فلسطين... قلب الوطن العربي، ونقطة الوصل الأولى بين مشرقه ومغربه... بالإضافة إلى كونها مركز منطقة الوصل بين قارات العالم القديم الثلاث: آسيا، وإفريقيا، وأوروبا.. فلسطين... إحدى درر الشرق، وأحد أعز الأقطار العربية... البلد التي تضم " زهرة المدائن"، وأولى القبلتين (بالنسبة للمسلمين) وثالث الحرمين الشريفين... أوشك الصهاينة، القادمون من شتى بقاع الأرض، على إكمال اغتصابها، ومصادرتها – تمامًا – وإلى أجل غير مسمى.
ولم يكتف الصهاينة باقتطاع هذا الجزء الغالي من الجسد العربي، بل إنهم جعلوا هذه الأرض منطلقًا للكيد لهذه الأمة، والهيمنة عليها، والإضرار بمصالحها، وضرب حضارتها. أصبحت فلسطين -بوجود الدولة الصهيونية فيها – قاعدة متقدمة لأعداء الأمة العربية والإسلامية، وفي عقر دار هذه الأمة. وتلك "حقائق" دامغة ... تدحض تحذلقات" المتصهينين"، من العرب والعجم، والتي أخذت تتزايد مؤخرًا، ولا عجب، لأننا في العصر العربي الرديء.
وحسب تقسيم سايكس -بيكو (البريطاني – الفرنسي) الحدودي للعالم العربي في نهاية الحرب العالمية الثانية، أصبح ما يعرف بـ " فلسطين" يمتد من لبنان شمالاً، المتوسط غربًا، إلى جنوب سوريا والبحر الميت (والأردن) شرقًا. وتبلغ مساحة فلسطين هذه كاملة 26.323 كيلومترًا مربعًا. أي أنها مساحة صغيرة (نسبيًا). ولكن كل شبر فيها يعبق بالتاريخ وبالعراقة، ويفوح بالأهمية الخاصة.
ومنذ عام 1948م، وحتى قبيل 6 يونيو سنة 1967م، كانت إسرائيل تحتل 20.153 كم2 ، من فلسطين. أي ما يعادل 77% من كل مساحة هذا القطر. وبقيت " الضفة الغربية "، التي تبلغ مساحتها 5800كم2، تحت الإدارة الأردنية، بينما تبلغ مساحة قطاع غزة 365كم2، ووضع تحت الإدارة المصرية، كما هو معروف. وبهذا، نرى أن مجموع مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة هو 6165كم2 ... أي ما يعادل 23% فقط، من كل مساحة فلسطين.
ومعروف، أن أهم " أسس" التسوية السلمية، والمنشودة عربيًا وعالميًا، وحتى فلسطينيًا، هي: أن تنسحب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها عام 1967م... أي من كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنطقة الجولان السورية، وأن تمكن الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة والخاصة بهم، على الضفة والقطاع (حل الدولتين) ... أي على 23% فقط من مساحة فلسطين الكلية. وهذا يعني: إعطاء " إسرائيل" 77% من أرض فلسطين ... لتكون عليها الدولة الصهيونية، المكونة من يهود مهاجرين من شتى بقاع المعمورة.
ولكن الصهاينة لم يرضوا حتى بذلك .... إذ أنهم يسعون لابتلاع كامل فلسطين، وإبادة وتشريد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، والسماح لمن بقي منهم بإقامة "محميات " متفرقة فقط، في الضفة والقطاع، وحرمانهم من أن تكون لهم دولة حقيقية خاصة بهم. بل أن خطة غلاة الصهيونية تستهدف -كما هو معروف – " التوسع " لأبعد من فلسطين بكثير (من النيل إلى الفرات)...؟!
هذا، إضافة إلى الرغبة الصهيونية الجامحة في السيطرة على كامل المنطقة العربية، سواء عبر التوسع الجغرافي (لما بعد فلسطين) أو بدون ذلك التوسع (والاكتفاء بكامل فلسطين، أو معظمها فقط). ويسود الآن، في الوسط السياسي الإسرائيلي توجه استراتيجي .... ينادي باحتفاظ إسرائيل بمنطقة الجولان السورية، وكذلك بمعظم الضفة الغربية (وعدم السماح بقيام دولة فلسطينية) لأسباب أمنية، أو" دفاعية"، كما يقول أنصار هذا التوجه، الذي يتزعمه قادة حزب " الليكود" وبقية اليمين الإسرائيلي المتطرف. ومع ذلك، فإن كل من التوجهات الاستراتيجية الإسرائيلية تصر على أن تفرض إسرائيل هيمنتها، العسكرية والاقتصادية والسياسية، على كل المنطقة ... وبصرف النظر عن وضع " الحدود" التي ستستقر عليها -في النهاية -دويلة إسرائيل.
وفى إحصائية نشرت مؤخرًا، تبين أن مجموع الفلسطينيين في العالم في نهاية العام 2016م، يصل إلى 12706000 نسمة تقريبًا. منهم 6416000 يعيشون الآن داخل فلسطين المحتلة عام 1948م، وفى الضفة الغربية وقطاع غزة، بما نسبته 50,5% من مجموعهم. بينما يعيش حوالى6290000 نسمة، بما نسبته 49,5% من الفلسطينيين، في بلاد عربية وأجنبية، كما يوضح البيان التالي:
ومن المؤسف والمحزن أن نرى بعض العرب الآن وهم يساهمون – سرًا، وأحيانًا علنًا – في تمكين إسرائيل من تحقيق أهدافها في الأرض العربية. ونقرأ لبعض العرب معارضتهم – صراحة وضمنًا -اعتبار المأساة الفلسطينية القضية العربية المركزية، والتشكيك والتهكم من هذا الاهتمام العربي بفلسطين، وجعلها القضية الأولى للأمة العربية. ولا شك أن هذا الفكر الانعزالي يتماهى ويتناغم والأهداف الصهيونية – الاستعمارية الرهيبة في الأرض العربية.
لقد أمسى " الاهتمام " العربي بالعدوان الصهيوني على الأمة العربية (2017م) أقل كثيرًا من السابق، ومما يجب، وعلى كل المستويات العربية. إنه اليأس، والإحباط. إضافة إلى إنشغال معظم العرب الآن بأنفسهم، وبما يجري في ديارهم، ومن حولهم، من أحداث جلل، وتطورات تدفع للتشاؤم، وليس الأمل. فهذه الأحداث المتلاحقة والمتسارعة تمس حياتهم مباشرة، وتهدد أمنهم، بل وبقاءهم. ومن الطبيعي، والمنطقي، أن يهتم الإنسان بأمنه وبقائه أولاً، وقبل الاهتمام بأي خطر، أو تهديد غير مباشر، وغير حال. ولعل ذلك هو السبب الرئيس في تدني الحذر والاهتمام العربي ــ بصفة عامة ــ بما تفعله إسرائيل يوميًا ضد الفلسطينيين، وضد الأمة قاطبة. والمؤمل ألا ينسى العرب أن الخطر الصهيوني يفوق كل الأخطار، لأنه، ببساطة، يسهم في خلق معظم هذه الأخطار التي يواجهونها.
الحلول المطروحة:
منذ قيام إسرائيل في عام 1948م، طرحت العشرات من مبادرات " السلام " لحل هذه المعضلة، وإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، التي نجمت عن قيام إسرائيل، واندلاع الصراع الفلسطيني – الصهيوني، والصراع العربي – الإسرائيلي. ولا يكاد يمر عام واحد دون الإعلان عن " مبادرة سلام " جديدة، من هذا الطرف الدولي أو ذاك. وقد عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على الالتفاف على كل هذه المبادرات، والسعي لتمييعها ... والمضي قدمًا في خططها الرامية للاستيلاء على كامل فلسطين، عبر الاستيطان وغيره، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في وطنه. وهناك مبادرات تظاهرت إسرائيل بقبولها ... ثم أتبعت أسلوب المماطلة الصهيونية المعروفة، لكسب الوقت، ومن ثم وأد تلك المبادرات.
ولكن، هناك مبادرات دولية لم تستطع إسرائيل وأدها كغيرها، رغم أنها أعلنت رفضها لها مرارًا وتكرارًا، ورغم قبول الفلسطينيين والعرب بها. ولكن قوى نزيهة في المجتمع الدولي تحرص على دعمها، وتحاول فرضها على إسرائيل، التي تستقوي بداعميها، وفى مقدمتهم أمريكا، لرفضها واستبعادها. وأهم هذه المبادرات (المتشابهة) مبادرتي " السلام العربية "، والمبادرة الدولية " الأممية " التي تسمى بـ " حل الدولتين ".
بالنسبة لمبادرة السلام العربية، فقد أقرها مؤتمر القمة العربية، المنعقد في بيروت سنة 2002م. وهي تهدف إلى: إنشاء دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها دوليًا على حدود سنة 1967م. وتتضمن: التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ورفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة، والانسحاب من هضبة الجولان، وكل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وما بعدها. وذلك مقابل اعتراف الدول العربية بإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها، وإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي.
أما " حل الدولتين "، فهو مشابه لمضمون مبادرة السلام العربية. ويهدف لإقامة دولتين، بدلاً من دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية، هما: دولة فلسطين ودولة إسرائيل. وهو مستمد من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967م. وأعتمد كمرجعية للمفاوضات الشهيرة التي جرت في أوسلو عام 1993م، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، والتي تمخض عنها الاعتراف المتبادل بين هذين الطرفين. إنه يعني: إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود 1967م، أي على ما يعادل 23% من أرض فلسطين. وهناك شبه إجماع دولي بأن على إسرائيل إنهاء احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة، وقبول قيام دولة فلسطين على هذه الأراضي التي تعتبر – دوليًا – محتلة من قبل إسرائيل.
ومن ذلك، نرى أن معظم الفلسطينيين والعرب، ومعظم دول العالم، تدعو لحل هذا الصراع، والذي هو أصلاً عدوان صارخ على الفلسطينيين والعرب، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المذكورة، بجانب إسرائيل، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً عادلاً، وإبرام معاهدة سلام دائم بين العرب وإسرائيل. وهذا ما تؤكد عليه ما يسمى بـ " اللجنة الرباعية الدولية" (المنحازة لإسرائيل) التي شكلت، من قبل مجلس الأمن، للمساهمة في حل هذا الصراع ...
وكما يلاحظ القارئ، قلنا أن " معظم " الفلسطينيين والعرب والعالم مع هذا الحل. ومما يؤكد ذلك هو الوثيقة السياسية التي أصدرتها حركة حماس يوم 1 مايو 2017م، التي أعلنها السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، والتي " تؤيد إقامة دولة فلسطينية انتقالية على حدود 1967م ". صحيح، أن هذه الوثيقة تدعو: " لتحرير فلسطين ... لكنها على استعداد لتأييد إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967م " ... كما أشار مشعل إلى أن: " الحركة لا تريد تدمير إسرائيل، وأن قبول حدود 67 يأتي في إطار العمل الوطني الذي يجب المحافظة عليه، وتطويره ". كما أعلن مشعل فك ارتباط حركته بجماعة الإخوان المسلمين. وما جاء في هذه الوثيقة يمكن أن يشكل أساسًا للمصالحة المأمولة بين حماس وحركة " فتح "، رغم أن البعض يرى العكس.
ولكن، ماذا تريد إسرائيل ؟! ترفض إسرائيل، وبخاصة اليمين الإسرائيلي، بشدة، مبادرة السلام العربية، وكذلك " حل الدولتين " الأممية. فهي ترفض بقوة إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل. لذلك، تعلن مرارًا وتكرارًا، وبوقاحة منقطعة النظير، رفضها للمبادرتين ... لأن كل منهما تستوجب قيام دولة فلسطينية مستقلة، جنبًا إلى جنب مع إسرائيل. ورغم بقاء هاتين المبادرتين، ونجاتهما من الخبث الصهيوني، إلا أن كلاً منهما تتعرض، من حين لآخر، لضغوطات، ومحاولات محمومة لتغيير جوهر كل منهما. ومع ذلك، تبقى المبادرتان، المتشابهتان لأكبر حد، مطروحتان في الساحتين الإقليمية والعالمية ... كحل شبه عادل لهذه المأساة، الناجمة عن عدوان صهيوني شرس.
أما من نهاية...؟!
تبذل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة قصارى جهدها تصفية القضية الفلسطينية تمامًا، وعبر كل الوسائل الممكنة، ومن ذلك: الالتفاف على المبادرات العديدة الرامية لوضع حل سلمى، ونهاية، لمأساة الشعب الفلسطيني، وتواصل السعي لتمييعها ... والمضي قدمًا في خططها الرامية للاستيلاء على كامل فلسطين، عبر الاستيطان وغيره، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه في وطنه. وما زالت تتبع أسلوب المماطلة الصهيونية المعروفة، لكسب الوقت، ومن ثم وأد تلك المبادرات.
ولكن، هناك – كما قلنا - مبادرات دولية لم تستطع إسرائيل وأدها كغيرها، رغم أنها أعلنت رفضها لها مرارًا وتكرارًا، ورغم قبول الفلسطينيين والعرب بها. ولكن القوى النزيهة في المجتمع الدولي تصر على دعم هذه المبادرات، وتحاول فرضها على إسرائيل، التي تستقوي بداعميها، لرفضها واستبعادها. وأهم هذه المبادرات (المتشابهة) تظل مبادرتي " السلام العربية "، والمبادرة الدولية " الأممية " التي تسمى بـ " حل الدولتين ".
وبينما تتمسك القيادة الفلسطينية في رام الله بـ " حل الدولتين "، فإن هذه القيادة أعلنت مؤخرًا وصراحة، أنها لا تمانع في قبول " حل الدولة الواحدة " ... شريطة أن تكون هناك مساواة بين كل مواطنيها، سواءً كانوا يهودًا أو فلسطينيين. ولكن إسرائيل ترفض بشدة حل الدولة الواحدة المساوية فيما بين مواطنيها في الحقوق والواجبات ... مما يؤكد " عنصرية " إسرائيل، وإصرارها على أن تكون دولة لليهود فقط ... لا يسمح فيها لغير الصهاينة بالإقامة، إلا ربما كمواطنين من الدرجة الدنيا. وكل ذلك يكشف وجه إسرائيل القبيح، ويؤكد عدوانيتها، وعنصريتها المقيتة.
إسرائيل ترفض، إذا، " حل الدولتين "، سواء العربي أو الأممي، لرفضها قيام دولة فلسطينية مستقلة، يعيش فيها الشعب الفلسطيني الذي شرد، واحتلت أرضه. كما ترفض " حل الدولة الواحدة " التي يعيش فيها اليهود والعرب كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات .... لأنها تريد إقامة دولة يهودية عنصرية خالصة، وعلى حساب شعب بأكمله.
وللالتفاف على هذه المبادرات والحلول السلمية المقترحة، قدمت إسرائيل حلاً ... يتمثل في: احتفاظ إسرائيل بكامل فلسطين، أرضًا وسكانًا ... مع إقامة " كانتونات " (تسميها " إمارات ") فلسطينية متناثرة في الضفة الغربية وغزة، يقيم الفلسطينيون في كل منها ... دون رابط قومي ووطني واحد ... وبحيث يسمح لكل كانتون بممارسة الحكم المحلى على أرضه ...!
وهذا " الحل " يذكر بدولة " جنوب إفريقيا " العنصرية سيئة الذكر. وهي الدولة الهالكة التي اندثرت، وزالت إلى غير رجعة ... تحت أقدام المقاومة الإفريقية والدولية النزيهة لها. والفلسطينيون، والغالبية الساحقة من العرب، ترفض – بالطبع – حل الدولة ذات الكانتونات العنصرية. والعجيب أن إسرائيل لا تخجل من اقتراح هذا الحل، الذي ينم عن عدوانية حاقدة وعنصرية بالية، وإصرار مقيت على عدم إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة، أو الحد الأدنى من هذه الحقوق، التي سلبتها إسرائيل بكل وقاحة.
يبقى على الأطراف النزيهة في المجتمع الدولي مسؤولية إنصاف الشعب الفلسطيني من هذا الظلم الصهيوني القاهر، وتمكين الشعب الفلسطيني، بعد هذه العقود من التشرد والمعاناة، من الحصول على الحد الادنى من حقوقه المشروعة في أرضه، والذي يتمثل في أحد وضعين: إما " حل الدولتين "، وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وإما إقامة دولة ديمقراطية واحدة ... يعيش فيها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات.
وما زالت الأنظار متجهة إلى أميركا ودول الغرب ، التي لديها مفاتيح حل هذه المأساة ... والتي ربما تدرك الآن أن إسراعها في وضع حل ينهي هذه المأساة لن يكون مراعاة لاعتبارات إنسانية وخيرية وحسب، بل وللإسهام في استتباب الأمن والسلم الاقليميين والدوليين، وبما يصب في نهاية الأمر في مصلحة هذا الغرب، وكل العالم.
موقف أمريكا الراهن:
وما زال الشعب الفلسطيني يتطلع نحو الأطراف النزيهة في المجتمع الدولي، راجيًا منها تحمل مسؤولية إنصافه من هذا الظلم الصهيوني القاهر، وتمكينه، بعد هذه العقود من التشرد والمعاناة، من الحصول على الحد الأدنى من حقوقه المشروعة في أرضه، والذى يتمثل – بصفة رئيسة - في أحد وضعين : إما " حل الدولتين "، وقيام دولة فلسطينية مستقلة بعاصمتها القدس الشرقية على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م ، وإما إقامة دولة ديمقراطية واحدة ... يعيش فيها الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني كمواطنين متساوي الحقوق والواجبات . أما الحلول " الترقيعية " فلن تكون حلولاً. ولا يجب أن تشكل المستوطنات الإسرائيلية عقبة مقصودة، لان هذه المستوطنات غير مشروعة أصلاً.
وتظل الأنظار متجهة إلى أمريكا ودول الغرب المتنفذ الأخرى، التي لديها مفاتيح حل هذه المأساة ... والتي ربما تدرك الآن أن إسراعها في وضع حل ينهى هذه المأساة لن يكون لاعتبارات إنسانية وخيرية وحسب، بل وللإسهام في استتباب الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وبما يصب في نهاية الأمر في مصلحة الغرب، وكل العالم.
وكما هو معروف، فإن أمريكا تلعب الدور الرئيس في هذه القضية / المأساة ... بسبب كونها الدولة العظمى الأولى حاليًا، والداعم الأكبر للكيان الصهيوني. بل أن العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية تجاوزت الدعم والتأييد إلى التحالف الفعلي الوثيق. وهذا الدعم الأمريكي المطلق والأعمى وضع إسرائيل فوق كل القوانين والأعراف الدولية، وأطلق يدها ... لتعمل ما تشاء، دون حسيب أو رقيب يحاسبها، ويعاقبها.
ومعروف أن الرؤساء الأمريكيين السابقين، بدءًا من كلينتون، ثم جورج بوش الابن، فأوباما، كانوا يعلنون أنهم مع حل الدولتين، وادعوا أنهم عمدوا حكوماتهم بالعمل على إنفاذ هذا الحل. ولكن هذا كان مجرد ادعاء. إذ لم يبذل أي رئيس أمريكي، حتى الآن، جهدًا جادًا لحل هذا الصراع حلاً عادلاً، أو شبه عادل، ولم يمارس أي منهم ضغوطًا على إسرائيل للقبول بهذا الحل، المطلوب فلسطينيًا وعربيًا وإسلاميًا وعالميًا.
أما الرئيس الحالي " دونالد ترمب "، والذي اتضح أنه داعم بشدة للصهيونية، فيبدو أنه على استعداد للخروج على هذا الحل. ويتجلى ذلك في تصريحه الذي قال فيه: " أنظر إلى حل الدولتين، وحل الدولة الواحدة. وأميل الى ما يميل اليه الطرفان. أنا سعيد للغاية بالحل الذي يميل اليه الطرفان ". ويبدو أن ترمب يلمح هنا إلى " حلول " أخرى، سنتطرق لإحداها أدناه.
ومعروف أن ترمب أنتقد عدم استخدام أوباما لحق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن بإدانة الاستيطان الإسرائيلي، وأكد عدم إصراره على حل الدولتين، إرضاءً لإسرائيل، ودعمًا لها. وبعد ذلك، تراجع قليلا عن موقفه هذا. ومن مؤشرات ذلك: تريث ترمب في تنفيذ وعده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وانفتاحه على الفلسطينيين. إضافة إلى طلب ترمب من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو " أن يكبح قليلاً بناء المستوطنات ". وهذا الطلب فاجأ الأخير أثناء زيارته لواشنطن (في فبراير 2017م).
أضف إلى ذلك، قيام ترمب (يوم 10 / 3 / 2017م) بعمل أول اتصال هاتفي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ودعوته لزيارة البيت الأبيض. ورحب الجانب الفلسطيني كثيرًا بهذه المبادرة. وقام عباس بالفعل بزيارة واشنطن واللقاء بترمب يوم 3 / 5 / 2017م. وقد تمسك الجانب الفلسطيني بعملية السلام، وحل الدولتين على حدود 1967م، استنادًا إلى مبادرة السلام العربية، والقرارات الأممية ذات الصلة. وأكد رفضه للهجمة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفض كل ما قد يترتب على هذا الاستيطان.
وكل ذلك ما زال يشير إلى تحول طفيف جدًا في سياسة ترمب نحو هذه القضية، ورغبة ضئيلة في وضع نهاية لها. وحتى الآن، يصعب الجزم بأن ترمب سيتدخل في العملية السياسية الخاصة بتسوية هذا الصراع بشيء من الحيادية والموضوعية. ويخشى أن يحاول ترمب فرض حل ... غير حل الدولتين، وغير حل الدولة الواحدة، ويميل إلى ما تريده إسرائيل من حلول غير مقبولة، ومنها ما يعرف بخطة الجنرال الإسرائيلي" جيورا ايلاند "، التي يقترح فيها توطين الفلسطينيين في شمال سيناء، عبر توسيع مساحة غزة، بالاستقطاع من الأراضي المصرية، مقابل حصول مصر على أراض بديلة في صحراء النقب التي تسيطر إسرائيل عليها. لتصبح مساحة غزة حوالي 2000كم2، تقام عليها دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وتبقى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية تحت إدارة ذاتية فلسطينية، مقابل تنازل الفلسطينيين عن مطالبهم بدولة مستقلة على حدود 67م ...؟! ولا نظن أن الفلسطينيين، قيادة وشعبًا، يقبلون بهذا الحل الإسرائيلي، أو أي حل مشابه، لا يحقق لهم الحصول على الحد الأدنى من حقوقهم المشروعة ... حتى لو حاول ترمب تسويقه.
موقف المملكة العربية السعودية من القضية الفلسطينية:
كعادتها في الابتزاز والتدليس، تشيع إسرائيل أن المملكة العربية السعودية، ودول عربية (معتدلة) أخرى ستقيم علاقات طبيعية مع إسرائيل ... حتى مع عدم قبول إسرائيل لمبادرة السلام العربية / العالمية. وذلك من قبيل التعاون ... " لمواجهة عدو مشترك ... هو إيران " ...؟! وتلك إشاعة لا أساس لها من الصحة. فالمملكة العربية السعودية، حكومة وشعبًا، تقف بقوة وصلابة مع حق الفلسطينيين في أرضهم، وترفض بكل قوة الهيمنة الصهيونية المبيتة على المنطقة. ولن تقيم المملكة أي علاقة طبيعية مع الكيان الصهيوني، إلا إذا استجابت إسرائيل وقبلت ونفذت كامل بنود مبادرة السلام المشار اليها.
فمنذ النكبة، وقفت المملكة الى جانب أشقائها الفلسطينيين، رافضة احتلال بلادهم، واغتصاب أرضهم، من قبل هذه العصابات الصهيونية الإجرامية، وباذلة الدم والجهد والمال لنصرة القضية الفلسطينية، ودائما، وفى كل المحافل. وهذا الموقف السعودي هو موقف مبدئي، لا مساومة ولا مزايدة عليه. وهو نابع من كون المملكة موئل العروبة والإسلام، والسند الرئيس للعالمين العربي والإسلامي، والداعم الأول لكل القضايا العربية والإسلامية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية.
يهم المملكة تحرير ثالث الحرمين الشريفين، المسجد الأقصى، من دنس الاحتلال الصهيوني، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية. وكل الدلائل تشير إلى أن هذا الموقف السعودي ثابت، ولن يتزحزح.
مراجع
(أولاً): المراجع العربية :
(1) – أبو النمل، حسين، الاقتصاد الإسرائيلي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1988م).
(2)-جريس، صبري، و أحمد خليفة ( تحرير )، دليل إسرائيل العام ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1996م) .
(3) – حمدان، د. جمال، اليهود: انثروبولوجيا (القاهرة: المكتبة الثقافية، 1967م).
(4) – شوفانى، إلياس، إسرائيل في خمسين عامًا (دمشق: دار جفرا للدراسات والنشر، 2002 م).
(5) – عازورى، نصير، وآخرون، اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2003م).
(6) – العزب، جودة، الصراع الصهيوني العربي وأوهام التحرير والسلام (القاهرة: دار جهاد للنشر والتوزيع، 1995م).
(7) – مركز الجزيرة للدراسات، اللاجئون الفلسطينيون في الوطن العربي: الواقع والآفاق (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 2013م).
(8) – مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (فلسطين: 2016م).
(9) – المسيري، د. عبد الوهاب، موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية (القاهرة: 1974م).
(10) – المسيري، د. عبد الوهاب، اليد الخفية: دراسة في الحركات اليهودية الهدامة والسرية (القاهرة: دار الشروق، 2005م).
(11) – منصور، كميل (تحرير): الشعب الفلسطيني في الداخل (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 1990م).
(12) – هويدي، أمين، الصراع العربي – الإسرائيلي بين الرادع التقليدي والرادع النووي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1983م).
****
(ثانيًا): المراجع الانجليزية:
1.Evron , Israel's Nuclear Dilemma ( London : Routledge,1994).
2. Mahler , Gregory, Israel: Government and Politics in a Maturing State ( New York : 1990).
3. Patai , Raphael ( ed.)Encyclopedia of Zionism and Israel ( New York : McGraw- Hill, 1971).
4. Political Handbook of the World ( Binghamton , New York : CBS Publications , 2016 ) .
5. Sacher, Howard , A History of Israel (New York : Alfred A. Knopf , 1982) .