array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 121

وسائل الإعام تتحمل عبء تعزيز مفهوم الحوار ودعمه أو فشله دور الإعلام .. بين تعزيز الحوار وتهديده؟؟

الإثنين، 24 تموز/يوليو 2017

يحمل الحوار كمفهوم ومصطلح وأهداف اختلافات دلالية وتفسيرية. على المستوى اللغوي، يعكس الحوارمعانٍ كثيرة وإن تساوت في الإجمالعلى سياق واحد. فالحوار في الاصطلاح وفي اللغة قد يعنى مراجعة للكلام بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة.  ويكون الحوار بهذا المعنى مرادفًا للمحاجة والمناظرة والمناقشة والمباحثة والتعبير. وقد يرتبط الحوار بالمحاورة وهي المجاوبة، أو مراجعة النطق والكلام في المخاطبة والتحاور والتجاوب. لذلك كان لا بد في الحوار من وجود طرفين: متكلِّم ومخاطب يتبادلان الدور. فحينًايكون المتكلم مرسلاً للكلام وحينًا مستقبلا له. أي يكون المتكلم مخاطبًا حين يصمتليسمع كلام نظيره. وهكذا يدور الكلام بين طرفين في إطار حلقة تبادلية يكشف كل منهماعما لديه من أفكار. فيتشكَّل جرّاء ذلك ما يمكن أن نسميه بالخطاب المشترك الذيتستولده القضية المتحاوَر بصددها.‏فالحوار، بهذا المعنى، هو تبادل أفكار بين فريقين أو أكثر في إطارموضوع ما، حول قضية ما، بغية الاتفاق على صيغة حل أو اتفاق أو تسوية في شأن القضيةالتي هي مدار الحوار.

كما تختلف أهداف وآليات الحوار، فهناك حوارات تبحث عن تفاهم متبادل وتعارف أعمق، وهناك أخرى تبحث عن القيم المتفق عليها، وهناك حوارات تبحث عن موقف مشترك عن قضية بعينها، وهناك حوارات ذات أغراض سياسية.   وتتباين – في هذا السياق- آليات الحوار. فإما يتم من خلال حوارات شفهية "مناظرات" أو مطبوعة في الصحف حيث يكون على شكل عرض وجهات نظر أو تعقيبات أو مداخلات، أو الكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويختلف مفهوم الحوار من سياق لآخر، في ضوء الظروف والبيئة السياسية والثقافية والتاريخية مما يستدعي الحاجة لفهمه بصورة أكثر عمقًا.

وتُعد فكرة الحوار بين الثقافات أو "تعارف" الثقافات-كما يطرحها العديد من المفكرين الإسلاميين-انعكاسًا للغة التعبير الديمقراطي بين الشعوب، بهدف تفعيل التواصل الحضاري بينهما، تحقيقًا للتفاهم والأمن والاستقرار والتقدم والتنمية المستدامة.  ولأهمية ذلك، يقترح Ben Tanosborn تعزيز الحوار انطلاقًا من فكرة التوحيد الإبراهيمي وسيادة الروح على الجسد وإعادة إعمال العقل والفكر المنطقي بين أعضاء الأسرة الإبراهيمية والتي يُفترض أن يكون الالتقاء بين أفرادها أكثر وأعمق، مما يقوي الروابط بين الخصوم.

فى هذا السياق، يسهم الحوار في خلق عالم ينتمي لعائلة إنسانية واحدة Human Family يحترم التنوع والتعدد. ولتحقيق ذلك، يقتضي الأمر كمرحلة أولى، تنشيط القدرات والطاقات لخلق مزيد من الوعي والتفاهم بين الشعوب من خلال إعادة تعريف الهويات بعيدًا عن مفاهيم تأكيد الذات وإنكار الآخر. وتصبح مفاهيم" نقد الذات" أو "الاستقبال النشط في درجته الثانية" (-المرتبطة بمواجهة الشعوب لمشكلاتها على مستوى الذات وإعادة حل القضايا الخلافية، فى ضوء التعرف على النواحي الثقافية والدينية وأساليب التفاوض مع الآخر-احدى الركائز الأساسية لتفعيل الحوار مع الآخر، محليًا واقليميًا ودوليًا.

كما يتحقق التواصل والتفاهم من خلال الانتقال من وضع المونولوج Monologue وهو الوضع المهيمن على التفاعلات الإنسانية، إلى وضع الحوار البسيط Dialogue  ( أو الحوار المتعدد حول القيم الإنسانية كبديل للحوار البسيط.  ويتيح ذلك امكانية إخضاع قيم كل ثقافة لاختبار نقدي Critical test، وفهم الذات والآخر بشكل أعمق واستيعاب التعدد وتقديم جميع الأطراف بصورة متبادلة-لرؤاهم النقدية دون إظهار الشكل العدائي أو محاولة فرض الرؤى الذاتية، وتحديد القيم المشتركة ونشر قيم الاحترام المتبادل والتسامح، مما يحقق التوافق والتعايش بين الأنظمة والشعوب المختلفة. فهدف الحوار هو معالجة الاختلافات واحتواء القيم المشتركة بين الأنا والآخر، والمشاركة التامة والكاملة لجميع الأصوات حتى المعارضة-مما يساعد على خلق جسور من الثقة تساهم بالتبعية في حل النزاعات وصولا إلى تصالحات دائمة.

ومن هنا، ترتبط فاعلية الحوار بتقدير وتقبل واحترام الآخر. ويتوقف ذلك على مستوى الخبرات الحالية المشتركة بين الأنا والآخر.  وهي خبرات إيجابية وسلبية، حيث يسهم الحوار في تدعيم النواحي الإيجابية من جهة وفي محو التخيلات والصور النمطية التاريخية والحالية السلبية من جهة أخرى، مما يمكن من رؤية الآخر بصورة أكثر إنسانية ومصدرًا لأقل تهديد.

وللحوار منهجية وأخلاقيات.  يشير عديد من الباحثين والمفكرين الى أن الحوار كعملية يحيط بها العديد من التهديدات، منها قبول الشعوب للمفهومين التاليين: الأخلاقيات المفروضة من خلال الثقافة Ethics Through Culture والديمقراطية المفروضة من خلال القانون .Democracy Through the Law ويضيف أن الحوار يكون غامضًا نتيجة التناقض في الطبيعة البشرية ما بين رفض القهر وممارسته تجاه آخرين في ذات الوقت.

ومن هنا، لا تنفصل قضية الحوار عن مفهوم العدالة، ولن تؤتي الجهود الرامية لوجود حوار بين الثقافات العربية، أو بين الثقافات الغربية والعربية ثمارها إلا من خلال جهود متوازية لبناء عالم قائم على العدالة والمساواة الحقيقية بين جميع التيارات والفصائل والاتجاهات وأعضاء المجتمع. وسواء تم الحوار على مستوى داخلي، أو إقليمي، أو دولي، فإن الأمر يقتضي من طرفي الحوار الالتزام بالأخلاقيات التالية:

  1. النقد الذاتي للأنا من خلال الحوار مع الذات لتقييم ممارساتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الفترات الماضية. وهذا النقد الذاتي ضرورة للحوار الثقافي لأنه يفترض أن يقدم كل طرف نفسه في الحوار، بكل سلبياته وإيجابياته، وبكل مشكلاته سواء مع الأنا أو مع الآخر.  في هذا السياق، تتم عملية نقد الذات من خلال التقمص الوجداني Empathy، أو كما يشير Kloczowski من خلال دراسة نقدية للتاريخ، حيث تؤثر خبرات الماضي على الحوار في المستقبل، أو من واقع فهم مفردات لغتنا وحضارتنا. ويقع على الفرد في الثقافات المختلفة عبء تفسير المعلومات. ومن هنا يستلزم الأمر تطوير مهاراته من خلال عمليات التربية والتعليم التي يتطور من خلالهما الإدراك والمعرفة والوعي والأخلاقيات، بحيث يمكن تطوير مفاهيم نقد الذات. فالتعليم داخل الثقافات هو الوسيلة التي من خلالها تنظر كل ثقافة بشكل نقدي للذات وتضع ثوابتها محل التساؤلات.
  2. الاستيعاب النقدي لفكر الآخر والمعرفة بالآخر من خلال المتابعة الدقيقة للحوار الفكري العميق الدائر على مستوى عالمي أو على مستوى محلي من خلال تفكيك خطاب الآخر بطريقة علمية ومنهجية.  وتبدأ عملية الاستيعاب النقدي برسم خرائط معرفية عن الآخر بحيث تتم على بصيرة من تعداد المواقف والتيارات الأيديولوجية. ويتطلب ذلك الفهم السديد للمشكلات والقضايا محل الحوار والبحث عن أفضل السبل للتعاون في جميع المجالات، ووجود معلومات كافية لدى كل طرف عن الآخر.
  3. تحديد المعايير الأخلاقية بشكل موضوعي والالتزام بالفضائل العامة والقواعد الأخلاقية التي لا غنى عنها في أي حوار.  ومن هنا، يتطلب نجاح الحوار على رفض ادعاء أي مجتمع ثقافي بتميز أو تفوق منظومة قيمه الأخلاقية أي عدم الاستعلاء الحضاري أو العنصري أو الديني في الحوار ونبذ التعصب والرغبة في السيطرة والإقرار بالقيم المعنوية المستقلة للمجتمعات الثقافية والقومية واحترامها. في هذا السياق، يكون الوعي بتعدد الهويات هو الخطوة التي تتيح لكل فرد إمكانية فهم الآخر. ويعني الوعى بالتعدد الاعتراف Recognition بالآخر واحترامه Respect وترويج وحماية التنوع Promotion and Protection of Diversity ، والتأكيد على مبدأ التوحد في ظل التنوع، من منطلق أن التعرف على الثقافات الأخرى يقوي النواحي الجمالية المتمثلة في المنتجات الإنسانية وإبداعاتها، ويقوي الأخلاقيات والقيم التي تمثل ركائز السلوك الإنساني، والروحانيات التي تعطي معنى للحياة الإنسانية.
  4. تحقيق التوازن بين المشترك العام والموروث الخاص في الحوار.  ولذلك، لابد أن يرتبط الحوار بالقيم الإنسانية التي تدعو إليها كافة الأديان.
  5. إحياء الدين أو "البعد الأيديولوجي للدين الذي يمثل مرادفًا لذلك" الذي ينبغي التخلص منه" أو "هذا الذي يمثل حجر عثرة" من منظور العديد من المجتمعات العربية والغربية.
  6. دعم العقلانية والرشد والفكر المنطقي وعدم الاستسلام للغرائز والفكر العشوائي والاضطلاع على وجهات نظر الآخرين والتسامح.  ويتحقق ذلك من خلال استخدام طرق الحوار العلمية بالاعتماد على الأدلة العقلية والبعد عن الكلمات أو الجمل المتشنجة ودغدغة العواطف وتجريح الآخر والخروج عن سياق الموقف الأصلي.
  7. السعي نحو تحقيق صالح الأمة هي الغاية التي يجب السعي إليها في أي حوار.  ويتحقق ذلك من خلال تناول القضايا الجوهرية وعدم التركيز على القضايا الهامشية، والدعوة إلى إقامة حوار بين الأطياف المختلفة داخل المجتمع، وانفتاح عقول الأطراف الفاعلة لفهم وجهات النظر المعارضة، والمشاركة الكاملة لكل الأصوات التي يمكن أن تشارك في هذا التبادل الفكري أو تثرية. أي ارتباط الحوار بمفاهيم العدالة والمساواة بين جميع التيارات والفصائل والاتجاهات المتواجدة في المجتمع، وعدم استبعاد أصوات هؤلاء الذين يعتبرون من المنشقين حيث أن مشاركتهم ربما تساعد على بناء جسور الثقة وتزيد من فرص حل الصراع أو تحقيق المواءمة.
  8. عدم وجود تحيزات ومفاهيم وأفكار وصور مسبقة عن الآخر قبل بدء الحوار معه.
  9. الوعي بنسبية الحقيقة وتباين المعارف والانطلاق من فكرة أن القضية محل الحوار خلافية تحتمل اختلاف وجهات النظر فيها، مع أهمية الالتزام بإظهار الصورة كاملة بكافة جوانبها المؤيدة والرافضة، السلبية والإيجابية، وتجنب سيطرة الرأي على المعلومة.

ولذلك ومن أجل إنجاح الحوار لا بد من وجود أطراف مستعدة لتقديم بعض التنازلات وتطوير بعض الأفكار وتبادل الرؤى من أجل دعم نقاط اللقاء والتحاور، ولا بد من مشاركة جميع الأطراف على اختلاف مذاهبها واتجاهاتها. كما يجب أن يتحرر الحوار من الغرور والاستعلاء القومي وأن يبعد عن التعصب الديني ويعمل على دعم حقوق الإنسان والتعرف على أفكار مغايرة للأفكار الثابتة، مع عدم الاستسلام للمبادئ النظرية البالية التي يتم التمسك بها بالرغم من فشلها.

وفي ظل عصر الوفرة الاتصالية التي يشهدها العالم تلعب وسائل الاتصال دورًا كبيرًا، فإما أن تكون خير أداة للحوار أو أنها تصبح أقوى وسيلة لتدعيم فرضيات الصدام.  ويتحقق ذلك من خلال تأثيراتها على تشكيل الآراء والأفكار والمعتقدات والمعاني التي يكونها المستقبلون عن الآخر، حيث تسهم وسائل الاتصال إما في بناء معان إيجابية وخلق مزيد من التفاهم والود، أو في تقوية الأنماط التحيزية التي تخلق مزيدًا من الصدام مع الآخر.

وفي هذا السياق، يختلف الباحثون حول مدى قدرة وسائل الاتصال على تفعيل الحوار من عدمه، خاصة مع استخدام الاتصال من قبل الأقوى لإخضاع الأضعف.  حيث تسهم الوسائل -على المستوى الدولي-في نشر أطر مسبقة بين الأطراف الفاعلة وترسيخ صور نمطية سلبية للآخر تنطلق من فوقية الغرب ودونية الثقافات. على المستوى المحلي أو الإقليمي، وكما تحقق وسائل الإعلام التفاهم بين الجماعات على مستوى الثقافة الواحدة أو الثقافات المتعددة، فإنها في بعض الحالات يمكن أن تدعم الصدام بينهما. فمن خلال تقديمها-وبصورة غير محايدة-لأحداث مرتبطة بجماعات ثقافية أو لغوية أو دينية، فإنها تقوي صور ذهنية تصنيفية Image Categorization حيث يتم تبعًا لها تصنيف الأفراد وفقًا للجماعات التي ينتمون إليها، مما ينمي روح المقاومة تجاه الآخر. وهذه العملية من شأنها أن تقود إلى صدامات عنيفة بين الأفراد الذين ينتمون إلى هويات مختلفة داخل الثقافة الواحدة. وتحت هذه الظروف يصبح الحوار مستحيلاً.

وللمؤسسات الإعلامية دور فى سياق تعزيز ودعم الحوار، حيث يجب أن تعنى بتشجيع الأفراد في المجتمعات على احترام وتقدير خصوصيات الثقافات المختلفة على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي في ضوء تقدير واحترام ثقافة الأنا، والتأكيد على وجود أرضية مشتركة من القيم بين الأفراد المنتمين لثقافات مختلفة مثل العدالة والمساواة والاحترام المتبادل بين الأديان والجماعات العرقية والثقافية والاجتماعية: المحلية والدولية.

 فمن خلال وسائل الاتصال، تستطيع كل ثقافة أن تعيد اكتشاف ذاتها والتوافق مع الثقافات والهويات المختلفة، مما يمهد الطريق لوحدة الإنسانية في ظل التعدد. وتقع مسؤولية تفعيل دور الإعلام في مسألة حوار الثقافات على عاتق الدولة من جهة، وعلى القائمين بالاتصال في المجال الإعلامي من جهة أخرى.

على مستوى الدولة، لا بد وأن تتيح تعددًا وتنوعًا في وسائل الإعلام بحيث تعكس الأخيرة التعددية الثقافية داخل المجتمعات من خلال إتاحة الفرصة لجميع الأطياف والفئات والجماعات للتعبير عن الرؤى ووجهات النظر المختلفة. أي وجود مجال عام Public Sphère على حد تعبير Habermas للحوار الثقافي في المجتمع. وعلى مستوى القائمين بالاتصال، يستدعي الأمر ضرورة تقديم النخب لمقارنات دقيقة وتحليلات محايدة وموضوعية للأحداث والقضايا، دون إثارة للكراهية والنعرات العدائية.

وتثار-في سياق الحديث عن الإعلام والحوار بين الشعوب والثقافات -إشكالية حرية التعبير والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية للوسائل الإعلامية. إلا أنه لا بد من التأكيد على الدور البنائي للوسائل في تكوين مواطنين صالحين رشداء من خلال تنمية الفكر والعقل النقدي، في ضوء مساندة القيم الإنسانية العالمية التي تروج للتسامح والحوار بين الثقافات والأديان. وهنا يسهم الإعلام ليس فقط في الحوار بين الحضارات ولكن في التحول تدريجيًا نحو حضارة من الحوار.

وفى المقابل، وعلى مستوى وسائل الاتصال الحديثة، نؤكد على الدور الذي يمكن أن تسهم به في تسهيل الحوار بين الثقافات، خاصة على المستوى الدولي حيث فرضت وعيًا كونيًا جديدًا تصبح معه فكرة الانغلاق على الذات أمرًا مستحيلاً. فقد أتاحت شبكة الإنترنت للأفراد فرصة الاتصال بسهولة مع أفراد ينتمون لثقافات ومجتمعات أخرى على الرغم من الحدود والحواجز بينهما. كما ساهمت التطورات التكنولوجية الحديثة في إقامة علاقة من خلال الهواتف المستقلة والحواسب الشخصية وغيرهما. إلا أن هناك بعض المعوقات المرتبطة بهذه الوسائل ومن بينها عدم انتشارها على نطاق واسع، وتركز معظم مستخدمي الإنترنت في الدول الرأسمالية الغربية، وسيادة اللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت. ومن شأن ذلك التأثير على عمليات الحوار.

مما سبق يتضح أن الإعلام-بوسائله التقليدية والحديثة قد يعزز الحوار مع الآخر في المجتمع أو يهدده من خلال المعالجة الإعلامية "للواقع" و"للأحداث" في المجتمع، أي من خلال عمليات بناء الواقع" من منظور القائمين على الوسائل الإعلامية.

وقد شرفت مؤخرًا بكلية الآداب قسم الإعلام جامعة الملك سعود بمناقشة رسالة الباحثة سوسن الحربي تحت اشراف الأستاذة الدكتورة سحر مصطفى عن دور الإعلام الجديد فى تشكيل المعارف السياسية للشباب الجامعي السعودي تجاه العلاقات العربية-العربية، وبالتطبيق على علاقتين تشكلان ظاهرتين فى العلاقات الدولية وهما ظاهرة الصراع وتتمثل فى العلاقات السعودية-اليمنية، وظاهرة النزاع وتمثلها العلاقات السعودية-المصرية.  وقد خلصت الدراسة إلى حصول الشباب الجامعي السعودي على مستوى متوسط فى المعرفة السياسية تجاه العلاقات العربية-العربية مما ينتج عنه عدم الفهم الصحيح لطبيعة العلاقات التي تربط بين البلدان العربية.  كما أظهرت الدراسة حصول تطبيق الواتس آب على الوسيلة الأكثر أهمية فى متابعة الأخبار والمعلومات حول العلاقات العربية-العربية، يليه موقع تويتر نتيجة الشفافية والمصداقية فى عرض المعلومات حول علاقات الدول العربية ببعضها. كما كشفت النتائج وجود علاقة بين تفاعل الشباب مع وسائل الإعلام الجديدة وارتفاع مقدار الثقة فى المعلومات التى تقدمها وزيادة المعلومات والمعارف حول العلاقات العربية-العربية.

وفى سياق متصل، بينت الدراسة أن أكثر التأثيرات المترتبة على اعتماد الشباب الجامعي السعودي على وسائل الإعلام الجديدة للحصول على المعلومات السياسية تجاه العلاقات العربية-العربية هى التأثيرات الوجدانية، ثم المعرفية، وأخيرًا السلوكية.  وتمثل التأثير الوجداني بالمرتبة الأولى فى زيادة مخاوف الشباب من بعض الخلافات والصراعات بين الدول العربية وتأثيرها أو تكرارها في المستقبل.  بينما ارتبطت أقل التأثيرات بالمشاركة فى الحوارات والنقاشات التي تتناول علاقات الدول العربية ببعضها.

ويتضح مما سبق أن مستوى المعرفة السياسية بطبيعة العلاقات التي تربط بين الشعوب والدول العربية لا يرتبط بوجود دافع للحوار بينهما.  كما أن للسياق السياسي دورًا كبيرًا فى تعزيز الحوار والمشاركة الفاعلة بين الجميع.

وقد خلصت الدراسة إلى تقديم عديد من التوصيات منها:

  1. تفعيل دور الجامعات وربط المعرفة بالإنتاج من خلال تنمية وعي الشباب سياسيًا وفكريًا وتأهيلهم مع احتياجات المرحلة المقبلة من خلال إتاحة الفرصة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم بكل حرية وشفافية، وايصال صوتهم للمسؤولين فى الدولة وتدريبهم على القيادة خارج الحرم الجامعي فى اتجاه تحقيق رؤية 2030 لبناء مستقبل أفضل للوطن.
  2. ضرورة الاهتمام بتعزيز الجانب المعرفي لدى الشباب، والخاص بالقضايا العربية والإسلامية والتركيز فى مضامين الوسائل الإعلامية على دورهم تجاه الوطن.  كذلك زيادة الوعي فيما يتعلق بالقومية العربية الإسلامية والتى تعرضت للتشويه من المتطرفين والجهات المعادية والإرهابية.
  3. أهمية استخدام وسائل الإعلام الجديدة من قبل متخصصين فى الإعلام الدبلوماسي والسياسي والأمني فى توجيه رسائل إعلامية شخصية تعزز الحوار والروح الوطنية وتوحد الشخصية القومية العربية بما يخدم الوحدة العربية.
  4. أهمية مراجعة وصياغة السياسة الإعلامية السعودية فى ظل الظروف الحالية التى تواجه فيها المملكة حروبًا عسكرية ونفسية ومعنوية تستهدف تفكيك المجتمع وزعزعة ثقته بمؤسساته بنشر معلومات مضللة أو بث التفرقة بين الدول والشعوب العربية الشقيقة، بعيدًا عن مفاهيم الحوار والاحترام.

ومن هنا، فإن وسائل الإعلام تتحمل العبء الأكبر فى تعزيز مفهوم الحوار ودعمه.  ويستلزم الأمر تفعيل مفهوم الحوكمة الإعلامية على المستوى الذاتي عبر تأكيد مفاهيم المساءلة والشفافية، وعلى المستوى المجتمعي عبر تحمل المؤسسات الإعلامية لدورها الحر والمسؤول فى المجتمع وتأكيد مفاهيم وقيم الاحترام والتنوع والتعدد والموضوعية والمهنية والتوازن ونشر ثقافة الحوار والتسامح في المجتمع وخارجه، على مستوى الدول والشعوب والثقافات.

مجلة آراء حول الخليج