array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 131

طريق الخروج من الأزمات العربية

الخميس، 07 حزيران/يونيو 2018

تتابعت الأزمات على المنطقة العربية منذ استقلال دولها في النصف الثاني من القرن العشرين. لم يمر عقد من دون أزمات خطيرة تلم بالعالم العربي، أو ببعض دوله. على أن الأزمات المركبة التي واجهتها بعض دول المنطقة منذ 2011م، وحتى اليوم تختلف في شدتها ومداها وقوة تأثيرها عن أي أزمة سبق وأن تعرضت لها المنطقة العربية في تاريخها الحديث.

       وأول ما يلفت الانتباه في الأزمات الحالية أنها لا تمثل تحديات أو مشكلات تعاني منها هذه الدولة أو تلك، ولا تعكس مجرد صراعات تتورط فيها دولة أو مجموعة من الدول.. وإنما تُعد تهديدات وجودية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إن بعض الدول العربية صارت، وربما للمرة الأولى منذ استقلالها، مهددة في بقائها واستمرارها ككيانات سياسية موحدة وذات استقلالية، ذلك أن الأزمات الكبرى التي ضربت المنطقة خلال السنوات الماضية قوضت تماسك ووحدة المؤسسات، بل وهددت السلم الأهلي في المجتمعات.

والحال أن هذه الأزمات شهدت تداخلاً غير مسبوق لعوامل سياسية واقتصادية، وعناصر داخلية وإقليمية ودولية، وأسباب قديمة وأخرى طارئة ومستجدة. وقد كان من شأن هذا التداخل والتركيب أن زاد من حدة الأزمات، ووسع من نطاقها، وجعل احتواءها أو الخروج منها أمراً في غاية الصعوبة.

ولم تقف آثار هذه الأزمات عند حدود الدول المتضررة، وإنما امتدت لتشمل دول الجوار لتلك التي تحتدم فيها الصراعات. ولعل تدفق اللاجئين والنازحين – الذين صار العرب يشكلون نصفهم على الصعيد العالمي – هو الأثر الإنساني الأبرز، وإن لم يكن الوحيد، للأزمات الخطيرة التي أدت إلى تفكك بعض الدول وانتشار العنف والإرهاب في ربوعها، كما هو الحال مع النزاع السوري الذي يعد واحداً من أكثر الحروب الأهلية دموية منذ الحرب العالمية الثانية.

ولا يخفى أن الأثر الانساني، على كلفته الفادحة، لا يمثل سوى واحد من جملة التبعات الخطيرة على مستقبل المنطقة العربية؛ إذ أن انتشار النزاعات واحتمالات التفكك التي تواجه بعض الدول قد جعلت من تحقيق النهضة الاقتصادية والاصلاح الشامل مهمة أصعب كثيراً، حيث تضطر الدول العربية – حتى تلك التي لا تترصد بصورة مباشرة لخطر النزاعات -إلى تركيز جهدها وإيلاء اهتمامها إلى كل ما يخص النواحي الأمنية والعسكرية، وبما يخصم بالطبع من إمكاناتها التنموية والاجتماعية.

والحق أن المتأمل في أوضاع تلك الأزمات يدرك على الفور أنها ليست من النوع الذي يتوفر له حل سريع، أو تسوية شاملة ناجزة. وعلينا، والحال هذه، أن نوطن أنفسنا في المنطقة العربية – كقيادات ونخب وشعوب – على التعايش مع هذه الأزمات لفترة ممتدة، والسعي إلى احتوائها قدر الإمكان، والعمل المستمر على حصار تبعاتها السلبية في أضيق نطاق ممكن، دون أن ينعكس ذلك على مسيرة التنمية أو جهود الاصلاح.

إن بعض أوجه هذه الأزمات يتطلب عملاً عاجلاً، ومن ذلك ما يتعلق بالنواحي الانسانية واستقبال اللاجئين والتخطيط لإعادة إعمار الدول التي هدمت والحواجز التي تم تخريبها. وبعض الأوجه يحتاج – من ناحية أخرى – إلى استراتيجيات طويلة الأجل تواجه الأسباب الأصلية للأزمات؛ سواءً كانت في داخل الدول أو في محيطها.. علماً بأن التدخل الدولي والإقليمي في الأزمات العربية قد أدى في الغالبية الكاسحة من الأزمات إلى تفاقمها وتعقيد سبل الوصول إلى حل بشأنها.

ويقيني، أن طريق الخروج من هذه الأزمات ليس فردياً تسير فيه كل دولة عربية وحدها، وإنما هو طريق ينبغي أن يتحرك فيه النظام الإقليمي بكافة مكوناته، بل أن مسئولية الدول التي لم تصبها الأزمات أكبر وأخطر، فهذه الدول بإمكانها أن تتحرك وتبادر... وعليها – من وجهة نظري – أن تشترك معاً في وضع خطة ذات أولويات واضحة وواقعية، لا تركز فقط على تسوية الصراعات، وإنما على شكل "اليوم التالي" بعد سكوت المدافع، وأيضاً على كيفية دفع العمل التنموي ومشروعات التكامل الاقتصادي على الصعيد العربي، بما يجعل روح الإصلاح والنمو والأمل، وليس الصراع والعنف واليأس، هي المعبرة حقاً عن واقع العالم العربي.

إن الأزمات الخطيرة التي تواجهها دولنا تمثل، من زاوية معينة، فرصة حقيقة لبث الحيوية من جديد في النظام الإقليمي العربي، إذ لن يكون ممكناً الخروج من هذه الأزمات إلا بعمل جماعي متضافر يوظف الامكانيات الاجمالية للدولة العربية. ولا يخامرني أي شك في أن المنظمة الإقليمية المعنية بالعمل الجماعي على الصعيد العربي – أي الجامعة العربية – لديها من القدرات والكوادر والخبرات ما يمكن حشده لصالح مشروع تكاملي عربي على أساس علمي معاصر. إن مشروع التكامل هذا يظل البديل الحقيقي لمشروع اليأس والإرهاب والفوضى الذي يسعى أنصاره لفرض أجندتهم... ولن يفلحوا أبداً بإذن الله.

مقالات لنفس الكاتب