array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 130

الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا: الخريطة - التمويل - والتحديات

الأحد، 13 أيار 2018

تمثل دول منطقة غرب إفريقيا خمس المساحة الإجمالية للقارة الإفريقية، وهي تمتد جغرافيًا من خليج غينيا إلى نهر السنغال وتشمل البلدان التي يغطيها حوض النيجر والبلدان التي تقع خلف منطقة الساحل. وشكلت منذ 1975م، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" التي يصل إنتاجها الداخلي الخام إلى 565 مليار دولار حسب صندوق النقد الدولي، مما يجعلها القوة الاقتصادية رقم 25 في ترتيب الاقتصاد العالمي. لكن في الوقت ذاته تشمل دول غرب إفريقيا على مجموعة من التناقضات الجغرافية والاقتصادية بسبب التفاوت الديمغرافي والموارد الحيوية، انعكس على الآداء السياسي والأمني للمنطقة بأسرها، ويمكن أن نكتشف أهم هذه التناقضات في الجماعات الإرهابية في كل من نيجيريا ومالي وتمددهما خارج حدود الدولتين، بحيث تشكل كل من جماعة بوكو حرام وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين نموذجًا لمتابعة قدرة دول غرب إفريقيا على مواجهة هذه التهديدات.

فما هي خريطة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا؟ وما هي مصادر تمويلها؟ وما هي المتغيرات التي تتحكم في مستقبل هذه الجماعات؟

 

أولا: خريطة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا.

 

تتنوع الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا وتتوزع بين تنظيمات تابعة إيديولوجيا وتنظيميا لتنظيم القاعدة وجماعات تابعة للدولة الإسلامية "داعش"، كما أنها تختلف من حيث القوة والقدرة في مواجهة الدول القائمة، رغم أنها تشترك معظمها في الراية السوداء التي تزعم إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية ومواجهة ما تسميه في أدبياتها "العدو القريب" و"العدو البعيد".

 

في دراسة مسحية حول الجماعات الإرهابية في القارة الإفريقية، تم إحصاء ثمانية جماعات إرهابية أساسية مرتبطة بتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية، تشمل 52400 مقاتل، وهي إحصائيات تم جمعها من القائمة الرسمية التي تعدها لجنة مكافحة الإرهاب، المكلفة من قبل مجلس الأمن وفقًا للقرارين 1373 و1624، وكذلك طبقًا للبيانات الصادرة عن مؤشر الإرهاب العالمي والمركز الأمريكي لمراقبة المواقع الإلكترونية الإرهابية[1] والملاحظ من خلال هذه الدراسة أن الثقل الأكبر لهذه الجماعات تنتشر في غرب إفريقيا، حيث تمثل جماعة بوكو حرام لوحدها التنظيم الأكبر تعدادًا والأكثر دموية، في فترة عشرة سنوات نفذت هذه الجماعة 2480 عملية منذ 2002 وقتل أكثر من 9000 ضحية من أصل 28500 ضحية الأعمال الإرهابية في القارة الإفريقية، كما نفذت الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الصحراوي بين مالي، النيجر وبوركينا فاسو 257 هجوم في سنة 2016،أي بزيادة 150 بالمائة مقارنة بسنة 2015.[2]  

وإذا حاولنا أن نوضح طبيعة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا بأكثر دقة، فإننا نحاول متابعة الخريطة الجغرافية والتركيبة الإيديولوجية للجماعتين الأكثر تأثيرًا، بوكو حرام وجماعة أنصار الإسلام والمسلمين، مع استخلاص المقارنة من حيث قوة وقدرة هاتين الجماعتين على البقاء ومواجهة السياسات الأمنية المحلية والإقليمية والدولية القائمة.

أ. جماعة بوكو حرام أو "طالبان إفريقيا". بدأت نشاطها عام 2002م، عندما أسسها محمد يوسف، في شمال شرق نيجيريا، الذي ركز على التعليم الديني وتحريم التعليم الغربي، ومنه جاءت التسمية" بوكو حرام" أي تحريم التعليم الغربي، وكان غايته فرض الشريعة على مجموع الولايات الـ 36 لنيجيريا، حيث تطبيق الشريعة كان ساري المفعول في الولايات 12 الشمالية، وانتقلت الجماعة إلى العمل المسلح بعد الصدام الدموي العنيف مع الشرطة النيجيرية خصوصًا بعد مقتل مؤسسها الذي اعتبر شهيدًا في نظر أتباعه، مما جعل الشخصية الثانية في الجماعة " أبوبكر شيكاو" تبحث عن ولاءات خارج الحيز الإيديولوجي والجغرافي للجماعة بين تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية "داعش".

 

تعتمد جماعة بوكو حرام في عملياتها الإرهابية على استراتيجية الحروب اللاتماثلية، بحيث تشكل الهجومات الانتحارية الواسعة في الأماكن العمومية لبث الرعب في الأوساط الشعبية وتقويض قدرات السلطة المركزية الوسيلة التدميرية الأكثر استخدامًا، حيث يوكل تنفيذ هذه العمليات للانتحاريين الشباب والأطفال، كما يؤكد تقرير لليونسيف صدر سنة 2016م، بعنوان " ما بعد شييوك"، وهو إشارة لعملية الاختطاف التي قامت بها بوكو حرام بحق 276 تلميذة ثانوية بمنطقة شيبوك، أن 75 % من هذه العمليات نفذتها الفتيات في هجومات ما بين نيجيريا، الكاميرون، النيجر والتشاد. وأضحى تجنيد الأطفال يشكل قلقًا كبيرًا بالنسبة لليونسيف، حيث تشير في تقريرها أنه ما بين يناير 2014 وفبراير 2016، تم إحصاء طفل انتحاري واحد من بين كل خمسة منفذين للعمليات الانتحارية وثلاثة أرباع من هؤلاء الأطفال بنات، وفي سنة 2015م، تم استخدام الأطفال بمعدل هجوم واحد لكل هجومين اثنين في الكاميرون، وهجوم واحد لكل ثمانية هجومات في التشاد وبمعدل هجوم واحد لكل سبعة هجومات في نيجيريا[3] ، وعليه، فإن السياسة التي ينتهجها تنظيم بوكو حرام تعتمد على اختطاف الأطفال وتجنيدهم إيديولوجيا لاستخدامهم كقنابل بشرية، حيث تماختطاف 1000 طفل في شمال شرق نيجيريا منذ 2013م، إلى غاية بداية 2018م، من ضمنهم 276 بنت[4] فإضافة إلى استخدامهم في العمليات الانتحارية، فإن التنظيم نفذ عمليات القتل في حق أكثر من 2295 معلم وحطم أكثر من 1400 مدرسة بحجة تحريم التعليم الغربي اللائيكي[5]. والحصيلة غير النهائية لجرائم بوكو حرام منذ 2009 تتجاوز 20 ألف قتيل و 2.6 مليون نازح[6] ويبقى التنظيم مقارنة بالجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا ينفرد بالعمليات الأكثر غرابة ووحشية، مثل تجنيد فتيات في السن السابعة للقيام بعملية انتحارية في أوساط العامة في الأسواق،التجمعات، مراكز المراقبة، محطات النقل وحتى داخل المساجد والكنائس، كما حدث في العملية الانتحارية التي نفذتها طفلتين في سن السابعة في سوق بمايدوغوري، عاصمة ولاية بورنو، أو تلك العملية الانتحارية التي نفذتها طفلة تحمل صبي على ظهرها للتمويه وعدم توجيه الأنظار إليها، في بداية يناير 2017.[7]

فيما يخص علاقات بوكو حرام بالتنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية، فإن في بداية الألفية الجديدة بعدما لجأت للعمل المسلح كان تقاطع المصالح مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حيث تؤكد الكثير من التقارير الإعلامية الأمنية عن التعاون اللوجيستيكي والعملياتي بين التنظيمين، فحسب تقرير صادر عن مجلس الأمن للأمم المتحدة بتاريخ يناير 2012م، فإن تنظيم بوكو حرام رغم تمركزه في شمال شرق نيجيريا، فإن سبعة من أعضائه تم توقيفهم بالنيجر في طريقهم للوصول لمالي، وبحوزتهم وثائق حول صناعة المتفجرات، ومعلومات بيانية عن أعضاء من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي[8]، كما شارك أعضاء من جماعة بوكو حرام في اختطاف سبعة أفراد من القنصلية الجزائرية في غاو شمال مالي، في5 أبريل 2012م، إلى جانب حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا ذات الارتباط بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.[9]

فيما بعد عندما اشتد عود تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، بايع أوبكر شيكاو، أبوبكر البغدادي ليعلن تنظيمه جغرافيا ولاية غرب إفريقيا للدولة الإسلامية. واعتبر البعض أن هذه المبايعة تعد صفقة مربحة للطرفين، بحيث "بوكو حرام سوف تحصل على الشرعية ستساعدها في تجنيد المزيد في صفوفها، وفي توسيع الحصول على التمويل والدعم اللوجستي وأنها ستحصل كذلك على النصيحة من داعش في مجال الإعلام والدعاية الحربية، ففي السابق كانت بوكو حرام خارج السياق في المجتمع الجهادي العالمي، والآن ربما تكون أكبر تابع لداعش. بينما داعش فسوف يحصل على شرعية دولية كخلافة على مستوى العالم."[10] 

 

وإذا حللنا السياق الجيوسياسي لمبايعة بوكو حرام لداعش، فإنه جاء في فترة مبادرة تشكيل تنسيق عسكري وأمني جهوي بين مجموعة دول حوض التشاد، التي تتشكل من الكاميرون، ليبيا، النيجر، نيجيريا، التشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، حيث قرر في اجتماع قمة رؤساء دول حوض التشاد بباريس للأمن في نيجيريا المنعقد في 17 مايو 2014م، إقامة تعاون استعلاماتي ولوجيستيكي بين هذه الدول، وتم الإعلان عن ميلاد قوة عسكرية متعددة الجنسيات في 7 أكتوبر 2014م، في قمة استثنائية لرؤساء دول حوض التشاد، هدفها محاربة بوكو حرام وفق رزنامة زمنية لانتشار تلك القوة العسكرية التي تم تحديد تعدادها فيما بعد بـ 8700 عسكري.[11]

 

وعليه، فإن جماعة بوكو حرام التي أعلنت ولاءها لتنظيم داعش كانت تبحث عن وسائل تكتيكية للتكيف مع هذه القوة العسكرية الجهوية، خصوصًا بعدما تصاعدت العمليات الإرهابية للتنظيم في دول الجوار لنيجيريا، ما بين التشاد والكاميرون على وجه الخصوص، مع ظهور خلايا نائمة للتنظيم في دول حوض تشاد. لكن في الوقت ذاته كانت إغراءات أبوبكر البغدادي في العراق وسوريا من خلال سيطرته على الأرض والمال وتمدده الجغرافي من الموصل إلى الرقة نموذجًا مغريًا لأبي بكر شيكاو، ليتمدد من شمال شرق نيجيريا إلى المناطق الجغرافية المتخمة لحدود نيجيريا حيث تغيب السلطة المركزية في بسط سيطرتها الأمنية. وفي الوقت ذاته، ستسمح هذه المبايعة بتجنيد أتباع خارج التجنيد الكلاسيكي لبوكو حرام الذي كان يعتمد في الأساس على طلبة العلم الشرعي والتجنيد الإيديولوجي الإجباري للأطفال. وبما أن المال هو عصب أي تنظيم إرهابي، فإن بوكو حرام كانت ترجو أن يصلها المدد المادي من السلاح والمال بإعلانه قطعة جغرافية تابعة لدولة الخلافة في بغداد. لكن مع بداية 2015م، اتضحت الإرادة العسكرية الجهوية للتحالف الرباعي المتشكل من الكاميرون، النيجر، نيجيريا والتشاد بشن هجومات جوية وبرية ضد بوكو حرام التي كبدته خسائر بشرية ومادية، بتقليص نفوذه الجغرافي الذي كان يمتد على مساحة 20 ألف كلم مربع، وقطع طرق الإمدادات اللوجيستكية[12].

 

ب. جماعة نصرة الإسلام والمسلمين: تعد من بين الجماعات الإرهابية المنتشرة في الساحل الصحراوي وتمس جزءًا من دول غرب إفريقيا، مالي، التشاد، النيجر، بوركينافاسو وموريتانيا، وقد تشكلت الجماعة من خلال اتحاد مجموعة من التنظيمات وهي: جماعة أنصار الدين التي يقودها المالي، إياد أغ غالي، ذو الأصول الترقية، الذي كان يطالب بانفصال منطقة شمال مالي وتطبيق الشريعة، إلى جانب هذه الجماعة انضمت "إمارة الصحراء الكبرى" إلى نصرة الإسلام والمسلمين، وهي بدورها تجمع لستة كتائب تابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، يضاف إلى جماعة أنصار الدين وإمارة الصحراء الكبرى، كتيبة المرابطون التي يقودها مختار بلمختار والتي هي في الأصل نتاج اندماج بين جماعة الملثمون التي كان يقودها مختار بلمختار وجماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، وآخر الجماعة التي انضمت إلى نصرة الإسلام والمسلمين كتائب جبهة تحرير ماسينا، وهي من اثنية الفلان.

تم مبايعة إياد أغالي لقيادة نصرة الإسلام والمسلمين من خلال شريط فيديو مصور، في أول مارس 2017م، حيث أعلن في الوقت ذاته قائدها الجديد عن بيعة الجماعة لتنظيم القاعدة وزعيمها أيمن الظواهري، وأمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، أبو مصعب عبد الودود، وأمير حركة طالبان الملا هبة الله.

 

وتتشابه البيئة الجيوسياسية لإعلان ميلاد نصرة الإسلام والمسلمين مع بوكو حرام، وبيعة الأولى لتنظيم القاعدة والثانية لداعش، فإذا كان أحد أهم أهداف بيعة بوكو حرام هو التكيف مع القوة المختلطة المتعددة الجنسيات لدول حوض التشاد، فإن أنصار الإسلام والمسلمين أعلنت عن توحيد التنظيمات فيما بينها لمواجهة تشكيل القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل الخمس التي تشمل كل من، موريتانيا، مالي، النيجر، التشاد وبوركينافاسو.

 

يعتمد التنظيم في أعماله الإرهابية على الهجومات الخاطفة على الثكنات العسكرية النائية للاستيلاء على الأسلحة، واختطاف الرهائن الذي تعد فيه التنظيمات المكونة له ذات الخبرة الواسعة في إجبار الحكومات الغربية على دفع الفدية لتمويل عملياتها الإرهابية وتجنيد العناصر الجديدة.

وعكس بوكو حرام، فإن الجماعة تريد أن تلحق الضرر المادي والمعنوي بالبعثة العسكرية الفرنسية المعروفة باسم "برخان" والتي تمتد في المنطقة من موريتانيا إلى غاية التشاد مرورا بمالي والنيجر وبوركينافاسو، كما تهاجم بعثة الأمم المتحدة في مالي المعروفة اختصارًا بــ"مينوسما". وهو التسويق الدعائي التي يروج له تنظيم القاعدة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001م، بأن صراعها قائم مع الدائرة الحضارية الغربية الواسعة التي تشمل الصليبيين (العدو البعيد)، والأنظمة الموالية للغرب (العدو القريب).

لإثبات قوتها وقدرتها القتالية المتحدية لدول المنطقة والمشروع الفرنسي، نفذت الجماعة مباشرة بعد الإعلان عن ميلادها، هجومًا على موقع عسكري في جنوب مالي على الحدود المتخمة لشمال بوركينا فاسو (05 مارس 2017م)، خلف مقتل 11 عسكري من القوات المالية والاستيلاء على المعدات العسكرية[13]، وفي صيف 2017 م، قام التنظيم بمهاجمة مطعم تركي بالعاصمة البوركينابية تم قتل 18 شخصًا، ومباشرة بعدها نفذ عملية عسكرية على قوات الأمم المتحدة خلف مقتل سبعة أشخاص، من بينهم خمسة من حراس بعثة حفظ السلام في مالي، كما هاجم المقر العام لبعثة القبعات الزرق التابعة للأمم المتحدة في تمبكتو شمال مالي.

صعدت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عملياتها الإرهابية بتنفيذ هجومين نوعيين متزامنين، الأول على مقر رئاسة الأركان المسلحة لبوركينا فاسو والثاني على مقر السفارة الفرنسية بواغادوغو (مارس 2018م)، في الوقت الذي كان اجتماعًا أمنيًا للقوة المتعددة الجنسيات لمجموعة دول الساحل الخمس ينعقد بمقر رئاسة الأركان بعاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو[14].

 

تؤشر هذه العمليات الإرهابية على قدرة التنظيم على التنسيق الاستخباراتي والتحكم في الميدان باستخدام حرب العصابات، بتكتيك الكر والفر، ويتضح أنه استفاد من انهيار وهشاشة الدولة في مالي في مرحلة ما بعد 2012م، وتهريب ترسانة السلاح ما بعد انهيار نظام القذافي في ليبيا، مع الاستفادة من عناصر إرهابية لديها الخبرة القتالية في المناطق الصحراوية والحدود المنكشفة بين مالي والنيجر، ومالي وبوركينا فاسو، حيث يقدر عدد المقاتلين في صفوف التنظيم ما بين 2000 و3000 مقاتل.[15]

إذا كانت الوسائل والكيفيات في تنفيذ العمليات الإرهابية تختلف بين بوكو حرام وأنصار الإسلام والمسلمين، فإن الأسس الإيديولوجية العامة التي تحكم التنظيمين قائمة على نفس المعتقدات التي تختزل في الحاكمية، الفرقة الناجية، تحريم التعليم الغربي، إقامة الدولة الإسلامية والبيعة للإمام، الولاء والبراء ومعادة المخالفين حتى داخل الدائرة الإسلامية الواحدة بتكفير الطوائف والمذاهب المخالفة.[16]

 

ثانيًا: تمويل الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا.

 

تستمد الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا قوتها من مصادر التمويل المتنوعة التي تحصل عليها من أجل مواجهة الجيوش النظامية والتحالفات العسكرية الجهوية، التي عجزت عن فرض سيطرتها على مساحات جغرافية مكشوفة وغير متحكم فيها، مما أعطت نقاط قوة لتلك الجماعات الإرهابية في إدارة الحروب اللاتماثلية بمنطق الضعيف في مواجهة القوي، فالعمليات الانتحارية والسيارات المفخخة، واستخدام الأطفال والبنات كما هو الحال لجماعة بوكوحرام، في مواجهة التكنولوجية العسكرية، الأقمار الصناعية، طائرات بدون طيار.

فما هي مصادر التمويل التي تعتمد عليها هذه الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا؟

في دراسة ميدانية قامت بها مجموعة العمل الحكومية لمحاربة تبييض الأموال في غرب إفريقيا (GIABA)    ومجموعة العمل المالية GAFIحول تشخيص المناهج المستخدمة من قبل الإرهابيين والتنظيمات الإرهابية والجماعات التي تدعمها في جمع، نقل واستخدام الأموال، توصل فريق من الخبراء من خمسة دول من غرب إفريقيا الأكثر تضررًا من العمليات الإرهابية، وهي مالي، بوركينافاسو، النيجر، نيجيريا والسنغال، وهي الدول التي تنشط وتنتشر فيها كل من جماعة بوكو حرام وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، إلى تحديد أربعة أصناف من المناهج والتقنيات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا في تمويل ودعم الأعمال الإرهابية، وتتمثل أولاً، في التمويل عن طريق التجارة والنشاطات الربحية، ثانيًا، التمويل عن طريق المنظمات غير الحكومية والخدمات الخيرية، ثالثًا، التمويل بواسطة تجارة الأسلحة والممتلكات والعملات، رابعًا وأخيرًا، يكون التمويل عن طريق الاتجار بالمخدرات.[17]

ووفق التقارير الميدانية الصادرة عن الأمم المتحدة فيما يخص النشاطات الإرهابية وعلاقاتها بالجريمة المنظمة، يمكن أن نستند على البرنامج الجهوي الخاص بغرب إفريقيا (2016-2020) لنكتشف أن المنطقة تشكل مجالاً حيويًا للجماعات الإرهابية في تعزيز صفوفها عبر مختلف أنواع الجريمة المنظمة، الاتجار بالبشر، تهريب السلاح، الاتجار بالمخدرات وغيرها، بحيث أضحت منطقة غرب إفريقيا منطقة عبور للكوكايين والهروين من أمريكا اللاتينية نحو أوروبا، وكذلك منطقة لتطوير طريق الجنوب للهروين من إيران وباكستان عبر الشرق الأوسط والأدنى نحو أوروبا.[18]

تم تقدير العائدات المالية من الجرائم المنظمة لخمسة عشر دولة في غرب إفريقيا من قبل البنك العالمي والبنك الإفريقي للتنمية، بما يعادل 3.6 % من إنتاجها الداخلي الخام، وتمثل عائدات الجريمة المنظمة العابرة للحدود فيما يخص الاتجار بالمخدرات، الاتجار بالبشر وكذا سرقة النفط ما يعادل 1.5 بالمائة من الإنتاج الداخلي الخام، وتتكبد دول غرب إفريقيا خسائر سنوية بقيمة 15 مليار دولار.[19] إضافة إلى العائدات المالية التي تكسبها الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا في تقاطع المصالح مع جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود، فإنها تعتمد على إجبار الدول الغربية على دفع الفدية مقابل اختطاف الرعايا الغربيين وفي هذا المجال فإن بوكو حرام لديها خبرة كبيرة في الاتجار بالمختطفين، بحيث تقدر المصالح الاستخباراتية الأمريكية الخاصة، معدل أرباح بوكو حرام من الاختطافات المحلية لأصحاب الثروة في نيجيريا، مليون دولار مقابل كل مختطف، في الوقت الذي أشارت صحيفة "ذو ويك" البريطانية بأن جماعة بوكو حرام تلقت حوالي 3.5 مليون دولار كفدية من قبل المفاوضين الفرنسيين والكاميرونيين مقابل إطلاق سراح العائلة الفرنسية "مولان فورنيي".[20] كما تشير التقديرات الأمريكية إلى عائدات التعاون بين بوكو حرام وجماعات الجريمة المنظمة في الفترة ما بين 2006 و2011 ما يعادل 35 مليار فرنك إفريقي.[21] كما تعتمد جماعة بوكو حرام على طريقة داعش في فرض الضرائب على السكان في المناطق التي تسيطر عليها في شمال شرق نيجيريا وتراقب كل أنواع التجارة الموازية من السجائر إلى سوق السيارات التي تجني من خلاله ما بين 175 ألف إلى 450 ألف يورو شهريا وهي قيمة مالية ضعيفة مقارنة بما تكسبه داعش من الضرائب التي كانت تصل إلى 360 مليون دولار سنويا[22]، ومن حسن حظ نيجيريا فإن الموارد النفطية الحيوية موجودة في دلتا النيجر في الجنوب وليس في الشمال وإلا لاكتسبت جماعة بوكو حرام مصادر للقوة التمويلية تقوض بها أسس الدولة المركزية في أبوجا.

 

ثالثًا، الإرهاب في غرب إفريقيا..إلى أين؟

استشراف مستقبل الاستراتيجية الدولية والجهوية التي تعتمدها دول المنطقة من خلال تجربة القوة العسكرية المختلطة المتعددة الجنسيات لدول حوض التشاد ومجموعة دول الساحل الخمس، في مواجهة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا، يبقى في مساره العام محكومًا بمجموعة من المتغيرات الثقيلة التي تؤثر على قوة أو ضعف الدول في غرب إفريقيا، أهم هذه المتغيرات على المستوى السياسي، غياب الحكم الراشد واستشراء الفساد، مما يعطي ورقة قوة لصالح الجماعات الإرهابية التي تستثمر في المناطق الهشة للدولة المركزية، ونقدم مؤشرًا واحدًا لفهم تأثير هذا المتغير في أكبر دولة في غرب إفريقيا، التي تعد أكبر دولة منتجة للنفط، حيث صرح وزير الإعلام النيجيري، لاي محمد، " أن 55 شخصًا من بينهم وزراء سابقون اختلسوا ما يعادل 7 ملايارات دولار على مدى سبعة سنوات في الفترة ما بين 2006 و2013" وختم بقوله:" إذا لم يقض على الفساد فإنه سيقضي على نيجيريا"[23]، متغير الفساد يساهم في ضعف الدولة في بسط قوتها وقدرتها التوزيعية والتنموية، وهو نموذج واضح في مالي مع الانقلاب العسكري على الرئيس، أمادو توماني توري، في 21 مارس 2012 ، الذي قاده مجموعة من العسكريين بحجة عدم استجابة الحكومة لمطالب الجيش الذي يطالب بتسليح القوات النظامية قي شمال مالي الذي يتلقى خسائر على يد الجماعات الإرهابية المسلحة والجماعات الترقية المسلحة.

وبسبب الفساد وغياب الحكم الراشد في كل من نيجيريا ومالي، تجد الجماعات الإرهابية المحلية والعابرة للحدود، البيئة المواتية لتمدد قوتها وبسط نفوذها وبناء تحالفات عضوية ووظيفية مع جماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود.

إلى جانب المتغير السياسي الداخلي، فإن المتغير الجيوسياسي يساهم بشكل واضح في إعطاء الشرعية للجماعات الإرهابية في الترويج لأدبياتها العامة، مثل الولاء والبراء ومحاربة الكفار والصليبيين في أرض الإسلام والمسلمين، حيث أن التواجد العسكري الفرنسي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا يزيد من تصاعد الجماعات الإرهابية، لأن التدخلات العسكرية الأجنبية مؤشر على هشاشة المنظومة الأمنية العسكرية لدول غرب إفريقيا، التي تأثرت أساسًا في البداية مع التدخل الفرنسي الغربي في ليبيا والتدخل الفرنسي في شمال مالي، والمعطى الجيوسياسي لا ينظر للقوى الخارجية على أنها جمعيات خيرية أو رجال للحماية المدنية، وإنما يركز على المصالح الحيوية التي تسعى من خلالها الدول الكبرى لاكتسابها، والمتمثلة أساسًا في الموارد ذات البعد العالمي وكم هي كثيرة في غرب إفريقيا مثل، اليورانيوم، النفط والذهب.

كما أن استشراف المستقبل في غرب إفريقيا يبقى مرهونا بالتطورات الأمنية الحاصلة في الشرق الأوسط، بما ستنتهي عليه التنظيمات الإرهابية المعولمة المتمثلة في تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة "داعش"، لأن واقع الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا مرتبط إيديولوجيا وعمليًا بكلا التنظيمين، فكل طرف يريد الاستثمار في الطرف الآخر للحفاظ على البقاء لأطول مدة ممكنة.

 

 

المراجع

[1]AURÉLIE BAZZARA , « Terrorisme : l'Afrique, cette cible de choix des djihadistes », Publié le 04/04/2017 à 13:45 | Le Point Afrique, in : https://www.google.dz/amp/amp.lepoint.fr/2117104

[2]نفس المرجع.

[3]Martin Mateso, « Boko Haram : des enfants pris en otages transformés en bombes humaines »,  geopolis Afrique, Publié le 13/04/2016 à 16H28 in : http://geopolis.francetvinfo.fr/boko-haram-des-enfants-pris-en-otages-transformes-en-bombes-humaines-103577

[4]Boko Haram a enlevé plus de 1 000 enfants au Nigeria depuis 2013, Le Monde.fr avec AFP Le 13.04.2018 à 11h11, in : http://www.lemonde.fr/afrique/article/2018/04/13/boko-haram-a-enleve-plus-de-1-000-enfants-au-nigeria-depuis-2013_5284972_3212.html

[5]نفس المرجع.

[6]« Attentat au Nigeria: la kamikaze portait un bébé sur son dos », in :LEXPRESS.fr avec AFP , publié le 24/01/2017 à 16:25 https://www.lexpress.fr/actualite/monde/afrique/attentat-au-nigeria-la-kamikaze-portait-un-bebe-sur-son-dos_1872295.html

[7]نفس المرجع.

[8]Rapport de la mission d’évaluation des incidences de la crise libyenne sur la région du Sahel, conseil de sécurité des Nations Unies, publié 18 Janvier 2012, P. 12

[9]Laurent de Castelli , « Aqmi : le soutien de Boko Haram ? »,in : la Tribune, 24 octobre 2012

http://www.iris-france.org/43347-aqmi-le-soutien-de-boko-haram/

[10]داعش" يقبل بيعة "بوكو حرام" لأبي بكر البغدادي، موقع سي.أن.أن العربي: آخر تحديث الجمعة, 13 مارس/آذار 2015; 10:53 (GMT +0400).

https://www.google.dz/amp/s/arabic.cnn.com/isis-leader-purportedly-accepts-boko-harams-pledge-allegiance%3famp

[11]NKALWO NGOULA JOSEPH LEA, « L’ÉTAT ISLAMIQUE EN AFRIQUE DE L’OUEST (EX-BOKO HARAM) : LA STRATÉGIE DE DIVERSION FACE À L’ASSAUT DE LA COALITION ARMÉE »,NOTE D’ANALYSE POLITIQUE,Institut de Recherche et d’Enseignement sur la Paix,NAP n° 30 – août 2015, p.p 2-3.

[12] Ibid, p.3.

[13] « Mali :le GSIM revendique l’attaque meurtrière contre l’armée »,le 360 Afrique et AFP, 10/03/2017

http://afrique.le360.ma/mauritanie/societe/2017/03/10/10240-mali-le-gsim-revendique-lattaque-meurtriere-contre-larmee-10240

[14] Alain Antil,« Burkina Faso : qui est le GSIM, qui a revendiqué les attaques de Ouagadougou ? » France info, Mis à jour le 04/03/2018 | 22:19 publié le 04/03/2018 | 15:58 in : https://www.francetvinfo.fr/monde/afrique/burkina-faso/burkina-faso-qui-est-le-groupe-pour-le-soutien-de-l-islam-et-des-musulmans-qui-a-revendique-les-attaques-de-ouagadougou_2639926.html

[15]نفس المرجع.

[16]هاني نسيره، " بوكو حرام».. النشأة والصعود والتحولات"، الشرق الأوسط ، الإثنين 08 فبراير 2016.

https://m.aawsat.com/home/article/563086/بوكو-حرام»-النشأة-والصعود-والتحولات

[17]RAPPORT GAFI (Le Groupe d’Action Financière), FINANCEMENT DU TERRORISME EN AFRIQUE DE L’OUEST, Octobre 2013.

http://www.fatf-gafi.org/media/fatf/documents/reports/FT-en-Afrique-de-louest.pdf

[18]Programme régional de l’ONUDC pour l’Afrique de l’Ouest (2016-2020).Nation Unies, New York,2016

En appui au Plan d’action de la Communauté économique des États de l’Afrique de l’Ouest (CEDEAO) pour la lutte contre le trafic illicite de drogues, la criminalité organisée et l’abus de drogues en Afrique de l’Ouest 2016-2020

https://www.unodc.org/documents/westandcentralafrica/Programme_regional_de_lONUDC_pour_lAfrique_de_lOuest_2016-2020_2.pdf

[19]RICHARD HIAULT, « Le crime coûte 50 milliards de dollars annuels à l'Afrique de l'Ouest », les echos, France, Le 20/02 à 15:58

https://www.lesechos.fr/monde/afrique-moyen-orient/0301321553246-le-crime-coute-50-milliards-de-dollars-annuels-a-lafrique-de-louest-2155149.php

[20]FRANÇOIS BAMBOU, « Comment Boko Haram se finance-t-il ? Enquête sur une multinationale du crime », .investigaction, 17 Sep 2015,  

https://www.investigaction.net/fr/Comment-Boko-Haram-se-finance-t-il/

[21]نفس المرجع.

[22]Antoine Izambard, « Quels sont les moyens financiers de la secte islamiste Boko Haram? », challenges , France, le 17.02.2015 à 07h17, mis à jour le 18.02.2015 à 14h58

https://www.challenges.fr/monde/quels-sont-les-moyens-financiers-de-la-secte-islamiste-boko-haram_33575

[23]فضيحة فساد في نيجيريا تكشف عن اختلاس مليارات من خزينة الدولة، روسيا اليوم، تاريخ النشر19.01.2016 |08:25 GMT https://arabic.rt.com/news/807940-

 

 

مجلة آراء حول الخليج