الحوارات الوطنية والمجتمعية داخل كل دولة من دول مجلس التعاون الخليجي قائمة ومستمرة ولم تنقطع وتأخذ أشكالاً متعددة سواء بين القيادة والشعب، أو بين أبناء الدولة والمؤسسات الحكومية، أو بين النخب وبعضها البعض الآخر ، و حتى الحوار القبلي، حيث طبيعة دول الخليج تؤكد أن سياسة الباب المفتوح واللقاءات موجودة في صلب الإدارة بكل مستوياتها فلا توجد حواجز أو موانع بين المسؤول والمواطن، ويستطيع المواطن أن يلتقي الحاكم في مكتبه أو خلال المناسبات الاجتماعية المختلفة، ومن ثم تقديم شكواه أو مطالبه والتي يتم النظر فيها والبت بصفة عاجلة بعيدًا عن البيروقراطية الحكومية.
ثم طورت دول مجلس التعاون آلية الحوار في الوقت الحاضر بما يتناسب مع زيادة عدد السكان واتساع الرقعة الجغرافية في بعض الدول، وكذلك لتطور وتنوع المطالب المجتمعية، وتطور أنظمة الحكم ووجود الوزارات والجهات المختصة، وكثرة اهتمامات المسؤولين وعامل ضيق الوقت المتاح للقيادات، والمسؤوليات الكبيرة والمعقدة في عالم اليوم التي تواجه صناع القرار، كل ذلك فرض تنظيم العلاقة بين الحاكم وأبناء الشعب ومن ثم طريقة الحوار.
لذلك استحدثت دول مجلس التعاون وسائل وأدوات للحوار والمشاركة المجتمعية فأنشأت مجالس الشورى والبرلمانات وغيرها الكثير من مؤسسات المشاركة الأخرى، فعلى سبيل المثال المملكة العربية السعودية أكبر دول مجلس التعاون من حيث المساحة وعدد السكان، أنشأت العديد من المجالس والمراكز الحوارية على مستوى المشاركة والحوار الداخلي والخارجي، حيث يوجد مجلس الشورى بثوبه الجديد بعد زيادة عدد الأعضاء من كفاءات ذات شأن، وبمشاركة نسائية فاعلة ونشطة، وكذلك مجالس المناطق والإمارات والمجالس البلدية وغيرها التي تضمن المشاركة لأبناء الهجر والقرى والمراكز والمحافظات والمناطق، أو على المستوى الوطني كما هو الحال في مجلس الشورى.
كما أنشأت المملكة مركز الملك عبد العزيز، ومركز الملك عبد الله للحوار الوطني لانطلاق الحوار بشقيه الداخلي لمناقشة قضايا الداخل، أو الخارجي للحوار مع الآخر من أتباع الديانات والمذاهب والثقافات الوضعية المختلفة، وكلا المركزين قام بجهود مكثفة ومفيدة وناجحة على صعيد الحوارين الوطني والخارجي وطرحا قضايا مهمة في شتى مناحي الحياة تهم المواطن في حياته اليومية بمشاركة المواطن نفسه من مختلف المناطق، إضافة إلى علاقة المواطن بالآخر داخل حدود وطنه أو خارجه، ومناقشة قضايا التقارب بين أبناء الحضارات الإنسانية لا التصارع معها، ونتائج هذه اللقاءات والمؤتمرات وما حققته من إنجازات موثقة ويمكن العودة إليها.
وعلى المستوى الخليجي الجماعي الخارجي، فإن الحوار مستمر مع كافة دول العالم عبر القنوات الرسمية الحكومية، أو عبر الدبلوماسية الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني حتى وإن كان هذا الحوار يمثل كل دولة بمفردها، أو غير متكافئ فيما يخص مؤسسات المجتمع المدني الأجنبية التي ينفذ بعضها أجندات خارجية لتشويه الواقع الخليجي والتشهير بثقافته وموروثه وخصوصيته تحت مزاعم مختلفة أغلبها باطل وغير حقيقي، ما يتطلب جهدًا مضاعفًا من دول مجلس التعاون لتغيير الصورة النمطية السلبية في كثير من الأحيان عنها في الخارج، لكن ذلك يتطلب عملاً خليجيًا جماعيًا، أو على الأقل التنسيق بين دول مجلس التعاون، أو تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون لكن يبدو أن ذلك لا يمكن أن يتحقق بسهولة نظرًا للعديد من الأسباب من بينها:
*الحوار الخليجي ـ الخليجي لم يكتمل بعد، ولم يصل إلى الحد المطلوب من النضوج، ولعل دعوة المملكة إلى التحول من صيغة التعاون إلى الاتحاد وتعثر تحقيق ذلك الهدف لعوامل متعددة ومختلفة، كشف عدم بلوغ الحوار الخليجي ـ الخليجي المرحلة الكافية حول التفاهم على التعامل مع مستقبل العمل الخليجي المشترك.
*لم يتم وضع رؤية مشتركة حول المخاطر والتحديات الخليجية رغم أن عمر مجلس التعاون تجاوز 36 عامًا، والدليل أزمة قطر مع ثلاث من دول المجلس، ولم تحقق الحلول الخليجية تقدمًا لحل هذه الأزمة ولم تستطع إقناع دولة قطر العودة إلى جادة العمل الخليجي الجماعي، والتصالح مع جيرانها على أسس واضحة وثابتة تحقق استقرار المنطقة وتمنع التدخلات الخارجية.
*لم تتوصل دول مجلس التعاون الخليجي إلى وضع رؤية مشتركة تجاه وضع استراتيجية لاستقرار منطقة الخليج بدليل أنه عند أول اختبار حقيقي لدول المجلس منذ غزو العراق للكويت، وهو الخلاف الخليجي ـ القطري، طلبت الدوحة تدخل دول من خارج الإقليم لحمايتها عسكريًا وهو ما يجسده التواجد العسكري التركي، أو علاقات الدوحة مع طهران.
*دول مجلس التعاون مجتمعة لم توحد سياستها الدولية والإقليمية بعد فترة ليست قصيرة على ولادة مجلس التعاون الخليجي، وعليه لا يوجد اتفاق خليجي في رسم السياسة الخارجية تجاه القوى العظمى، أو تجاه دول الجوار الجغرافي، بل تجاه الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية.
*كما لا يوجد اتفاق خليجي تجاه التكامل الاقتصادي الخليجي بآلياته التي سبق الاتفاق عليها في اجتماعات زعماء دول المجلس على مدار 36 عامًا ما ترتب عليه عدم تنفيذ الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية.
*لا توجد آلية خليجية تجاه توحيد سياسة التسليح والتنسيق العسكري رغم وجود قوات درع الجزيرة النواة العسكرية للجيش الخليجي الموحد.
كل ذلك تأكد بعد الأزمة الأخيرة بين ثلاث دول خليجية مع قطر، بعد أن كان أكثرنا يتوقع أننا على مسافة قريبة من ظهور الاتحاد الخليجي، وكنا نبني نظريات كثيرة على الجيش الخليجي الموحد وسياسة ملء الفراغ الاستراتيجي وقيام صناعات خليجية مشتركة، وتحقيق مشاريع اقتصادية تكاملية للتعامل مع مرحلة ما بعد النفط تقوم على الاستفادة من المزايا الخليجية المشتركة.
إذًا لابد من الحوار الواقعي الواضح والصريح ومكاشفة الذات ـ إذا كان مازال متاحًا ـ بين دول مجلس التعاون تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي في حالة الرغبة للوصول إلى تشكيل آليات واستخدام أدوات ناجحة لمواجهة التحديات والمخاطر المحدقة، وفي حال الرغبة في تحقيق تكامل حقيقي للتعامل مع مرحلة انتهاء حقبة النفط والبحث عن حلول اقتصادية للمرحلة الجدية أي مرحلة ما بعد النفط.
كمواطنين خليجيين، استبشرنا بالموقف الخليجي الموحد تجاه الأزمة في اليمن، وأدركنا أن هناك إنجازات كبيرة وحقيقية على مستوى توحيد المواقف الخليجية تجاه التهديدات والأخطار الجماعية، وشعرنا أن مفهوم وحدة المصير لجميع دول مجلس التعاون قد تم إدراكها وترجمتها إلى سياسية عملية موحدة. وعلى غرة أصابنا اليأس والدهشة بعد انفجار الأزمة القطرية.