array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 125

هل يتجاوز اتفاق 5 +1 إطار السنوات العشرة؟

الخميس، 30 تشرين2/نوفمبر 2017

منذ بدأ الرئيس الأمريكي حملته الانتخابية، كانت إيران ولا تزال حتى الآن إحدى قضاياه الأساسية وأعلن وهو مرشح وكذلك بعد أن أصبح رئيسًاً لأمريكا أنه ينوي إلغاء الاتفاق النووي مع إيران واعتبره أسوأ اتفاق وقعته أمريكا، وتجاهل ترامب أن الاتفاق لم يكن بين الولايات المتحدة وإيران وحدهما ولكنه بين خمسة دول وإيران (5+1) وأن إلغاءه يتطلب موافقة باقي الدول الخمس على ذلك وهو ما رفضته تلك الدول وتقييم الموقف الأمريكي من هذا الاتفاق ومسارات الحركة المتدفقة بخصوصه يتعين علينا أن نستعيد به جوهر هذا الاتفاق، فهو باختصار شديد يتضمن نقطتين أساسيتين، وقف دوران البرنامج العسكري النووي الإيراني مقابل رفع العزلة الدولية، وهو على هذا النحو يتضمن السماح لإيران بالسعي إلى قوة نووية سلمية تحت إشراف محكم لوكالة الطاقة الذرية وتضمنت تفاصيل الاتفاق – لتحقيق ذلك. الحد من قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم، ومراقبة عملية البحوث بهذا الخصوص وتطورها، وتحديد سقف درجة التخصيب وكمية الوقود المخصب، وتضمن كذلك إجراءات محددة على حيازة إيران سلع حساسة مزدوجة الاستخدام كما تضمن الاتفاق آليات لفرض العقوبات إذا رأت أى من الدول الموقعة على الاتفاق أن إيران انتهكت بنوده. الاتفاق على النحو السابق حدد فترة زمنية تمتد إلى عشر سنوات تمنع إيران خلالها من أى برنامج عسكري نووي أو توفير البنية الأساسية لهذا البرنامج ويسمح لها بذلك بعد تلك السنوات العشرة، أى باختصار تأجيل تصنيع إيران للقنبلة الذرية لمدة عشر سنوات، وجاء تلويح الرئيس الأمريكي بإلغاء الاتفاق أو الانسحاب منه، ورد عليه الرئيس الإيراني روحاني بالقول إنه إذا انسحبت أمريكا من الاتفاق سوف تكون إيران مطلقة اليد وحرة فى اتخاذ الإجراءات التي تخدم مصالحها.

والحقيقة أن ذلك الاتفاق لم يحظر تطوير صواريخ ولا إجراء تجارب صاروخية وقد حرصت إيران خلال المفاوضات التي استمرت زهاء 13 عاماً على ذلك. واليوم يتحدث الرئيس الأمريكي عن برنامج إيران الصاروخي وكأنه جزء من الاتفاق النووي وإخلال ببنوده، وهذا غير صحيح، والمتابع للموقف الأمريكي من كوريا الشمالية وبرنامجها النووي يلاحظ أوجه التشابه بين التعامل الأمريكي مع برنامجها النووي والتعامل الأمريكي مع البرنامج النووي الإيراني. فطموحات البلدين النووية كبيرة وهناك فشل مخابراتي فى كشف البرنامج النووي فى كلاهما وكذلك فشل عمليات تفتيش الوكالة الدولية فى ذلك، وتم ضبط البرنامجين بعد تحقيق مراحل متقدمة. ولا شك أن فشل المفاوضات الأمريكية وجهودها هى وحلفائها فى وقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية يعيد إلى الأذهان قدرة واشنطن على وقف البرنامج النووي الإيراني إذا ما انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني. فمن الواضح أن الدول الموقعة على الاتفاق ترفض الموقف الأمريكي وتري هذا الاتفاق ضمانة لتأجيل البرنامج النووي العسكري الإيراني عشر سنوات وأن الانسحاب منه سوف يعيد تجربة الفشل أو منع برنامج كوريا الشمالية التي فى تقديرات الكثير من الخبراء قد تجاوزت العقبة النووية. وقد اقترن موقف هذه الدول بهرولة واضحة للاستفادة من رفع العقوبات عن إيران وتوقيع عقود استثمارية ضخمة معها تمثل عامل ضغط على موقفها من إيران بصورة كبيرة.

الموقف الأمريكي يرتبط فى جزء كبير منه بضغوط اللوبي اليهودي والضغوط الإسرائيلية الهادفة إلى جعل برنامج إيران النووي والصاروخي القضية المركزية خلال الفترة القادمة. ولا شك أن موقف حضور الإدارة الأمريكية الجديدة وعلى رأسها الرئيس ترامب وكذلك بعض أعضاء الكونجرس وجماعات الضغط الأمريكية يساهم بصورة كبيرة فى دعم موقف القوى المحافظة والمتشددة مع إيران. ولا يخدم مواقف القوى المعتدلة وهو ما يزيد من القلق حول تشدد الموقف الإيراني تجاه أيه أطروحات أمريكية بخصوص البرنامج النووي والاتفاق النووي بعناصره المختلفة، لقد استفادت إيران من هذا الاتفاق اقتصاديًا وسياسيًا بصورة كبيرة، ونجحت فى الحصول على مقابل كانت فى حاجة إليه مقابل ما قدمته من تنازلات خاصة تجديد عدد أجهزة الطرد المركزية لمدة عشر سنوات وتحقيق درجة تخصيب اليورانيوم إلى 50% ونقل مخزون اليورانيوم المخصب إلى الخارج.

إيران اعتبرت ذلك تنازلاً كافيًا وكان المقابل رفع العقوبات وغض البصر عن الممارسات الإيرانية فى الإقليم وقضاياه بل أن الإدارة الأمريكية السابقة لم تجد أى مشكلة فى إجراء حوارات بين قادة عسكريين أمريكيين ونظرائهم الإيرانيين فى العراق بخصوص بعض العمليات وهو ما أعطي الحضور العسكري الإيراني فى العراق نوعًا من الشرعية. وحدث تمدد للحضور الإيراني ليس فى العراق فحسب ولكن فى سوريا واليمن، وأصبحت ليست شريكة فقط فيما يجري من تطورات هناك ولكن طرفًا أساسيًا فى أي حل للأزمة فيها وشكل وطبيعة المستقبل القادم لتلك الأزمة. ونجد إيران فى ظل هدنة هذا الاتفاق قد نسجت علاقات قوية مع روسيا واستثمار نفوذها المتزايد فى المنطقة لموازنة الضغط الأمريكي عليها. كما بلورت نوعًا من التحالف المصلحي مع تركيا وكلها عوامل تفرض نوعًا من القيود على الإجراءات الأمريكية تجاهها.

الواضح حتى الآن أن الإدارة الأمريكية، رغم كل ما تعلنه لن يكون فى مقدورها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، فالدول المشاركة عقبت على تصريحات الرئيس الأمريكي بلا تحفظ وأكدت أنها ملتزمة بالاتفاق، وأن تقدير كثير من الخبراء أن الموقف الأمريكي سوف يشهد نوعًا من التغيير ضمن استراتيجية تركز على خلق الظروف الاستراتيجية المناسبة التي يمكن أن تزيد من الضغوط على إيران وفرض مزيد من القيود والأعمال الوقائية. حسب وجهة النظر الأمريكية، إن توفير مناخ دولي ضاغط على إيران وصياغة تحالفات تركز على الممارسات والأنشطة الإيرانية التى تراها سلبية والتي لا يغطيها الاتفاق، ومحاولة بلورة ذلك في استراتيجية عمل تجاه التهديدات الإيرانية. إن الموقف الدولي تجاه الاتفاق النووي محكوم بحقيقة تؤكد عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهي أن إيران توفي بالتزامها وأنها لا تخرق هذا الاتفاق. والسؤال المركزي الذي سوف يتعين على الرئيس الأمريكي وإدارته الإجابة عليه، هل يوجد بديل أفضل من هذا الاتفاق. ومن الواضح عدم توافر هذا البديل حاليًا وأن هذا ليس الوقت المناسب لإلغائه. فالبديل تطوير إيران لبرنامجها النووي العسكري والقيام بعملية عسكرية ضدها وكلاهما لهما ثمن باهظ للغاية عالميًا وإقليميًا.

وقد أكد ذلك وزير الخارجية الأمريكي السابق "جون كيري" كيف للكونجرس الذي لم يكن جزءًا من المفاوضات وغير مخول أن يكون جزءًا من المفاوضات أن يعدل قانونًا نافذًا، إن تحرك الكونجرس بهذا الخصوص بحيث ينطوي على خطر كبير، فالاتفاق يمنع إيران عن السعي لامتلاك سلاح نووي.

وذكر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي تم توزيعه على الدول الأعضاء في الوكالة اليوم الاثنين 13 نوفمبر 2017م، أن مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب حتى الخامس من نوفمبر بلغ 96.7 كيلو جرام وهو أقل من حد 202.8 كيلو جرام المسموح به كما أن مستوى التخصيب لم يتجاوز الحد 3.67%،أما مخزون طهران مما يطلق عليه الماء الثقيل فقد بلغ 114.4 طن متري وهو أقل من الحد 130 طنًا المتفق عليه مع الأطراف الموقعة على الاتفاق.

وتهدف القيود على مستوى التخصيب والمخزون من اليورانيوم والماء الثقيل إلى ضمان عدم جمع إيران مواد بدرجة نقاء تكفي لإنتاج قنبلة نووية، حيث تحتاج القنبلة إلى يورانيوم بدرجة نقاء 90%.

وكان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية "يوكيا أمانو" قال في سبتمبر الماضي إنه سيرحب بتوضيح من القوى العالمية بشأن كيفية مراقبة الوكالة لتنفيذ إيران لما يسمى "بالقسم تي" من الاتفاق النووي وهو الجزء المعني ببعض التكنولوجيا التي يمكن استخدامها في تطوير قنبلة ذرية، وقد انتقدت روسيا رقابة الوكالة على شروط "القسم تي" لكن تقرير الوكالة قال إن الوكالة الدولية تحققت من التزام إيران بهذا الجزء.

ومن الواضح أن هذا التقرير سوف يفرض صعوبات على محاولات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلغاء الاتفاق النووي مع إيران ويسحب منه الكثير من مبرراته في هذا الخصوص، الأمر الذي يكشف من ناحية أخرى أن إيران كانت تتوقع إجراءات متشددة من الولايات المتحدة الأمريكية تجاهها وتحسبت لذلك الموقف والتزمت بصورة كاملة بعناصر الاتفاق النووي حتى تأتي شهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لصالحها، ويرى كثير من الخبراء أن هذا الإلتزام الإيراني تم بضغط من الجناح الأقل تشددًا في إيران وعلى رأسه الررئيس "حسن روحاني" ووزير الخارجية "محمد جواد ظريف" حتى لا تعطى الفرصة للقوى المعادية لإيران - حسب تعبيرهم – للتنصل من الاتفاق أو فرض عقوبات إضافية عليها.

وبصفة عامة، فإن إيران تدرك أنها سوف تواجه ضغوطًا مكثفة بخصوص برنامجها للصواريخ الباليستية، ويفسر ذلك ما صرح به قائد الحرس الثوري في بداية شهر نوفمبر الماضي أن المرشد الأعلى "علي خامنئي" أمر بوضع سقف لمدى الصواريخ الإيرانية أرض/أرض لا يتجاوز 2000 كيلو متر في محاولة للتأيكد على أن إيران وصواريخها لا تمثل خطرًا على الأراضي الأمريكية والأوروبية، إلا أن "دان كوتس" مدير الإستخبارات الوطنية الأمريكية عقب على ذلك بقوله "أن ذلك المدى يكفي لضرب جميع القواعد الأمريكية في المنطقة فضلاً عن الوصول إلى كل الأراضي الإسرائيلية، وهو ما يعني أن تحديد ذلك السقف يؤكد أن الصواريخ الباليستية الإيرانية ما زالت تمثل خطرًا ليس فقط على دول المنطقة ولكن على الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة والدوائر المحيطة بها.

وتؤكد مصادر متعددة عسكرية واستخبارية أن إيران لا تبدي أي تجاوب ولا تتوافر لديها النية لضبط نشاطها وجهودها الواسعة المدى الخاصة بتطوير هذا البرنامج وأن هناك أبحاث وجهود سرية متواصلة لتطويرها صاروخ عابر للقارات بمدى أبعد، وهو ما يؤكد أن توصية المرشد الأعلى تصبح إشارة غير صحيحة وفارغة، وتؤكد هذه المصادر أيضًا أن هذه الصواريخ مخزنة في أنفاق عميقة تحت الأرض ولدى إيران القدرة على نقلها وتوزيعها بواسطة ناقلات منصات وهو ما يتيح لها إخفاؤها وتوجيه ضربات من مناطق متفرقة، وتؤكد تلك المصادر أيضًا أن إيران تركز على تطوير صواريخ باليستية تعمل بالوقود النووي الصلب، وتتطلع للإستفادة من خبرات كوريا الشمالية بهذا الخصوص وهو ما يضاعف الخطر من البرنامج الصاروخي الإيراني.

هكذا نرى أن ذلك البرنامج يتحرك ضمن إطار واسع لتطوير صواريخ كروز جديدة وقادرة على حمل رؤوس نووية متوسطة المدى، وكذلك تطور المنصات التي يمكن من خلالها إطلاق تلك الصواريخ. كل هذا تم و يتم رغم أن هناك قراران لمجلس الأمن 2231، و1929 واللذان يحظران على إيران القيام بأي نشاط ذي صلة لصواريخ باليستية قادرة على نقل أسلحة نووية.

وقد رفضت إيران دعوة الرئيس الفرنسي "ماكرون" لإجراء محادثات حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، قائلة أن صواريخها دفاعية ولا علاقة لها بالاتفاق النووي الموقع بينها وبين الدول الكبرى، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن فرنسا على دراية كاملة بموقف بلده الراسخ بأن شؤون الدفاع الإيرانية غير قابلة للتفاوض، وأن الاتفاق النووي غير قابل للتفاوض ولن تسمح بإضافة قضايا أخرى.

كما قالت مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية "موجيريني" أن الاتحاد الأوروبي سيضمن مواصلة تطبيق الاتفاق النووي مع إيران بشكل كامل من كل الأطراف، لأن الاتفاق يعتبر إنجازًا كبيرًا للدبلوماسية الأوروبية.

هكذا نرى أن الإدارة الأمريكية سوف تذهب إلى التركيز على أن إيران تخرق الاتفاق من خلال تطوير برنامجها الصاروخي الذي لا يهدد دول المنطقة فحسب بل يهدد أمريكا وإسرائيل. وهذا ما يسمح بإعادة فرض عقوبات أمريكية عليها، وإن كان ذلك سوف يواجه برفض إيراني ويعقد المشكلة. إن تعديل الاتفاق سوف يبقى هدفًا إستراتيجيا أمريكيا ولكنه ليس متاحًا فى الظروف الحالية وبالتالي من المتوقع أن يستمر الضغط الأمريكي السياسي والدبلوماسي لخلق ظروف وائتلاف يسمح بتحسين الاتفاق علي إستراتيجية للعمل بها إذا لم تستجيب إيران لطلب تعديل الاتفاق، ومن الناحية الأخرى فإن إيران تدرك أبعاد الموقف الأمريكي تجاهها ورغم التصريحات المتشددة لكبار المسؤولين والقيادات السياسية والعسكرية فيها إلا أنه من الواضح أنها لن تتخذ أيه خطوات لخرق بنود الاتفاق وآلياته لعدم توفير المبرر أمام الإدارة الأمريكية لتحقيق أهدافها. إن تعديل الاتفاق النووي الإيراني سوف يظل هدفًا لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل وإذا كانت الظروف لا تسمح بذلك كما سبق أن أوضحنا فإن الفترة القادمة سوف تشهد مزيدًا من الضغوط على إيران خاصة فيما يتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية وكذلك الحرس الثوري الإيراني، إلا أن هدف محاصرة النفوذ الإيراني داخل كل من العراق وسوريا سوف يواجه بالكثير من الصعوبات فى ظل ما حققته إيران من مكاسب على هذا المستوي.

الخلاصة أن إيران ستكون القضية المحورية خلال الفترة القادمة بتشابكاتها المتعددة في أزمات المنطقة وفى ظل سعي إسرائيل لصياغة نوع من التحالف الإقليمي ضد السياسة الإيرانية يغطي على الرفض الإسرائيلي للتوصل إلى حلول للصراع العربي الإسرائيلي.

ومن الواضح أننا سوف نشهد خلال الفترة القادمة استراتيجية أمريكية للتعامل مع إيران تختلف مع استراتيجية إدارة أوباما التي غضت النظر كثيرًا من الممارسات الإيرانية في المنطقة ضمن صفقة الاتفاق النووي. وذلك لا يعني حربًا وشيكة بين البلدين إلا أنه من المرجح أن تتجه الولايات المتحدة لممارسة ضغوط على الأذرع الإيرانية خاصة الحرس النووي وانتشاره في بعض دول الإقليم وكذلك الميليشيات التابعة لها وسوف تكون العراق وسوريا ولبنان واليمن ميدانًا لبعض عناصر تلك الاستراتيجية.

مجلة آراء حول الخليج