حذرت الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) في 20/7/2018م، خلال منتدى أسبن الأمني في كولورادو من أن الصين تشن حربًا باردة هادئة ضد واشنطن ومصالحها، وتريد أن تحل محل أمريكا في قيادة العالم، ولكن هذه الحرب الباردة لا تشبه الحرب الباردة التي شهدناها بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، لكنها حرب باردة حسب تعريف بكين، وتتهم واشنطن الحكومة الشيوعية الحالية التي تعمل بمهارة وهدوء تحت قيادة شي جينبينغ على عدة جبهات من أجل تقويض أمريكا بطرق تختلف عن الأنشطة الواضحة المعلن عنها التي تقوم بها روسيا.
كانت آسيا تمثل عام 1750م، ثلاثة أخماس سكان العالم، وكانت تدير ثلاثة أخماس الناتج العالمي، وكانت الصين القوة العظمى، انخفضت هذه النسبة عام 1900م، بعد الثورة الصناعية في أوربا وأمريكا إلى خمس الناتج العالمي، ويتوقع أن تعود آسيا في عام 2040م، بقيادة الصين والهند إلى حصتها التاريخية، التي تتراوح ما بين 35 – 40 % من إجمالي الناتج العالمي، الصين بمفردها تمثل نحو 11 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي مرتفعة من 3.7 % من إجمالي الناتج العالمي، بينما نسبة مساهمة إجمالي الناتج الأمريكي يمثل نحو 24.4 % منخفضًا من 30 % في بداية القرن الجديد، ومن أكثر من نصف إجمالي الناتج العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، وكان إنتاج الصين في عام 2000م، تريليون دولار بينما ناتج أمريكا 10 تريليونات دولار، وكان الناتج الأمريكي يمثل 61 % من إجمالي مجموعة العشرين عام 2000م، وهي تسيطر على نحو 90 % من اقتصاد العالم انخفضت المساهمة الأمريكية إلى 42% من إجمالي ناتج المجموعة عام 2010م.
منذ الأزمة المالية في عام 2008م، هناك جدلاً واسعًا حول مستقبل القوة الأمريكية على المدى الطويل، خصوصًا وأن واشنطن اكتشفت أن تكاليف الحرب على الإرهاب بلغت 900 مليار دولار بجانب إنفاق 700 مليار دولار على الدفاع (44 % من الإنفاق الدولي على الدفاع)، وقد كشفت تحقيقات قامت بها الواشنطن بوست في 2010م، عن عالم مواز تمامًا وسري بوجود ما يقرب من 1271 منظمة حكومية و1931 شركة خاصة تعمل على البرامج المتعلقة بمكافحة الإرهاب والأمن الداخلي والاستخبارات فيما يقرب من ألف موقع داخل الولايات المتحدة.
وشكل التوجه الجديد للسعودية شرقًا بالانفتاح على الصين الرد الأبرز على قانون جاستا الأمريكي الذي وجه ضربة موجعة للعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، لتجد السعودية ضالتها وفرصتها في العملاق الآسيوي عبر توقيع اتفاقيات ضخمة تخدم خطط السعودية قبل أن تقر رؤية المملكة 2030، انزعجت واشنطن من توقيع السعودية مع الصين لشراء طائرات وينج لونج دون طيار القادرة على حمل صواريخ وقنابل موجهة بالليزر والتي استخدمت ضد الحوثيين في اليمن.
وترى الصين أن السعودية وبقية دول الخليج، هي المنصة الرئيسية التي تسعى بكين من خلالها لتعزيز نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط، وتعتبر العلاقات التكنولوجية العسكرية بين الصين والسعودية قد يكون لها تأثير كبير على الجغرافيا السياسية العالمية وقد تقلق واشنطن التي كانت تستخدم الورقة الإيرانية في زمن أوباما لضرب السعودية.
بداية نهاية نصف ألفية من التفوق الغربي:
ما يزعج أمريكا دخول الصين بجانب السعودية في جيبوتي، حيث أنشأت هناك قاعدة عسكرية بالقرب من القاعدة العسكرية الأمريكية، ومنذ مجيء ترمب صنفت أمريكا بأنه رمز نهاية القرن الأمريكي وتمكين الصين من تأدية دور قيادي عالمي، وهو اعتراف أتى من خلال تصريح تيريزا ماي الذي قالت في دافوس من أن أمريكا وبريطانيا لن تنتهكا بعد اليوم حرمة الدول ذات السيادة، ولن تعملا على تشكيل العالم، وهذا لا يعني انتهاء قرن من الهيمنة الأميركية فحسب، بل نهاية نصف ألفية من التفوق الغربي.
لذلك نجد أن هناك تزامن بين دعوة الرئيس شي جين بينغ لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، تتزامن مع إطلاق البيت الأبيض في عهد ترمب صفقة القرن بإعلان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو رفض على وجود الصين الدبلوماسي والجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط، لكن السعودية نجحت في إقناع ترمب بالتراجع عن صفقة القرن.
بدأت الصين بنفوذ استراتيجي ففي العامين 2008و2009م، أرسلت بكين سفنًا بحرية إلى المنطقة، وصفت بأكبر بعثة بحرية منذ القرن الخامس عشر، كما بادرت إلى عقد شراكات استراتيجية مع السعودية أكبر شريك للولايات المتحدة، وأقنعت بكين السعودية بالمشاركة في مبادرة حزام واحد طريق واحد وشجعتها على الانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية.
أتى الدور الصيني بعد الإرهاق الذي سيطر على الرأي العام الغربي نتيجة التدخلات والحرب المستمرة لأكثر من عقد من الزمن في الشرق الأوسط وحتى الجمهوريين الذين كانوا يؤيدون هذه التدخلات أعلنوا أنهم لن يعملوا مع ترمب، أي أن هناك تراجع نسبي لسلطة أمريكا وبريطانيا في المنطقة، خصوصًا مع تراجع أمريكا في اعتمادها على نفط المنطقة بعد ثورة النفط الصخري لديها الذي هدأ من روعها.
تلك فرصة السعودية وبقية دول الخليج إلى تنويع شراكاتها الاستراتيجية في عالم بات يتجه بشكل متزايد إلى التعددية القطبية، خصوصًا وأن الصين تؤمن على عكس الولايات المتحدة والغرب في أن شعوب المنطقة يجب أن تمتلك حرية اختيار طريقها نحو التنمية حسب ظروفها الوطنية.
وأعلنت الصين موافقتها ودعمها للتدخل الروسي في سوريا، ورغم أن هناك مخاوف الهند من الطوق الذي يفرضه خيط اللؤلؤ الصيني، فإن السعودية أقامت شراكة استراتيجية مع الهند لتبديد هذا التخوف.
هناك عدد من المتغيرات في جنوب غربي آسيا العقوبات على إيران ونجاح عمران خان زعيم حزب حركة أنصاف في انتخابات الباكستان الذي يريد توطيد العلاقة مع الهند وحل مشكلة كشمير ومفاوضة طالبان وعلاقات موسعة مع الصين خصوصًا وأن طريق الصين الباكستان يمر عبر كشمير إلى ميناء جوادر على خليج عمان، وكان ميناء جوادر معطلا، وكانت تسيطر عليه سلطنة عمان عام 1779م، إلى أن أصبح تحت سيطرة الباكستان عام 1958م، وهو أقرب إلى الصين من الصين نفسها.
استأجرت الصين هذا الميناء 40 عامًا، واستثمرت فيه 4.5 مليار دولار وهو جزء من حزام واحد وطريق واحد، الذي قررت الصين هذا الطريق في عام 2013م، وهناك 6 طرق برية وعدد من الطرق البحرية تمر بـ 68 دولة وباستثمارات تبلغ 150 مليار دولار، ويمر الطريق البحري عبر ميناء جوادر الباكستاني الذي تحول من حلم إلى حقيقة عام 2016م، وهو تخشاه الهند وإيران، وهو ما جعل إيران تحاول ضرب هذا الميناء، فأعطت ميناء تشبهار إلى الهند لتستثمره والذي يبعد عن ميناء جوادر منافسه بـ 165 كيلو مترًا، أي أن هناك صراعًا إقليميا بامتياز.
الصين تعطي أولوية لاستقرار الشرق الأوسط:
الصين تعطي أولوية للاستقرار في المنطقة أكثر من أمريكا، خصوصًا يعتبر الشرق الأوسط حلبة رئيسية للتنافس بين القوى العظمى، فالصين ـ التي ليس لها ماض استعماري ـ تضيف إلى المنطقة عنصرًا جديدًا يمكنه أن يسهم في حل القضايا التي تبدو مستعصية والذي يمكن أن يدق في نعش التدخل الغربي.
السعودية تعمق التقارب مع الصين لتنويع قاعدتها الاقتصادية ولكسب الموقف السياسي الصيني المهم في التحولات الإقليمية، خصوصًا بعدما وجدت في الفترة الماضية استجابة ضعيفة لاحتياجاتها الأمنية والعسكرية في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها، مما يفتح الباب أمام الصين وروسيا لنشر ثقلهما في المنطقة وتنسيق مواقفهما ليس شرطًا ضد الولايات المتحدة ولكن تماشيا مع التحولات العالمية الجديدة.
خصوصًا وأن الصين لا ترغب في أي اصطدام مع امريكا في المنطقة، بل تستفيد من الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث أنها تؤمن أنه لا بديل في ظل الصراع السعودي ـ الإيراني عن الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة للحد من النفوذ الإيراني أو لتأمين الملاحة ووصول الصادرات النفطية آمنة إلى الصين، وتبقى القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج فاعل عسكري مهيمن في الخليج وستبقى العلاقات السعودية ـ الأمريكية خصوصًا في زمن ترمب في أفضل حالاتها وعلى الأرجح أن الصين والسعودية والولايات المتحدة يقومون بتوازن ثلاثي القوة في الخليج يصب في خانة مصالحهم المشتركة دون أن يقوم طرف بتهميش الأطراف الأخرى أو إزاحتها من المشهد.
رؤية المملكة 2030 تستقطب اهتمامًا دوليًا متزايدًا، لأنها تؤسس للسعودية الجديدة التي ستعمق دورها وترقيته ضمن مجموعة الـ 20، والولايات المتحدة في عهد ترمب تنظر إلى السعودية على أنها جزءًا جوهريًا ومحوريًا في منطقة الشرق الأوسط والخليج، ودولة مهمة لها دورها الحاسم على المستويين الإقليمي والدولي.
في غضون ذلك بدأت الكويت تتطلع لمشروع مدينة الحرير للتحول إلى وجهة استثمارية عالمية ومن المتوقع أن يستغرق إنشاؤها نحو 25 سنة بتكلفة تقدر بـ 86 مليار دولار، كما وقعت دولة الإمارات شراكة استراتيجية شاملة خصوصًا وأنها تمثل ربع إجمالي حجم التجارة العربية التي بلغت عام 2017م، نحو 54.4 مليار دولار ونحو مليون سائح صيني لدولة الإمارات، وهناك مجلسين تنسيقيين بين الكويت والإمارات من جهة، والسعودية الدولة الخليجية الكبرى من جهة أخرى.
الحزام والطريق استعادة نهضة حضارتين
الحزام والطريق مبادرة تنطوي على إمكانيات غير مسبوقة للنجاح وهي تذكر بزمن نهضة الحضارتين العربية والصينية، لذلك عقد منتدى التعاون العربي الصيني وقفز حجم التبادل التجاري بين الجانبين العربي والصيني من 36.4 مليار دولار عند تأسيس المنتدى عام 2004م، إلى 191 مليار دولار في عام 2017م.
تعتبر الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية ويتطلع الجانبان إلى رفع التبادل التجاري إلى 600 مليار دولار خاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق التي تحتل الدول العربية مكانة بارزة في إطارها بحكم الموقع الاستراتيجي والإمكانات
استأجرت الصين هذا الميناء 40 عامًا، واستثمرت فيه 4.5 مليار دولار وهو جزء من حزام واحد وطريق واحد، الذي قررت الصين هذا الطريق في عام 2013م، وهناك 6 طرق برية وعدد من الطرق البحرية تمر بـ 68 دولة وباستثمارات تبلغ 150 مليار دولار، ويمر الطريق البحري عبر ميناء جوادر الباكستاني الذي تحول من حلم إلى حقيقة عام 2016م، وهو تخشاه الهند وإيران، وهو ما جعل إيران تحاول ضرب هذا الميناء، فأعطت ميناء تشبهار إلى الهند لتستثمره والذي يبعد عن ميناء جوادر منافسه بـ 165 كيلو مترًا، أي أن هناك صراعًا إقليميًا بامتياز.
كما أصبحت الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للقارة الإفريقية وافتتحت أولى قواعدها العسكرية في القارة عام 2017م، في جيبوتي بمنطقة القرن الإفريقي التي دشنت في يوليو 2018م، منطقة تجارة حرة مدعومة من الصين يقال أنها الأكبر في إفريقيا.
تفوقت الصين على أمريكا في مبيعات الأسلحة للقارة الإفريقية، ما جعلها تستضيف أول منتدى صيني – إفريقي دفاعي، بجانب أن الصين تتوسع عسكريًا وأنشأت مواقع عسكرية على جزر في بحر الصين الجنوبي، لذلك قام الرئيس الصيني بزيارة إلى إفريقيا استهلها بالسنغال تلتها راوندي قبيل الاشتراك في قمة مجموعة البريكس للاقتصادات الناشئة في جنوب إفريقيا التي بدأت في 25/ 7/ 2018م، وستستكمل الصين اندفاعها نحو القارة السمراء وستنظم مؤتمر التعاون الصيني الإفريقي في سبتمبر 2018م، الذي سيجمع تحت مظلته رؤساء عشرات الدول، التي تسلط الضوء على مبادرة طريق الحرير الجديد، الهادفة إلى ربط بكين بإفريقيا وأوروبا وأجزاء أخرى من آسيا عبر شبكة من الموانئ وسكك الحديد ومصانع الطاقة، والمناطق الاقتصادية.
بدأت أمريكا تحذر الدول الإفريقية من الديون الصينية فمثلًا ارتفع الدين العام في دول شبه الصحراء الإفريقية الوسطى من 34 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013م، إلى ما يقدر بـ 53 % في عام 2017م، حتى أن نائب المدير المساعد لمركز شرق آسيا التابع للاستخبارات المركزية في منتدى آسبن مايكل كولينز أوضح بأنه يرى ما يحدث يشبه حالة إقليم القرم ولكن في الشرق، في إشارة إلى ضم روسيا شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا، رغم أن الولايات المتحدة تحتاج إلى مساعدة الصين في إنهاء المواجهة النووية مع كوريا الشمالية.
لكن كريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في 18/7/2018م، أوضح أن مكتب التحقيقات الفيدرالي أجرى تحقيقات عن تجسس اقتصادي في الولايات الأمريكية الخمسين واتضح تورط الصين بالأمر، وأن حجم تورطها ونطاقه وأهميته أمر لا يمكن التقليل من شأنه.
نحو العولمة الشاملة في الاقتصادات النامية
يعتبر البعض أن العولمة صاحبها صعود مزدوج للجشع الاقتصادي والاستبداد السياسي بوصفها من أعراض التوعك الحضاري الراهن، وهو إقرار بأوجه القصور المشهودة في النيوليبرالية ولو بشكل جزئي، بل إن المسيرة الشعبية لنصرة المناخ والوظائف والعدالة التي نظمت في واشنطن في 29 أبريل 2017م، هي أيضًا عن مخاوف مماثلة إزاء المستقبل.
السعودية طرف أساسي في منتدى الحزام والطريق وهي تسعى لجني ثمار طريق الحرير الجديدة خاصة في الدعم والإسناد مع بريطانيا والمجر وإيطاليا وبولندا وروسيا وإسبانيا وسويسرا وهي مجموعة متميزة من الدول الغربية التي يمكن أن يطلق عليها (أوربا الأخرى) من أجل بناء نظام عالمي منصف ومستدام كما أكد الزعيم الصيني شي جينبينغ على هذا النهج الذي يمثل نمط جديد من العلاقات الدولية من شأنه تفادي نشوب الحروب من خلال الاعتراف بأنه لكل عملاق آسيوي صاعد مصالحه الخاصة والمشروعة خصوصًا بعدما صرح الرئيس الصيني أن على الصين وأمريكا القيام بكل ما في وسعهما لتفادي الوقوع في فخ توسيديدس وهي دراسة أجراها مركز بيلفر للتاريخ التطبيقي 16 حالة مماثلة للدول الصاعدة في مواجهة الدول المهيمنة عبر القرون الخمسة الماضية أسفرت عن 12 حالة منها عن نشوب حرب حقيقية.
في الأغلب أن الصين سيطبقون مبادئ إرنست ماي الذي بحث في التماثل التاريخي لكل حالة مع سابقاتها وما هي مواطن الاختلافات وكيف يمكن التوصل إلى أدلة تفيد في تقدير الأمور بشكل أقرب للواقع، والصين من الدول التي استوعبت التكنولوجيا والخبرات الغربية المتقدمة، لكن كان يعتقد الغرب أن الصين ستعيش حالة مستمرة من الاعتمادية على الغرب ولم يتوقع أن تصبح قوة صاعدة مذهلة.
استعارت الصين نموذج مارشال الأوروبي الذي كان من الخطط الكبرى لبث النفوذ الأمريكي في القارة الأوروبية وكسر شوكة الاتحاد السوفيتي السابق من خلال استحداث خطط مماثلة منها المصرف الآسيوي للاستثمار في مشاريع البنية التحتية والمشروع التعاوني التنموي المعروف باسم حزام واحد وطريق واحدة ولقد بذلت الولايات المتحدة كل ما في وسعها للحيلولة دون مشاركة الدول الأخرى في المبادرات الصينية.
السعودية محور التقاء بين مشروعين:
السعودية شريكة في المشروعين باعتبارها نقطة ارتكاز ومحور التقاء بين المشروعين وبين القوتين الصاعدة والمهيمنة، حيث روسيا لا تريد عالمًا تقف فيه قوى كبرى ضد أخرى، ولا عالمًا آحادي القطب بل عالمًا متعدد الأقطاب، ولا ترى روسيا أن صيغة تحالف أمريكا والصين ضد روسيا، أو عندما تقف روسيا والصين ضد أمريكا، وما تريده روسيا أن تعمل هذه القوى معًا نظرًا لنفوذها في الشؤون الدولية والاقتصاد العالمي على حل المشكلات الدولية.
رغم ذلك هناك مؤشرات على انتهاء شهر العسل بين واشنطن وبكين عندما أعلن ترامب نفاد فترة الصبر الاستراتيجي حيال بيونغ يانغ التي ترى أمريكا أن الصين لا تقوم بواجبها حيال التهديد النووي الذي تشكله كوريا الشمالية التي تفتح بابًا للأمل في أن تكون هذه اللعبة مربحة للجانبين، لكن أمريكا تخطط لبيع أسلحة لتايوان وفرض عقوبات على مصرف داندونغ الصيني المتهم بتسهيل تبادلات لصالح شركات ضالعة في تطوير الترسانة البالستية لكوريا الشمالية.
ما جعل واشنطن تضع الصين على لائحتها السوداء في تهريب البشر مساوية إياها بسوريا وكوريا الشمالية وفنزويلا التي تتنافى مع قمة فلوريدا بين الرئيسين الصيني والأمريكي، بسبب أن الصين تطالب بمعظم بحر الصين الجنوبي بما يشمل مناطق قريبة من سواحل دول عدة في جنوب شرقي آسيا وهي تسيطر على أرخبيل باراسيل وعدد من الجزر الصغيرة والشعاب المرجانية في أرخبيل سبراتلي حيث بنت جزر اصطناعية قادرة على استقبال قواعد عسكرية وبالفعل أقامت ثلاث قواعد عسكرية في أرخبيل سبراتلي ما جعل بارجة أمريكية تقترب من جزر باراسيل في 2/7/2017م، وتطالب تايوان وفيتنام بالسيادة عليها في مؤشر جديد إلى التوتر بين البلدين من أجل احتواء طموحات بكين.
هناك تراجع عن فكرة العولمة فالولايات المتحدة تسعى إلى فكرة (أمريكا أولًا)، وروسيا عادت إلى نشيدها الوطني القديم (حفظ الله القيصر)، وفي أوروبا صيحات يمينية متطرفة تكاد تعصف باستقرار أوروبا وهي وثيقة الصلة بالعنصرية الشعبوية التي تصنف الناس وفقًا لانتماءاتهم المتعددة، رغم أن الانتخابات الفرنسية جاءت لطمة لليمين المتطرف.
وفي 23 يونيو 2017م، تناول الاتحاد الأوروبي في بروكسل مسألة العولمة الشائكة وسط انقسامات عميقة بين المدافعين عن الأسواق الحرة والداعين إلى مزيد من الحمائية وفي مقدمتهم فرنسا حتى لا يزيد منسوب المشاعر الشعبوية التي أوصلت ترامب إلى الرئاسة وأنتجت بريكست، رغم ذلك لا توجد رؤية لضبط العولمة بشكل أفضل، ويقود ماكرون مقترح يمنح بروكسل مزيدًا من السلطات للسيطرة على الاستثمارات الصينية في الصناعات الأوروبية الرئيسية، وهو يطالب بحمائية عادلة وتجارة حرة وليس السذاجة، لكن جهود معارضي ماكرون نجحت في عرقلة محاولته خصوصًا من قبل السويد وفنلندا والتشيك الذين توجسوا من تدخل فرنسا في السوق المفتوحة.
فيما تلقي الخلافات التجارية بظلالها على الدول السبع الصناعية بخصوص اتفاقية المناخ وحرية التجارة، فإن الصين تضخ 150 مليار دولار سنويًا في الدول التي انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق والتي تمثل 60 % من سكان العالم ونحو ثلث إجمالي الناتج العالمي، وطريق الحرير الممر الاقتصادي الذي يربط غربي الصين ببحر العرب عبر باكستان حجر الزاوية في المشروع بهدف تعزيز الروابط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا عبر السعودية كقوة جذب ما جعل الهند تحتج على هذا المشروع المتعلق بالطريق الذي يعبر قسمًا كبيرًا من كشمير المتنازع عليها بين الباكستان والهند حيث قاطعت الهند القمة مؤكدة معارضتها الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يبلغ طوله ثلاثة آلاف كيلو متر من أصل 12 ألف كيلو مترًا.
في المقابل أصر وزير الاقتصاد الألماني بريجيت زيبريس على أن يكون طريق الحرير ذا اتجاهين وألا يسير حصرًا في منحى الصادرات الصينية، وكذلك أكد ممثل الرئيس الأمريكي بوتينجر استعداد الشركات الأمريكية للمشاركة في المبادرة مشددًا على الشفافية الضرورية في العطاءات، فيما أعربت دول الاتحاد الأوروبي عن تحفظات بشأن خطط بكين الطموحة لإقامة طريق الحرير الجديدة للتجارة الدولية والبنية التحتية بين القارات مطالبة بضمانات من جانب الصين حول التجارة الحرة والحماية البيئية وظروف العمل، لذلك قررت دول الاتحاد عدم التوقيع على بيان مشترك حول التجارة ما لم تلبي الصين مطالبها.
رؤية السعودية 2030 يجعلها قطبًا استثماريًا ضخمًا حيث هناك توقعات باستقطاب تدفقات رأسمالية تراوح بين 70 و110 مليارات دولار خلال الـ 5 سنوات المقبلة، ومعظم المؤسسات الاستثمارية الدولية على أهبة الاستعداد للاستثمار في القطاعات الاقتصادية في السعودية، لذلك هناك مفاوضات صينية خليجية لإقامة منطقة حرة خصوصًا وأن السعودية أكبر شريك عربي للصين، واستوردت الصين من المنطقة عام 2016 نحو 115 مليون طن من البترول.
طريق الحرير العولمة بمواصفات صينية بأهداف اقتصادية وجيوسياسية مزدوجة، وهي تسميها بصياغة مستدامة للعولمة، حيث تريد الصين توسيع نفوذها من خلال دبلوماسية البنية التحتية، وفي نفس الوقت تريد أن تعالج المبادرة المخاوف الاقتصادية المحلية الضاغطة.
تريد الصين السيطرة على آسيا مجددًا وهي تستخدم سياستها الخارجية لتحقيق هذا الهدف، في حين تسيطر الولايات المتحدة على نصف الكرة الأرضية الغربي، تريد الصين السيطرة على النصف الشرقي منه من أجل نقل بعض مصانعها إلى الدول المجاورة تحت لافتة مبادرة الحزام والطريق وبالتالي نقل الطاقة الإنتاجية المحلية الفائضة لعديد من القطاعات الصينية مثل الصلب والإسمنت.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة