array(1) { [0]=> object(stdClass)#13440 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

حلف الناتو وأمن الطاقة

الخميس، 01 أيلول/سبتمبر 2011

تحوّل أمن الطاقة في السنوات الأخيرة إلى موضوع رئيسي للنقاش الأمني الدولي. ويُعزى ذلك إلى تطورات عدّة ، منها اعتماد أوروبا المتزايد على النفط والغاز واحتياجات الطاقة المتزايدة للقوى الناشئة، كالصين والهند، والنضوب المتوقع للوقود الأحفوري بعد منتصف القرن الحالي والنقاش المكثّف حول التحوّل المناخي وتجدّد اهتمام العديد من الدول بالطاقة النووية للأغراض السلمية.

وتشتمل العوامل الأخرى على التهديدات المسلّحة لإمدادات الطاقة، سواءٌ من خلال هجمات إرهابية أو عبر القرصنة، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول المصدّرة للطاقة ـ ناهيك عن محاولات بعض هذه الدول إلى استخدام أو إساءة استخدام إمدادات الطاقة كسلاح سياسي.

لدى حلف الناتو الحق المشروع في الاضطلاع بدور فاعل في مجال أمن الطاقة. لكن ما هو الدور الذي يتعين على الحلف أنْ يمارسه في هذا المجال؟

دأبت دول الاتحاد الأوروبي على تأمين إمداداتها من الطاقة بصورة انفرادية

تشير جميع التطورات الآنفة الذكر إلى نفس الاتجاه، وهو أن ضمان تدفق إمدادات الطاقة ليس تحدياً عسكرياً صرفاً لأنه ينطوي على بعد أمني واضح. وكحلف يوفّر الحماية لنحو 900 مليون مواطن ويُقيم شبكة فريدة من الدول الشريكة، فإن لدى حلف الناتو الحق المشروع في الاضطلاع بدور فاعل في مجال أمن الطاقة. لكنْ ما هو الدور الذي يتعين على الحلف أن يمارسه في هذا المجال؟

هنا، يقدّم المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو إجابة واضحة عن هذا السؤال. فمن خلال التحول الجوهري من حماية الأراضي إلى حماية المواطنين، تقدم وثيقة المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الناتو وصفاً واضحاً ودقيقاً للهشاشة المتزايدة لإمدادات الطاقة المتجهة إلى دول الحلف، كما تُسند إلى الحلف مهمات (تطوير القدرة على المساهمة في ضمان أمن الطاقة، بما ذلك حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة ومناطق عبورها وخطوط إمداداتها، بالإضافة إلى التعاون مع الشركاء وعقد مشاورات بين دول الحلف على أساس التقييمات الاستراتيجية والتخطيط للحالات الطارئة).

لكنّ تحويل هذا التصور الطموح إلى أجندة أطلسية ملموسة لن يكون سهلاً. ولأسباب عديدة، تقارب دول حلف الناتو مسألة أمن الطاقة بتردد كبير.

ويتمثّل أحد الأسباب الرئيسية لهذا الحذر بتعارض المصالح الوطنية. وبما أنّ أمن الطاقة يُعتبر إلى حدٍّ كبير مسألة اقتصادية وطنية، فإن العديد من الدول يفضل عدم مناقشة هذه المسألة في المنتديات المتعدّدة الأطراف، بما فيها حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وبالرغم من الجهود التي بذلتها المفوضية الأوروبية لصياغة سياسة مستنيرة وبعيدة المدى في مجال الطاقة، دأبت دول الاتحاد الأوروبي على تأمين إمداداتها من الطاقة بصورة انفرادية. وباختصار شديد، عندما يتعلق الأمر بأمن طاقة، تميل الدول إلى التكتّم والاعتماد على قدراتها الذاتية.

ويتمثل السبب الآخر للمقاربة الأطلسية الحذرة لأمن الطاقة بحقيقة أن هذا الموضوع يرتبط ارتباطاً وثيقاً بروسيا. وتتصدر روسيا دول العالم على صعيد احتياطيات الفحم الحجري والغاز واليورانيوم، كما تشغل المرتبة السابعة على قائمة أغنى دول العالم بالنفط. وتتمتع روسيا بأهمية خاصة في ضمان تدفق إمدادات الطاقة إلى أوروبا. وبما أن آراء دول حلف الناتو حول سياسات روسيا الخارجية والأمنية والطاقة تباينت أحياناً ـ بسبب تفاوت درجات اعتمادها على موارد الطاقة الروسية، إلى جانب أسباب أخرى ـ ساد التردد في مناقشة قضية أمن الطاقة تفادياً للدخول في جدال عقيم حول روسيا.

أما السبب الثالث لتعامل حلف الناتو مع قضية أمن الطاقة بحذر، فهو حقيقة أن العديد من الأطراف الدولية الفاعلة تهتم بهذه القضية، من الاتحاد الأوروبي إلى وكالة الطاقة الدولية، ومن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى القطاع الخاص. لذا، بإمكان دور حلف الناتو أن يكون مكمّلاً فقط ـ أي تعزيز الجهود الدولية بدلاً من قيادتها.

ويكمن السبب الأخير لتردد حلف الناتو في شخصيّته التي يغلب عليها الطابع العسكري. ولئن تجلى بوضوح أن أمن الطاقة ينطوي على بعد عسكري ـ كما تبرهن العمليات التي ينفذّها حلف الناتو حالياً ضدّ القرصنة قبالة السواحل الصومالية، والتي تساهم في حماية ناقلات النفط أيضاً ـ إلا أن العديد من دول الحلف يشعر بالقلق من أن يؤدي تنامي دور حلف الناتو في مجال أمن الطاقة إلى (عسكرة) مفرطة لمسألة اقتصادية في جوهرها.

وحتى اللحظة، يبدو أن تعارض المصالح السياسية والاقتصادية، من جهة، والمحدوديات الهيكلية التي يواجهها حلف الناتو، من جهة أخرى، حالا دون إطلاق نقاش منهجي حول أمن الطاقة بين دول الحلف. وبالرغم من هذه العقبات، نجح حلف الناتو مؤخراً في تطوير (منهجية) توافقية للتعامل مع أمن الطاقة صُممت خصيصاً لكي تتناسب مع قدرات الحلف. وتقوم هذه المنهجية على ثلاث ركائز أساسية.

أولاً: الحوار وتبادل معلومات الطاقة والمعلومات الاستخباراتية بين دول الحلف ومع الدول الشريكة والقطاع الخاصّ. ويتركّز الاهتمام، هنا، على ضمان أمن البنى التحتية الحيوية للطاقة، خصوصاً في دول إنتاج وعبور موارد الطاقة، بالإضافة إلى ضمان أمن الممرات البحرية لإمدادات الطاقة وتحليل التهديدات الإرهابية ذات العلاقة. علاوة على ذلك، يحلل حلف الناتو الجانب اللوجستي لأمن الطاقة؛ أي تحديد السبل المثلى لتأمين الوقود الذي تحتاج إليه قواته المشاركة في العمليات.

سيتحقق نجاح باهر إذا اتفقت دول الناتو على جعل أمن الطاقة جزءاً طبيعياً من نقاشاتها

ثانياً: دعم الاستقرار. ويعني، في المقام الأول، المساهمة في تشكيل العمليات الإصلاحية في البيئة الاستراتيجية الواسعة لحلف الناتو. وضمن هذا السياق، يتم التركيز على الحوار السياسي والتعاون العسكري مع الدول الشريكة في أوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط ومنطقة الخليج. وتشتمل هذه المجموعة على دول مصدّرة ومستوردة للطاقة وأخرى تمر خطوط نقل الطاقة عبر أراضيها. بالتالي، يبرز أمن الطاقة كأحد جوانب العديد من برامج التعاون بين الحلف والدول الشريكة بصورة منفردة.

ثالثاً: حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة. من حيث المبدأ، تُعدُّ هذه المسألة مسؤولية وطنية. لكن بناءً على طلب الدول المعنية، يمكن أن يساهم حلف الناتو في مراقبة الممرات البحرية والمياه الإقليمية، إما من خلال الخبراء المدنيين أو بواسطة الوسائل العسكرية. كما يُمكن الاستعانة أيضاً بالمخططين المدنيين لحلف الناتو المتخصصين في الحالات الطارئة المرتبطة بكوارث من صُنع الإنسان، مثل حالات تسرّب النفط بكميات كبيرة.

ومع أن هذه الأنشطة تُظهر أن أمن الطاقة حاضر في العديد من أجندات حلف الناتو، إلا أنها لا تمثّل مجتمعةً أي سياسة أطلسية متماسكة في مجال أمن الطاقة. وإذا أراد حلف الناتو أن يُعزز فاعلية هذه الأنشطة وأن ينسّقها بصورة مستمّرة مع الأطراف الرئيسة الأخرى، فإنه سيحتاج حتماً إلى مقاربة منهجية بامتياز. وينبغي على مثل هذه المقاربة أن تسترشد بالهدف المتمثّل بتسليط مزيد من الضوء على أمن الطاقة داخل الحلف، مع تسهيل مناقشته بصورة مستنيرة وبعيدة النظر بين الدول الأعضاء.

ومن الواضح أنّه يستحيل تحقيق هذا الغاية إلا من خلال مقاربة ممرحلة لأن دول الحلف لن تناقش أمن الطاقة بانفتاح، إلا إذا أيقنت أن الحلف قادر على تقديم مساهمة قيّمة إلى الجهود المبذولة لضمان أمن الطاقة.

ويتعيّن على الخطوة الأولى لهذه المقاربة الممرحلة أنْ تتمثل بإزالة الغموض الذي يلفّ أمن الطاقة، وتحويله إلى موضوع يُناقَش بانتظام في المداولات الداخلية لحلف الناتو؛ وفُرص التقدّم المتوافرة اليوم هي أكبر من أي وقت مضى. وفيما يركّز النقاش الأمني الدولي بصورة متزايدة على التحديات الجديدة، لا سيما الحرب الإلكترونية وانتشار أسلحة الدمار الشامل، تتزايد أيضاً الضغوط المفروضة على حلف الناتو لكي يساهم في التصدي لهذه التحديات. علاوة على ذلك، ينطوي العديد من التحديات الأمنية الجديدة على بعد متعلّق بالطاقة. فهجوم ستوكسنت Stuxnet على برنامج إيران النووي المثير للجدل، بما في ذلك محطة بوشهر النووية لتوليد الكهرباء، يبرهن على العلاقة الوثيقة بين تهديدات الحرب الإلكترونية وإمدادات الطاقة. كذلك الأمر، تبرهن الهجمات الإرهابية على محطاتٍ لتوليد الكهرباء في روسيا ومصافٍ لتكرير النفط في عدد من الدول الإفريقية والعربية، على وجود علاقة قويّة بين الإرهاب والطاقة.

وتُمثّل المقاربة الشاملة للتهديدات الجديدة من منظور المفهوم الاستراتيجي الجديد خطوةً أولى ومهمة نحو جعل أمن الطاقة إحدى القضايا المشروعة لحلف الناتو. وتتمثل الخطوة الثانية التي لا تقلّ أهميةً بإعطاء أمن الطاقة (إطاراً) تنظيمياً مميّزاً. وقد أُنجزت هذه الخطوة من خلال إنشاء (قسم التحديات الأمنية الناشئة) ضمن هيئة حلف الناتو لرصد التطورات العالمية. وسيؤدي رصد قسم واحد لجميع التحديات الأمنية الجديدة (الحرب الإلكترونية والإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل وأمن الطاقة) إلى تحليل هذه التحديات بمزيد من الدقة والتعمق، بالإضافة إلى تسهيل مناقشتها بقدر أكبر من الانفتاح بين دول الحلف. وإلى جانب تعزيز القدرات التحليلية الذاتية لحلف الناتو وتحسين عملية تبادل المعلومات الاستخباراتية بين دول الحلف، أُدرجت التحديات الأمنية الجديدة مؤخراً ـ بما فيها تحديات أمن الطاقة ـ ضمن الهيكلية التنظيمية لحلف الناتو.

تتصدر روسيا دول العالم على صعيد احتياطيات الفحم الحجري والغاز واليورانيوم

أما الخطوة الثالثة نحو مقاربة أطلسية أكثر تماسكاً لأمن الطاقة، فإنها التحاور مع المنظمات الأخرى، مثل الاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الدولية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومنظمة ميثاق الطاقة. ومع أنّ دول حلف الناتو تُجمع على أنّ دور الحلف في مجال أمن الطاقة يجب أن يكون مكمّلاً لأدوار الأطراف الرئيسية الأخرى، إلا أنّ التكامل الحقيقي لن يتحقق ما لم تتعاون جميع هذه الأطراف بفاعلية لكي تتفادى تبديد الموارد والجهود الناجم عن تكرار نفس العمل أكثر من مرّة. بالإضافة إلى ذلك، يتعيّن على حلف الناتو أنْ يُوسّع الحوار الذي أطلقه قبل بضع سنوات مع القطاع الخاص للطاقة، لكي يتوصّل إلى تكوين فهم أشمل لآفاق واحتياجات شركات الطاقة. كما يتعيّن على هذا الحوار مع المؤسسات الرئيسية الأخرى والقطاع الخاصّ أن يُركّز على حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة ـ علماً أنّ حلف الناتو يتمتع بقدرات فريدة في هذا المجال. ويحرص العديد من الدول الشريكة على تعزيز تعاون الحلف معها في هذا المجال.

وتتمثل الخطوة التالية لترسيخ أمن الطاقة بصورة منهجية داخل هيكلية حلف الناتو بإدراج هذه القضية ضمن القضايا التشغيلية للمهمات العسكرية ومجمل قضايا البيئة والموارد الطبيعية. وعلى المستوى العسكري، بدأ النقاش حول تطوير أنواع جديدة من الوقود الذي يمتاز بكفاءة أعلى لأنها تَعِدُ بتقليص القدرات اللوجستية الضرورية خلال العمليات العسكرية. هذا، وتساعد بعض عمليات حلف الناتو، مثل (عملية درع المحيط) ضد القرصنة، في ضمان الحفاظ على أمن الممرات البحرية الرئيسية لنقل الوقود. علاوة على ذلك، يسود الاعتقاد بأن التداعيات السلبية للتحوّل المناخي قد تطال حلف الناتو أيضاً، من خلال الكوارث الإنسانية، مثلاً.

أخيراً، يمثّل النقاش الجديد حول (الأراضي النادرة) ـ ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للمجتمعات الصناعية الحديثة ولتقنيات توفير الطاقة، بوجه خاص ـ رسالة واضحة مفادها أن أمن الطاقة لا يعني فقط ضمان التدفق السلس لإمدادات النفط والغاز. وبالنسبة لحلف يعتبر نفسه مؤسسة أمنية عصريّة، ينبغي أن يكون تحليل الترابط بين هذه التطوّرات ومناقشة مدلولاتها الأمنية القاعدة، لا الاستثناء.

ولا تكفي أي خطوة من الخطوات التي أشرنا إليه لتحويل حلف الناتو إلى مؤسسة متميّزة في مجال أمن الطاقة. ونظراً إلى تبايُن آراء دول الحلف، سيتحقق نجاح باهر إذا اتفقت هذه الدول على جعل أمن الطاقة جزءاً طبيعياً من نقاشاتها أسوةً بالحرب الإلكترونية ومنع اتشار أسلحة الدمار الشامل، اللذين أصبحا بندين مألوفين على الأجندة السياسية لحلف الناتو. ويُمثّل هذا الحوار المؤسسي بين دول الحلف شرطاً مسبقاً للنظر في خطوات لاحقة، كإجراء مباحثات، مثلاً، بين مجلس شمالي الأطلسي والدول الشريكة فرادى أو كمجموعات (أي ما يسمى معادلة (الناتو + 28)) حول أمن الطاقة؛ أو حول تشكيل فرق لإصلاح الدفاع والتدريب من أجل حماية البنى التحتية الحيوية للطاقة.

ولن يتبلور أي دور أقوى وأكثر تماسكاً لحلف الناتو بصورة تلقائية. لذا، لا بد من بذل جهد أكبر لتعزيز دور حلف الناتو كآلية للتشاور حول المسائل التي تتعدى الهواجس التقليدية الضيقة المرتبطة بالجوانب التشغيلية للمهمات العسكرية. كما يتعيّن على حلف الناتو أنْ يطوّر ثقافة النقاش السياسي الداخلي الذي لا يقتصر على بحث القضايا التي قد تنطوي على اضطلاع الحلف بمهمات عسكرية، وإنما يبحث أيضاً مجمل القضايا السياسية المهمة. وطالما ظلت النقاشات الداخلية لحلف الناتو تدور فقط حول العمليات العسكرية المحتملة، فإن الحوار الأطلسي المستنير والبعيد النظر حول التحديات الناشئة في القرن الحادي والعشرين سيظلّ حلماً بعيد المنال. وما لم تُعِدْ دول الحلف اكتشاف هذه المؤسسة كمنتدى للتشاور السياسي المنفتح، فإنها لن تستطيع التعامل مع أمن الطاقة كعنصر مشروع في مقاربة أمنية شاملة.

 

*تم نشر المقال بالتعاون والتنسيق مع مجلة حلف الناتو© NATO Review

 

 

مجلة آراء حول الخليج