يرفض كل محبي السلام الصادقين في العالم، انتشار الأسلحة
النووية، أفقيًا ورأسيًا. ويصبح هذا الرفض والقلق مضاعفًا عندما تكون الدولة المصرة على امتلاك هذا السلاح الفتاك لها سياسات توسعية عدوانية، ضد جيرانها، كحال إيران، وأيضًا إسرائيل. ويثير انسحاب أمريكا ترمب من الاتفاق النووي مع إيران (اتفاق 1+5 لعام 2015م) قلقًا هائلاً من تبعات ونتائج هذا الانسحاب، ولعل أسوأ ما يتوقعه البعض هو: هجوم أمريكا وإسرائيل على إيران ونشوب حرب إقليمية، قد تمتد لتصبح حربًا عالمية نووية، إن تدخلت روسيا، هذا الاحتمال الصارخ يبدو مستبعدًا ولكن، يظل احتمال قيام حرب إقليمية كارثية أكثر ورودًا، خاصة في ظل وجود قيادات متشددة (ومندفعة) في كل من إسرائيل وإيران وأمريكا .
وعندما نأخذ كامل السياق الذى تلعب فيه هذه الأطراف الثلاثة وغيرها، نجد أن هذه المنطقة العربية ما تزال على صفيح ساخن، مع امتلاك إسرائيل سلاحًا نوويًا ضاربًا، تعربد بامتلاكه في المنطقة عدوانًا وإرهابًا، وتبتز به الأمة على مدار الساعة، وما زالت الصراعات والحروب الطائفية والمذهبية فيها على أشدها. هل هدف الانسحاب والعقوبات الأمريكية أن لا يزيد طين المنطقة بلة ؟! حقًا، لا يوجد عاقل يصدق أن هذا الانسحاب لمصلحة العدل والسلام، أو حبًا في أمن واستقرار المنطقة، أو حرصًا على السلام العالمي. لهذا الانسحاب مآرب واضحة لجميع المراقبين، منها الرغبة الجامحة في ترجيح كفة إسرائيل. فمن الحقائق المؤسفة – بالنسبة للعرب ولمحبي السلام في العالم – كون إسرائيل تمتلك حوالى 280 رأسًا نوويًا، وكون إيران تمتلك المعرفة والتقنية والمنشآت النووية التي ستمكنها، عاجلاً أو آجلاً، من حيازة قنابل نووية . هذا إن لم تكن إيران تمتلك " القنبلة في القبو" .... من هنا تأتى الخشية من اندلاع حرب نووية إقليمية مدمرة، قد لا تبقي ولا تذر.
****
ونرى أن هناك، عقب انسحاب أمريكا من هذا الاتفاق النووي، عدة احتمالات (سيناريوهات ) يمكن اختصار أهمها فيما يلي:
( 1 ) – بقاء الدول الخمس الأخرى في الاتفاق، والتزام إيران ببنوده، وتعايش إيران – في المدى الطويل – مع العقوبات، واكتفاء أمريكا بالعقوبات الاقتصادية، وهنا نتوقع تأجيلاً في امتلاك إيران للقنبلة.
( 2 ) – بقاء الدول الخمس الأخرى، واستمرار التزام إيران بهذا الاتفاق ، وانهيار نظام الملالي – في المديين المتوسط أو الطويل – بسبب العقوبات والضغوطات الأمريكية، ولو حصل هذا، وقام نظام سياسي جديد في إيران ، فإن هذا النظام غالبًا ما لن يتخلى – طوعًا – عن الخيار النووي الذى أمسى هاجسًا وحلمًا إيرانيًا، منذ عهد الشاه.
( 3 ) – انسحاب بعض أو كل الدول الخمس الأخرى، وانهيار الاتفاق تمامًا، ونجاح إيران في محاولاتها التعايش مع العقوبات الأمريكية والدولية ، والمسارعة بامتلاك القنبلة ... لتفاوض المجتمع الدولي بعد ذلك من موقف أقوى. وهنا، يتوقع حصول إيران على القنبلة في أقرب فرصة ممكنة .
( 4 ) – انهيار الاتفاق بانسحاب بعض أو كل أعضائه، ومسارعة إيران بامتلاك القنبلة، عبر تكثيف تخصيبها لليورانيوم ... ولكن قيام أمريكا وحلفائها بمهاجمة إيران ومنشآتها النووية قد يؤدى إلى انهيار نظام إيران السياسي الحالي، ودخولها في فوضى مدمرة. وفى ظل هذا السيناريو غالبًا ما ستشارك إسرائيل في ضرب إيران، وسترد إيران على أمريكا وإسرائيل بضربات غير تقليدية.
( 5 ) – قبول إيران بإعادة التفاوض بشأن برنامجيها النووي والصاروخي فقط، وموافقة أمريكا واكتفائها بذلك، والرفع التدريجي للعقوبات الأمريكية والدولية، والوصول إلى اتفاق جديد، أكثر صرامة وأمانًا.( وليته يتوج باتفاقية دولية شاملة لنزع السلاح النووي من كامل المنطقة، لتصبح خالية من الأسلحة النووية).
( 6 ) - قبول إيران بشروط ترامب الجديدة (الـ 12 شرطًا التي أعلنها بومبيو وزير الخارجية الأمريكي) وصياغة اتفاق جديد. ولكن إيران رفضت بشدة كل هذا، ومع ذلك، يعتبر البعض هذا احتمالا واردًا، أن تصاعدت العقوبات، ولكنه أقل الاحتمالات ورودًا.
( 7 ) – انهيار الاتفاق، ومسارعة إيران بامتلاك القنبلة ... وهجوم أمريكا وإسرائيل على إيران ومنشآتها النووية. وبقاء النظام الإيراني، ورده بضربات غير تقليدية على مهاجميه.
****
تلك هي أهم سبعة احتمالات، ومضمون معظمها مفزع ، بالنسبة لأمن واستقرار المنطقة. وكما هو واضح، فإن السيناريو رقم 5 هو " الأفضل " لكل الأطراف المعنية – إن قبلته إيران. ولكن الواقع الفعلي لسياسات القوى المؤثرة (خاصة أمريكا وإسرائيل) يرجح حصول الاحتمال الرابع. وهذا، إن حصل بالفعل، يعني إن هذه المنطقة ستشهد كارثة جديدة، وقد يكون صيفها القادم هو الأسخن، منذ عاصفة الصحراء.
والواقع، أن ما قد يتمناه العالم شيء، وما سيحصل شيء آخر والأمر، بعد مشيئة الله، في يد قادة الدول الثلاث المعنية. وهؤلاء يتصفون بالتشدد والاندفاع، كما أشرنا، قادة إيران الحاليين ليس لديهم مانع في تدمير بلاد من أجل نشر معتقداتهم ونفوذهم. وزعيم إسرائيل الإرهابي الكذوب لا يتردد في ضرب فتى يرمي بالحجارة بقنبلة من طائرة ف – 16. أما دونالد ترامب، وهو أقوى قادة العالم وأكثرهم نفوذًا، وبيده معظم أوراق هذه اللعبة، وأغلب الألعاب التي تجري بالمنطقة، فإن تحليل شخصيته، يجعل توقع الكارثة الإقليمية أقرب للحصول. ولعل التذكير ببعض أهم ميوله وأفكاره يؤكد احتمال حصول السيناريو الرابع، وكونه، حتى تاريخه، الأكثر ورودًا.
يعرف عن هذا الرجل العديد من الصفات السلبية، منها الانتهازية واستخدام المتناقضات لخدمة نفسه أولا، وتوطيد أقدامه في الرئاسة الأمريكية، قيل عنه في ندوة نظمتها صحيفة " واشنطن بوست " مؤخرًا أنه عنصري، يكره كل من يختلف عنه ومعه، بما في ذلك اليهود، وهو الرئيس الأكثر تشددًا ضد الأمريكيين من غير الـ " واسب ".
ولكنه يتظاهر بمحبة المساواة. كما أن رغبته في استمالة الصهاينة إلى جانبه جعلته أكثر الرؤساء الأمريكيين تأييدًا ودعمًا للكيان الصهيوني بفلسطين. أنظروا ما فعل لإسرائيل خلال سنة رئاسته الأولى فقط . وقيل في هذه الندوة وندوات مشابهة أخرى، أنه يكره الإسلام والمسلمين، ويحرص على أن لا تقوم لأغلبهم قائمة، ولا يعني تشدده مع إيران حبه للعرب. وتلك صفات تجعل توقيعه لإشعال الحرب مسألة وقت، خاصة إذا كانت تشن من أجل عيون الصهاينة.
قال " توماس كانتيريمان "، المساعد السابق لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون الأمن الدولي والحد من التسلح، والذى شغل منصبه هذا في الفترة 2011 – 2017م، وكان أحد المشاركين في مفاوضات الاتفاق النووي ، عندما سؤل عن عيوب الاتفاق، قال: " ليس به أي عيب، سوى ميلاده في كنف إدارة أوباما ، ليترعرع في عهد رئيس مغرم بإلغاء أي إنجاز حققه سلفه ". ذلك أحد أسباب فساد الاتفاق، من وجهة نظر الرئيس ترامب. إضافة لأسبابه الأخرى.
****
أبرز التداعيات على دول مجلس التعاون الخليجي:
كل دول مجلس التعاون الخليجي الست أيدت، في البدء، إبرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية الكبرى الخمس، شريطة أن " يضمن عدم امتلاك إيران للسلاح النووي "، كما جاء في أغلب بيانات هذه الدول حول الاتفاق المذكور ، التي صدرت فور التوصل إليه. ومعروف، أن هذه الدول هي من أكثر دول العالم معارضة لإيران نووية، خاصة بعد ما عانته من سياسات إيران التوسعية العدوانية بالمنطقة. تلك السياسات التي أخذت إيران تتبعها في المنطقة منذ ثلاثة عقود، والتي أهم وسائلها: التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار العربية، ودعم بعض الأقليات في هذه الدول، لتمكينها من السيطرة على غالبية شعوب البلاد المعنية، والعمل لحساب إيران .
فلخشية هذه الدول وحذرها ما يبرره. وبعد مجيء إدارة أمريكية جديدة ، برئاسة دونالد ترامب، بدأ هذا الرئيس يشكك في جدوى إبرام هذا الاتفاق ، كما أبرم بالفعل من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، مطالبًا بتشديد الرقابة الدولية على إيران، حتى لا تستغل أي ثغرة لامتلاك السلاح النووي. وتمخض عن هذا التشكيك انسحاب أمريكا مؤخرًا من الاتفاق، وبقائه بصيغة ( 1 + 4 ) حتى إشعار آخر.
ونظرًا لتزايد شكوك أغلب هذه الدول حول نوايا إيران السياسية والعسكرية، أعربت هذه الدول عن تأييدها لخطوة الرئيس ترامب، وأعلنت دعمها لتشدده في هذه القضية، مطالبة بإبرام اتفاق أكثر صرامة وإحكامًا، ويشمل وقف تطوير الصواريخ الباليستية الإيرانية، وضرورة قبول إيران بالمطالب الاثني عشرة التي تطالب أمريكا إيران بالالتزام بها، ومنها وقف التدخلات الإيرانية في دول الجوار الإيراني، والانسحاب من سوريا . وهذا التشدد الأمريكي أعطى هذه الدول شيئًا من الاطمئنان الأمني، لذلك باركته ودعمته.
ولكن، ما زالت إيران ترفض المطالب الأمريكية. فشرعت أمريكا بإعادة المقاطعة الاقتصادية ضد إيران وتشديدها. الأمر الذى قد يقود إلى اشتعال حرب ضروس بالمنطقة، ويجعل الاحتمال الرابع واقعًا بالمنطقة. المقاطعة الاقتصادية تضر بانسياب التجارة الإقليمية في منطقة الخليج انسيابًا طبيعيًا سلسًا. ولكن الأدهى أن الحرب إذا اشتعلت – لا قدر الله – قد تكون كارثية على هذه الدول، وقد تنزل بهم، أو ببعضهم، أضرارًا فادحة، خاصة في البنى التحتية والمنشآت البترولية، لأن بلادهم، ببساطة، هي جزء – يصعب أن يتجزأ - من ساحة هذه الحرب الشرسة المتوقعة . من هنا تأتى أهمية، وضرورة، تفعيل الحل السياسي، ما أمكن.