بعد استيلاء الانقلاب على العاصمة صنعاء، أدركت أن كل مقومات الدولة أصبحت تحت تصرف أفكار الانقلابيين، وأن الحوثة بالذات لديهم فكرة سياسية واضحة مستمده من التراث السياسي اليمني الذي يغلب عليه طابع عدم الرضوخ إلا لفكرة مقدسة ورجل مقدس على الأقل من المنظور التاريخي القريب. وأدركت أن هذه الفكرة تشكل خطرًا وجوديًا على اليمن ودول الجوار الإقليمي، بل الوجود الحضاري للأمة العربية، ومهما يكن فإنه بعد الانقلاب تغيرت المراكز القانونية للدولة اليمنية وبدت ملامح ذاك التغير كواقع مادي بتهديد الانقلابين بالقول أنه قد حان الوقت لتغيير الحدود الجغرافية مع بعض دول الجوار وشرعت حركة الحوثي بعمل مناورة عسكرية قرب تلك الحدود؛ وتأكد للمجتمع الدولي الذي كان يضع اليمن تحت الفصل السابع أن هذا البلد في وضع حرج، فكل الاتفاقيات الدولية فيما يخص اليمن كأن لم تكن ؛ وأصبحت الميليشيات تسيطر على كامل قوام دولة تقع بجوار منابع النفط المهمة ، وتسيطر على أهم الممرات المائية في العالم سواء على بحر العرب، أو البحر الأحمر. واتخذت إيران من هذا اليوم عيدًا. فكما قالت أنها احتلت العاصمة العربية الرابعة. و كان أدق توصيف لهذه المرحلة هو تلاشي الدولة وظهور عصر الميليشيات وهو مفهوم عكسي لحياة الشعوب، وبذلك عادت وانتقلت اليمن من مرحلة الدولة القانونية إلى مرحلة الفوضى الميليشياوية . هذه المعطيات شكلت مبررًا منطقيًا لعاصفة الحزم وأوجدت أسبابها وأهدافها. إن انسحاب الانقلابيين من مراكز المدن والعاصمة صنعاء وعودة الشرعية وتسليم الأسلحة وإنهاء الانقلاب ومحو آثاره، هي مجموع أهداف عاصفة الحزم التي تترجم رغبة كل المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية لليمنيين، وبالتوازي ومع مرحلة الفعل العسكري للعاصفة بدأ يتشكل الجيش الوطني ويرتكز على ذات الأسباب وذات الأهداف لعاصفة الحزم التي تؤسس لوجوده كقوة عسكرية تعتمد على إمكانيات المنظومة الدفاعية للتحالف العربي أي أن الجيش الوطني أصبح بالضرورة جزءًا فاعلاً من الكل الخليجي يتأثر سلبًا وإيجابًا ووجودًا بهذا الكل ،وهنا يجب الوقوف على أهم محطات الجيش الوطني خلال عامين ونصف من الحرب، باقتضاب دون الولوج على المعامل التاريخي لهذه المحطات فأهم منجز هو صد العدو ومنعه من دخول محافظة مأرب ومنعه من السيطرة على أهم منابع النفط والغاز وامتدت جبهة القتال لتصل إلى محافظة صنعاء، والحرب تدور رحاها الآن شرق صنعاء ؛ وتحرير محافظة الجوف التي تبعد عن صنعاء سبعين كيلومترًا ؛وفي جبهة ميدي أصبح الجيش الوطني يحاصر المدينة بعد أن سيطر على الميناء، وقريبًا سيصبح على مقربة من محافظة حجه ؛ وأيضًا في محور المخا ـ الحديدة حقق الجيش انتصارات رائعة، وحرر معسكر خالد بن الوليد أكبر قاعدة عسكرية على البحر الأحمر بعد أن طهر ميناء المخا وبذلك تم تأمين باب المندب تقريبًا من الانقلابيين؛ وفي جبهة البقع حقق انتصارات مدهشة وأصبح يناور داخل محافظة صعدة وكانت المحطة الأبرز هي دحر الانقلابيين من الجنوب كلية عدا بعض المناطق التي مازالوا متواجدين فيها في محافظة شبوه ولحج وبهذه الانتصارات التي تمت بالا شتراك مع دول التحالف انتقل الجيش الوطني من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم الاستراتيجي وبدأ العدو يفقد القدرة تمامًا على شن أي هجوم وانتقل إلى مرحلة الدفاع الاستراتيجي وبات الجيش الوطني يسيطر على 85% من الأرض , غير أن تلك الانتصارات لم تكن كافية للقول إن الأهداف المعلنة لهذه الحرب قد تحققت ، فالعدو مازال يسيطر على العاصمة وبعض المدن الهامة ومازال يستولي على مؤسسات الدولة أي أنه يسطر على المدن ذات الكثافة السكانية والثقل الديمغرافي الأمر الذي يمكن معه القول , أن ما حققه الجيش الوطني مقارنة بالأهداف هو نصر مفرغ من محتواه تقريبًا فلم تتحقق أهداف الحرب فالوضع العام للانقلابيين مازال كما هو عليه تقريبًا .فهل كان الأداء العملياتي بعيدًا عن ملامسة الأهداف؟ وهل ما كان من الممكن أن يكون أفضل مما كان؟ أعتقد أن الوضع العسكري كان يمكن أن يكون أفضل لو أن التحالف سعى لتفعيل هيأة الأركان وحصر التعامل في الميدان من خلاله فقط ؛ فدول التحالف لم تحسم أمرها في كيفية التعامل مع الجيش الوطني ؛ فلاهي عملت على استقلاله وتفعيله ومده بإمكانيات استقلاله ماديًا ومعنويًا، ولا تبنته بشكل كامل وتحمل مسؤوليته سياسيًا وعسكريًا وهو ما أدى إلى انحسار ميدان العمليات، مع قصور حاد في الأداء القتالي مقارنة بحجم الأداء الجوي لدول التحالف...إن التعامل المباشر لدول التحالف مع الوسائط البشرية اليمنية في الميدان أضعف قيادة الأركان وحد من قدرات الدفاع الوطني وشتت محاور القتال ومصادر القرار وزاد من عمق هذه الإشكالية الظرف السياسي الذي شكل كتلة ضغط هائلة على العقل العسكري ما أفقده قدرته الاحترافية وبدأ يسعى فقط لإرضاء العقل السياسي ما أدى إلى تشكيل محاور قتال ثانوية وإغفال محاور قتال تكتيكية هامة، أضف إلى ذلك القيم المعنوية في الحرب لم تكن واضحة في ذهنية العقل العسكري اليمني الذي بدا كل يوم من أيام الحرب يستنسخ من الماضي أومن بعض معطيات الحاضر أسباب وجوده وأسباب قتاله. هذا الارتباك في عالم التقاليد العسكرية، وعالم الأفكار ظهر مجسدًا في مشروع الجنوب والمجلس العسكري الانتقالي الذي أدى إلى الانحسار مفهوم الشرعية وتجلت فيه كل معوقات النصر المادية والمعنوية. لم يكن يخطر في بال أحد أن تحرير الجنوب سينعكس سلبًا على طبيعة المعركة ضد الانقلاب وسيعمل ضد مشروع الأمة الذي تبنته دول التحالف، فقد كان الأصل أن يتحول الجنوب إلى قاعدة انطلاق عسكرية فعلية نحو صنعاء وتتحول قاعدة العند إلى مقر رئاسة الأركان ويعود المهجرين إلى وطنهم ويفتح مطار عدن والمكلا أمام العالم واليمنيين الفارين من هول الانقلاب لكن شيء من ذلك لم يحدث. إن جملة العوامل التي أدت بالجنوب إلى هذه الوضعية هي ذاتها معوقات النصر، وهي ذاتها المانعة من تحقيق تقدم فاعل صوب صنعاء....إن معوقات تقدم الجيش الوطني كامنة في الأجندات السياسية المختلفة سواء على المستوى الوطني، أو الدولي، أو الإقليمي ، لكن مظاهر تلك المعوقات تجسدت في الميدان في العوز الحاد إلى الوسائط المادية العسكرية التي تكاد تصل إلى الانعدام ..إن الوسائط البشرية اليمنية المدربة متواجدة في الميدان ينقصها فقط أدوات العمل ولن أنسى ذاك القائد العسكري في جبهة نهم الذي قال لي بالحرف الواحد فقط وفروا لي بعض الذخائر وقليل من الخبز وسأدخل صنعاء أو أموت تحت أسوارها وإذا لم تتوفر فسنقاتل حتى بالحصى لكن شيئًا واحدًا يجب أن يفهمه الجميع لن ننسحب من أرض المعركة حتى لومتنا جوعى. إن انحصار الوسائط المادية يشكل عائقًا حقيقيًا أمام الجيش الوطني وهذا ناتج مباشر عن الظرف السياسي طبعًا، وقد يعترض البعض على ما ذكرته بالقول إن دول التحالف وفرت كل شيء لكنها لم تحقق آثاره في الميدان، وهنا يجب القول إن الحرب بطبيعتها تأكل كل شيء وليست الإشكالية في أن تدعم مرة أو مرتين على دفعة ثم تمل وتقول لم أجد أثرًا، الحروب تطول بحسب ظرفها الزماني والمكاني والأثر قد يكون مباشرًا أو غير مباشر والمهم هو الاستمرار في ضخ الوسائط المادية في المعركة وتفعيل دور الاستخبارات للرقابة على فعلية الوسائط والتأكد أنها وصلت إلى أماكنها الطبيعية وعدم تعميم ظاهرة الفساد الجزئية على الكل في جبهات القتل إن الامتناع عن ضخ الوسائط المادية بداعي الفساد عذر غير مقبول، والأصل هو اتخاذ إجراءات إدارية حقيقيه لوصول تلك الإمكانيات لجبهات القتال هذا من جانب، ومن جاب آخر استبان بالتجربة أن مصطلح (الحسم العسكري) غير متسق مع طبيعة الحرب المفروضة وكان الأصل أن (إدارة الحرب مصطلح) أنسب لأن الحسم العسكري لن يأتي سريعًا، فهي حرب شاملة تداخلت فيها المفاهيم الاجتماعية والسياسية والتاريخية أي أنها ليست معركة عسكرية حدية فاصلة لجيش مقابل جيش يلتقيان في زمان ومكان ما لتقرر على أثره مصير شعب ما، إنها معركة من نوع خاص تقتضي إدارة من نوع خاص يتناسب مع طبيعتها والقول بأنها قد تحسم عسكريًا قول منافي للصواب والاستدلال بتجارب الغير يسوقنا إلى نفس النتيجة وخير مثال هي تجربة القوات الأمريكية والدولية في أفغانستان وتجربة قوات الاتحاد السوفيتي سابقًا أيضًا في نفس البلاد؛ لا يمكن الحسم العسكري في حرب أحد طرفيها يستند لحاضنة شعبية ويخوض حرب لامركزية يتجنب فيها خوض معركة حاسمة في إيقاعاتها ويعتمد فقط على معركة استراتيجيتها الوجود أولاً....إدارة الحرب هي الوصف العسكري الأنسب في اليمن وهذا يستغرق وقتًا طويلاً حتى تتلمس آثارها إذا خاضت هذه الحرب وفقًا لشروطك أنت لا وفق ما يريده عدوك مع الأخذ بعين الاعتبار أن حرية المناورة والاقتصاد بالقوى هي العامل الأهم في كسب الحرب , فقوة العدو تكمن في أنه يراهن على عامل الزمن لصالحه وأن نقطة ضعف الدول هي النمط النظامي في إدارة الحرب والجيوش وتستعجل في حسم الحرب لأن مواردها تستنزف والضغط السياسي يزداد كل يوم غير أن تفهم طبيعة الحرب اللامركزية سيغير طبيعة الحرب وطبيعة المعركة وفي تصوري أن عدم تفهم هذه الإشكالية يشكل أيضًا عائقًا أمام تقدم الجيش الوطني فهو يخوض حرب بنمط عرضي وبتكتيك جيش نظامي ويغطي مساحات شاسعة من الأرض في حين أن العدو يعتمد فقط على الحشد في أماكن محددة ويعتمد على مفارز لإدارة الصراع مرتكزًا على خفة أفراده وحرية مناورته وبذلك يكون قد حاز على الأفضلية تكتيكًا ومع أنه الآن في أضعف حالاته إلا أنه يناور على المستوى الاستراتيجي بخطة دفاعية إلا أنه مازال قادرًا على خوض الحرب بشروطه هو لا بشروط الجيش الوطني .
نخلص للقول أن التناقص الحاد في الإمكانيات المادية العسكرية وعدم تفهم الجيش الوطني لطبيعة التكتيك العسكري للعدو والاضطراب السياسي وتناقض في التكتيك العسكري شكَل حزمة من العوائق أمام الجيش الوطني وتحقيق مكاسب حقيقية حاسمة على الأرض، ولتجنب هذه العوائق لابد من إعطاء البعد الزمني للحرب مداها الأمثل وترك التكتيك والتكنيك العسكري يديرها بعيد عن الضغط السياسي ويجب تفعيل دور هيأة الأركان اليمنية ومد الجيش الوطني بالوسائط القتالية، وتأهيل كوادره البشرية، والعمل على ترشيد القيم المعنوية وإزالة التناقضات الفكرية على كل المستويات، والأهم من ذلك هو تشخيص ومراجعة المرحلة السابقة من الحرب للخروج برؤية واضحة عن الأسباب والعلل التي أدت إلى نتائج غير مجدية، والعمل على تلافيه، حيث أن كسب الحرب داخل في دائرة الإمكان العسكري بشروط منها المبادأة ..والمفاجأة ...الدعم القوى.. وخفة الحركة وحرية المناورة.. حرية اتخاذ القرار...ترشيد التكتيك العسكري وفقًا لمعطيات الواقع ......تفعيل دور الاستخبارات العسكرية والاستطلاع العسكري.. وضع القائد المناسب في المكان المناسب ....تأمين الوسائط المادية للمقاتلين في الجبهات. والأهم من هذا كله ترقب الفرصة المواتية للزحف إلى صنعاء والعمل على تهيئة الظرف التاريخي لذلك من خلال حشد مزيد من التأييد الشعبي في الداخل وتأهيله لتقبل التحرير وفي نفس الوقت تأهيل كل الوسائط البشرية العسكرية للعمل على استغلال ذلك الظرف التاريخي باحترافية ومهنية وأعتقد أنه قادم وبشائره بدأت تلوح في الآفاق.