array(1) { [0]=> object(stdClass)#12963 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 127

حلف الناتو: ثلاثة محددات تحكم تدخله في الصراعات .. وأولوية لأمن الممرات المائية

الخميس، 15 شباط/فبراير 2018

تستحوذ حماية الممرات المائية الحيوية على جل اهتمام حلف الناتو بالنظر إلى ما تمثله تلك الممرات من أهمية ليس فقط على صعيد نقل النفط لأعضاء الحلف بل أيضًا كونها معابر للتجارة العالمية التي ينقل جزء كبير منها عبر البحار والتي يعد أعضاء الحلف جزءًا منها، وعلى الرغم من عدم وجود استراتيجية معلنة ومتكاملة من جانب الحلف بشأن حماية تلك الممرات فإن للحلف آليات يعمل من خلالها الحلف ضمن المنظومة الدولية سواء أكانت منظمات أو تحالفات دولية تم تشكيلها بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي عمومًا ومنها أمن الممرات البحرية.

وتثير تلك القضية أربعة تساؤلات رئيسية وهي:

أولاً: هل تحظى تهديدات الأمن البحري بأهمية ضمن استراتيجيات الحلف؟

ثانيًا: ما هي قدرات وآليات حلف الناتو لمواجهة تهديدات الأمن البحري؟

ثالثًا: ما هي مساهمات حلف الناتو في التصدي لتهديدات الأمن البحري؟

رابعًا: ما هي مقومات دول الخليج للتكامل مع جهود حلف الناتو في ضمان أمن الممرات البحرية؟

أولاً: تهديدات الأمن البحري ضمن استراتيجيات حلف الناتو:

إن إمعان النظر في معاهدة حلف شمال الأطلسي"الناتو" الذي أنشئ عام 1949م، والتي تتضمن مقدمة وأربعة عشر مادة أهمها المادة الخامسة والتي تتضمن أن أي عدوان يقع على أي دولة من دول الحلف يعتبر عدوانًا على الدول المتحالفة جميعًا بما يحتمه ذلك من مساعدة تلك الدولة لرد ذلك العدوان بكل الوسائل الممكنة، يعكس حقيقة مؤداها أن الحلف في جوهره هو تحالف دفاعي بالمفهوم الشامل حتى على الصعيد البحري بالنظر إلى كونه يضم دولاً لها خبرات ممتدة في العمل البحري، فضلاً عن قدراتها العسكرية الهائلة، ناهيك عن مصالحها الاقتصادية التي يرتبط جزء كبير منها بالبحار وطرق المرور الحيوية في العالم، ومن ناحية ثانية فإن البيئة الأمنية الجديدة والتي تمخضت عن انتهاء الحرب الباردة قد حدت بالحلف لتأسيس شراكات استراتيجية ومنها مبادرة الحوار المتوسطي عام 1994م، ومبادرة استانبول عام 2004م، وهما مبادرتان تضمان دولاً جميعها بحرية وتواجه تهديدات هائلة في مجال الأمن البحري مما يثير لديها تساؤلات بشأن ما يمكن أن يقدمه حلف الناتو من دعم في هذا المجال ضمن متطلبات تطوير تلك الشراكات نحو آفاق أرحب.

وواقع الأمر أن حماية الأمن البحري قد حظيت باهتمام لدى صانعي القرار في الحلف على صعيد التخطيط حيث نجد أن المفهوم الاستراتيجي الصادر عام 2010م، وهو ميثاق أمني رفيع المستوى يصدره الحلف كل عشر سنوات لمراجعة التهديدات الأمنية التي تواجه الحلف وخاصة خارج أراضيه ويعد مكملاً للميثاق المنشئ للحلف ولا يتناقض معه، قد أولى اهتمامًا كبيرًا لتهديدات الأمن البحري وتأمين الممرات المائية الحيوية، وتضمن المفهوم الاستراتيجي توصيفًا لتلك التهديدات وتحديدًا لآليات مواجهتها، حيث تضمن ذلك المفهوم أن الأحداث الأمنية التي تشهدها مناطق ما وراء حدود الحلف الجغرافية تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الحلف، وبالتالي فإن الحلف سوف ينخرط بشكل أكثر فاعلية للارتقاء بالأمن الدولي من خلال شراكات مع الدول ذات الصلة وغيرها من المنظمات الدولية، وفي ظل تزايد اعتماد دول الحلف على الطاقة التي تنقل عبر طرق العبور الحيوية في العالم ،فضلاً عن كونها ممرات للتجارة، فإن ذلك يتطلب جهودًا كبيرة لضمان القدرة على التعامل مع أي هجوم أو محاولات تعطيل الإمدادات والتي تظل أمرًا محتملاً، كما أن حماية البنى التحتية وخطوط النقل والتعاون مع الشركاء جميعها أمور أساسية تتطلب وضع رؤى استراتيجية ومخططات للطوارئ، فضلاً عن أهمية قيام الحلف بتدريب وبناء قدرات القوات المحلية في الدول التي تشهد أزمات من شأنها أن تمثل تهديدًا للمصالح الحيوية للحلف.

ولم تأت تلك الرؤية من فراغ وإنما أوجدتها ثلاثة مستجدات أولها: نمو حجم التجارة العالمية وبالتالي ازدحام طرق الإبحار حيث يتم نقل 90%من التجارة العالمية عبر البحار، وفي الوقت الذي ازدهر فيه حجم التجارة العالمي فقد ازدادت معه تهديدات الأمن البحري بما يمكن معه القول أن المساحات البحرية الواقعة خارج سيطرة الدول يمكن أن تكون ملاذًا آمنًا للجماعات دون الدول وكذلك الدول التي تمول أنشطة غير مشروعة مثل الإرهاب والمواد النووية،أو الهجوم على السفن الحربية ومن ذلك الهجوم الإرهابي على المدمرة الأمريكية في اليمن عام 2000م،بما يعكس أهمية ضمان أمن الملاحة في الممرات البحرية عمومًا ومنها على نحو خاص مضيقي باب المندب وهرمز، فمضيق باب المندب يمر منه ما يتراوح بين 3.5 إلى 4 ملايين برميل من النفط يوميًا إلى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، و12 مليون حاوية من البضائع سنويًا، بينما يمر من مضيق هرمز 17 مليون برميل يوميًا من النفط بمعدل 40% من النفط العالمي، وثانيها: أن الدول المصدرة للطاقة وتلك التي تمر الطاقة عبر أراضيها تقع ضمن محيط أمني مضطرب بما يجعل ذلك المورد عرضة لأزمات محتملة من شأنها انقطاع تلك الإمدادات أو على الأقل عرقلة مرورها، وثالثها: أن دور حلف الناتو خارج أراضيه قد شهد تطورًا كبيرًا وخاصة بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة ضمن ما يعرف بالسياسات الاستباقية أو الوقائية من المخاطر التي يرى الحلف أنها تمثل تهديدًا له.

ثانيًا: قدرات وآليات حلف الناتو لمواجهة تهديدات الأمن البحري:

على صعيد القدرات، لدى حلف الناتو قوة بحرية تتكون من قدرات عملية منفصلة ومهارات تقنية موجودة في مختلف الوحدات والموظفين، وتتمثل تلك القدرات في القيادتين البحريتين في كل من نابولي بإيطاليا ونورثوود في المملكة المتحدة،فضلاً عن قيادة الغواصات الموجودة في نوفورك في فيرجينيا، ولدى الحلف قيادة بحرية مشتركة تضم أربع مجموعات بحرية ثابتة متعددة الجنسيات اثنتان منهما تعمل على إزالة الألغام ويتبعان قيادة نابولي ونورثوود، فضلاً عن أربع وحدات حربية جاهزة للعمل والتدخل تحت قيادة كل من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى قيادة أخرى لدى الولايات المتحدة، كما توجد خمس سفن تابعة للمجموعة البحرية الدائمة الثانية للحلف بالقرب من قبرص بقيادة ألمانيا، ومع أهمية تلك القدرات تعكس التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولي الحلف الرغبة في المزيد من تطوير قدراته البحرية ومن ذلك على سبيل المثال تصريح الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج بأن "الحلف يحتاج لزيادة عدد السفن والغواصات وطائرات المراقبة البحرية من أجل تعزيز قدراته في المجال العسكري البحري"، ويعني ذلك التصريح أن الحلف يستهدف تخطيطًا أفضل في المجال البحري،   فضلاً عن كونه يأتي ضمن الصراع مع روسيا الساعية لإيجاد نفوذ في ذات مناطق الاتحاد السوفيتي السابق في الشرق الأوسط وهي ذاتها مناطق شراكات حلف الناتو، ففي نهاية عام 2014م، قامت روسيا بتعديل عقيدتها البحرية لمواجهة استراتيجيات حلف الناتو، وقد تضمنت استراتيجية روسيا -من بين إجراءات عديدة- المحافظة على وجود دائم في المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، وهو مايراه مسؤولو الحلف تحديًا هائلاً له.

وعلى صعيد الآليات توجد لدى حلف الناتو عدة آليات للحفاظ على الأمن البحري عمومًا وهي:

الآلية الأولى: قوة المسعى النشط: حيث جاء قرار الحلف بتشكيل تلك القوة في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، في الولايات المتحدة وتضم عشر سفن تدعمها غواصات وطائرات وتختص بتفتيش السفن التي يشتبه بقيامها في القيام بأعمال التهريب في حوض البحر الأبيض المتوسط.

أما الآلية الثانيةفهي إعلان الحلف إنشاء مركز قيادة استراتيجي للحلف في مدينة نابولي الإيطالية في سبتمبر 2017م، وتتمثل مهمة ذلك المركز في الإشراف على عمليات الحلف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والساحل وإفريقيا جنوب الصحراء وذلك من خلال فهم وتنسيق الاستجابة للتحديات الاستراتيجية التي يواجهها الحلف على الجبهة الجنوبية ومنها الإرهاب والهجرة والتطرف،والجدير بالذكر أن إنشاء ذلك المركز قد جاء بطلب من إيطاليا، وعلى الرغم من أنه لن يقوم بعمليات عسكرية فإنه سوف يناط به بلورة فهم أفضل للتطورات في منطقة الشرق الأوسط.

بينما تمثل الآلية الثالثة فيإقرار وزراء دفاع الحلف خلال اجتماعهم في بروكسيل في نوفمبر 2017م، تعديل هيكل قيادة الحلف للمرة الأولى منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة وتستهدف تلك التعديلات إتاحة تحرك القوات عبر المحيط الأطلسي وداخل أوروبا بوتيرة أسرع ومن بين تلك التعديلات إنشاء إحدى القيادات التي تختص بحماية الخطوط البحرية عبر المحيط الأطلسي.

والآلية الرابعة هي: المناورات البحرية مع الدول الشريكة للحلف:

ومنها المناورات المشتركة التي أجرتها سفن المجموعة البحرية الأولى للحلف مع القوات البحرية الجزائرية في أكتوبر 2017م، وذلك بهدف دعم التنسيق العملياتي بين الجانبين في مجالات المراقبة والأمن البحريين، فضلاً عن إجراء المجموعة البحرية الثانية التابعة للحلف مناورات مع المملكة المغربية في أبريل 2015م، من ناحية ثالثة فقد أجرى الحلف في 19 أكتوبر 2015م، مناورات بحرية ضخمة استمرت خمسة أسابيع وكانت الأكبر من نوعها منذ أكثر من عقد من الزمان وشارك فيها 36 ألف جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة وأكثر من 60 سفينة والتي اعتبرت نوعًا من الردع تجاه أي تهديدات يمكن أن تمثل تحديًا سواء للأمن البحري أو التمدد في مناطق شراكات الحلف.

ثالثًا:مساهمات حلف الناتو في التصدي لتهديدات الأمن البحري:

ضمن مواجهة الحلف لتهديدات الأمن البحري فإن الحفاظ على أمن الطاقة يعد في مقدمة اهتمامات الحلف، ولم تكن بدايات اهتمامات الحلف بتلك القضية مرتبطة بما تضمنه المفهوم الاستراتيجي للحلف عام 2010م، إذ لم يكن الحلفببعيد عن حماية الممرات البحرية الحيوية ، بيد أن ذلك الاهتمام لم يكن من خلال الحلف كمنظمة وإنما من خلال مشاركة أعضاء الحلف الرئيسيين ضمن تحالفات دولية لتأمين مصادر الطاقة وذلك مرتين الأولى: خلال الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينيات من خلال التدخل العسكري الغربي لحماية ناقلات النفط الخليجية فيما عرف آنذاك "بحرب الناقلات" حيث تمكنت إدارة الرئيس ريجان آنذاك من تأسيس ائتلاف لهذا الغرض وتمكنت الدول الحليفة من أسر بعض السفن الإيرانية التي كانت تقوم بزرع ألغام مضادة في مياه الخليج العربي،أما المرة الثانية فكانت في عام 1991م، خلال حرب تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي لأراضيها وضمان عدم سيطرة النظام العراقي آنذاك على نفط الكويت وتهديد المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى،حيث قادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا لهذا الغرض شارك فيه الأعضاء الرئيسيين في حلف الناتو،ومن ثم فإنه من التبسيط الشديد القول أن لدى حلف الناتو جيش جاهزلمواجهة تهديدات الأمن البحري وذلك بالنظر إلى ماهية عمل وتدخل الحلف ذاته، فضلاً عن البيئة الأكبر التي يعمل فيها الحلف، فانطلاقًا من أن معظم الإمدادات النفطية تأتي من خارج أراضي الدول الأعضاء في الحلف فإن للحلف مصلحة أكيدة في تأمين البنية التحية سواء في الدول المنتجة للنفط أو تلك التي يمر من خلالها النفط، حيث يسهم في حماية البنية التحتية في الدول المنتجة للطاقة، وللحلف خبرات طويلة في إدارة الأزمات عمومًا والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية ومن ذلك التصدي لعمليات القرصنة في الدول التي لها سواحل على الممرات البحرية الحيوية في العالم مثل الصومال وذلك من أجل ضمان حرية الملاحة ،حيث كان للحلف مساهمات في مواجهة خطر القرصنة ففي 2008م، قامت المجموعات البحرية لحلف الناتو في خليج عدن والصومال لمدة ثلاثة أشهر بتوفير الأمن لسفن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة والتي كانت تضطلع بمهمة إيصال مساعدات إنسانية للصومال، فضلاً عن القيام بدوريات مكافحة القرصنة على طول طرق الإبحار وذلك بعد أسبوعين فقط من قرار أمين عام الحلف بشأن المساهمة في تلك العملية وهو الأمر الذي يعكس مرونة وقدرة الحلف على الاستجابة للتهديدات الأمنية خارج حدوده، ثم تطور دور قوات الناتو في القرن الإفريقي والمحيط الهندي في عام 2009م، وحتى الآن من خلال عملية "درع المحيط"، والتي استندت إلى القرارات الأممية للتصدي للقرصنة في الصومال وهي 1814 و1816 و1838 ويلاحظ أن ذلك القرار الأخير هو الذي استند إليه الحلف بشكل محدد في التدخل للمساهمة في التصدي لخطر القرصنة في القرن الإفريقي وخاصة الفقرة الخامسة من القرار والتي نصت على ما يلي" يحث مجلس الأمن الدول والمنظمات الإقليمية أن تواصل وفقًا لأحكام القرار 1824 لعام 2008م، اتخاذ إجراءات لحماية القوافل البحرية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي التي تكتسب أهمية حيوية في إيصال المساعدة الإنسانية إلى السكان المتضررين في الصومال"، الجدير بالذكر أن حلف الناتو قد أعلن استمرار المشاركة في التصدي للقرصنة قبالة سواحل الصومال حتى نهاية عام 2018م، وقد جاء في بيان الحلف أن"عدد الهجمات وعمليات الخطف تراجعت وكان منها محاولتان فاشلتان لشن هجمات بحرية خلال شهر مارس 2017"م، حيث يسهم الحلف ضمن القوة البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي والتي تسمى أتلانتا المعنية بمكافحة القرصنة قبالة القرن الإفريقي وتتألف من 1200 فرد و6 سفن حربيةو3 طائرات تقوم بدوريات جوية.

ومع التسليم بما سبق فإن الحلف يواجه عقبتان ضمن مواجهة تهديدات الأمن البحري:

العقبة الأولى:الواقع المعقد لبيئة تهديدات الأمن البحري وتكلفة مواجهتها: وذلك بالنظر إلى طول المسافات البحرية التي تقطعها رحلات نقل النفط بحريًا فإن الحلف يحتاج إلى تكامل الجهود مع الدول الشريكة والمنظمات الدولية المعنية وهو ما حدث بالنسبة للتصدي للقرصنة قبالة سواحل الصومال، وحول تلك المخاوف يقول أحد مسؤولي حلف الناتو " إن الحلف لديه قلق بشأن إمدادات الغاز التي تؤمنها له المنطقة في ظل اعتماد دول الحلف على المنطقة في ذلك الأمر بشكل أساسي" وأضاف" أنه في ظل عدم وجود أي انقطاع لإمدادات الطاقة خلال السنوات الماضية فإن ذلك من شأنه تفسير وضع صانعي القرار في الحلف أمن الطاقة بالكاد على أجندتهم" مشيرًا إلى أن هناك قضايا أكثر إلحاحًا وهي" داعش والتحدي الروسي"، وأضاف القول" لايعني ذلك أن الحلف لم يتدخل لحماية أمن الطاقة بل قام بتدريب مجموعات كالأكراد في العراق أو دفع الأموال لقبائل في الجزائر من أجل حماية خطوط الأنابيب المتجهة إلى أوروبا وهذا أمر مكلف للغاية، حيث أن حماية 1000 كم يتطلب وجود ما لا يقل عن جنديين كل 50 متر أخذًا في الاعتبار أنه يتعين استخدام جنديين آخرين على الأقل للتناوب على الحراسة، وحتى في ظل ذلك الوضع فإن هجومًا ينفذه 50 مسلحًا قد يؤدي إلى دمار خط الأنابيب، ومن ثم في ظل تلك التكلفة العالية فإن التنسيق مع المجموعات المحلية أمر مهم للغاية للحفاظ على أمن تلك الخطوط" وهو ما يفسر دعم الحلف لقوات الأمن العراقية والاستعداد لتدريب قوات الأمن الليبية والتي تعد ضمن سعي الحلف لدعم قدرات الدول التي يرتبط معها الحلف سواء بشراكات أو مصالح.

أما العقبة الثانية فتتمثل في مشكلة الإجماع لدى أعضاء الحلف: فعلى الرغم من أن أمن الممرات يعد قضية استراتيجية لدى الحلف وهو ماعبر عنه رئيس اللجنة العسكرية في حلف الناتو بالقول" إن القرصنة في البحر الأحمر خطر على الأمن العالمي وأمن الطاقة"، مشيرًا إلى أن الحلف يعمل على تعزيز جهود الدول المطلة على البحر الأحمر لمكافحة القرصنة، وتقديم الدعم للقوات الدولية لتأمين أمن الملاحة في البحر الأحمر" بيد أنه أكد على أن تدخل الحلف في مناطق الصراعات عمومًا تحدده عوامل ثلاثة وهي الإجماع من الدول الأعضاء وموافقة مجلس الأمن الدولي ورغبة الأطراف المعنية ،ولا يعني ما سبق أن سلوك كافة أعضاء الحلف يرتبط بالضرورة مرتهنة بتلك الشروط فعلى سبيل المثال عندما قامت الميلشيات الحوثية بهجوم صاروخي في 9 أكتوبر 2016 م، استهدف مدمرة أمريكية قبالة السواحل اليمنية،قامت المدمرة الأمريكية بإطلاق صواريخ توما هوك في 12 أكتوبر ردًا على هجوم الحوثيين استهدف مواقع لرادارات تابعة لهم.

رابعًا: القدرات البحرية الخليجية للتعاون مع حلف الناتو لمواجهة تهديدات الأمن البحري:

تدرك دول الخليج المخاطر التي تواجه الأمن البحري وهو ما تعكسه التصريحات العديدة في هذا الشأن منها على سبيل المثال لا الحصر تحذير الفريق عواد بن عيد البلوي المدير العام لحرس الحدود في المملكة العربية السعودية من تهديد المنظمات الإرهابية والميليشيات المسلحة للأمن البحري وسلامة النقل والملاحة الدولية مطالبًا بضرورة وجود إطار قانوني لمكافحة الجرائم البحرية وتهريب الأسلحة والمتفجرات والمخدرات والصيد غير القانوني، ولاشك أن استمرار الأزمة اليمنية ودعم إيران للميلشيات الحوثية من شأنه يمثل تهديدًا للأمن القومي للمملكة ودول الخليج وخاصة في ظلإطلالة اليمن بسواحل بحرية على البحر الأحمر تبلغ 442 كم على ذلك البحر وانطلاقًا مما سبق فقد استطاعت دول مجلس التعاون تعزيز قدراتها البحرية بما يجعها طرفًا مؤثرًا وشريكًا إقليميًا استراتيجيًا مع حلف الناتو لتأمين الممرات البحرية الحيوية عمومًا وأمن الطاقة على وجه التحديد وتتمثل تلك القدرات فيما يلي: الأولى: تشكيل دول الخليج مجموعة الأمن البحري 81 وذلك في قمة دول مجلس التعاون عام 2014م، والثانية: سعي بعض دول الخليج للتواجد عسكريًا في منطقة القرن الإفريقي ( السعودية في جيبوتي والإمارات في إريتريا) ويعد خطة استراتيجية من شأنها إيجاد نطاق إقليمي أكبر لحماية الممرات البحرية الحيوية والتي يمكن أن تتكامل مع جهود حلف الناتو في الشأن، والثالثة: تولي دول الخليج القيادة البحرية لمجموعات التحالف الدولي العسكرية بشكل دوري والتي تضم 27 دولة ولها ثلاث مهام الأولى القوة 150 وتختص بالأمن الملاحي ومكافحة الإرهاب، والثانية هي القوة 151 وتهدف إلى مكافحة القرصنة، بينما تستهدف القوة الثالثة 152 التعاون بشأن أمن الخليج العربي، وتعمل تلك القوى تحت ائتلاف واحد وتستهدف مراقبة السفن وفحصها والإنزال عليها والسماح بمرور أو إيقاف الشحنات المشتبه بها في بحر العرب والمحيط الهندي من أجل تحقيق الأمن البحري، والرابعة: إجراء دول الخليج العديد من المناورات البحرية وخاصة منذ عام 2014 م، وحتى العام 2017م، بما يعكس جاهزيتها للعمل مع حلف الناتو لحماية المضايق البحرية، والخامسة: إيلاء دول مجلس التعاون القوات البحرية اهتمامًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية من خلال تطويرقدراتها البحرية خلال العامين الماضيين بشراء المعدات والأسلحة البحرية الحديثة التي يمكنها العمل في المياه العميقة في أعالي البحار،والسادسة: تأسيس دول الخليج مركز التنسيق البحري المشترك في فبراير 2016م، ومقره مملكة البحرين لرصد التحديات التي تواجه الملاحة في الخليج العربي وخليج عمان وهي القرصنة والسطو المسلح والتهريب والهجرة غير المشروعة وعمليات إعاقة طرق الملاحة وتتمثل مهمة ذلك المركز في تنسيق وتبادل المعلومات مع مركز الأمن البحري في سنغافورة وهو المركز الذي يختص بالأمن البحري لدول شرق آسيا وبحر العرب.

وأخيرًا فإن الخبرة التي اكتسبها التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن خلال السنوات الماضية بشأن قدرته على حماية الممرات البحرية وخاصة مضيق باب المندب يمكن أن تعزز من دوره مستقبلاً لحماية أمن القرن الإفريقي عمومًا وشرق إفريقيا والمحيط الهندي.

ولا شك أن افتتاح حلف الناتو المركز الإقليمي للحلف ومبادرة اسطنبول في الكويت في يناير 2017م، وما تم الإعلان عنه بشأن البرامج التدريبية لذلك المركز والتي سوف تتضمن قضايا منها إدارة الأزمات وأمن الطاقة من شأنه أن يمثل حلقة الوصل بين الحلف ودول الخليج من أجل تعزيز التشاور بشأن تهديدات الأمن البحري عمومًا.  

خلاصة الورقة:

1-            يحظى تأمين الممرات البحرية بأهمية لدى حلف الناتو وهو ما يعكسه المفهوم الاستراتيجي الصادر عن الحلف، والتي تجد ترجمتها في المساهمات العسكرية للحلف حال وجود أزمة كبرى تحول دون إمدادات الطاقة أو من خلال الدعم الأمني لقوات الأمن الموجودة في الدول ذات الصلة والتي بها أزمات قد تهدد أمن الطاقة، إلا أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن اهتمام الحلف بمسألة أمن الطاقة وأمن الممرات يعد في جزء منه ضمن الصراع الأطلسي الروسي.

2-            مع أهمية الآليات الفاعلة لدى الحلف للحفاظ على أمن الممرات البحرية فإن ذلك لايزال ضمن مستوى مواجهة التهديدات كل حالة بحسب خطورتها، فضلاً عن أن الحلف لا يعمل بشكل منفرد ويظل التدخل في الأزمات عمومًا لدى الحلف مرتهنًا بشروط ثلاثة وهي موافقة كل الأعضاء على التدخل وأن تلك الأزمة تمثل تهديدًا لمصالح الحلف ووجود قرار أممي، فضلاً عن طلب الدولة المعنية.

3-            إن حلف الناتو بما يمتلكه من قدرات أمنية متنوعة مدعو للمساهمة بشكل أكبر في احتواء الأزمات الإقليمية التي لا تمثل تهديدًا إقليميًا فحسب بل لمصالح الحلف في الوقت ذاته.

4-            بالنظر إلى طبيعة التهديدات التي تواجه الأمن البحري حاليًا وخاصة من جانب الجماعات الإرهابية المسلحة والتي تستخدم زوارق خفيفة وسريعة الحركة فإن القطع البحرية الثقيلة للحلف بحاجة إلى استراتيجيات جديدة لتتلاءم مع طبيعة عمل تلك الجماعات بل والأهم العمل مع الشركاء الإقليميين وفي مقدمتهم دول مجلس التعاون التي أضحى لديها قدرات وآليات مهمة تمثل ركائز أساسية لتعاون خليجي-أطلسي لحماية الممرات البحرية المهمة في المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب