array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 126

معوقات هيكل الأمن الإقليمي: 5 ضرورات للحفاظ على المنظمات الإقليمية

الثلاثاء، 09 كانون2/يناير 2018

استضافت مملكة البحرين خلال الفترة من8 إلى 10 ديسمبر2017م، قمة الأمن الإقليمي الثالث عشرة لحوار المنامة والذي ينظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بشكل سنوي ويشارك فيه قادة الدول والوزراء وكبار المسؤولين سواء من منطقة الخليج العربي أو الشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، وعلى الرغم من أن ذلك الحوار ليس بالأمر الجديد إذ انطلق عام 2004م، فإن الأمر اللافت هو إيلاء قضية "تأسيس نظام أمني إقليمي مستقر" أهمية ضمن فعاليات ذلك اللقاء، وهي قضية لطالما استحوذت على اهتمام المشاركين في ذلك الحوار فقد تم تخصيص الجلسة الختامية من حوار عام 2016م، لمناقشة القضية ذاتها ضمن اهتمام كافة اللقاءات الفكرية منذ عام 2011م، وحتى الآن بهذه القضية في ظل التحولات التي مثلت تحديًا هائلاً لمفهوم الدولة الوطنية الموحدة وبشكل أكبر لمفهوم الأمن الإقليمي، حيث لوحظ غياب أو تغييب مستوى الأمن الإقليمي ليس فقط على مستوى السياسات الدولية تجاه الأزمات الإقليمية بل حتى على مستوى الدراسات الأكاديمية التي صدرت عن مراكز الدراسات الغربية خلال السنوات السبع الماضية.

  وتثير قضية ترتيبات الأمن الإقليمي أربعة تساؤلات أساسية:

 الأول: ما هو واقع الجدل بشأن قضية الأمن الإقليمي على خلفية حوار المنامة؟

والثاني: ما هي المرجعية الدولية لمستوى الأمن الإقليمي ومظاهره؟         

والثالث:ماهي المستجدات التي تتطلب تطوير آليات للأمن الإقليمي واستحداث الجديد منها؟ 

والرابع: ما هي متطلبات ومعوقات تأسيس هيكل أو هياكل للأمن الإقليمي؟

أولاً: واقع الجدل بشأن قضية الأمن الإقليمي على خلفية حوار المنامة:

على الرغم من عدم إثارة قضية تأسيس هياكل أمنية إقليمية بشكل مباشر ضمن ذلك الحوار فإن العديد من المداخلات تضمنت متطلبات تأسيس تلك الهياكل وأولها: فكرة الحوار بين الأطراف المختلفة كحل للخلافات سواء داخل الوحدات المكونة لهذا الأمن ومن ذلك على سبيل المثال الأزمة اليمنية والتي أجمع المتحدثون على أن ممارسات الميلشيات الحوثية تعد سببًا أساسيًا ليس فقط لتطور الأزمة على هذا النحو بل أيضًا سببًا لمعاناة الملايين من أبناء اليمن، وثانيها: حتمية بناء الوحدات المكونة لهذا الأمن حيث أن مدى قوة الأمن الإقليمي تظل مرتهنة بمدى قوة تلك الوحدات بما يعنيه ذلك من ضرورة دعم المؤسسات الرسمية في تلك الدول وخاصة الجيوش الوطنية وعدم الاعتراف بأي ميلشيات عسكرية موازية، وثالثها: أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية الموحدة وخاصة في ظل وجود بعض التطلعات الانفصالية لدى بعض المكونات في تلك الدول حيث توجد آليات عديدة لاستيعاب تطلعات تلك المكونات ولكن على أن يكون ذلك ضمن إطار الدولة الوطنية الموحدة، ورابعها: على الرغم من انتهاء الحدود الفاصلة بين الأمن الإقليمي ونظيره العالمي في ظل تعقيد المشهد الإقليمي الراهن فإنه لا تزال هناك حاجة لدعم المنظمات الإقليمية لتنهض بدروها كمستوى وسيط بين الأمن المحلي والأمن العالمي، وخامسها: إجماع المداخلات على أنه لا أمن إقليمي بدون القضاء على التطرف والإرهاب الذي يعد التحدي الأول لتأسيس أي أطر للأمن الإقليمي في ظل أيديولوجية الجماعات المتطرفة التي لاتعترف بحدود الدولة الوطنية الموحدة.

وعلى صعيد تحديات الأمن الإقليمي فقد استحوذت التهديدات الإيرانية على جل اهتمام ذلك الحوار والتي عكست نقاط التقاء بشأن تلك التهديدات منها أنه من الخطأ اختزال التهديدات الإيرانية في البرامج النووية الإيرانية –برغم الثغرات التي تشوب الاتفاق النووي- حيث قامت إيران بتوظيف ذلك الاتفاق كمظلة للاستمرار في سياساتها الإقليمية والتي تتمثل في دعم أذرعها من الجماعات المسلحة دون الدول للتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار وذلك بالاستفادة من رفع الحظر عن أرصدتها المالية المجمدة والتي بلغت وفقًا لأحد المتحدثين حوالي 10 مليارات دولار، فضلاً عن أن الحديث التهديدات الإيرانية في الأزمات الإقليمية بالرغم من أهميته إلا أنه لم يتوازى معه تناول خطط إيران الحثيثة لتطوير الصواريخ الباليستية والتي لا تمثل تهديدًا مباشرًا لجيرانها من دول الخليج وهو لا يمثل تكريسًا للخلل في توازن بتوازن القوى الإقليمي فحسب بل أن مداها يصل إلى الأراضي الأوروبية ذاتها ، إذ لم يكن إطلاق الحوثيين لصاروخ إيراني الصنع على مدينة الرياض في نوفمبر2017م، هو الأول من نوعه، فقد أشار المتحدث باسم قوات تحالف دعم الشرعية في اليمن في تصريح له خلال شهر أكتوبر2017م، إلى أن ميلشيات الحوثي وصالح أطلقت 77 صاروخًا باليستيًا باتجاه السعودية منذ بدء مهمة التحالف لدعم الشرعية في اليمن، بالإضافة إلى سعي إيران لتوظيف الأزمات الإقليمية بما يعزز مشروعها الإقليمي وتقدم الأزمة السورية مثالاً واضحًا على هذا الأمر، فضلاً عن أن الممارسات الإقليمية لإيران قد تبدو منفصلة بيد أنها متصلة، إذ أن إجهاض المشروع الإيراني في اليمن ربما يدفع إيران للتصعيد على الجبهة السورية بما يعني احتمال اندلاع مواجهة عسكرية مع إسرائيل وما قد يترتب على ذلك السيناريو من تداعيات بالغة الخطورة.

ومع أهمية الجدل حول تلك القضية سواء ضمن ذلك الحوار أو غيره من المؤتمرات المماثلة، فضلاً عن الصيغ التي تسعى مراكز الدراسات الغربية للترويج لها بشأن مضامين وهياكل ذلك الأمن -وهي عديدة -إلا أنه يجانبها الصواب من زاويتين الأولى: أنها تنطلق من اعتبارات جغرافية أي الانتقال من المقدمات إلى النتائج بغض النظر عن سياسات الأطراف الإقليمية وفي مقدمتها إيران التي لا تريد الاندماج ضمن محيطها الإقليمي وفق قواعد العلاقات الدولية التي تحرم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتدعو لاحترام سيادتها، والثانية: أنها تحاول إسقاط تجارب مناطق أخرى للأمن الإقليمي على المنطقة العربية والشرق الأوسط في حين أن الأمن الإقليمي يظل وليدًا لبيئته الإقليمية.

ثانيًا:المرجعية الدولية لمستوى الأمن الإقليمي ومظاهره:

حظي مستوى الأمن الإقليمي باهتمام لدى واضعي ميثاق الأمم المتحدة، ولايعني ذلك الانتقاص من مسؤولية المنظمة الأم بشأن حفظ الأمن والسلم والدوليين بل على العكس فإن وجود مستويات للأمن الإقليمي من شأنه دعم مهام المنظمة الأممية من خلال اضطلاع مجموعة من الدول بدور ما في حفظ ذلك الأمن ولعل أبرز ما تضمنه ميثاق الأمم المتحدة هو نص المادة (51) والتي تنص علىأنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص من الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورًا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".

ويلاحظ أن تلك المادة هي التي تم بموجبها تأسيس حلف شمال الأطلسي "الناتو" كمنظمة دفاعية لأمريكا الشمالية وأوروبا عام 1949م، ويضم الآن 29 دولة، وتأسيس منظمات إقليمية أخرى مهمة وهي الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي والذي يتضمن هيكلية كاملة لمجلس السلم والأمن الإفريقي الأمر الذي كان من شأنه التعاون مع مجلس الأمن الدولي لحل الكثير من النزاعات سواء تلك التي حدثت داخل الدول الإفريقية أو فيما بينها، فضلاً عن تجمع الآسيان، وكذلك جامعة الدول العربية والتي نص ميثاقها في المادة التاسعة منه على إمكانية نشوء تنظيمات فرعية"الأمن دون الإقليمي"، من أجل دعم جهود الجامعة لحفظ الأمن والسلم الدوليين ومن ذلك التنظيمات الفرعية التي تم تأسيسها وهي مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981م، والاتحاد المغاربي الذي تم تأسيسه عام 1989م، ويضم دولاً خمس وهي الجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا، وموريتانيا إلا أنه تم تجميد أعماله منذ قمة تونس عام 1994م،لأسباب عديدة.  

ومع أهمية التنظيمات الإقليمية السابقة فإن ظهور تحديات أمنية جديدة وفي مقدمتها الإرهاب قد حدا بالعديد من الدول لتأسيس آليات إقليمية جديدة لمواجهته ومن ذلك آليتان:

الأولى:التحالف الإسلامي العسكري لمواجهة الإرهاب والذي أعلنت المملكة العربية السعودية عن تأسيسه في 15 ديسمبر2015م، والذي شهد أول اجتماع لمجلس وزراء دفاع التحالف بالرياض في السادس والعشرين من نوفمبر2017م، تحت شعار "متحالفون ضد الإرهاب"، ويختلف ذلك التحالف عن التحالفات المماثلة لمواجهة ذلك التحدي من حيث الاستراتيجية الشاملة التي يتبناها والتي تتجاوز الجوانب العسكرية إلى الجوانب الفكرية والإعلامية، والتمويلية،فضلاً عن كونه  يعد أول آلية إقليمية حاسمة لمواجهة تلك الظاهرة بما يعني أنه لا وجود لصراع الأدوار أو المصالح ضمن ذلك التحالف، بالإضافة إلى كون هذا  التحالف ذات آلية لتحقيق التوازن في التفاعلات الإقليمية بل والشرق أوسطية عمومًا، ناهيك عن أن تأسيستحالف بهذا الحجم يعني اتخاذ الدول العربية والإسلامية زمام المبادرة كونها أكثر الدول تضررًا من آفة الإرهاب.

والثانية: تشكيل دول الساحل الإفريقي وهي" مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا" قوة عسكرية مشتركة لمواجهة الإرهاب تضم وذلك في فبراير 2017م، وعلى الرغم من عدم الإعلان عن حجم تسليح تلك القوة أو تعداد جنودها أو مقرها إلا أنه تم التأكيد على أن تمويلها سيكون من الاتحاد الأوروبي وأن عملها سيكون ضمن قوات الاتحاد الإفريقي.

وتعكس الآليتان السابقتان ثلاث دلالات:

 الأولى: رغبة الأطراف الإقليمية في أخذ زمام المبادرة بالحفاظ على أمنها من منظور إقليمي يعكس مصالح متجانسة.

 والثانية: الرغبة في حسم الأزمات الإقليمية وليس إدارتها وبقائها مرتهنة بمصالح الدول الكبرى وموازين القوى.

والثالثة: الإدراك بأن الإرهاب قد أضحى خطرًا داهمًا ويتعين مواجهته بجهود جماعية وليس أدل على ذلك من تصريح الفريق أول راحيل شريف القائد العسكري للتحالف الإسلامي العسكري بالقول" أن عدد العمليات الإرهابية التي شهدتها السنوات الثلاث الأخيرة بلغت حوالي 8 آلاف هجوم إرهابي على مستوى العالم أسفرت عن مقتل ما يزيد عن 90 ألف شخص وإصابة آلاف الأبرياء وقد تركزت تلك الهجمات في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا وقارة إفريقيا".

وينبغي التأكيد على أن حرص الدول على الإبقاء على مستوى الأمن الإقليمي لا يقتصر على المنطقة العربية فحسب بل يلاحظ سعي التنظيمات الإقليمية للتكيف مع التغيرات سواء تلك تواجهها كتنظيم إقليمي أو تلك التي ترتبط بالتحولات العالمية وتقدم تجربة الاتحاد الأوروبي نموذجًا مهمًا في هذا الشأن، فقد واجه الاتحاد تحديين متزامنين وهما خروج بريطانيا من تلك المنظومة، والخطاب الأمريكي الذي يطالب الدول الأوروبية أعضاء الناتو بضرورة زيادة نفقات الدفاع، الأمر الذي جعل من هاجس إيجاد أمن ذاتي أوروبي ضرورة حتمية وفي هذا السياق قامت 23 دولة من دول الاتحاد الأوروبي في 13 نوفمبر 2017م، بالتوقيع على وثيقة تضمنت 20 التزامًا بشأن الدفاع المشترك والذي قد يسفر عن تأسيس مقر قيادة لوحدات قتالية للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تطوير معدات وذلك ضمن 50 مشروعًا للتعاون الدفاعي بما يؤدي في النهاية إلى تحقيق التكامل الدفاعي الأوروبي ومن ذلك إنشاء صندوق لدعم صناعة الدفاع في دول الاتحاد بميزانية تقدر بـ 5,5 مليارات يورو سنويًا، ويرى قادة دول الاتحاد الأوروبي أن مثل تلك الخطوة من شأنها تعزيز الهوية الأوروبية بشكل أكبر لتعزيز استقلالية الاتحاد وهو ما أشارت إليه الممثلة العليا للسياسة الخارجية للاتحاد فيدريكا موجيريني بالقول "إن هذه الأداة الجديدة ستسمح بزيادة تطوير قدراتنا العسكرية لتعزيز استقلاليتنا".

ثالثًا:المستجدات التي تحتم تطوير آليات الأمن الإقليمي واستحداث أخرى جديدة:

هناك خمس ضرورات تملي ضرورة الحفاظ على المنظمات الإقليمية الراهنة ومنها مجلس التعاون لدول الخليج العربية بل وإمكانية تطوير الآليات الأمنية في المنظمات الإقليمية الأخرى" نظام الأمن الجماعي في جامعة الدول العربية " وتتمثل فيما يلي:

1-             الخطر الوجودي الإيراني والذي يعبر عن ذاته في مشروع إقليمي له هدف وتمويل وآليات ولا يتردد رموز ذلك النظام في الإفصاح عن ذلك غير ذي مرة، وفي هذا السياق قال المرشد الأعلى للثورة في إيران علي خامنئي "في المنطقة وخارج المنطقة يعارضون تنامي قوة إيران بين الشعوب، لأن القوة هي العمق الاستراتيجي للنظام الإسلامي"، ولا شك أن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن 2014م، يعد الآلية الإقليمية الرئيسية لإجهاض ذلك المشروع الإيراني.

2-             ديمومة الأزمات الإقليمية ومنها الأزمة السورية التي تعد نموذجًا واضحًا لصراع إقليمي-إقليمي، وصراع إقليمي دولي دون وجود أفق للحل على المدى القريب ومن ثم فإن وجود أطر للأمن الإقليمي من شأنها أن تحول دون تدويل الأزمات الإقليمية والتي ترتب تداعيات عديدة ليس أقلها مشكلة اللاجئين فوفقًا لتقرير المفوضية السامية للاجئين فقد بلغ عدد السوريين الذين غادروا سوريا هربًا من الحرب 5 ملايين نسمة، فضلاً عن النازحين داخليًا والذين قدروا ب 6,3 مليون نسمة.

3-             إثارة الجدل بشأن وجود تصورات مطروحة لترتيبات الأمن الإقليمي سواء ما يرتبط بتحالفات ثنائية بين بعض الدول أو ما يتردد بشأن فكرة "الناتو الشرق الأوسطي"، وبغض النظر عن مضمون تلك الفكرة أو أطرافها والهدف منها فإنه لا يجب غياب أو تغييب مستوى الأمن الإقليمي باعتباره آلية مهمة للغاية من أجل ضبط التفاعلات وفقًا للنظرية التي تحكم التفاعلات داخل الأقاليم المختلفة في العالم وهي أن ذلك الصراع يدور بين قوى ثلاثة وهي القوة المهيمنة أو الساعية للهيمنة والقوة التدخلية والقوة الموازنة وتلك الأخيرة هي التي يتم التعبير عنها بمستوى الأمن الإقليمي حيث أن وجودها يعني عدم خروج الصراع عن حدوده المألوفة، بالإضافة لتحقيق توازن القوى الإقليمي.

4-             لا شك أن وجود هياكل للأمن الإقليمي تعكس مصالح دولها ويتم التعبير عنها من خلال رؤى موحدة من شأنه الحد من استقطاب الأطراف الإقليمية نحو سياسات وأطر أخرى أوسع نطاقًا قد لا تتوافق بالضرورة مع مصالح الإقليم.

5-             وجود نزعات انفصالية داخل بعض الدول والتي ترتب تداعيات بالغة الخطورة ليس فقط على الدول" الوحدات المكونة للأمن الإقليمي" بل على منظومة الأمن الإقليمي ككل حيث تمكن المخاطر في نشوء "دويلات" على أساس عرقي أو ديني والتي يمكن أن تكون بؤرة جاذبة للجماعات المتطرفة، فضلاً عن إمكانية تعرضها للاستقطاب من أطراف خارج المنظومة العربية بما يعنيه ذلك من إيجاد ثغرة في الأمن الإقليمي.  

  رابعًا: متطلبات ومعوقات تأسيس هيكل أو هياكل للأمن الإقليمي:

بوجه عام هناك ثلاثة أـمور يتعين وضعها في الاعتبار سواء التفكير في تأسيس نظام أمني إقليمي جديد أو تطوير ما هو قائم بالفعل:

 الأول: في ظل التداخل الشديد بين مستويي الأمن القومي والأمن الإقليمي فإنه يجب أن تعكس التنظيمات الإقليمية ذلك التداخل. والثاني: بالنظر إلى التهديدات الأمنية الراهنة وفي مقدمتها الإرهاب فإن مواجهتها أمر يفوق القدرات الأمنية لأي دولة مهما بلغت بما يعني الحاجة ليس فقط لانتظام قدرات الدول مجتمعة ضمن إطار واحد بل أيضًا للاتفاق بين كافة الأطراف الإقليمية، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تصريح جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق لصحيفة الشرق الأوسط في الأول من يونيو2017م، بالقول" إن على اللاعبين الإقليميين الذين يسعون إلى حل مشكلات المنطقة التفاوض على اتفاق يحكم ما سيحدث بعد هزيمة داعش".

 والثالث: أنه لا أمن إقليمي بدون دور حيوي للدول المحورية أو ما يطلق عليها" الدول الرافعة" وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى تصريح الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى لصحيفة الحياة في 23 يناير2017م، بالقول" مصر والسعودية ستقودان العالم العربي للدفاع عن كيانه"، ويقدم الدور الأمريكي داخل حلف الناتو مثالاً واضحًا لأهمية وجود دولة أو دول محورية ضمن التنظيمات الإقليمية، حيث تسهم الولايات المتحدة بحوالي 72%من ميزانية حلف الناتو.  

 ومع أهمية ما سبق فإن المعضلة لا تكمن في إمكانية تأسيس أطر الأمن الإقليمي من عدمه وإنما في عدة إشكاليات وهي:

الإشكالية الأولى: مدى قدرة تلك الهياكل على التأقلم مع ما يواجهها من مستجدات سواء داخل المنظمة ذاتها من خلال إعلان أحد الأعضاء الرغبة في الانسحاب على غرار الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي أو خارج المنظمة من حيث قدرة المنظمة على التأقلم مع السياق العالمي الجديد ومن ذلك بدء حلف الناتو تطوير سياساته خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، بما يعنيه ذلك من حتمية إعادة تعريف مهددات الأمن الإقليمي وترتيبها بحسب درجة خطورتها.

الإشكالية الثانية: مدى تأثير تلك المنظمات في منظومة الأمن الإقليمي بمعنى آخر هل لدى تلك التنظيمات القدرة على التدخل في الأزمات التي تمثل تهديدًا بالغًا لأعضائها؟

الإشكالية الثالثة: مدى قدرة تلك المنظمات على الحفاظ على هويتها السياسية وبالتالي انتهاج سياسات موحدة تعزز من المصالح الوطنية لأعضائها،فمع أن العديد من التجارب الإقليمية الناجحة تتيح لأعضائها المرونة في التعبير عن مصالحها الوطنية فإن ذلك يجب ألا يتعارض مع الالتزام العام داخل تلك المنظومة تجاه قضية ما.

خلاصة الورقة:

تأسيسًا على ما سبق يمكن التوصل إلى النتائج التالية بشأن مستقبل ترتيبات الأمن الإقليمي كما يلي:

1-             تعكس كافة المؤشرات السابقة أن ترتيبات الأمن الإقليمي تتجه نحو مفهوم الأمن الاستراتيجي والذي يعد سباق التسلح أحد ملامحه وذلك بعيدًا عن ملامح الأمن التعاوني الذي يتضمن نزع التسلح وتدابير بناء الثقة من خلال احترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

2-             إنه لا سبيل لنجاح ترتيبات الأمن الإقليمي بدون تحقيق مفهوم توازن القوى والذي يتحقق عندما" تمتلك أي دولة أو مجموعة دول في منطقة معينة قوة كافية للهيمنة وإجبار الدول الأخرى في تلك المنطقة على الرضوخ لإرادتها". 

3-             على الرغم من محاولات ومظاهر بناء الأمن الإقليمي العديدة فإن ذلك المستوى من الأمن لم يتطور بالشكل الكافي وخاصة في منطقة الشرق الأوسط والنتيجة الطبيعية لذلك هي تدويل الأزمات بما يعنيه ذلك من صعوبة إيجاد حلول لها على المدى القريب حيث تظل مرتهنة بمصالح الأطراف الدولية.

4-             ترتبط قوة هياكل الأمن الإقليمي عمومًا بمدى قوة الوحدات المكونة لها عمومًا ودور الدول المحورية داخل تلك الهياكل لما لها من تأثير مهم في عمل تلك الهياكل.

5-             من العناصر المهمة لاستمرارية عمل هياكل الأمن الإقليمي مدى قدرتها على التأقلم مع المتغيرات الأمنية المتلاحقة ومن ذلك على سبيل المثال استراتيجية المنظمات الإقليمية في التصدي لمخاطر الجماعات المسلحة دون الدول التي أضحت المهدد الأول ليس فقط للأمن الإقليمي بل والعالمي على حد سواء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية ـ مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة      

مجلة آراء حول الخليج