array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 132

إيران مقبلة على استحقاقات تحدد مسارات التوازنات في الداخل واتجاهات تفاعلاتها مع الخارج

الخميس، 26 تموز/يوليو 2018

دخلت أزمة البرنامج النووي الإيراني مرحلة جديدة مع القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 9 مايو 2018م، بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015م، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية على إيران.

فرغم أن إيران والقوى الدولية المعنية بالاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا) حرصت على إبداء دعمها لمواصلة العمل بالاتفاق، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة تحديات عديدة تواجه ذلك، في ظل الثقل الكبير الذي تحظى به الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية والذي فرض تأثيرات قوية لقرارها بالانسحاب من الاتفاق، فضلاً عن الضغوط القوية التي تتعرض لها حكومة الرئيس حسن روحاني على الساحة الداخلية من جانب تيار المحافظين الأصوليين الذي حاول استغلال الفرصة من أجل انتزاع زمام المبادرة من تيار المعتدلين وتقليص قاعدته الشعبية المؤيدة له تمهيدًا لإقصائه من جديد من السلطة في الاستحقاقات السياسية القادمة، على غرار الانتخابات التشريعية والرئاسية التي سوف تجرى في عامي 2020 و2021م.

هذه المتغيرات في مجملها تطرح مسارات ثلاثة رئيسية قد يتجه الاتفاق النووي إلى أحدها خلال المرحلة القادمة وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

المسار الأول، استمرار العمل بالاتفاق:

     وذلك وفقًا للصيغة الدولية الجديدة "4+1" أي الدول الأربعة دائمة العضوية في مجلس الأمن (الصين، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا) إلى جانب ألمانيا، وهى الدول التي حاولت من البداية إقناع الإدارة الأمريكية بعدم الانسحاب من الاتفاق وسعت إلى فرض ضغوط على إيران من أجل التعاطي بإيجابية مع بعض التحفظات الأمريكية، على غرار التوقف عن تطوير برنامج الصواريخ الباليستية ودعم بعض التنظيمات الإرهابية، لكنها لم تستطع دفع الطرفين إلى تغيير موقفهما، فاتجهت إلى محاولة اتخاذ خطوات تعزز من خلالها احتمالات مواصلة تطبيق الاتفاق حتى بعد الانسحاب الأمريكي منه.

وفي رؤية تلك الدول، فإن مواصلة تطبيق الاتفاق يفرض تداعيات إيجابية عديدة، يتمثل أبرزها في تقليص احتمالات نشوب حرب جديدة في المنطقة، باعتبار أن انهيار الاتفاق يمكن أن يدفع إيران إلى العودة من جديدة لتنشيط برنامجها النووي مرة أخرى، على صعيد تطوير أجهزة الطرد المركزي وإعادة استخدام الأكثر تطورًا منه، مع رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 20% على نحو يقربها مرة أخرى من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية.

ومن دون الشك، فإن ذلك يمثل "خطًا أحمر" لا تسمح به الولايات المتحدة الأمريكية، ومن خلفها إسرائيل، بما يعني أنهما سوف تعملان على عرقلة الجهود التي يمكن أن تبذلها إيران في هذا الصدد، حتى لو أدى ذلك إلى استخدام الخيار العسكري.

وتبدو الدول الأوروبية أكثر القوى الدولية اهتمامًا بتجنب نشوب حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، في ظل الارتدادات القوية التي تفرضها الأزمات الإقليمية في المنطقة على مصالحها المباشرة وأمنها القومي، على نحو بدا جليًا في استمرار موجات اللاجئين والمهاجرين من المنطقة بعد تفاقم الصراعات الداخلية المسلحة في دول الأزمات، ونجاح التنظيمات الإرهابية في نقل عملياتها إلى داخل عواصمها ومدنها الرئيسية ردًا على العمليات العسكرية والضربات القوية التي تتعرض لها في مناطق نفوذها بالمنطقة.

ومن هنا، بدأت هذه الدول في إجراء محادثات جديدة مع إيران من أجل مناقشة آليات مواصلة العمل بالاتفاق بعد الانسحاب الأمريكي منه، بل إنها سعت في الوقت نفسه إلى توسيع نطاق المباحثات ليشمل الملفات الأخرى غير النووية، على غرار الملفين اليمني والسوري، في ظل الدور الذي تقوم به إيران في الأزمتين، إلى جانب ملف الصواريخ الباليستية.

لكن هذا السيناريو يواجه عقبات عديدة. إذ لم تتمكن الدول الأوروبية من دفع الشركات الأوروبية التي تستثمر في إيران إلى الاستمرار في تعاملاتها الاقتصادية مع الأخيرة، بعد التهديدات التي وجهتها الولايات المتحدة الأمريكية لتلك الشركات بفرض عقوبات عليها في حالة استمرارها في الصفقات التي عقدتها مع جهات داخل إيران.

وقد حاولت الدول الأوروبية إقناع الإدارة الأمريكية بمنح إعفاءات لتلك الشركات، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك، في ظل إصرار الإدارة الأمريكية على فرض أعلى مستوى من العقوبات على إيران بهدف دفعها لإجراء مفاوضات جديدة من أجل الوصول إلى اتفاق نووي جديد يستوعب التحفظات التي تبديها على الاتفاق الحالي.

وقد أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حواره مع شبكة "فوكس نيوز" في أول يوليو 2018م، على أن الشركات الأوروبية التي سوف تواصل التعامل مع إيران سوف تتعرض لعقوبات، وهو ما دفع بعض أبرز تلك الشركات بالفعل إلى المسارعة للتوقف عن تنفيذ الصفقات التي أبرمتها مع إيران، تجنبًا للتعرض لتلك العقوبات الأمريكية، على غرار "توتال" و"ميرسك" و"جنرال اليكتريك" و"بيجو" وغيرها.

وتوازى ذلك مع تأكيد براين هوك مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، في 3 يوليو 2018م، على أن حملة الضغط التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية تهدف إلى تخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى صفر، بشكل سيوجه ضربة قوية للجهود التي تبذلها حكومة الرئيس روحاني من أجل التعامل مع المشكلات الاقتصادية التي تواجهها في الداخل.

ومن دون شك، فإن حرص الإدارة الأمريكية على عدم استبعاد خيار تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية من شأنه تصعيد حدة الضغوط المفروضة على إيران، باعتبار أن ذلك سيضيف دوافع جديدة للشركات الأجنبية، والأوروبية تحديدًا، من أجل العزوف عن الاستثمار في إيران أو الانسحاب من السوق الإيرانية في حالة ما إذ توصلت بالفعل إلى اتفاقات مع جهات داخل إيران في مرحلة ما بعد الوصول للاتفاق النووي، خاصة أن بعض تلك الجهات قد تكون تابعة للحرس الثوري، على غرار المجموعات الاقتصادية التابعة لشركة "خاتم الأنبياء".

وهنا، فإن التعاون مع تلك الجهات قد يعرض الشركات الأجنبية إلى عقوبات أمريكية، على غرار العقوبات التي فرضت على بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي، في يونيو 2014م، بتهمة انتهاك العقوبات المفروضة على إيران وكوبا والسودان، بشكل اضطر معه البنك إلى دفع غرامة تصل إلى 8.9 مليار دولار.

وقد بدأت شركات أجنبية عديدة في الاستناد إلى تلك الإجراءات لتبرير إقدامها على عدم استكمال الصفقات التي عقدتها مع إيران، حيث اعتبرت أن مصالحها الكبيرة في السوق الأمريكية والدولية تقتضي منها تبني سياسة أكثر حذرًا وعدم المغامرة بالدخول في تعاملات "غير شفافة" مع جهات داخل إيران.

المسار الثاني: انسحاب إيران من الاتفاق:

قد ترى إيران أن استمرار العمل بالاتفاق في ظل هذه الظروف لن يحقق مصالحها، خاصة أن الدول الأوروبية لم تستطع، حتى الآن، الاستجابة للشروط التي حددتها، والتي تتمثل في استمرار استيراد النفط، وتجنيب الشركات التي تستثمر داخلها العقوبات المفروضة عليها، ومواصلة التعاملات المالية والمصرفية.

وقد بدأت إيران بالفعل في توجيه رسائل عديدة بأنها قد لا تستطيع الاستمرار في العمل بالاتفاق، طالما أنها لن تتمكن من ضمان الحصول على مثل تلك العوائد الاقتصادية، حيث قال مساعد وزير الخارجية الإيراني والعضو البارز في وفد التفاوض النووي عباس عراقجي، في 22 يونيو 2018م، أن "إيران قد تنسحب من خطة العمل المشتركة في غضون أسابيع في حالة عدم التوصل إلى اتفاق مع الأطراف الأوروبية"، معتبرًا أن "الاتفاق النووي بات في غرفة الإنعاش"، في إشارة إلى التحديات العديدة التي تواجهه في الوقت الحالي وتهدد استمرار تنفيذه.

ورغم أن حكومة الرئيس حسن روحاني ما زالت تعول على إمكانية الوصول إلى توافقات مع الدول الأوروبية، بشكل قد يعزز من فرص مواصلة العمل بالاتفاق النووي، وهو ما بدا جليًا في الزيارتين اللتين قام بهما روحاني إلى كل من سويسرا والنمسا، في الفترة من 3 وحتى 5 يوليو 2018م، حيث وقع بعض اتفاقات التعاون مع الدولتين، إلا أن ذلك لا يقلص من احتمالات إقدام إيران على تلك الخطوة.

وربما تدفع المؤسسات النافذة في النظام، على غرار الحرس الثوري، إلى جانب تيار المحافظين الأصوليين في هذا الاتجاه، باعتبار أن الاتفاق النووي لم يدعم مصالح إيران، بل أدى إلى إهدار "وقت ثمين" كان من الممكن، في رؤية هذه الأطراف، أن يتم استثماره في تحقيق أكبر قدر من التقدم في البرنامج النووي، على غرار ما حدث في الفترة التي سبقت الوصول إلى الاتفاق النووي، عندما تمكنت إيران، في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، من زيادة أجهزة الطرد المركزي من بضعة مئات إلى نحو 20 ألف جهاز من طرازات مختلفة، ورفع مستوى عمليات تخصيب اليورانيوم من 3.5% إلى 20%.

ومن هنا بدأت إيران في التلويح بقدرتها على إعادة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% خلال المرحلة القادمة، في حالة ما إذا لم يكن استمرار العمل بالاتفاق النووي مجديًا بالنسبة لها، حيث قال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي، في 27 مايو 2018م، أن "إيران تستطيع تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% خلال يومين أو ثلاثة أيام"، مشيرًا إلى أن منشأة فوردو، التي قامت إيران ببنائها في منطقة محصنة تحت الأرض لتفادي التعرض لهجوم عسكري، جاهزة للتحرك في هذا الصدد.

ومع ذلك، يواجه هذا المسار تحديات عديدة لا تبدو هينة. إذ تبدو إيران مدركة لأن عودتها إلى رفع مستوى عمليات التخصيب واستخدام أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطورًا سوف تصعد حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، اللتين سوف تعتبران ذلك محاولة من جانبها للوصول إلى مرحلة امتلاك القدرات اللازمة لإنتاج القنبلة النووية أو بمعنى أدق تبني نموذج كوريا الشمالية التي عزز امتلاكها القنبلة النووية من موقعها التفاوضي مع الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة الحالية، بعد أن بدأت الدولتان في إجراء مباحثات للوصول إلى تسوية للملفات الخلافية العالقة بينهما عقب اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في سنغافورة في 12 يونيو 2018م.

ومن دون شك، فإن ذلك معناه تعرض إيران لمزيد من العقوبات الأمريكية، والدولية أيضًا، والتي ستصل لمستوى غير مسبوق قد لا يستطيع اقتصادها، الذي يعاني من مشكلات عديدة، تحمله على غرار ما حدث في المرحلة السابقة على الوصول للاتفاق النووي.

فضلا عن أن إعادة تنشيط البرنامج النووي يمكن أن يدعم من فرص تعرض إيران لعمل عسكري، تبدو في أمس الحاجة إلى تجنبه، في ظل العواقب الوخيمة التي يمكن أن يفرضها على مصالحها وأمنها.

وتكمن المفارقة في أنه رغم التهديدات المتكررة التي توجهها إيران باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، إلا أن ذلك لا ينفي أنها حريصة على تجنب الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل الخلل الكبير في توازن القوى بين الطرفين، والذي سيدفع إيران إلى العمل على تقليص فرص الاستناد إلى هذا الخيار مهما كانت التداعيات التي يمكن أن تترتب على ذلك.

إلى جانب أن تصعيد حدة الضغوط والعقوبات المفروضة عليها قد يؤدي إلى تفاقم أزمتها الداخلية، ويساهم في وصول الاحتجاجات الداخلية المستمرة إلى مرحلة غير مسبوقة ربما لا يستطيع النظام التعامل معها بالآليات نفسها التي تبناها في احتواء الاحتجاجات السابقة، والتي كان آخرها الاحتجاجات التي اندلعت في ديسمبر 2017م، وبدأت في مدينة مشهد ثم انتقلت تدريجيًا إلى المحافظات الأخرى حتى وصلت إلى العاصمة طهران.

وقد اتسمت الاحتجاجات الأخيرة التي بدأت في 25 يونيو 2018م، بخصائص جديدة تثير قلقًا خاصًا من جانب النظام. إذ أنها شهدت للمرة الأولى مشاركة نخبة التجار (البازار) التي تحظى بثقل سياسي واجتماعي بارز إلى جانب نفوذها الاقتصادي، وكانت حليفًا رئيسيًا لطبقة رجال الدين على مدى العقود الماضية، بل إن هذا التحالف مثل دومًا متغيرًا أساسيًا في التحولات السياسية التي شهدتها إيران على مدار تاريخها الحديث، على غرار ما حدث في ثورة عام 1906م.

وقد وجهت مشاركة البازار في الاحتجاجات الأخيرة التي انطلقت اعتراضًا على انهيار سعر العملة الوطنية بعد أن وصل الدولار إلى 9000 تومان، بما يساوي أكثر من ضعف السعر الرسمي الذي حددته الحكومة ويبلغ 4200 تومان، إلى جانب ارتفاع أسعار الذهب، رسالة قوية للنظام بأن إمعانه في تبني الإجراءات الأمنية القمعية تجاه المحتجين، فضلاً عن عدم استجابته لمطالبهم، خاصة ما يتعلق بتقليص، إن لم يكن إنهاء الدعم الخارجي للتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في دول الأزمات لصالح الاهتمام بالتعامل مع الأزمات المعيشية التي يواجهها الإيرانيون، من شأنها تعزيز احتمالات اندلاع ثورة قد تطيح به في النهاية.

المسار الثالث: توقف العمل بالاتفاق دون تنشيط البرنامج النووي

وهو مسار قد تتبناه إيران، على الأقل في المدى القريب، من أجل تجنب تصعيد حدة التوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ووصولها إلى مرحلة حرجة قد تدعم من احتمالات إقدام واشنطن على التلويح باستخدام الخيار العسكري في التعامل مع أزمة البرنامج النووي الإيراني.

وهنا، فإن إيران قد ترى أن الاتفاق النووي لم يخل من مكاسب عديدة حتى بعد انهياره، يتمثل أهمها في أنه فتح الباب أمام تحسين العلاقات بين إيران والدول الأوروبية، التي كان التوتر هو سمتها الغالبة في مرحلة ما قبل الوصول للاتفاق النووي. وربما تسعى إيران، وفقًا لذلك، إلى محاولة تحميل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية عن انهيار الاتفاق في توسيع نطاق توافقاتها السياسية مع الدول الأوروبية وربما الوصول إلى آليات قد تساعد في رفع مستوى التعاون الاقتصادي من دون المغامرة بالتعرض لعقوبات أمريكية.

وقد بدأت حكومة الرئيس روحاني في الإشارة إلى إمكانية التطرق إلى بدائل للتعامل مع الضغوط والعقوبات الأمريكية، على غرار تبني آلية المقايضة، التي أشار إليها النائب الأول للرئيس اسحق جهانجيري، في 2 يوليو 2018م، والتي تقوم على مبادلة الصادرات النفطية الإيرانية بسلع من الدول المستوردة.

كما أن إيران تعول على علاقاتها القوية مع كل من الصين وروسيا، وقد أشار بعض مسؤوليها إلى إمكانية إجراء التعاملات المالية مع الدول المستوردة للنفط بعملاتها الوطنية تجنبًا للتعامل بالدولار.

وربما تحاول إيران أيضًا إقناع بعض شركات الدولتين بملء الفراغ الناتج عن انسحاب الشركات الأوروبية من السوق الإيرانية تجنبًا للتعرض للعقوبات الأمريكية، وهو ما بدا جليًا في الجهود التي بذلتها الحكومة لدفع شركة "سي إن بي سي" الصينية للاستحواذ على حصة شركة "توتال" الفرنسية في مشروع تطوير المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبي والتي تبلغ 50%.

لكن هذا المسار بدوره يواجه إشكاليات مختلفة. إذ أن آلية المقايضة قد لا تحقق أهدافها بشكل كامل، وربما لا تمثل خيارًا بديلاً للعوائد الاقتصادية التي كانت ستحصل عليها إيران في حالة ما إذا استمر العمل بالاتفاق النووي. كما أنه لا يمكن ضمان أن توافق كل الدول المستوردة للنفط الإيراني على إجراء تعاملاتها المالية مع إيران بعملتها الوطنية، أو إقناع شركاتها بالحلول محل الشركات الأوروبية المنسحبة، خاصة أن ذلك سوف يتسبب في توتر العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

فضلاً عن ذلك، فإن حكومة روحاني قد تواجه في سبيل محاولة تمرير هذا الخيار حملة انتقادات قوية من جانب تيار المحافظين الأصوليين، الذي سيعتبر ذلك فشلاً ذريعًا للحكومة التي أخفقت، في رؤيته، في الحفاظ على الحقوق النووية الإيرانية، ولم تنجح في الحصول على عوائد اقتصادية متميزة من الاتفاق النووي مقابل التنازلات التي قدمتها وتسببت في تأخير تقدم البرنامج النووي الإيرانية إلى حد كبير.

وربما يؤدي ذلك إلى تعرض روحاني لضغوط أكبر من جانب خصومه السياسيين، الذي بدؤوا في استغلال التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية لتصعيد الدعوة لتغيير الفريق الاقتصادي في الحكومة وتحميله المسئولية الكاملة عن أزمة انهيار سعر العملة الوطنية وارتفاع أسعار الذهب، التي دفعت البازار إلى إغلاق أبوابه احتجاجًا على تدهور الأوضاع الاقتصادية ووصولها إلى مرحلة غير مسبوقة.

وقد يكون ذلك خطوة تمهيدية للمطالبة بالإطاحة بروحاني نفسه، باعتبار أن رهانه على الاتفاق النووي هو الذي أدى إلى تعرض إيران لكل هذه الضغوط الخارجية، التي فرضت ارتدادات قوية على الساحة الداخلية سوف تتفاقم بشكل أكبر مع بدء تفعيل العقوبات في شهري أغسطس ونوفمبر القادمين.

خاتمة:

ربما يمكن القول في النهاية أن إيران تواجه اختبارًا صعبًا في المرحلة الحالية سوف تكون له انعكاسات على أكثر من صعيد. إذ أن الضغوط الخارجية وتزايد احتمالات تصعيد حدة التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية سوف يؤدي إلى توسيع نطاق الخلافات السياسية الداخلية وتأجيج الصراعات داخل السلطة بين تياري المعتدلين والمحافظين الأصوليين.

كما أن إصرار إيران على مواصلة سياستها الخارجية القائمة على الإمعان في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودعم التنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في دول الأزمات، بشكل أدى إلى نشر الفوضى وعدم الاستقرار وعرقلة الجهود المبذولة من أجل الوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية المختلفة، سوف يُعرِّضها أيضًا لعزلة إقليمية، بعد أن وصل استياء كثير من دول المنطقة، لاسيما الدول الداعمة للاستقرار والداعية لمكافحة الإرهاب، إلى مرحلة غير مسبوقة، انعكست في الإجراءات التي بدأت في اتخاذها من أجل كبح الأدوار التدخلية التي تقوم بها إيران والميليشيات الموالية لها على غرار حزب الله والتنظيمات الطائفية في سوريا والعراق ولبنان وغيرها.

ومن دون شك، فإن هذه المتغيرات أيضًا سوف يكون لها دور في ضبط اتجاهات العلاقات مع القوى الدولية الأخرى، التي بدأت في إدراك أن المشكلات العالقة مع إيران لا تنحصر في البرنامج النووي، رغم أهميته، وإنما تمتد أيضًا إلى الملفات الإقليمية الأخرى التي تتدخل فيها إيران، إلى جانب برنامجها للصواريخ الباليستية التي بدأت في تهريبها لبعض الميليشيات الإرهابية في المنطقة.

هذه المؤشرات في مجملها توحي بأن إيران تبدو مقبلة على استحقاقات استراتيجية هامة سوف تحدد، بدرجة كبيرة، مسارات توازنات القوى السياسية في الداخل، واتجاهات تفاعلاتها مع الخارج.

مجلة آراء حول الخليج