قال السير والتر رالي عام 1616م، " من يسيطر على البحار يسيطر على التجارة ومن يسيطر على التجارة يسطر على ثروات العالم وبالتالي يسيطر على العالم". وإن خطوط المواصلات البحرية مهمة للنمو الاقتصادي وأمن الدول، وقد أكد ألفرد ماهان مع بداية القرن العشرين على أهمية القوة البحرية، فقال إن من يسيطر على البحار يسيطر على العالم، وأن السيطرة على البحار تكون في السيطرة على الممرات المائية العالمية، وكانت البحرية البريطانية القوة الرئيسة التي جعلت من بريطانيا الدولة الأولى في العالم، تتحكم في البحار والمحيطات من خلال تحكمها في الممرات المائية، وخاصة الممرات التي تقع في العالم العربي من جبل طارق غربًا إلى قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز وشرقًا إلى ممر ملقة، وكان التنافس البحري بين ألمانيا وبريطانيا من أسباب الحرب العالمية الأولى، ونجد اليوم أن 90% من تجارة العالم تمر عبر البحار والمحيطات والتي تبلغ ثمانية تريليون سنويًا وبالتالي تظهر أهمية الممرات المائية الجيواستراتيجية.
الدول الكبرى والسيطرة على الممرات المائية
إثر حملة نابليون على مصر (1798-1801م) لقطع طريق بريطانيا إلى الهند التي كانت تعتبر درة التاج البريطاني، عززت بريطانيا أسطولها وتأمين الخطوط الملاحية فاحتلت عدن عام 1823م، واستغلت أزمة الخديوي إسماعيل المالية بعد افتتاح قناة السويس 1869م، فاشترت أسهم مصر في قناة السويس وبالتالي سيطرت على قناة السويس وبقيت حتى عام 1956م، عندما أممها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وشنت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر.
وخلال وجودها في منطقة الخليج العربي سيطرت بريطانيا على مضيق هرمز، كما سيطرت على جزر ميون (بريم) وكمران وسقطري وبالتالي أصبح خط الملاحة من الهند إلى البحر المتوسط حيث الهيمنة البريطانية من خلال السيطرة على قبرص ومالطة، وسيطرت بريطانيا على مضيق جبل طارق منذ عام 1714م، الذي يربط بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.
كما سيطرت بريطانيا على مضيق ملقة في جنوب شرق أسيا الذي يربط المحيط الهندي بالمحيط الهادي الذي يمر منه 25% من البترول لشرق آسيا من بترول الشرق الأوسط وخاصة للصين واليابان، وتعبره 100 ألف سفينة سنويًا (2016م)، وبعد استقلال الدول المحيطة به، أصبح يخضع لكل من إندونسيا وماليزيا وسنغافورة، وهناك ميناء البسفور والدردنيل ويربطا البحر الأسود مع البحر المتوسط، وهو الممر الوحيد لعبور السفن الروسية بالبحر المتوسط، وتمر منهما 28 ألف سفينة سنويًا، أغلبها سفن تجارية روسية حيث تمر عشرون سفينة روسية يوميًا. ويبقى ممر قناة بنما بين الأمريكيتين تهيمن عليه الولايات المتحدة باتفاقية مع دولة بنما .
تقع الممرات الدولية الاستراتيجية في العالم العربي والإسلامي التي يتمتع بمزايا استراتيجية هامة يذكرنا بقول أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي الراحل وليم فوكس بأن من يسيطر على الشرق الأوسط يتحكم في أوروبا ومن يتحكم في أوروبا يسيطر على العالم ؟، والواقع من يتحكم في الممرات.
وبذلك فإن الدول الكبرى، ومنذ القرن التاسع عشر تتحكم بالممرات المائية بالعالم العربي والإسلامي، ومع توازن القوى خلال الحرب الباردة تحكمت الدول العربية في ممرات المائية نسبيًا، ولكن مع نظام آحادي القطبية وهيمنة الولايات المتحدة على العالم تقريبًا أخذت تقيم قواعدها العسكرية وإثر تحول النظام الدولي إلى التعددية القطبية وبسبب الإرهاب والقرصنة البحرية والتجارة الدولية والحرب الأهلية في الصومال وأزمة اليمن، أخذت الدول الكبرى تقيم لها قواعد عسكرية على شواطئ البحر الأحمر وخاصة على الجانب الإفريقي وتتجول الأساطيل البحرية في المحيط الهندي والبحرين الأحمر والمتوسط وغيرها؟
إسرائيل وتهديد الأمن القومي العربي
تنبهت إسرائيل منذ إعلانها عام 1948م، إلى أهمية البحر الأحمر والممرات المائية، فاحتلت إسرائيل عام 1949م، قرية أم الرشراش المصرية في خليج العقبة المنفذ للبحر الأحمر ,واطلقت عليها " إيلات"، وإثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهجوم القوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء، فتم الاتفاق بعد انسحابها بوجود قوات الطوارئ الدولية، وأن تمر السفن الإسرائيلية من مضيق تيران وفقًا لمقولة ديفيد بن غوريون " إنني أحلم بأساطيل داوود تمخر في البحر الأحمر"، وخططت فيما بعد لشن حرب 1967م، لاحتلال سيناء والضفة الغربية وهضبة الجولان، وهي ليست أزمة سياسية ولكنها خطة إسرائيلية للتوسع الإسرائيلي وفقًا لأهداف الحركة الصهيونية في إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وأقامت إسرائيل علاقات مع إثيوبيا في عهد هيلاسيلاسي، وفقًا لاستراتيجية الأطراف التي تبنتها، لإستئجار قواعد لها في الشواطئ الإثيوبية ( قبل استقلال إرتيريا عن إثيوبيا) على البحر الأحمر، كان الهدف الإسرائيلي مواجهة مصر في إفريقيا حيث كانت قلعة حركات التحرر الإفريقية، إنها أكبر دولة عربية والقوة الرئيسة التي تهددها، وعندما نشبت حرب أكتوبر (رمضان) 1973م، بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، أغلقت البحرية المصرية مضيق باب المندب بالاتفاق مع الحكومة اليمنية، وتنبهت إسرائيل للسيطرة على بعض الجزر في البحر الأحمر لتأمين مرورها إلى إفريقيا وآسيا .
وعندما أعلنت بريطانيا رغبتها في الانسحاب من جزر باب المندب وخاصة ميون (بريم) ضمن استراتيجيتها تجاه الخليج العربي، جاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي في 29 يونيو 1966 م" إذا سقطت جزيرة ميون (بريم) في أيد غير صديقة، فقد ينجم موقف خطير كما حدث في خليج العقبة وعلى نطاق أخطر" ، وطالبت إسرائيل بريطانيا بعدم الانسحاب، أو تدويل باب المندب، ونشطت بريطانيا بالضغط في أروقة الامم المتحدة لتدويله وفقًا لرغبة إسرائيل، ولكن اليمن وقفت بكل قوة ضد المشروع البريطاني، واعتبرته مخالفًا للقانون الدولي ودعمت الجامعة العربية اليمن. وكانت بريطانيا آنذاك تتفاوض للخروج من جنوب اليمن التي استقلت عام 1967 م، باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
كانت أول محاولة لإسرائيل لاحتلال جزيرة ميون في مطلع عام 1969م، وجاءت تقارير اليمن والسودان للجامعة العربية بالتحذير من التحرك الإسرائيلي جنوب البحر الأحمر، حيث السفن الإسرائيلية والقطع البحرية الإسرائيلية في جزر دهلك وتركيبها أدوات رصد واستطلاع، ولكن مصر كانت تنبهت لخطر إسرائيل وخلال حرب أكتوبر أغلقت مضيق باب المندب في وجه السفن الإسرائيلية.
ولكن إسرائيل حققت تعاونًا قويًا بعد استقلال إرتيريا عن إثيوبيا في عام 1993م، حيث كانت أول زيارة لرئيس إرتيريا أسياس أفورقي لإسرائيل في سبتمبر من نفس العام، وكان يمكن أن يكون البحر الأحمر بحيرة عربية في حالة انضمان إرتيريا للجامعة العربية لأن الدول العربية وخاصة مصر والسودان والعراق والسعودية كانت الداعمة لحركة تحرير إرتيريا، ولكن مع اقتراب موعد استقلال إرتيريا، دعمت إسرائيل والولايات المتحدة أسياسي أفورقي للوصول للسلطة، وهو الذي شن حملة قوية ضد المسلمين الارتيريين، وهم الأكثرية ودخل في نزاعات مع السودان وجيبوتي وإثيوبيا واليمن، ودعمت إسرائيل بقوتها العسكرية إرتيريا عام 1995م، لاحتلال جزر حنيش اليمنية، وكان تدخلاً إسرائيليًا مباشرًا تحت غطاء إرتيري حتى تم حلها فيما بعد وفق التحكيم الدولي.
وقامت إسرائيل بالتعاون مع أرتيريا في استغلال السواحل الإرتيرية واقامة محطات تجسس وقواعد بحرية لإسرائيل في أرخبيل جزر دهلك على السواحل الإرتيرية، فالعلاقة الإسرائيليةـ الإرتيرية تهدد الأمن القومي العربي في البحر الأحمر. وتبقى إسرائيل بوجودها الاستخباراتي والعسكري بقواعد في إرتيريا التهديد الرئيس للأمن القومي العربي .
مضيق باب المندب والصراع الدولي والقواعد العسكرية
تزايد التواجد العسكري الأجنبي في القرن الإفريقي منذ عام 1980م، عندما أعلن الرئيس الأمريكي كارتر ما عرف بمبدأ كارتر وتشكيل قوات الانتشار السريع التي عرفت فيما بعد القيادة المركزية للشرق الأوسط حيث كان البحر الأحمر والجزيرة العربية من ضمن نشاطاتها بالإضافة للقرن الإفريقي وإنشاء قاعدة عسكرية في كينيا، ولكن فرنسا سبقتها بإقامة قاعدة عسكرية لها ( قاعدة فورس فرانسيس جيبوتي FFDJ) في مستعمرتها السابقة جيبوتي حاليًا التي كانت تعرف بالصومال الفرنسي، والتي يوجد بها حوالي 4000 جندي فرنسي، وتأسست فيما بعد القاعدة الأمريكية لامنيار Lemonnier عام 2001 بعد أحداث 11 سبتمبر والتي تدير علاقة الولايات المتحدة مع عدة دول في المنطقة.
ويعتبر باب المندب ذات أهمية استراتيجية حيث تعبره سنويا 12 مليون حاوية من البضائع، إضافة لناقلات البترول التي تعبره ويعد من أهم المنافذ البحرية الدولية، وكان لظهور الحركات الإرهابية والصراعات العرقية وانهيار الدولة في الصومال والحرب الأهلية والقرصنة البحرية من الأسباب التي دفعت الدول الكبرى لزيادة تواجدها وإقامة القواعد العسكرية، وهذا يعني أن دول المنطقة ضعيفة ولا تستطيع حماية نفسها ومصالح الدول الأخرى في المنطقة، وبوجود القواعد العسكرية يعني أن دول القرن الإفريقي خاضعة للتبعية الأمنية للدول الكبرى، فقيادة الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين والقواعد على سواحل البحر الأحمر من الجانب الإفريقي في الصومال وجيبوتي وإرتيريا منتشرة على سواحل البحر الأحمر الإفريقية ؟
أقامت الصين لها قاعدة عسكرية في جيبوتي بالقرب من القاعدة الأمريكية لحماية المصالح التجارية الصينية في دول الخليج العربي وفي إفريقيا، حيث أن ثلث الحاويات التي تعبر باب المندب قادمة من الصين، ومن المتوقع أن تصل الاستثمارات الصينية في المنطقة إلى 60 مليار دولار، وكانت اليابان قد بدأت بتواجدها العسكري في جيبوتي عام 2009م، وهو أول تواجد عسكري ياباني خارج اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، وتتواجد القوات اليابانية تحت مسمى "قوات الدفاع المدني" التي وصل عددها في جيبوتي 400 عنصر، وتوجد أيضًا مدمرتان يابانيتان لتأمين السفن التجارية، وتتواجد بعض القوات الإسبانية والألمانية في جيبوتي أيضًا رغم أنها ليس لهما قواعد عسكرية. وبالإضافة إلى الدول الكبرى، فإن المملكة العربية السعودية تباحثت مع حكومة جيبوتي لإقامة قاعدة عسكرية وتوقيع اتفاق استراتيجي للتعاون الأمني والعسكري يحفظ الأمن الوطني السعودي.
وحسب مصادر مركز مقديشو للبحوث والدراسات تحصل جيبوتي على ربع مليار دولار سنويًا مقابل تاجير القواعد العسكرية، فالتأجير السنوي للولايات المتحدة (70) مليون دولار، وللصين (100) مليون دولار ولليابان (35) مليون دولار ولفرنسا (30) مليون دولار، بالإضافة إلى ما تحصل عليه من إسبانيا وألمانيا؟ وتقدم هذه الدول مساعدات مالية وإقامة مشاريع تنموية لدول القرن الإفريقي. والملاحظ أن المبلغ الذي تحصل عليه جيبوتي من تأجير القواعد العسكرية يعتبر مبلغًا زهيدًا، وهي دولة عضو في الجامعة العربية ويمكن لدولة عربية غنية أن تغطي هذا المبلغ للحيلولة دون التواجد الأجنبي في دولة عربية، وأن يكون التواجد الأمني للدول العربية، ولكن يظهر أن جيبوتي تخشى على أمنها من جيرانها ولذلك تلجأ للقواعد الأجنبية لحماية نفسها من جيرانها حيث كان لها نزاع مع إرتيريا، وهذا يعني ضعف التنسيق بين دول الجامعة العربية وانهيار النظام الإقليمي العربي مما دفع بعض دول الإقليم لتتحصن بالقواعد الأجنبية وهي ظاهرة خطيرة تعكس مدى تفكك المنظومة الأمنية العربية ؟
القواعد العسكرية والممرات المائية والتنافس الإقليمي
إن الدول الكبرى لها مصالحها وتتواجد لحمايتها، ولكن مع الحرب الأهلية في الصومال والخلافات السياسية في القرن الإفريقي والدول المطلة على باب المندب والأزمة اليمنية والانقلاب الذي قادته الحركة الحوثية على الشرعية في اليمن والدعم الإيراني لها، أوجد تنافسًا بين الدول الإقليمية في منطقة البحر الأحمر التي تعتبر حقيقة ضمن النفوذ العربي إلا أن الخلافات السياسية العربية شجعت الدول الإقليمية أو ما يسمى دول الجوار الجغرافي لإقامة قواعد عسكرية في الدول الإفريقية المطلة على البحر؟
أقامت تركيا قاعدة عسكرية لها في الصومال قريبة من باب المندب، ويرجع الوجود التركي فيها إلى قيام فرق الإغاثة التركية والمشاريع الاقتصادية والتعليم في الصومال، وقد زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الصومال أكثر من مرة، وفي ظل التراجع العربي عن الصومال تتقدم تركيا لملء الفراغ الاستراتيجي، لتصبح الصومال عامل توازن للتهديد الإثيوبي والكيني في الصومال، كما أن زيارة الرئيس التركي إلى السودان في 24 ديسمبر الماضي، وتأجير جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر لمدة 99 عامًا، يعكس الدور التركي في أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر وتسهم في توازن القوى الإقليمي ويقدر أن عدد القوات التركية قد تصل في المستقبل إلى 20 ألف جندي، كما أن القاعدة العسكرية بدولة قطر يجعلها أيضا مطلة على الخليج العربي ومضيق هرمز الاستراتيجي، وهذا ما أقلق بعض الدول الإقليمية خاصة علاقة تركيا بالسودان، فأدى إلى تقارب إرتيري مصري ـ في ظل تقارب تركيا مع السودان والصول وإلى حد ما إثيوبيا.
وتتحرك إيران لايجاد نفوذ لها في اليمن المطلة على باب المندب من خلال دعم الحركة الحوثية، وتقترب من أرتيريا في محاولة لإيجاد قاعدة لها وتتحرك لتعزيز العلاقة مع السودان، التي تميزت العلاقة معها بالمد والجزر، ويتوقع أن تتحسن العلاقات السودانية الإيرانية في ظل حاجة السودان إلى المساعدات والأسلحة في حالة مواجهة المعارضة المسلحة في شرق السودان ودارفور ومع قلق السودان من المعارضة السودانية ودعم إرتيريا والخلافات المصرية والسودانية حول حلايب.
وأقامت الإمارات العربية المتحدة لها قاعدة عسكرية في أرتيريا وتعزز وجودها في ميناء عدن وجزيرة سوقطرة وبالتالي إن الوجود العسكري الإماراتي في سواحل اليمن يجعلها لاعبًا في أمن بحر العرب، وحيث التقارب السوداني التركي يتبلور تقارب إماراتي ومصري في البحر الأحمر، وفي ظل القواعد الأجنبية فإن التواجد العربي يبقى ثانونيًا ويحتاج إلى ترتيب للعلاقات العربية-العربية لمواجهة تحديات الوجود الأجنبي وخاصة إسرائيل في البحر الأحمر فالخلافات العربية نقطة ضعف في تحقيق الأمن القومي العربي؟
أمن مضيق هرمز والمصالح المشتركة
يمثل مضيق هرمز أهمية استراتيجية واقتصادية وتجارية إقليميًا ودوليًا، وهو المضيق الوحيد لعدة دول مصدرة للنفط كالعراق، الكويت، البحرين، قطر والإمارات العربية المتحدة، وممرها إلى خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي، وتطل إيران على المضيق من الشمال. وتعبر المضيق ما بين 20 -30ناقلة نفط يوميًا، تحمل حوالي 40% من النفط المنقول عبر العالم، وتصدر العراق 98% من بترولها عن طريق المضيق كما تصدر كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية جزءًا من بترولهما عبر المضيق؟
ولأهمية البترول الإيراني المصدر لإيطاليا وإسبانيا واليونان، وتستورد الدول الأوروبية 18% من إجمالي صادرات البترول الإيرانية البالغة 2.7 مليون برميل نفط يوميًا؟
إن هذه الأهمية الدولية والإقليمية لمضيق هرمز أسهمت بشكل أو بآخر في الوصول إلى الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني لاستحالة المغامرة العسكرية ضد إيران من الولايات المتحدة أو إسرائيل، ولذلك دفعت إدارة أوباما للوصول إلى اتفاق مع إيران والمفاوضات المباشرة معها لأن الحل العسكري يعني إغلاق المضيق والفوضى في المنطقة فكان الحل السياسي هو الأمثل في ظل استحالة الحل العسكري.
منتدى الأمن الإقليمي وأمن الممرات
إن تواجد القواعد العسكري الأجنبية حول الممرات المائية ليس في مصلحة الأمن القومي العربي، وحيث أن الممرات الاستراتيجة تقع أغلبها في المنطقة العربية والإسلامية، فتحقيق المصلحة يأتي بتعاون الدول العربية والإسلامية التي تشرف على هذه الممرات المائية، فنجد أن الأحلاف بين الدول أو المنتديات السياسية تهدف لتحقيق مصالها ، فالهند أنشأت منتدى المحيط الهندي ليشمل الدول المطلة على المحيط لتحقيق التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني، ولذلك فإقامة منتدى للأمن الإقليمي للبحر الأحمر يعتبر ضرورة إستراتيجية لتحقيق المصالح العربية، فالتحدي الرئيس للأمن القومي العربي في البحر الأحمر أو بحر العرب وحتى المحيط الهندي هو إسرائيل، فهي التي أقامت قواعد لها في الجزر الإريترية والرئيس أسياس أفورقي يتعاون مع إسرائيل، وتوطد علاقاتها مع الهند شرقًا، تبين ذلك من زيارة رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو إلى الهند وعقد صفقات تجارية وتعاون في التصنيع العسكري وزيارة رئيس وزراء الهند لإسرائيل .
أما الخطر الإيراني فهو ثانوي مقارنة بالخطر الإسرائيلي، وكما يقول أستاذ العلاقات الدولية الأمريكي ستيفن والت في مقالة له في مجلة السياسة الخارجية (Foreign Policy ) 16 يناير 2018م، أنه لا توجد هيمنة إيرانية في المنطقة إلا في عقل ترامب وجنرالاته، وأن إيران تفتقد للقوة الحقيقة لكي تسيطر على دول الشرق الأوسط التي تعاني من انقسامات عميقة. وتشير أرقام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) لعام 2016م، بأن عدد سكان إيران 85 مليون نسمة والدخل القومي السنوي 400 مليار دولا، وأن ميزانيتها العسكرية حوالي 16 مليار دولار وعدد قواتها العسكرية بما فيها الحرس الثوري 520 الف، بعضهم من المجندين وتدريبهم ضعيف، كما أنها تعاني من ظروف اقتصادية صعبة أدت إلى مظاهرات في داخل البلاد. ويؤكد الخبير الاستراتيجي الأمريكي المخضرم أنتوني كوردسمان في عام 2010م، أن" قدرات إيران العسكرية تقليدية محدودة جدًا وتعتمد على أسلحة قديمة ذات نوعية متدنية .. وقواتها ليست منظمة كي تظهر قوة عسكرية جدية في منطقة الخليج"؟
وبالمقارنة فإن عدد سكان جمهورية مصر العربية أكثر من مئة مليون نسمة، ومصر والسعودية والأردن والإمارات العربية والسودان يفوق دخلها السنوي تريليون دولار، أما النفقات العسكرية لهذه الدول خمسة أضعاف النفقات العسكرية الإيرانية ولدى هذه الدول المال لكي تشتري الأسلحة الجديدة والمتطورة؟ ولكن خطر إسرائيل أنها نووية ولديها مشروع إسرائيل الكبرى وهي دينيًا وحضاريًا وعقديًا لا تنتمي للمنطقة واستعمار استيطان في المشرق العربي تحتل الأراضي العربية وتعتبر القدس الشريف عاصمة لها وهذا تحد كبير للأمن القومي العربي والإسلامي؟
إن إقامة منتدى لأمن البحر الأحمر من مصر الدولة العربية الكبرى والسعودية والإمارات العربية والأردن والسودان والصومال وجيبوتي وضم تركيا الدولة الإسلامية المحورية بشكل تكتلي يخدم مصالح المنطقة ويقلل من خطر التدخل الأجنبي في منطقة البحر الأحمر؟ كما أن منتدى للتعاون الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي مع باكستان والهند واحتواء إيران ضمن هذا المنتدى، سوف يحقق لهذه الدول وإيران الأمن في الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي. فالمقولة السياسية المعروفة ليس هناك عداوة دائمة أو صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة هي الأساس في العلاقات الدولية. وإن تحقيق أمن الدول العربية المحيطة بالممرات المائية ضرورة استراتيجية لأمنها واحتوائها لإيران ومواجهة الخطر الإسرائيلي الذي يتمدد بقواعد عسكرية وعلاقاته في إفريقيا وآسيا .
إن الخلافات بين الدول العربية والإسلامية يضعف هذه الدول وهي التي تملك ثروات هائلة من الطاقة والسكان والثروات الاقتصادية وذات تاريخ حضاري عريق والممرات المائية الاستراتيجية التي يمكن في حالة تعاونها يجعلها قوة فعالة ورئيسة على مستوى العالم فهي منطقة برمائية تملك مزايا قوة البر والبحر. وهي تشكل مساحة واسعة من حافة اليابسة التي قال عنها المفكر الاستراتيجي الأمريكي نيقولا سبيكمان "" من يسيطر على حافة اليابسة يسيطر على أورآسيا ومن يسيطر على أورآسيا يسيطر على العالم "؟؟