لا تخفي الحكومة التركية منذ سنوات موقفها المنتقد لأداء مؤسسات الأمم المتحدة حول قضايا دول العالم الثالث أو العالم الإسلامي، بل وانتقاد سياسات حكومات الدول الكبرى واتهامها بازدواجية المعايير أيضاً([1])، وهذا الانتقاد ليس في تركيا فقط بل تتحدث عنه دول عربية وإسلامية أخرى، والانتقاد لعدم حلها القضايا الكبرى التي عانت منها الشعوب المسلمة، ومنها القضية الفلسطينية والقضية الكشميرية والقبرصية وغيرها، فالقضايا الدولية المزمنة هي قضايا العالم الإسلامي غالبًا، والتي تناولتها الأمم المتحدة في العقود الماضية، وأصدرت بحقها مئات القرارات الدولية، ولكن دون تنفيذها ولا حلها، وفي العقد الأخير زادت الانتقادات التركية لمنظمات الأمم المتحدة لعدم حمايتها الشعوب الإسلامية والعربية في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن وليبيا والروهينغا وسيريلانكا وغيرها، والتي أريقت فيها الدماء الغزيرة، فضلاً عما لحقها من دمار وتشريد لشعوبها دون أن تقوم الأمم المتحدة بواجباتها الإنسانية، ولا تأمين حياة كريمة للمشردين في مخيمات اللجوء وهم في أصعب الظروف البيئية.
إن الانتقاد لمؤسسات الأمم المتحدة بما فيها مجلس الأمن إنما هو في الحقيقة انتقاد للدول الخمس الكبرى، التي تملك مقعدًا دائمًا في مجلس الأمن، بحسب النظام الداخلي للأمم المتحدة، وهي الدول الكبرى التي وضعت نظام وقوانين الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بنفسها، ويترتب على هذا الانتقاد المطالبة بتعديل هذا النظام الذي يحكم الأمم المتحدة ومؤسساتها منذ ذلك التاريخ، كما يتضمن مطالبة صريحة لإقامة نظام جديد للأمم المتحدة أكثر عدلاً لشعوب العالم كافة، فلا يبقى مجلس الأمن ولا قراراته الدولية حصرًا على عدد قليل من دول العالم أولاً، ولا حصرًا على تمثيل حضارات معينة وإقصاء حضارات أخرى أكثر انتشارًا في العالم ظلمًا، فالعالم أكبر من خمس دول تهيمن على مجلس الأمن والأمم المتحدة كما يقول الرئيس التركي أردوغان في مناسبات عديدة، إضافة إلى أنه لا يوجد من بينها دولة إسلامية لتمثيل خمس سكان البشرية من المسلمين وحضارتهم ولا غيرها من الشعوب الأخرى، وتصحيح النظام الدولي ليكون أكثر عدلاً وقدرة على إطفاء الحروب ينبغي أن يبدأ بتغيير النظام الداخلي للأمم المتحدة.
ضعف قدرة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في إطفاء حرائق الحروب الإقليمية:
إن العامل الأكبر المؤثر على تشكيل النظام الدولي الحديث هي الأوضاع الدولية الناشئة عن حربين عالميتين، فقد نشأت عصبة الأمم عام 1919م، وانهارت مع نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1946م، وقد وصفت هذه المرحلة بعهد عصبة الأمم، وتم توقيع ميثاق الأمم المتحدة يوم 26 يونيو 1945م، وقد جاء في ديباجة تأسيس ميثاق الأمم المتحدة: "نحن شعوب الأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا: أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانًا يعجز عنها الوصف. وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية ... وأن نكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها"([2]).
هذه من مقولات ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، ومصوغات تأسيسها وأهدافها، ولذا فهي اليوم أمام تحد كبير، فبعد أكثر من ستين عامًا تجد شعوب العالم أن الأمم المتحدة قد فشلت في الوصول لهذه الأهداف، وبالأخص الشعوب المستضعفة في العالم من دول العالم الثالث ودول العالم الإسلامي، والسبب في ذلك أن نظام الأمم المتحدة قد أوقف تنفيذ القرارات الدولية الكبيرة على مجلس الأمن فقط، الذي يتشكل من خمسة دول كبرى دائمة العضوية، ولهم وحدهم حق نقض القرارات التي يتفق عليها مجلس الأمن نفسه، والدول العشر المكملة لباقي أعضاء مجلس الأمن غير دائمة العضوية وليس لهم حق النقض، بحسب المادة 23 من الفصل الخامس من نظام الأمم المتحدة، فهذه المادة من نظام الأمم المتحدة جعلت العالم كله بيد خمس دول كبرى فقط([3])، وحيث أن هذه الدول الكبرى هي من أكثر الدول العالمية مباشرة بشن الحروب العالمية فإن مجلس الأمن لن يستطيع منع الاعتداءات التي تقوم بها هذه الدول الكبرى أولاً، وهذا يؤدي لعجز مجلس الأمن عن منع العدوان الذي تقوم به دولة مدعومة كليًا أو جزئيًا من إحدى دول مجلس الأمن دائمة العضوية ولها حق النقض الفيتو ثانيًا، وهذا سيحول دون قدرة الأمم المتحدة ومجلس الأمن على إطفاء حرائق الحروب الإقليمية والدولية معًا في المستقبل أيضًا، ما لم يتم تعديل نظام الامم المتحدة ومجلس الأمن أيضًا.
لقد تجسد ذلك الخلل في النظام الدولي من خلال أمثلة سافرة منها: الدعم الأمريكي السافر للدولة الإسرائيلية في عدوانها على الشعب الفلسطيني لأكثر من نصف قرن، وتجسد كذلك في الموقف الروسي الداعم والمشارك لنظام بشار الأسد في سوريا في عدوانهما مع إيران على الشعب السوري منذ عام 2011م، وحتى الآن، بل شنت روسيا نفسها مع حليفها الإيراني وجيش بشار الأسد حربًا بكافة الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا والأسلحة الحربية والصواريخ المجنحة والقنابل الفسفورية والنابالم دون أن تتمكن الأمم المتحدة ومجلس الأمن من حماية الشعب السوري بسبب الفيتو الروسي.
إن سبب عجز الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن إطفاء الحروب الإقليمية والدولية هو بسبب عجز الأمم المتحدة عن اتخاذ قرار عادل أولاً، والعجز عن تنفيذ القرارات التي تتخذها الجمعية العامة للأمم المتحدة ثانيًا، طالما وجد معارضة لها بين أعضاء مجلس الأمن دائمي العضوية، فقرارات الجمعية العامة غير ملزمة للتنفيذ أولاً، ويمكن التحايل عليها من أعضاء مجلس الأمن أيضًا، كما حصل بشأن قرار الرئيس الأمريكي ترامب حول نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس المحتلة بتاريخ 6 ديسمبر 2017م، فالقرار الأمريكي كان مخالفاً للقانون الدولي أولاً، واستخدمت أمريكا حق النقض الفيتو ضد إجماع أربعة عشر دولة من باقي أعضاء مجلس الأمن ثانيًا، وتم التحايل على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص أيضًا.
أسباب فشل الأمم المتحدة في منع الكثير من الحروب إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية:
لقد أعقب التزامن بين وضع ميثاق الأمم المتحدة ونهاية الحرب العالمية الأولى عام 1945م، خللاً في النظام الدولي منذ نشوئه، فقد نشأ في ظروف مضطربة، وفي ظل مخلفات حروب دولية أو استمرار صراعات دولية بين الدول الكبرى، فأمريكا بعد الحرب العالمية الأولى تولت قيادة العالم الغربي وتوابعه الدولية بطلب رسمي من الحكومة البريطانية، التي كانت تتولى ذلك قبل الحرب العالمية الثانية، وتم نقل النفوذ الدولي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية([4])، هذا النقل حمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية مواجهة أطماع الاتحاد السوفيتي لنشر الشيوعية في العالم، وبالأخص في غرب أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط، بعد أن سيطر الاتحاد السوفيتي على شرق أوروبا وجمعها في حلف عسكري باسم حلف وارسو، فدخل العالم في حرب باردة بين الحلف الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي وزعامته لحلف وارسو، والحلف الغربي بزعامة أمريكا وزعامته لحلف شمال الأطلسي الناتو من بداية الخمسينات من القرن العشرين الماضي.
وقد أخذت أمريكا بالدفاع عن حلفائها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن في مقابل حماية الاتحاد السوفيتي لحلفائه والدول التي كان يعتبرها صديقة له، وهذا ما جعل الحروب الدولية في ظل الحرب الباردة هي حروبا بالوكالة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، مثل الحرب بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، والحرب الفيتنامية، وحرب كوبا والعديد من الصراعات الدولية في القارة الإفريقية، ومنها الحروب التي خاضتها الحركة الصهيونية باحتلال فلسطين عام 1948م، وحرب 1956م، وحرب عام 1967م، واحتلال الاتحاد السوفيتي لأفغانستان عام 1979م، والحرب العراقية الإيرانية الأولى عام 1990م، والتي تزامنت مع انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور دولة روسيا الاتحادية.
هذه الصراعات الدولية لم تكن بعيدة عن الصراع الدولي بين حلف الناتو وحلف وارسو، وإن كانت بصورة خفية أو ظاهرة، وفي كل تلك الحروب لم تستطع الأمم المتحدة إطفاء نار هذه الحروب، بل ساعدت على تقسيم الدول بين الشرق والغرب، كما فعلت مع الكوريتين والفيتناميتين واليمنيين وغيرها، فالتقسيم لم يقتصر على تقسيم ألمانيا إلى شرقية وغربية وإنما طال الكثير من الدول، وقد كانت هذه التقسيمات للشعوب والدول وعدم حلها سببا لاستمرار الصراع الدولي الإقليمي والدولي طول ستين عامًا بعد الحرب العالمية الثانية، وكان ميثاق الأمم المتحدة لحل النزاعات الدولية مجرد عبارات أو قوانين تطبق على الدول الضعيفة فقط.
تفعيل دور الأمم المتحدة سبيل لمنع الحروب وتثبيت الأمن والسلم الدوليين:
هذه الصراعات الاقليمية ذات الأبعاد الدولية لم تتوقف بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، فأمريكا عجزت عن حكم العالم بمفردها، لأنها لم تحاول إقامة نظام دولي عادل، بل سعت إلى افتراض نفسها دولة منتصرة في الحرب الباردة، بل وافتراض أن الحضارة الغربية الرأسمالية قد انتصرت على الشيوعية والاشتراكية والأنظمة الشمولية، وجعل بعض فلاسفتها ينظرون لصراع الحضارات([5])، وهم يقصدون هزيمة الحضارات العالمية بما فيها الحضارة الإسلامية أمام الحضارة الغربية الرأسمالية المسيحية، ولذا تعمدت السياسات الأمريكية من بداية العقد الأخير من القرن العشرين الماضي على حل مشاكلها الخارجية بالقوة العسكرية، بل وافتعال تدخلها العسكري في العالم بهدف نشر وتوسيع نفوذها العسكري في العالم، طالما هي قائدة للعالم دون منازع، وبدأت برفض الحل السياسي لاحتلال العراق للكويت، وسعت لإخراجه بالحرب العسكرية المدمرة، أولاً المدمرة للجيش العراقي، وثانيًا المدمرة لأموال النفط الخليجية([6])، ولكن خسائرها كانت أكبر من مكاسبها وإن تمكنت بسهولة من الانتصار العسكري بسبب فارق القوة العسكرية الهائلة بين أمريكا والدول التي تهاجمها وتحتلها دون وجه حق.
ومنذ ذلك الحين أخذ الفلاسفة والسياسيون الأمريكيون والغربيون ينظرون لإيجاد عدو جديد لأمريكا وللغرب، بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الاشتراكية وتحول الكثير من دول شرق أوروبا إلى دول صديقة للغرب وتنتمي لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، بل ومعادية للسياسات الروسية، وبالأخص بعد مجيئ رجل الاستخبارات السوفيتية السابق فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم في روسيا الاتحادية، وبنوع من التوأمة أو التحالف الخبيث بين المفكرين والفلاسفة الغربيين مع القادة السياسيين والعسكريين في الغرب أصبح الإسلام هو العدو المعين للغرب، وتم اتهام المسلمين في أكثر من حادثة بالإرهاب، وبأنهم يستهدفون نمط الحياة الغربية الديمقراطية وقيمها الإنسانية بالكراهية والعداء، دون أن يدرك علماء المسلمين وفلاسفتهم حقيقة هذه الخطط الغربية الخبيثة، بل ساهم بعض المسلمين بتمريرها على شعوبهم، وهم لا يدركون خطرها على العالم الإسلامي والعالم أجمع.
لم تكن جهود الأمم المتحدة واضحة ولا حاسمة ضد صناعة عداء دولي ضد الإسلام والمسلمين، وتلكأت كثيرًا بالأخذ بأجزاء من وجهة نظر بعض الدول الإسلامية لمواجهة تشويه الإسلام في الغرب والعالم، ممثلة بجهود قامت بها دول منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1997م، فقد بدأت هذه الدول جهودها لإصدار قرار (تحت بند جدول أعمال العنصرية) لإدانة ما سمته "بالتهجم على الإسلام"، وذلك مع بداية انعقاد دورات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عام 1999م.
ونيابة عن دول العالم الإسلامي تقدم السفير الباكستاني "أكرم" بمسودة قرار يوم 29 أبريل 1999م، رقم 40 تحت عنوان "التهجم على الإسلام"، وحتى يمرر نص المشروع قارن السفير الباكستاني " بين ظهور شكل جديد من عدم التسامح وسوء التفاهم والفهم الخاطئ عن الإسلام وللمسلمين في أماكن مختلفة من العالم، وبين العداء للسامية الذي ظهر في فترات سابقه في الماضي".
إلا أن الدول الغربية في الأمم المتحدة رفضت قبول قرار يحتوي على عنوان مثير مثل "التهجم على الاسلام"، فكان رد السفير الباكستاني هو إنذار الرافضين بأن ذلك سيكون له أثر كبير على العالم الإسلامي، فكان أن توصل الطرفان إلى اعتماد نص معمم يندد "بالتهجم على الأديان"، دون ذكر للإسلام، وهو العنوان الذي أعطي للقرار رقم 82 لعام 1999م ([7]).
هذه المحاولة الإسلامية لمنع الغرب عن تشويه صورة الإسلام في العالم في نهاية القرن العشرين لم تكن الأولى ولا الأخيرة أولاً، ولم تكن تعرف أن مؤسسات الغرب الماكرة كانت تعد العدة الإعلامية لتشويه أكبر، باتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب ثانيًا، ومن ثم إعلان الحروب الصليبية على العالم الإسلامي والمسلمين من جديد على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عام 2001م، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، في الولايات المتحدة، فقد تم تجريم الإسلام والمسلمين بالإرهاب قبل أن يتم التحقيق مع المتهمين، واكتفت المخططات الأمريكية باتهام الإسلام والمسلمين بالإرهاب لمجرد أن المنفذين من العرب والمسلمين دون التحقيق والبحث عن المخططين الحقيقيين لهذه الأحداث الأليمة، فالجهات المخططة للإرهاب مسؤولة أكثر عنه من المنفذين له، أو مساوية لهم على أقل تقدير، ولكن أمريكا ترفض هذا السؤال وذهبت إلى قانون جاستا، باعتبار أن الدول التي ينتمي إليها المنفذون للأحداث الإرهابية هم المسؤولون عنها وعن التعويض عن الخسائر التي تلحق بالمتضررين منها، وهذا ظلم آخر، لأن المسؤولين عن الأحداث هم المخططون الحقيقيون لها، فقد يستخدم أي جهاز مخابرات دولي مواطنًا عربيًا أو أمريكيًا أو أوروبيًا أو تركيًا لتنفيذ عملية إرهابية، فينبغي البحث عن الجهة المخططة أولاً، والبحث عن الجهة المستفيدة من الأحداث الإرهابية ثانيًا، ومن المؤكد أن المسلمين لم يكونوا من المخططين ولا من المستفيدين من كل أحداث الإرهاب العالمية منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
لم تستطع الأمم المتحدة في ظل الهيمنة الدولية للدول الكبرى في النظام الدولي الجديد أن تمارس دورًا أفضل من سابقه، الذي كان أيام الحرب الباردة، فقد أصبحت الأمم المتحدة أداة بيد الدول الكبرى وبالذات بيد أمريكا، فإن لم تشرع لها عدوانها بشكل علني، فإنها لم تستطع منعها ولا إدانتها عن شن حروب دولية كبيرة بحجة الإرهاب، بل عجزت الأمم المتحدة عن إيجاد تعريف دولي متفق عليه لمفهوم الإرهاب، مما يعني أن أمريكا لا تريد تعريفًا له، وإنما تحصر التعريف بالواقع الذي تريده، فمن يعادي أمريكا أو حلفاءها فهو إرهابي، سواء كان فردًا أو تنظيما أو دولة، بل أطلقت أمريكا اسم الدول الشريرة أو الدول الإرهابية على الدول التي تعارض السياسة الأمريكية، وهذا يعني أن أمريكا استخدمت شعار الحرب على الإرهاب كأداة لفرض النظام الدولي الجديد بعد الحرب الباردة، ولكن ردود الفعل العالمية كانت بعكس ما خططت له أمريكا، بل جاء رئيس أمريكي مثل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ليتهم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وإدارته بتأسيس منظمات إرهابية مثل تنظيم داعش، واهل مكة أدرى بشعابها!.
لقد كانت نتائج الحروب الأمريكية العدوانية مدمرة لبلاد المسلمين أولاً، ومدمرة للاقتصاد الأمريكي ثانيًا، ومن دون أن يجني الشعب الأمريكي منها خيرًا، ولذا فإن السؤال يزداد أهمية لمعرفة الأسباب الحقيقية، لماذا تصر الإدارات الأمريكية على مواصلة خوض هذه الحروب الخاسرة؟ وهل وراء ذلك مكاسب لشركات أمريكية معنية بتجارة السلاح والأدوية الأمريكية وغيرها، أم أن الإدارات الأمريكية لا تجد مشروعية أخرى لفرض هيمنتها على العالم إلا بهذه الحروب المدمرة، بحسب أوصاف بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، وهذا يعني أن الشركات العالمية الكبرى من المساهمين في إضعاف الأمم المتحدة عالميًا.
إن العقلية التي ينطلق منها الرئيس الروسي بوتين لاستعادة دوره العالمي هي أن أمريكا قد عجزت خلال عقد واحد من قيادة العالم بمفردها، وبحكم عقليته الأمنية أولاً، وثرائه المالي ثانيًا، فقد بدأ بوتين يتحرك لملء الفراغ الدولي، فالتخبط الأمريكي والأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها أمريكا في العقدين الماضيين جعل أمريكا أمام اقتصاد متهاو وازمة اقتصادية لم تخرج منها منذ عام 2008م، ولعل ما يركز عليه الرئيس الأمريكي ترامب دليل على ذلك، فهو يريد وقف صرف المال الأمريكي خارج أمريكا أولاً، ثم جلب المال من دول العالم الغنية إلى داخل أمريكا، ولذلك فإن منطقة الشرق الأوسط أمام تجاذب رئيسين طامعين بالهيمنة على العالم سياسيًا، ويسعيان لجلب أمواله أكثر إلى روسيا وأمريكا، فالتنافس الأمريكي الروسي الجديد، أو الحرب الباردة الجديدة هي حرب اقتصادية ومالية، وإن أخذت في بعض أبعاده مشاهد صراعات أمنية وسياسية وعسكرية، مثل محاولة روسيا طرح تصنيع أسلحتها الروسية في الدول الصديقة لها، أي خارج روسيا في ظاهرة لم تعمل عليها من قبل، فالتنافس الدولي أو الحرب الباردة ستبقى في السنوات القادمة عامل توتير دولي، وسببًا رئيسًا لإشعال أو استمرار العديد من الحروب الإقليمية والدولية، وليس العكس.
تركيا إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي:
أدركت الحكومة التركية خطورة قيادة العالم تحت شعار صدام الحضارات، فتقدمت الحكومة التركية بمبادرة مشتركة مع الحكومة الإسبانية عام 2005م، لإطلاق مبادرة دولية باسم: "مبادرة تحالف الحضارات"، وقد أطلقها كل من رئيس وزراء الجمهورية التركية السيد رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسباني السيد خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو ، وقد تم دعوة الأمم المتحدة لاعتماد المبادرة، في نفس العام، وباعتماد هذه المبادرة من قبل السيد أمين عام الأمم المتحدة تحولت إلى مبادرة أممية.
وقد كان من أهداف المبادرة عدم استغلال بعض العناصر المتطرفة أجواء الشك المتبادل والخوف والاستقطاب السائدة فيما بين الدول الإسلامية والمجتمعات الغربية، فهدفت إلى وقف هذه النزعة عن طريق الاحترام المتبادل فيما بين الثقافات، وقد اعتمدت المبادرة على موضوع الترابط بين كافة المجتمعات فيما يخص مواضيع التنمية والأمن والبيئة والازدهار، كما هدفت إلى تكوين إرادة سياسية مشتركة من أجل مواجهة الأحكام المسبقة والفهم الخاطئ والاستقطاب.([8])
لقد عقدت المبادرة عدة منتديات دولية لها في مدريد واسطنبول والدوحة وريوديجانيرو، وبأعلى المستويات السياسية، ولكن تأثيرها على مسار السياسات الدولية الغربية كان ضعيفًا، لنفس السبب الذي أضعف دور الأمم المتحدة، وهو تغول الدول الكبرى وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية على مواقف الأمم المتحدة، وهيمنة أمريكا على الساحة الفكرية والسياسية، فقادة الدول الغربية يملكون الإعلام العالمي، ويصرون في تصريحاتهم الصحفية على الربط بين الإسلام والإرهاب دون مبرر ولا رادع.
إن عجز أمريكا عن قيادة العالم منفردة أولاً، وإدخالها للعالم في حروب محلية واقليمية ودولية كبيرة خلال العقدين الماضيين ثانيًا، وعجز الأمم المتحدة منذ تأسيسها على حل هذه الحروب ثالثًا، ثم عودة روسيا إلى الحرب الباردة من جديد رابعًا، كل ذلك وغيره فرض على العديد من الدول الدعوة إلى إصلاح نظام الأمم المتحدة، وإلا فإن العالم يتجه نحو حروب وصراعات أكبر.
وقد كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الداعين إلى إصلاح نظام الأمم المتحدة، وإصلاح نظام مجلس الأمن على وجه التحديد، وصرح مرارًا أن العالم أكبر من خمس دول([9])، وهو يشير إلى الدول الخمس دائمة العضوية وتملك حق نقض القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، وقد عبر عن ذلك رئيس الوزراء التركي السابق البروفسور أحمد داود أغلو في المحافل الدولية بشكل علني وصريح، فقال أوغلو في كلمة قمة دافوس الاقتصادية الدولية عام 2015م: "هناك العديد من القضايا التي تحتاج لاهتمام مجلس الأمن، من ذلك قضايا أمنية في إفريقيا، ولكن مع هذا لا توجد أي دولة إفريقية من بين الدول دائمة العضوية بالمجلس، لكل هذا نحن نقترح إجراء إصلاح في نظام الأمم المتحدة، بحيث يشارك الجميع في حل المشاكل التي تهم العالم أجمع"([10]).
كما طالبت دول عدة مجددًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصلاح عاجل لمجلس الأمن الدولي، وشددت مجموعة الدول الأربع: ألمانيا واليابان والهند والبرازيل، والتي تتمتع بثقل اقتصادي مهم في العالم على ضرورة إصلاح مجلس الأمن "بأسرع وقت" حتى تصبح هذه الدول أعضاء دائمة فيه، ولكن هذه المطالبات تراوح مكانها منذ سنوات، لأن الدول الكبرى دائمة العضوية ترفض ذلك، وهو ما يعني أن يصل المجتمع الدولي إلى إعلان موت الأمم المتحدة طالما لا تمثل إلا دولا لا تزيد عن ربع سكان الأرض.
خاتمة:
إن الأمم المتحدة من وجهة نظر شعوب دول العالم الثالث هي هيأة فاشلة وعاجزة عن حل المشاكل والأزمات الدولية، وقد تأكد هذا العجر كثيرًا في السنوات العشر الماضية، فالحروب المدمرة قتلت ملايين الشعوب في العقد الأخير دون أن تتمكن الأمم المتحدة عمل شيء يذكر، ومن المقلق أن المستقبل القريب لن يكون أفضل من سابقه، فالإدارة الأمريكية الجديدة لا تنظر بأي احترام ولا تقدير لهيأة الأمم المتحدة، فمستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون يصرح علانية باحتقاره للأمم المتحدة، فيقول منذ عام 1994م:" لا توجد أمم متحدة، هناك مجتمع دولي يمكن قيادته من وقت لآخر بالقوة الوحيدة الحقيقية المتبقية في العالم، وهي الولايات المتحدة، وذلك كلما تناسب هذا الدور مع المصالح الأميركية وكلما استطعنا جعل الآخرين يسيرون معنا".
وعن إصلاح الأمم المتحدة قال بولتون:" لو كُلفت بإعادة هيكلة مجلس الأمن الدولي لخفضت عدد الدول دائمة العضوية إلى واحدة فقط، وهي أمريكا، لأن ذلك هو التعبير الحقيقي عن ميزان القوة في العالم".
هذا ما تناقلته الصحف الأمريكية بعد تعيين بولتون مستشارًا للأمن القومي الأمريكي قبل أيام، وأجمعت كل الصحف على وصف بولتون بالمتعصب والمتشدد والمتوحش، وأنه في الماضي أرهب محللي الاستخبارات ودفعهم إلى اصطناع أدلة على أن كوبا تطور برنامجًا لحرب بيولوجية، وأن العراق يطور أسلحة دمار شامل، كما يطالب اليوم بشن الحروب، بما فيها الحرب على إيران وإلغاء الاتفاق النووي معها، وإلزام كوريا الشمالية بالتنازل عن برنامجها النووي بالتهديد العسكري ([11])، أي أن الأمم المتحدة قادمة على شلل كامل مع هذه الإدارة الأمريكية الجديدة.
([1]) انظر: تصريح الرئيس التركي أردوغان بتاريخ 23/3/2018 رابط الكتروني: https://aa.com.tr/ar//1097650
.
([2]) انظر: الضحيان، الدكتور عبد الرحمن بن ابراهيم، وثائق المنظمات الدولية والاسلامية والعربية، السعودية، الطبعة الاولى، 1411هـ ـ 1991م، ص35.
([3]) انظر: شلبي، الدكتور ابراهيم أحمد، أصول التنظيم الدولي، الدار المصرية، 1985، ص300.
([4]) انظر: النعيمي، الدكتور أحمد نوري، تركيا وحلف شمال الاطلسي، بغداد، ص74.
([5]) صدام الحضارات، صموئيل هنتنجتون، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، بيروت، الطبعة الأولى، 1995، ص 17 ـ 41.
([6]) انظر: الحوالي، سفر بن عبد الرحمن، وعد كيسنجر والأهداف الأمريكية في الخليج، أمريكا، مؤسسة الكتاب الاسلامي، 1412هـ ـ 1991م، ص 20.
([7]) انظر: ديفيد ليتمان، بحث: الظاهرة الإسلامية تقوى في هيأة الامم المتحدة، دورية قراءات الإسلام والغرب، عدد2، ذو القعدة 1420هـ فبراير 2000م، ص 62.
([8]) انظر: موقع وزارة الخارجية التركية الالكتروني: http://www.mfa.gov.tr/medeniyetler-ittifaki-girisimi-ar.ar.mfa
([9]) انظر: بتاريخ 21/10/2017 رابط الكتروني: http://aa.com.tr/ar//943959.
([10]) انظر: بتاريخ 24/1/2015 رابط الكتروني www.presssolidarity.net/news/ONENEWS/81726/
([11]) انظر: بتاريخ 2018/3/26/ .، رابط الكتروني: https://arabic.sputniknews.com/world/201803231031004474-