array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 128

العلاقات الخليجية ــ التركية: الاستراتيجية الخليجية لم تتضح بعد

الخميس، 15 آذار/مارس 2018

مرت على العلاقات الخليجية ـ التركية أبعاد وأحداث متعددة، ولا يجب إغفال الجوانب التاريخية بين تركيا أو الدولة العثمانية والجزيرة العربية آنذاك، ومع ذلك من المهم التركيز على محددات التقارب والتباعد أو منطلقات فكرة العلاقات الخليجية ـ التركية، فلا يمكن الآن – على الأقل – الحديث عن توجهات خليجية مشتركة، فالأزمة الخليجية ــ الخليجية الحالية، والتي تعتبر تركيا – إلى حد ما – في صف الخيار الأيديولوجي: ما يجعلنا نتساءل عن التفريق بين ردة فعل تركيا كدولة ومؤسسات، وبين خيارات الرئيس التركي اردوغان الحالية، ما إذا كانت تلك الخيارات ستسمر بوجود الرئيس وبعد انتهاء مدته، أم إنها مؤقتة، بفترة وجوده.

ومن العدل كذلك طرح التساؤل نفسه حول الحالة الخليجية، هل القطيعة مع قطر ستستمر وبالتالي ستنعكس على مؤسسات الدول الخليجية، والمؤسسات الوطنية لتلك الدول، وعمليات الاصطفاف والتباعد أو التقارب الجزئي، واستمرار التوجس أو تلاشي الثقة الخليجية الخليجية، وبالتالي مؤسسات غير فاعلة، في منظومة عربية تعاني الهشاشة (يمكن استحضار ما حصل مؤخرًا مشهد أمين جامعة الدول العربية مع وزير الخارجية التركي، حيث قام الأخير بإسكات الآخر بكل قوة).

يعتبر الاقتصاد لتركيا المحرك الأول لكثير من العلاقات وهذا ما يعطيها نوع من المرونة في التحرك، ولذا دعم العلاقات التجارية التركية الخليجية، ستزيد من التقاربات بين دول الخليج – حال اجتماعها – وتركيا.

كل من الدول الخليجية وتركيا يضع الآخر في دائرة الاهتمام الأولى لديه نظرًا لتعدد التقاطعات ونقاط التقارب بين الكيانين. فمعظم القضايا السياسية والاقتصادية في دول الخليج نجد تركيا طرفًا فيها بشكل أو آخر، كما أن تحركات تركيا في محيطها الإسلامي الداعم لها على الأغلب متوقف على طبيعة علاقتها بالدول الخليجية، ومن ثم يلزم الوقوف على محددات العلاقة بين دول الخليج وتركيا لتوضيح مساراتها في ظل المشروع التركي بتنمية عناصر الهوية الإسلامية في الدولة والمجتمع التركي.

أولاً تشخيص منطق التحركات التركية

1-منطقية التحركات ومستوياتها الاستراتيجية

تكمن القوة إن هنالك أكثر من منطق في التحرك التركي شرق أوسطيًا، ويختلف هذا المنطق على حسب المراحل، صعودًا وهبوطًا، واقترابا من هوس أيديولوجي ووهم السيطرة والنفوذ في بدايات الربيع العربي مثلا، أو منطق الانفتاح المنضبط وتصفير المشاكل (السياسة التي عبر عنها أوغلو في دراسته قبل الربيع العربي)، أو منطق القفز على ملفات بعينها لتحقيق مصالح محددة  (سواء تدخله في سوريا لتحجيم مشكلة الأكراد ووضع قدم له للتفاوض على الوضع السياسي  في سوريا مستقبلا، أو تحالفه استراتيجيًا مع قطر دون قطيعة كاملة مع السعودية والإمارات - كذلك لوضع قدم له خليجيًا).ودائما ستجد عنصر الإرث التاريخي، وعنصر التعامل البراجماتي في الملفات الجيوسياسية (الأكراد، والصلات الاقتصادية والدفاعية، وسوريا والعراق، والناتو)، والعنصر الأيديولوجي.. وتركيبة تلك العناصر والنسبة بينها تختلف بين مرحلة وأخرى، ومدى الحرج في الملفات الهامة (فيكون تقديم النظرة البراجماتية عند حصول خطر ضاغط.

 

الخلاصة أن هناك محركات عامة وممتدة، ولكن طبيعة الأهداف ومنطق التدخل واستراتيجية وحدته ونوعه، يختلف من مرحلة لأخرى -على حسب طبيعة النخبة السياسية وحصول عوارض لأوهام القوة أو فشلها والتبني الحالي لسياسة تدخل نشطة ولكن محسوبة.

 

المأزق الحقيقي إجراء عملية السبر وتحليل السياسات على دول الخليج (هل دول مفردة، أم شيء جامع اسمه مجلس التعاون، أم التكتل الحاصل فعليًا ضد قطر مع دور شبه مستقل للكويت وعمان)؟ هل نتحدث هنا عن متخذ قرار كمؤسسة حكم مستقرة كما كانت، أم تطور قيادة غير جماعية.

ماهي مبادئ الحركة الأمنية والإقليمية وتلك الخاصة بالسياسة الخارجية والتي على أساسها يمكن استشراف أو التوصيةبخلاصات تفصيلية فيما يتعلق بمقاربة تركيا؟ ثم ما علاقة العلاقات التركية بصيغة الاعتماد الدفاعي على الأمريكي بالأساس، أو التحالف الواقعي والذي لم يأخذ طوره وتتضح حدوده بعد - مع إسرائيل.

 

نستنتج هنا أنهلا يمكن مقاربة العلاقة الخليجية التركية إلا بوضع اليد على مشكلة غياب الرؤية الاستراتيجية الخليجية الموحدة في ظل التباعد الخليجي.. هو انعكاس ذلك على بنية اتخاذ القرار.

2-التحرك التركي في البحر الأحمر وإفريقيا

تتحرك تركيا في كل من الصومال وقطر والسودان وقبرص وأشارت دراسة من مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية التركية أن الوحدات والقواعد التركية المنتشرة للعمليات المتقدمة تختلف في خصائصها، وبسبب وجودها السياسي والعسكري، والطريقة التي تخدم بها السياسات الدفاعية والخارجية لأنقرة، ومدى صمودها في وجه التقلبات الإقليمية. وهذه الدراسة ترى أن عمليات الانتشار المتقدمة لتركيا في الصومال، وقطر، وقبرص الشمالية، جنبًا إلى جنب مع قواعد العمليات المتقدمة في شمال العراق، والوحدة العسكرية المتنامية المتمركزة في مدينة الباب السورية، كلها مبنية على محددات مختلفة. ولكن هل المعادلة التركية تختلف عن المعادلة الإيرانية؟ بالتأكيد إن التحركات التركية الأخيرة جديرة بالدراسة، وإن دراسة الخطاب التركي مؤخرًا تشير إلى عودة القوة التركية، بيد أن التوسع التركي هو ليس توسعًا صفريًا أي رابح خاسر، فتركيا ليس لها مصالح استعمارية أو تخريبية كما هو الحال في إيران لكنه في نفس الوقت يشير إلى حالة ضعف عربي وفراغ في البيئة الأمنية قامت تركيا بشغله، لا شك أن التقارب التركي بين دول العالم الإسلامي بصفة عامة قد لا يضع شكوكا كثيرة، لكنه في الوقت ذاته يحفز الدول الخليجية على التنسيق المتواصل حتى لا يكون هنالك أي سوء فهم وبالتالي تستعدي دول الخليج تركيا.

ثانيًا المحددات الداخلية

1-المحدد الجغرافي

تشكل تركيا نقطة اتصال بين القارتين الآسيوية والأوروبية وتبلغ مساحتها 783 ألف كلم مربع، وبلغ عدد السكان 79.5 مليون نسمة في عام 2016م، وتتحكم في مضيقي البوسفور والدردنيل الواصلان بين البحرين الأسود و الأبيض، في حين أن الدول الخليجية مجتمعة تبلغ مساحتها 2.67 مليون كلم مربع، وبلغ عدد السكان 50 مليون طبقًا لإحصاء 2016م، يفصل بريا بين الكتلتين الخليجية والتركية منطقة الشام والعراق، الأمر الذي يجعل العلاقة بينهما تتأثر على نحو كبير بما يحدث في هاتين المنطقتين، كما أن اشتراك تركيا مع إيران في حدود برية يصل طولها إلى 499 كلم، يحتم على تركيا التواصل جغرافيًا مع إيران بما يؤثر على تفاعلات العلاقة الخليجية ــ التركية، فضلاً عن اشتراك تركية في حدود بحرية مع مصر الحليف الأول لدول الخليج في الشرق الوسط.

2-المحدد الاقتصادي

تعد تركيا الاقتصاد الأقوى في منطقة الشرق الأوسط بناتج إجمالي محلي بلغ 863 مليار دولار في عام 2016م، مع تعدد لمصادر الدخل وكان قد وصل في عام 2013م، إلى 950 مليار دولار ولكن انخفض بسبب الأزمات السياسية في سوريا والعراق، فضلاً عن تعرض تركيا لهجمات إرهابية أضرت بقطاع السياحة فيها، في حين بلغ الناتج المحلى للسعودية، أكبر دول الخليج اقتصاديًا 646مليار دولار عام 2016م، وكان قد وصل ذروته في عام 2014م، إلى 756 مليار دولار ثم انخفض متأثرًا بانخفاض أسعار النفط عالميًا.

ترتبط تركيا بعلاقات اقتصادية قوية مع دول الخليج إذ وصل حجم التبادل التجاري بينهما عام 2016م، إلى 16 مليار دولار، وتنفذ تركيا مشروعات في الدول الخليجية بقيمة 40 مليار دولار. وتستقبل تركيا سنويًا 750 ألف سائح خليجي منهم 500 ألف من السعودية وحدها.

تستورد تركيا أكثر من 90% من احتياجها النفطي، وشكلت دول العراق وإيران والسعودية وروسيا على التوالي أهم الدول المصدرة لها وفي عام 2015م، استحوذ العراق على 50% من النفط المصدر لها، ثم إيران بحصة 24%، وكانت السعودية وروسيا تقتسمان النسبة المتبقية، لكن مع قدوم عام 2016م، تغيرت النسب فارتفعت نسبة إيران بمعدل 23.5 % عما كانت عليه في عام 2015م، كما صدرت الكويت النفط لتركيا لأول مرة وحصلت على حصة 8.3% من الواردات التركية، وقد تراجعت حصة السعودية في الواردات النفطية التركية لصالح إيران والعراق.

3-المحدد التاريخي:

ترتبط تركيا والدول الخليجية بعلاقات تاريخية طويلة منذ فترة التواجد العثماني في الجزيرة العربية، وإن كانت تحمل في العقل الجمعي الخليجي انطباعات سلبية عن ديكتاتورية العنصر التركي وتجنيه على العنصر العربي في العهد العثماني، فإن الأتراك من خلال النظرة التاريخية يلقون باللوم على الدول العربية بسبب أحداث الثورة العربية الكبرى، والتسبب إلى حد ما في هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، مع هذا لا يلحظ ثمة تأثير قوي للمحدد على طبيعة العلاقات الخليجية التركية بسبب المحدد التاريخي أكثر من التوجس من محاولة تركيا استعادة وضع الهيمنة التركية العثمانية على العالم الإسلامي.

المحدد الديني والمذهبي

يجمع بين الدول الخليجية الدين والمذهب فالطرفان يدينان بالإسلام على المذهب السني، وإن كان هناك تفاوت يسهم في بعض الأحيان في ظهور خلافات دينية على المستوى الشعبي، ويسهم في عدم اكتمال الانطباع الإيجابي بين الطرفين، وهو أن مشرب الإسلام على المستوى الشعبي في تركيا ينقسم إلى قسمين الأول هو اتجاه التصوف الذي تغلب عليه المدرسة النقشبندية، وهو اتجاه يعارض الرؤية السلفية السائدة في دول الخليج، والقسم الثاني هو الإسلام السياسي الذي تغلب عليه رؤية جماعة الإخوان المسلمين، وهو اتجاه تزايدت معارضته في الدول الخليجية بعد أحداث ما عرف بالربيع العربي، وإدانة الحكومة المصرية له بالإرهاب، وتصاعدت الموجة الرافضة له في الخليج، بعد المقاطعة العربية لدولة قطر.

كما تسهم دعوة تركيا لتدويل الإشراف على الحرمين والتي ترفعها تركيا بين حين وآخر في توتير العلاقات التركية ــ الخليجية، ومن ثم يلحظ أن المحدد الديني والمذهبي كما أنه يقارب بين دول الخليج وتركيا، خاصة في ظل التمدد الإيراني الشيعي، إلا أن به من العناصر ما يباعد بين الخليج وتركيا كذلك.

4 -المحدد الحضاري الثقافي:

تتمتع تركيا بعوامل قوة ثابتة في علاقاتها بدول مجلس التعاون الخليجي مقارنة بقوى إقليمية أخرى منافسة وخاصة إيران، ومن أهم هذه العوامل المشترك الثقافي المذهبي " السني" بين تركيا ودول الخليج، مما يؤهلها للعب دور جديد في المنطقة يحظى بقبول وارتياح العواصم الخليجية قاطبة.

وقد تعزز هذا الأمر من خلال المواقف الرسمية التركية التي أكدت على العمق الإسلامي والدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في محيطها الإقليمي ومن ثم الإسلامي الأوسع، وهي المواقف التي لاقت قبولاً بل وترحيبًا من قبل الراي العام الخليجي والعربي بوجه عام، ومن أمثلتها: الموقف التركي المساند للأقلية المسلمة في ميانمار ، وإرسال سفن مساعدات وإغاثة إنسانية تركية إلى الأراضي الفلسطينية كما هو حال السفينة مرمرة إلى غزة، فلاشك أن تلك المواقف تعبر عن توجه متقارب مع آمال الشعوب الخليجية وتجعل تركيا مؤهلة للنفاذ إلى العمق الوجداني لشعوب دول الخليج.

ثالثًا المحددات الخارجية:

1-العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

على الرغم من حالة التباعد بين الولايات المتحدة وتركيا خلال العامين الماضيين على خلفية الانقلاب العسكري الفاشل ضد أردوغان، ورفض الولايات المتحدة تسليم تركيا لفتح الله جولان، المحرض على الانقلاب طبقا للرؤية التركية، فضلاً عن دعم الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردي المقاتلة في سوريا، إلا أنه لا يمكن حتى الآن إخراج تركيا من دائرة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بحكم عضويتها في حلف شمال الأطلنطي، وكونها ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف بعد الولايات المتحدة من ناحية العدد، حالة التحالف بين الولايات المتحدة وتركيا، لا شك أنها تقرب بين الدول الخليجية وتركيا، فعلى المستوي الاستراتيجي يتحالف الطرفان مع الولايات المتحدة ويقيمان على أراضيهما قواعد عسكرية للقوات الأمريكية والأوروبية.

العلاقة مع روسيا الاتحادية

مرت العلاقة التركية ــ الروسية بمنعطفات حادة خلال العامين الماضيين بداية من حادث إسقاط تركيا المقاتلة الروسية، بعد اختراقها المجال الجوي التركي، لكن ثمة تحول كبير في العلاقة بين البلدين، أدى إلى اعتذار أردوغان عن الحادث، وارتفاع معدل التنسيق بين البلدين في الأزمة السورية، تتمثل في تخلي تركيا عن التمسك برحيل الأسد، واتفاق البلدين على مناطق خفض التوتر الأربعة، والتعاون في نقل مقاتلي المعارضة السورية إلى منطقة إدلب، ثم الاشتراك في مفاوضات أستانة، ومن بعدها قمة سوتشي. بشكل عام حدث تقارب بين تركيا و روسيا وتغليب للمصالح الاستراتيجية بين البلدين وخاصة الاقتصادية على حساب توازنات الأزمة السورية، بدفع من التباعد الأمريكي عن تركيا وتجاهل الولايات المتحدة للمصالح العليا للدولة التركية. على الجانب الآخر الدول الخليجية على الرغم من تعارض الموقف الروسي من الموقف الخليجي من الأزمة السورية، إلا أنها لم تتبن مواقف متشددة من روسيا بسبب الأزمة السورية، وإنما سعت إلى تنمية جسور التعاون معها للتقليل من وتيرة الدعم الروسي لإيران، وبالتالي أصبح الميل للتعاون مع روسيا توجهًا مشتركًا بين الدول الخليجية وتركيا.

العلاقة مع إيران

          تشكل العلاقة مع إيران ركنًا أساسيًا في مؤشرات التوافق والتباعد بين تركيا والدول الخليجية، باعتبار إيران الدولة المحرضة على الإرهاب في المنطقة، والتهديد الأمني الأكبر لدول الخليج، والمثيرة لمعظم أزماته إن لم يكن جميعها. وقد استتبع التقارب الروسي ــ التركي تنسيقًا إيرانيًا تركيًا في إطار مفاوضات أستانة، وقمة سوتشي، وسعت تركيا لتقليل حدة التنافس التركي الإيراني في آسيا الوسطى.

أدت أزمة الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق إلى تقارب أكبر بين تركيا وإيران بسبب موقفها المتطابق الرافض لاستقلال الإقليم، وشهدت العلاقات بينهما تنسيقًا عالي المستوى على الصعيدين العسكري والسياسي خلال هذه الفترة حتى تم إحباط المسعى الكردي. وأيقنت كلتا الدولتان أن هناك من القضايا في الشرق الأوسط ما يستلزم التعاون بينهما، وعدم تصعيد الخلاف بسبب الأزمة السورية، أو تنفيذ الرغبات الأمريكية أو الخليجية بالعمل على محاصرة إيران اقتصاديًا.

2-الأزمة القطرية

تبنت تركيا موقفًا داعمًا لدولة قطر، وعملت على تقليل أثار سياسات الدول المقاطعة لقطر، وذلك على الرغم من علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الخليجية، وذلك بدافع الانتماءات الإيديولوجية لشخص الرئيس التركي والحزب السياسي الداعم له.

رابعًا: عوامل التقارب الخليجية ــ التركية:

مما سبق نرى أن عوامل التقارب بين الدول الخليجية وتركيا ذات طبيعة استراتيجية بحكم المحددات الجغرافية والتاريخية والاقتصادية فضلاً عن المحددات الخارجية التي يصب معظمها لصالح التقارب بين الكيانين.

-      سياسة صفر مشاكل التي تبنتها تركيا منذ عام 2009م، ووضعها وزير الخارجية التركي آنذاك أحمد داوود أوغلو بهدف عدم الدخول في مشكلات مع دول الجوار والعالم والتفرغ للتنمية الداخلية، قد أثمرت بارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية التركية والارتقاء بمكانتها إقليميًا ودوليًا، ومن ثم تعميق العلاقات التركية بدول إقليم الشرق الأوسط والدول الخليجية على الأخص.

-      البعد الجغرافي والسكاني بما له من سمة الثبات يفرض قدرًا من التقارب بين الطرفين، بحكم اتصالهما بريًا عبر أراضي العراق والشام، اللتان تموجان بكثير من الأزمات.

-      على المستوى الاقتصادي، ضخامة التعاون التجاري بين الطرفين، واعتماد قطاع السياحة التركي على السائح الخليجي، بما لديه من قوة شرائية مرتفعة، وبقائه عدد ليالي أكبر من أي جنسية أخرى في تركيا، مع استيراد تركيا للنفط الخليجي والاعتماد عليه في تنويع مصادرها النفطية، يجعل من غير الممكن الاستغناء عن التعاون الاقتصادي الخليجي التركي، وكما أن توتر الأوضاع في سوريا والعراق أفقد تركيا 10% من الناتج الإجمالي المحلي بها، من الممكن أن تصيب مقاطعة اقتصادية بين الطرفين، تركيا بخسائر اقتصادية تفقدها أكثر من 30% من إجمالي ناتجها المحلي، ويصعب عليها تعويضها من خلال تعميق تعاونها مع إيران، وإن كان حدوث أي توتر في العلاقات الخليجية التركية سيصب على الفور في تعميق العلاقات التركية الإيرانية، فضلاً عن أن ضعف وحدة الصف الخليجي تجعل من الصعب تبني موقف موحد بين دول الخليج على المستوى السياسي.

-      على المستوى الديني والمذهبي، عملية التحديث المجتمعي التي تشهدها دول الخليج، وتطوير الخطاب الديني، ستقلل من حدة التعارض بين التيارات الصوفية التركية والسلفية الخليجية، وتجعل الطبيعة المجتمعية بين الطرفين تتقارب على حد كبير، كما أن التمدد الشيعي بين المنطقة قد أسهم في التقارب بين جميع مشارب المذهب السني.

خامسًا: عوامل الافتراق "بين المرحلية والثبات"

لا شك أن تزايد عوامل الافتراق بين دول الخليج وتركيا مقترنة بالسياسات الخارجية التركية المتخذة من قبل أردوغان بداية من عام 2011م، أي مع اندلاع ما يعرف بثورات الربيع العربي، لكن "هل السياسات المتخذة من قبل أردوغان والتي لا تتفق مع سياسة صفر مشاكل التي حققت الطفرة الاقتصادية التركية وارتقت بمكانتها الدولية، سوف تكون مرتبطة بشخص أردوغان، وتنتهي بانتهاء فترته الرئاسية، أم أن أردوغان استطاع تحويل سياساته إلى استراتيجيات ثابتة للدولة التركية؟"

الواضح حتى الآن أن أردوغان يعمل على تعميق سياساته، من خلال القضاء على النخبة العسكرية والقضائية والديبلوماسية ذات الخلفية العلمانية في الدولة التركية، والعمل على تغيير العقيدة العسكرية والأيديولوجية لدى المؤسسة العسكرية التركية، وتعديل المناهج الدراسية، والمحتوى الثقافي المطروح من قبل الدولة التركية. هذه السياسات من شأنها ترسيخ سياسات أردوغان ما لم يحدث تحول من داخل الحزب الحاكم في تركيا.

-      عملت تركيا "أردوغان" على دعم تيار الإسلام السياسي في الدول العربية وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين، ومع سقوط الجماعة في مصر عام 2013م، حدثت القطيعة بين تركيا ومصر، وقد أثرت تلك القطيعة على العلاقات الخليجية التركية بالسلب، وكما قلصت حجم التعاون الاقتصادي المصري التركي، ألقت بظلالها كذلك على التعاون الاقتصادي الخليجي التركي ولو بشكل ضئيل، مع احتمالية تزايد التقلص في حالة تصعيد التوتر مع مصر أو الرباعية المصرية الخليجية بشكل عام.

-      مواصلة أردوغان سياساته التنسيقية مع روسيا وإيران في الأزمة السورية، سوف تؤدي إلى تباعد الموقف الخليجي عن الموقف التركي في الأزمة، كما يمكن أن تؤدي إلى خروج تركيا من حلف شمال الأطلنطي في حال مواصلة الولايات المتحدة سياسة دعم الأكراد، وهو الأمر الذي من شأنه تغيير معادلات التوازن السياسي ليس في الشرق الوسط فحسب وإنما على الصعيد العالمي بأسره.

-      مواصلة أردوغان دعم جماعة الإخوان المسلمين ومساندة قطر في سياساتها سوف يعمق الخلاف مع دول الخليج، ويهدد مسار التعاون بينهما.

الخاتمة

يمكن القول أنه حتى الآن لم تتضح ملامح الاستراتيجية الخليجية في التعاون مع تركيا، وتحديدًا الرد على تساؤل ما الذي تطمح الدول الخليجية إليه في توجيه السياسة الخارجية التركية على مسارات التعاون مع تيار الإسلام السياسي، وقطر وإيران، والولايات المتحدة وروسيا، والموقف التركي من الأزمة السورية وما هي الآليات التي يمكن الاعتماد عليها في توجيه السياسة الخارجية التركية.

تتجه تركيا ودول الخليج إلى تناسق في العلاقات بشكل براجماتي، قد يطرأ كل من الجانب الأيدولوجي أو الثقافي/التاريخي، بعض الأوقات، بيد أن الجانب البراجماتي في كثير من الأحوال ما يتجاوز تلك الأزمات، تارة من الجانب التركي، وتارة من الجانب الخليجي، لا تشكل تركيا تهديدًا على دول الخليج كالتهديد الذي تشكله إيران في التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، وهذا ما يميز الجانب التركي الذي استطاع بناء ثقة في الجانب الخليجي بشكله المجتمع أو المتفرق.

من جهة أخرى، يلعب الاقتصاد دورًا هامًا، ولا سيما الاقتصاد غير الحكومي أي تلك التبادلات بين الشركات والقطاعات غير الحكومية بين هذه البلدان، وهذه وعلى الرغم من التأثير الحكومي، مثل الحال في تركيا في شطري اتحاد رجال الإعمال (الأيدولوجي والعلماني). إلا أن التبادل بين رجال الأعمال الأتراك ونظرائهم في الخليج في مستوى جيد ومرشح للزيادة، وهذه من عوامل التقارب بين الطرفين، ناهيك عن السياحية الخليجية التركية التي تساهم في رفع الاقتصاد التركي بشكل كبير.

 

سيناريو البجعة السوداء (احتمال منخفض – تأثير عال)

قد تستمر العلاقات بالتوتر مع تركيا، لا سيما مع تأثير الولايات المتحدة الأمريكية تجاه تركيا، وهذا قد يدفع بخيار غير محتمل وهو خروج تركيا من حلف شمال الأطلسي، وهذا قد يتيح للمملكة التفكير في هذا الخيار، وطرح التساؤل حوله، والذي سيسد حاجة الحلف لعضو موجود بالمنطقة، وحاصل على نوع من التوافق الدولي، وكذلك خبرات عملياتية عسكرية، علاوة على ذلك المكاسب التي قد تحصل للحلف من وجود المملكة به من نواح مادية وعسكرية، وكذلك الرمزية الردعية لإيران وغيرها من دخول المملكة عضوًا في حلف شمال الاطلسي.

مجلة آراء حول الخليج