانب الآخر تتحصل إيران على أحدث الأسلحة الروسية والصينية، كالمقاتلات المتطورة (S-300/S-400).
إن التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط لا بد أن يأخذ في الاعتبار الثقل العسكري الأمريكي وإمكانية تدخلها السريع إذا اقتضى الأمر، ولكن من الضروري ألا تعتمد دول الخليج فقط على جلب السلاح من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، ولابد من السعي لتوطين تكنولوجيات السلاح، وهي عملية لن تعطي نتائجها في المستقبل القريب، ولكن الزمن القادم قد يشهد تغير الموازين وصعود قوى وتراجع قوى أخرى، ومن هنا فضمان الأمن تنوع مصادر السلاح وتصنيعه محليًا بالتوازي مع جلب العتاد المناسب، ومراعاة التكنولوجيات التي ستتحكم في الصراعات القادمة، وربما تكون أدواتها من الطائرات الصغيرة بلا طيار والقذائف دقيقة التوجيه وحمولات الرؤوس غير التقليدية والاستعانة بنظم المعلومات والاتصالات والصور والأقمار السابحة في الفضاء.
مواجهة الحرب غير المتماثلة تستحق الاهتمام، فهي تمثل أساليب جديدة لتحقيق هدف الحرب التقليدية في النهاية، دون تحمل أعباء وتكاليف توظيف القاذفات الثقيلة والصواريخ المدمرة، وتحريك الجيوش والمدرعات.
[1]William D. Hartung, director of the Arms and Security Project at the Center for International Policy.