array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 128

توحيد السياسة الإقليمية لدول "التعاون".. مرهون بوحدة العقيدة السياسية

الإثنين، 12 آذار/مارس 2018

قد يبدو الحديث عن توحيد السياسة الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي الآن قفزًا على الواقع؛ فإذا كانت دول المجلس تشهد أزمة بينية هي الأخطر في تاريخها منذ مايو 2017م، فإنه يصعب الحديث عن إمكان تقريب سياساتها الإقليمية، ناهيك عن توحيدها. مع ذلك هناك نافذة علمية ضيقة تسمح بإمكان البحث في ذلك؛ فعلى مدى تاريخ المجلس منذ عام 1981م، وحتى قبل أشهر قليلة من الأزمة مع قطر كان هناك قدرًا من التوافق بين دوله بخصوص السياسات الإقليمية، رغم الممارسات المختلفة في التعاطي معها، وظلت علاقات دول المجلس ببعضها تتفوق على أي حسابات مصالح خاصة يمكن أن تجنيها أي منها من جراء علاقاتها الإقليمية، وكان هذا التوافق يسمح بأن تصب فوائد ومزايا التعدد والتنوع في السياسات الإقليمية للدول في مصلحة المجلس ككيان جماعي، ولقد كانت هناك مجموعة مبادئ في سياسات دول المجلس جعلتها تتوافق على الخطوط العريضة بشأن المخاطر والتهديدات والمواقف إزاء الأزمات.

أولاً: المجلس والقوى الإقليمية .. وحدة الموقف وفروق السياسات:

إذا أخذنا بالبيانات الختامية الصادرة عن القمم السنوية لمجلس التعاون الخليجي كمؤشر على سياساته الإقليمية الجماعية، يتضح أنه منذ تأسيسه عام 1981م، ثمة قدر كبير من الاستقرار والنظامية والرسمية في لغة البيانات والمواقف المبدئية بشأن القضايا الإقليمية، كما يتضح أنه على مدى الفترة الزمنية الممتدة لسبعة وثلاثين عامًا كان ثمة قدر من الانسجام بين المواقف والسياسات، فما كان يجري تبنيه على النطاق الجماعي، كان يجد شواهد على تمريره في مختلف سياسات ومواقف دوله، وكانت مساحة التعبير عن الخلافات أو الإعلان عن تباينات المواقف أقل بكثير من الوضع الرهن.

كما يتضح أن المجلس حرص منذ نشأته على أن يكون قوة استقرار وأن ينأى بنفسه عن الصراعات الإقليمية؛ فدأب على التأكيد على ضرورة تسوية هذه الصراعات وحرص على عدم الانحياز لأي طرف على حساب آخر، ولم يخل بهذه القاعدة إلا إذا كان اعتداء أحد الأطراف واضحًا وصريحًا؛ ففي بيان القمة الأولى في مايو 1981م، أكد على الرفض المطلق لأي تدخل أجنبي مهما كان مصدره، وطالب "بضرورة إبعاد المنطقة بأكملها عن الصراعات الدولية وخاصة تواجد الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية"، وأكد على أن "ضمان الاستقرار في الخليج مرتبط بتحقيق السلام في الشرق الأوسط"، وعلى صعيد الحرب العراقية الإيرانية أيد "الجهود المبذولة لوقف الحرب باعتبارها من المشاكل التي تهدد أمن المنطقة وتزيد من احتمالات التدخل الأجنبي فيها". وفي بيان القمة الثانية في نوفمبر 1981م، ورد التأكيد على ذات المعاني، خصوصًا فيما يتعلق بضرورة إبعاد منطقة الخليج عن الصراعات الدولية، و"خاصة تواجد الأساطيل العسكرية والقواعد الأجنبية".

كما يتضح كقاعدة عامة أخرى، أن موقف المجلس في سياساته الإقليمية، كان يستهدف بالأساس حماية دوله؛ فليس الهدف مشاكسة الجوار الإقليمي أو معاداته، وإنما صيانة دوله من احتمالات العدوان. ويتجلى من بين القواعد الأخرى الإيمان بسياسة النفس الطويل إزاء الأزمات، وذلك ما يفسره أن بعض القضايا ظل على رأس أولويات المجلس منذ نشأته وحتى الآن دون حل مع ذلك استمرت مواقفه منها دون تغيير، وأن المجلس لا يقدم على تسخين علاقاته الإقليمية مع دولة جوار، حتى وإن كان لهذه الدولة قضية احتلال مزمنة مع إحدى دوله، وعلى سبيل المثال، فإن قضية الجزر الإماراتية ظلت على رأس أولويات وجدول أعمال قمم المجلس منذ الدورة الثالث عشرة في ديسمبر 1992م، وحتى عام 2017م، دون أن يكل المجلس أو يمل من تكرار إيرادها، ويعني ذلك أن التحول في سياسات المجلس يتم ببطء، وأنه لا مانع من استمرار قضية أو أزمة إقليمية لإحدى دوله على الأجندة الجماعية له لفترات طويلة دون حل، انطلاقًا من إيمان بسياسة النفس الطويل في تسوية الأزمات التي تتحمل التأخير والإرجاء، على خلاف قضايا العدوان المفاجئة -كالغزو العراقي للكويت- التي تستلزم تحركًا جماعيًا وسريعًا.

وإلى حد كبير، فإن تباينات السياسات الإقليمية لدول المجلس كانت توظف لخدمة المجلس؛ فكثيرًا ما أفادت سلطنة عمان بموقفها الوسطي شبه الحيادي دول المجلس في قضايا محددة، وعلى الرغم من اختلاف الرأي، فقد بدت السلطنة في نظر المراقب الحصيف كحالة تميز ذكية محل رضا وتوافق بين الدول الست، لتترك للمجلس نافذة إطلالة وتواصل مع قوى الإقليم التي قد تختلف معها فتصبح السلطنة أرضية مؤهلة لامتصاص الأزمات لمصلحة دول المجلس.

وتوجد أدلة على أن هذا التوافق الأشمل في السياسات لم يكن مصطنعًا، وأنه كان هناك استشعارًا بأهميته للكيان الجماعي للمجلس؛ على نحو يمكن من القول بأنه سادت نظرة أشمل بأن ما تحققه دولة من دول المجلس من مكاسب ومكانة إقليمية هو أمر يعود عليها جميعًا، أو على الأقل لا موانع من أن تتميز دولة بسياسة محددة أو أن تحقق أخرى مكسبًا في قضية ما، وأن عامل التنافس السلبي على هذا الدور لم يكن موجودًا، حيث تعددت مزايا الدول الخليجية بقدر جعل لديها جميعًا ما يحول بينها وبين النظر بحساسية كبيرة لأدوار الأخريات، ومن ثم لم تبرز الخلافات بشأن الدور، إلا حينما أصبح دور إحداها متعارضًا مع مصالح مجموعة رئيسية، ثم انتقل إلى مرحلة اعتبرتها تلك المجموعة بمثابة خطر عليها.

فحينما برز دور قطر إقليميًا منذ ما بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، لم تنظر له باقي الدول بحساسية زائدة، ولم تبرز مساعي لإجهاضه، ولعبت قطر -في نظر المتابع الخارجي على الأقل-دورًا في مصلحة مجلس التعاون ككل. ويثير الانتباه أن يخرج البيان الختامي الصادر عن المجلس الأعلى لمجلس التعاون في دورته (37) ديسمبر 2016م، -وحتى وقت قليل من بدء الأزمة القطرية-ليؤيد موقف قطر في قضية بالغة الحساسية، ويؤكد على أن "اختطاف عدد من المواطنين القطريين جنوب العراق.... يعد عملاً إرهابيًا وخرقًا صارخًا للقانون الدولي".. ولتعرب "دول المجلس عن تضامنها التام مع حكومة دولة قطر، ودعمها في أي إجراء تتخذه".

ثانيًا: العلاقات الخليجية مع الجوار الإقليمي.. تعظيم المكانة الجماعية:

ظل الإطار العام الأساسي لسياسات دول المجلس إزاء إيران وتركيا تحديدًا، باعتبارهما دولتي الجوار الإقليميتين للعالم العربي ولدول مجلس التعاون، تتحكم به مجموعة من المحددات، التي جرى استخلاصها من تاريخ سياسات دول المجلس وبياناتها وتصريحات قياداتها، وتتمثل تلك المحددات فيما يلي:

  • ألا تتفوق هذه العلاقات على الالتزامات البينية لدول المجلس: إذ تشير تجربة المجلس إلى أنه لا مانع دون قيام أي من دوله بتطوير علاقاتها الانفرادية مع دولة جوار إقليمي مختلفة مع بعض دول المجلس، على ألا يخل ذلك بالتزامات تلك الدولة إزاء شقيقاتها في مجلس التعاون، وألا يكون جزءًا من انسلاخها من المواقف المبدئية للمجلس. وفي ضوء ذلك، حافظ المجلس على توازنه واستقراره الداخلي، وتوازن خطابه السياسي ومواقفه المبدئية من إيران في السياق الجماعي، على الرغم من الانفتاح على إيران من جانب بعض دوله، والذي خضع للمصالح التي تحددها كل منها. حيث لم يخل الموقف الجماعي الرافض لسياسات إيران دون تنامي علاقات ثنائية مع الجمهورية الإيرانية، لا تشكل خروجًا على القاعدة الجماعية.      
  • ألا تصل العلاقات إلى المستوى الاستراتيجي وألا تشكل محورًا بديلا: حيث أنه في إطار العلاقات الأدنى من المستوى السياسي والدبلوماسي، وفي مستويات التعاملات الاقتصادية والأمنية (الأدنى دون مستوى الأمن القومي)، سمح المجلس بعلاقات مرنة لأعضائه مع قوى الجوار بشرط بقاء الأولوية لعلاقات دوله البينية. فلقد تسامح المجلس مع احتفاظ دوله بعلاقات سياسية واقتصادية مرنة مع إيران، لكن هذه العلاقة كانت دائما تتأثر بحال العلاقة بين إيران وباقي الدول، ومن ثم نسقت دول المجلس في اتخاذ خطوات نحو إيران حين اشتبكت مع السعودية في قضية نمر النمر وحرق السفارة يناير 2016م. وذلك يؤكد أنه لا مشكلة في العلاقات الأدنى من المستوى الاستراتيجي كالعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، إلا إذا كان تطوير تلك العلاقات سيشجع هذه القوة الإقليمية على تبني موقف عدواني إزاء دولة بالمجلس.
  • ألا تضر العلاقة الثنائية مع دولة إقليمية بالأمن القومي الخليجي: فعلى مدى تاريخ المجلس، لم تبن إحدى دوله علاقة استراتيجية أو أمنية أو سياسية مع دولة جوار إقليمي تفوق علاقاتها وروابطها داخل مجلس التعاون، ومن ثم لم تنشأ محاور داخلية بالمجلس مع قوى إقليمية، أو تشابكات كثيفة بين إحدى دوله ودولة إقليمية على حساب مصالح دول المجلس، وظلت خصوصية علاقات دول المجلس تفوق علاقات أي منها مع دول الجوار، وبرزت مواقف تشير إلى توظيف هذه العلاقات لخدمة المجلس وضبط موازين القوى في سياق الموقف الإقليمي، وهو ما برز من خفض بعض دول المجلس علاقاتها الدبلوماسية كإجراء عقابي ضد إيران خلال أزمة السفارة السعودية، وتنديد البقية بالعدوان الإيراني، على الرغم من علاقاتها الجيدة بإيران.      
  • عنصر التوقيت والسياق الزمني: تشير الخبرة التاريخية، إلى أنه قد تقبل دول المجلس من دولة أخرى عضو تبني سياسة معينة إزاء قوة إقليمية ما في وقت معين، ولكنها ترفض السياسة نفسها في وقت آخر؛ ففي أوقات الأزمات بين دولة -أو مجموعة دول - بالمجلس ودولة جوار إقليمي تصبح علاقة دولة المجلس بدولة الجوار تلك عبئًا على علاقاتها بشقيقاتها من دول المجلس، بينما يجري التسامح مع بناء علاقات من المستوى نفسه في الأوقات الاعتيادية والطبيعية. وعلى سبيل المثال، فقد نظر إلى تنامي علاقات قطر بإيران بعد الأزمة بقدر من الارتياب من جانب السعودية والإمارات والبحرين، بينما كان يمكن التسامح مع ذات العلاقة في الأوقات العادية، فلم يثر الارتياب الواسع في الاتفاق الأمني بين قطر وإيران المسمى "مكافحة الإرهاب والتصدي للعناصر المخلة بالأمن في المنطقة" والذي جرى توقيعه في أكتوبر 2015م، إلا بعد أزمة الرباعي مع قطر، كذلك فإن دول المجلس لم تتوقف مع إبرام الكويت لمذكرتي تفاهم حول التعاون في المجال العسكري مع تركيا في مارس 2017م، بنفس ما توقفت إزاءه بأثر رجعي مع الاتفاقية الأمنية السابقة عليها بعامين تقريبًا والتي أبرمتها قطر مع تركيا في مارس 2015م، والتي بمقتضاها أرسلت القوات التركية إلى قطر في ظل ذروة أزمتها مع الرباعي، وهو ما يشير إلى أن تحليل طبيعة النيّات والتوقيت والسياقات الزمنية كلها أبعاد تؤخذ عند تطوير إحدى دول المجلس لعلاقاتها مع قوة إقليمية.

وهكذا يمكن القول بأن تكييف علاقة إحدى دول المجلس بإحدى القوى الإقليمية هو أمر يخضع لاعتبارات متعددة، بالتأكيد أن كل دولة خليجية تسعى في النهاية إلى تحقيق مصالحها الخاصة، لكن الضمانة الأمنية التي تحققها الرابطة الجماعية للمجلس، وفرت أرصدة وبوليصات تأمين مجانية للأمن. وفي الحقيقة، فإنه حتى توقيت الثورات العربية، لم تخرج أي من دول المجلس عن القواعد العامة للشروط سالفة الذكر التي كانت تحقق مصلحة المجلس ككل في توجهاته وسياساته وروابطه الإقليمية، رغم تباين المواقف منها، ونظرًا إلى التمايزات بين دوله على أنها تشكل إضافات نوعية لمكانة المجلس ككل، وفي ظل ذلك استفاد المجلس من السياسة الحيادية للدبلوماسية العمانية، ولم يعترض أو يمانع المبادرات النشطة للدبلوماسية القطرية، وعظم مكاسبه بالدبلوماسية الهادئة للكويت، وكل ذلك أضاف إضافات مهمة إلى مكانة دول المجلس إقليميا.

وأتى عام 2011م، وكانت المقولة السائدة قبله بنحو عامين أن اللحظة هي "لحظة الخليج في التاريخ العربي"، على نحو ما طرح المفكر الخليجي القدير د. عبد الخالق عبد الله في مقالة له عام 2009([1])، وتبعه آخرون عرب وأجانب وصفوا اللحظة بالتوصيف نفسه ([2])، وهو ما دلل على تنامي قدرات دول الخليج. ومن ثم فإنه حتى لو كان قد برز أن بعض دول المجلس تعمل لمصلحتها الخاصة وتعظيم دورها الإقليمي، فإنه في السياق العام، فإن كل قوة كانت تحوزها إحدى الدول كانت تصب تلقائيًا في سياق المكانة الجماعية للكل.

ثالثًا: دول المجلس وقوى الجوار.. محطة تباين العقيدة السياسية:

جاءت الخطوة السلبية الأساسية على كيان المجلس في علاقات دوله بالقوى الإقليمية مع الثورات العربية؛ فمنذ 2011م، أخذت سياسات دوله تعمل في اتجاهات ومصالح متعارضة، وزادت الانفرادية في سياساتها الإقليمية، وبرزت الروابط الخاصة لبعض دوله تتفوق على روابطها وحساباتها في السياق الجماعي، في ظل أياد إقليمية بدأت تمد أذرعها إلى داخل كيان المجلس. ساعد على ذلك بروز ملامح لإرهاصات تباين في العقائد السياسية والتوجهات العسكرية والأمنية، وأخذت سياسات بعض الدول تبتعد عن الموقف الجماعي في ظل حسابات جديدة لميزان القوى الإقليمي. ومن ثم غطى التوافق بين دول المجلس في البيانات الجماعية والمواقف الكلية على تباينات كثيرة في التفاصيل والتوجهات والحسابات، وتصادمت السياسات في موضوعات أساسية كالإرهاب والعلاقة مع إيران وتركيا؛ ففي موضوع الإرهاب، لم تعن البيانات الجماعية للمجلس أكثر من توافق ظاهري على المفاهيم التي تباين تفسيرها، في ظل تفاوت السياسات واختلاف المصطلحات.

وعلى الرغم من تباين مستوى علاقات دول المجلس بكل من تركيا وإيران، فقد خضع الترمومتر الجماعي لهذه العلاقات تقليديًا للمصالح الكلية، وعلى سبيل المثال، فقد تمسكت البيانات الختامية لقمم مجلس التعاون تاريخيًا بالموقف الجماعي بشأن إيران؛ فأعلنت على الدوام رفضها سياساتها واحتلالها للجزر، ودعت طهران إلى تغيير سلوكها، ولم يخرج أي بيان ختامي للمجلس عن هذه الصيغة، أما على مستوى السياسات، فإن أغلب دول المجلس كانت على استعداد لتقليص علاقاتها مع إيران أو تركيا في حال التدهور الشديد في علاقة أي منهما مع دولة بالمجلس، وعلى سبيل المثال، فقد أعلنت البحرين قطع العلاقات الدبلوماسية كاملة مع إيران في 4 يناير 2016م، بعد الهجوم على مقر سفارة الرياض في طهران والقنصلية السعودية، كما قررت الإمارات تخفيض تمثيلها الدبلوماسي إلى مستوى قائم بالأعمال وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الإمارات، واستدعت الكويت سفيرها من طهران وسلمت السفير الإيراني المعتمد لديها مذكرة احتجاج. أما قطر فقد نددت بالحادث، وأيدت ما تتخذه المملكة من إجراءات، واعتبرت سلطنة عمان أن الاعتداء على مقر السفارة غير مقبول ويخالف المواثيق والأعراف الدولية. وعلى الأرجح أن مختلف دول المجلس كانت ستضطر إلى مزيد من الإجراءات تاليًا في ظل تدهور أشد في العلاقة.

هكذا كانت القاعدة الأساسية التي تأطرت في علاقات دول المجلس مع قوى الجوار الإقليمي، والتي تحكمت بسياساته الإقليمية، وهي أن العلاقة الجماعية تتقدم على أي علاقة أخرى لأي من دوله، وأن هناك مراعاة لهذه القاعدة، بحيث لا يمكن لإحدى دول المجلس أن تطرح تهديدًا على دولة أخرى فيه عبر الإقدام على بناء علاقة أو ممارسة سياسة إقليمية مهددة لأمن دولة أخرى أو بعضها أو جميعها، ولقد ظلت هذه القاعدة قائمة وإن كانت غير مكتوبة. ولكن ما حدث منذ الثورات العربية هو التباين في السياسات الذي تلاه تباعد المصالح والعقائد السياسية، حيث تمزقت العقيدة السياسية والأمنية للمجلس في قضية أساسية وهي قضية الإرهاب، ووفق ذلك تباينت قناعات دوله وإدراكاتها ومن ثم تضادت أهدافها من علاقاتها الإقليمية. وإلى حد كبير، لم يعد بالإمكان الحديث عن سياسات إقليمية موحدة أو متقاربة، وإنما متباينة، وربما متعادية.

لقد استمرت المبادئ نفسها يرددها المجلس في بيانات قممه الختامية، حتى آخر قمة في الكويت ديسمبر 2017م، ولكن جزءًا من العقيدة السياسية لإحدى دوله استقر الآن في مساحة ومنطقة تعتبر بحسابات المبادئ الأربعة -سالفة الذكر- خروجًا على المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات الخليجية بدول الجوار الإقليمي، حيث أخذت دولة في المجلس في الشروع في علاقات خاصة مع إيران لا تستهدف الحصول على مزايا للمجلس، وإنما كجزء من سياساتها الممانعة والمتعارضة مع كتلة كبيرة في المجلس، في الوقت الذي شرعت في علاقات أمنية وعسكرية خاصة مع تركيا يفهم من سياقها وظروفها وتوقيتها أنها نشأت استشعارًا بالخطر والتهديد من الدول الشقيقة، فإذا بها تطرح تهديدات وأخطارًا على هذه الدول.              

الخلاصة:

يعيق توحيد السياسة الإقليمية لدول المجلس حاليًا أن سياساتها وتوجهاتها العامة والإقليمية أصبحت أكثر تأثرًا والتصاقًا بالأمن القومي والعقائد السياسية، وهو ما يعني عدم إمكان توحيد الممارسات، وإن استمرت وحدة لغة الخطاب الجماعي، والآن تجري عملية تكييف وضبط مصطلحات السياسة الخارجية وفق مضامين ومستلزمات الأمن القومي الذي يتجه لمزيد من الخصوصية والانفرادية. وفي ظل هذه الفترة، التي أصبحت تبعث برسائل سلبية، تتجه السياسات الإقليمية للتخديم على الأمن القومي الذي يتجه للتخصيص أكثر، حيث تزداد الفجوة بين الرؤى والعقائد الأمنية والسياسية. وسوف يظل اختلاف السياسات قائمًا طالما استمرت هذه الفجوة. ودون ذلك يمكن أن تحدث التقاءات لحظية مصلحية عابرة تحددها الظروف والحاجة، لكنها لا تعني عودة الاستقرار للأطر المرجعية السابقة في العمل الخليجي.

إن عودة عنصر الثقة البينية وتخفيض رسائل العداء هو الأمر الأساسي الكفيل بإصلاح العلاقات الخليجية على النحو الذي يمكن من عودة الاستقرار النظامي في علاقاتها الإقليمية، وهو الكفيل بإعادة المعادلة القديمة، التي كان يجري خلالها توظيف التنوع في علاقاتها الإقليمية للمصلحة الجماعية. ومن دون تحقيق ذلك، فإن الأرجح أن تظهر كتلتين أو ثلاث كتل للسياسة الإقليمية لدول المجلس، في هذه الفترة التي تلتصق فيها السياسة الخارجية برؤى الأمن القومي التي تتجه للتنافر، لتنشئ أذرعًا لتحالفات إقليمية تنضبط بوصلتها وفق مفاهيم الأمن القومي لكل دولة أو اثنتين أو ثلاثة.

هنا قد يصبح مجلس التنسيق السعودي الإماراتي نموذجًا يحتذى بين دول المجلس التي ترى علاقاتها أقرب من الباقين.

 

[1]- أنظر: د. عبد الخالق عبد الله، لحظة الخليج في التاريخ العربي، جريدة الخليج، 16/6/ 2009. أيضًا:

Abdulkhaleq Abdulla, Contemporary socio-political issues of the Arab Gulf moment, Kuwait Programme on Development, Governance and Globalisation in the Gulf States, Centre for the Study of Global Governance, September,2010, Number 11. http://eprints.lse.ac.uk/55523/1/__lse.ac.uk_storage_LIBRARY_Secondary_libfile_shared_repository_Content_Kuwait%20Programme_Abdulla_2010.pdf

[2]- See for exemple: Florence Gaub, The Gulf Moment: Arab Relations Since 2011, Strategic Studies Institute and U.S. Army War College Press, May 2015. https://www.globalsecurity.org/military/library/report/2015/ssi_gaub_150504.pdf

 

مجلة آراء حول الخليج