ينظر العديد من الدبلوماسيين والمراقبين الآن إلى الحرب الأهلية الدائرة في اليمن، والتي مضى عليها أربع سنوات، كأزمة أخرى خرجت عن السيطرة حيثبدأ الصراع في سبتمبر من عام 2014م، عندما استولى المتمردون الحوثيون من الشمال والجماعات الموالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، على العاصمة صنعاء، وأُخذ الرئيس عبد ربه منصور هادي كرهينة، في الأول مجازًا ثم حرفيًا. وفي مارس عام 2015م، تصاعد انقلابهم ليصل إلى مرحلة التدويل مع التدخل العسكري للتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وهو التحالف الذي شن حملات مكثفة داعمةً القوات المؤيدة للشرعية اليمنية الممثلة بشخص الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، وبين الحوثيين المتمثلين في جماعة "أنصار الله" والقوات الموالية للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح.
أولاً: نظرة حول الجغرافيا السياسية للحرب في اليمن
حتى الآن، لم تقم عملية السلام التابعة للأمم المتحدة بالكثير أو أدت إلى نتائج ملموسة؛ حيث أنها بُنيت جزئيًا حول قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2216) لعام 2015م، إلى تشكيل حكومة وحدة ما بعد استيفاء شروط مسبقة معينة مثل انسحاب الحوثيين من صنعاء. وستحاول هذه الحكومة بعد ذلك تركيز عملية جمع العائدات، وتجميع الوحدات العسكرية والميليشيات وغيرها من القوات المحاربة تحت سيطرتها.لكن الجغرافيا السياسية في اليمن لا تشبه كثيرًا عملية الوساطة، حيثتتعامل خطة الأمم المتحدة مع "هادي" بصفته الممثل الشرعي الوحيد للدولة، مما يسمح له باختيار الأطراف الأخرى لمحادثات السلام وتوسيع المحادثات من شأنه أن يبطئ الأمور، ويزيد من التعقيد غير الضروري. وهي النقطة التي يلعب عليها ويدركها الحوثيون إدراكًا تامًا.فهناك القليل من الحوافز للمجموعات المتنوعة التي تقاتل الحوثيين للموافقة على صفقة تتجاهل وجودهم، خاصة إذا كانوا سيخسرون قدرًا كبيرًا من السلطة والموارد. فإن عملية السلام الحالية تستدعي فكرة استسلام الحوثي بشكل مباشر، لكن الحوثيين لا يرون سببًا كافيًا للاتفاق على صفة تفترض أنهم مهزومون. وعليه فإن الأمر سيستدعيإلى معالجة القرار (2216)، والضغط على الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لإصدار قرار جديد، أو على الأقل بيان، يمنح مبعوث الأمم المتحدة حرية أكبر للتفاوض.
ويأتي ذلك في سياق تأكيد مجلس التعاون لدول الخليج العربية، دعم جهود المبعوث الأممي الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية من خلال الحل السياسي، وفقًا للمرجعيات الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن 2216. وما أبدته دول المجلس من حرص واضح على إنهاء الصراع في اليمن وتحقيق الأمن والاستقرار فيها، وما تقوم به من جهود حثيثة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المحافظات اليمنية كافة للتخفيف من معاناة الشعب اليمني.
وفي السياق نفسه، تحاول دول مجلس التعاون الخليجي مع الأمم المتحدة إقناع الفرقاء في اليمن بإجراء استفتاء على الدستور الجديد وإجراء انتخابات للرئاسة والبرلمان بموجبه. وأنه على الميليشيات الحوثية أن تعي أن اليمن الممزق اليوم لا يمكن أن يخضع لأي نفوذ إيراني يتحكم بمصيره.
ووفقًا لهذا المنظور الجغرافي السياسي تقود المملكة العربية السعودية هذا الدور في المبادرة الخليجية لإنقاذ اليمن من ويلات الحروب. وأن اليمن واستقراره مرتبط بإقامة علاقات وثيقة مع جيرانه. كما تحرص الـسعـودية على دعم المبادرة البريطانية بالرغم من قناعتها بأن مهمة إنقاذ الحوثيين، التي يحرص عليها المبعوث الدولي الجديد، لا تتم إلا بممارسة ضغوط جدية عليهم بدل الإيحاء بالتساهل معهم وإعطائهم مسوغًا جديدًا لربح الوقت، وما يعني تكرار أسباب فشل مهمة ولد الشيخ. وبذلك، لا تمانع الـسعـودية من منح فرص أخرى للجهود الدبلوماسية لدفع المتمردين الحوثيين إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، وذلك بالتوازي مع استمرار خيار الحسم العسكري!
وفي ظل الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه الأزمة، حيث انحصر الموقف الأمريكي في الإدانة سواء للتدخلات الإيرانية في اليمن، والميليشيات الحوثية ولذلك، وشيء من الترقب والتوتر فيما سيتجه له مستقبل اليمن في ظل التواجد الإيراني وجماعة الحوثيين. ونفي وزير الدفاع الأمريكي " عزم بلاده الإقدام على أي تحرك عسكري لمواجهة التدخلات الإيرانية الإقليمية عامة، وفي الأزمة اليمنية خاصة. وفي ظل الصمت الأوروبي الجماعي، الأمر الذي يدعو لمزيد من الغموض والترقب لدول الاتحاد الأوروبي مع تحرك فرنسي محدود ومنفرد والدعوة لحل سياسي تفاوضي واهتمام بأمن السعودية للتوصل لحل سياسي تفاوضي في اليمن. فمما لا شك فيه أن نجد السياسة الروسية المتبعة في هذا الشأن ذات غرض استراتيجي وهام بالنسبة لموسكو من أجل التطلع نحو دور اللاعب الرئيسي في الوصول إلى تحقيق السلام في نزاعات المنطقة والشرق الأوسط، وتحقيق الأمن لليمن، فمن الملاحظ أن روسيا قد تلعب دورًا عالميًا يُحسَب لها ويكون إيجابيًا وحياديًا في الأزمة اليمنية، وهذا ما تحتاجه المنطقة لحل المشكلة، فالحرب في اليمن لم تعد تعبر عن أزمة داخلية أو أزمة خليجية فحسب بقدر ما تعبر عن أزمة إقليمية تمس منطقة الشرق الأوسط ككل، وأي دور دولي وخصوصًا من روسيا المعروفة بدورها العالمي والمحايد مرحب به مبادرة لوقف العدوان ورفع الحصار وهذه قضية أساسية،
ومع الأخذ بعين الاعتبار أن روسيا تتريث دائمًا في إبداء موقفها في مثل تلك الحالات لسببين أولهما البيروقراطية الروسية وثانيهما أن روسيا لا تعلن مواقفها من الأزمات إلا بعد أن تدرس تمامًا تكلفة اتخاذ الموقف والربح الناتج عنه كما حدث في الأزمة الأوكرانية.
ثانيًا: السيناريوهات التي تدخل روسيا طرفًا فيها لحل صراع اليمن
سيناريو مبادرة دبلوماسية روسية
ويعول هذا السيناريو على أهمية الدور الروسي المرتقب في اليمن وما يمكن وصفه بالكبير جدًا، لأن موسكو هي الوحيدة التي تتعامل مع أزمة اليمن بحيادية لاعتبارات عديدة منها أن العلاقات اليمنية الروسية قديمة ويزيد عمرها عن 90 عامًا. فضلاً عنأن روسيا لعبت الدور المتوازن في الأزمة منذ البداية، وهذا الدور مشهود له من الأطراف جميعها حتى من الطرف الآخر الذي يثني عادة على هذا الدور، لذا فإن فرص نجاح الدور الذي يمكنها أن تقوم به سيكون أفضل، إذا ما قوبل برغبة حقيقية للسلام من الطرف الآخر من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار وفك الحصار.
تتجه روسيا إلى لعب دور استراتيجي في اليمن، فالجانب الروسي يطرح أفكارًا لإنهاء الانقلاب الحوثي، وأي مبادرة روسية مرحب بها لأنها تلعب دورًا حياديًا في اليمن، فـ "موسكو" منذ بداية العدوان على اليمن موقفها إيجابي، فمنذ البداية وهي تحرص على الأمن والاستقرار وأن تحل القضية حلًا سلميًا بدلًا من الخيار العسكري، لذا فإن أي أفكار تطرحها مرحب بها من اليمنيين على العموم ومن حزب المؤتمر و"أنصار الله" بشكل خاص.
ويناقش الجانبان الروسي واليمني العلاقات الثنائية بين البلدين والتداعيات الإنسانية المتفاقمة جراء الحرب في اليمن. ويؤكد السفير الروسي لدى السعودية موقف بلاده الثابت الداعم لشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي كرئيس شرعي وحيد لليمن، واستمرار عملها مع الحكومة الشرعية اليمنية.
- سيناريو مبادرة اقتصادية روسية
ووفقًا لوزارة الخارجية الروسية، فإن 80% من السكان (19 مليون نسمة) في اليمن بحاجة إلى مساعدات إنسانية، ووفقًا لهذا السيناريو، فإن قافلة المساعدات الإنسانية الروسية للشعب اليمني، التي تعد الأولى من نوعها وصلت اليمن لتوزيعها على النازحين والمحتاجين، وتتضمن تلك المساعدات الروسية، مواد غذائية مثل الطحين والقمح والزيت واللبن. وجاء ذلك متماشيًا مع تصريحات المنسق الإعلامي لمكتب الشؤون الإنسانية، التابع لمنظمة الأمم المتحدة في اليمن، زايد العليا، عن أسباب المجاعة المنتشرة في الدول العربية والإفريقية التي تضمنها تقرير برنامج الغذاء العالمي الأخير. وتحدث أيضًا عن مخاطر انتشار المجاعة قائلا: "هناك خطورة شديدة من انتشار المجاعة، وكيف أن ربّ الأسرة متى ما عجز عن توفير قوت يومه، فإنه قد ينحرف عن المسار الطبيعي، ليكون ذلك سببًا في انتشار الجريمة والأعمال المخالفة للآداب، إضافة إلى انتشار الأمراض، واستغلال الأطفال في الانضمام للجماعات المسلحة الإرهابية.
- سيناريو تنسيق روسيا مع منظمة الأمم المتحدة
ويأتي هذا السيناريو،متماشيًا مع دعوة مبعوث الأمم المتحدة الخاص في اليمن، أنه من الضروري إنشاء لجنة دولية لتسوية النزاع في اليمن. التي سوف تدعو الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات وعدم اللجوء إلى العنف، ومع مرور الوقت سوف يتعافى اليمن من هذا الصراع، ولهذا يجب على جميع الأطراف أن تظهر الشجاعة والجلوس على طاولة المفاوضات، والامتناع عن لغة العنف واللجوء إلى لغة الحوار.
وتعد روسيا من أوائل الدول التي لديها كل الفرص لتعزيز محادثات السلام من أجل تجنب حكم ثنائي في البلاد حيث قدمت لجميع الأطراف خريطة طريق مفصلة للخروج من الصراع، وهذه الخريطة تحتوي على مجموعة من السياسات الثابتة والتدابير الأمنية التي يتعين على جميع الأطراف الاطلاع عليها، حيث سيسمح تنفيذها عودة اليمن إلى الفترة الانتقالية. كما تمارس روسيا ضغوطًا من داخل مجلس الأمن، لأن أي حل يجب أن يكون من داخل طرفي الصراع عن طريق المفاوضات وجلسات الحوار.
وفي هذا السياق، أعلن مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن رفضه للإحصائيات التي ذكرت في تقرير الأمم المتحدة، قائلا إنها مستقاة من مصادر غير موثوقة وموالية لجماعة الحوثي. وعبر عن أمله في أن تستند الأمم المتحدة في تقاريرها على مصادر ذات مصداقية وموثوقية، وأن تراجع هذه المعلومات والإحصائيات والتصنيفات في ضوء ذلك. ونوه الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، د. عبد اللطيف بن راشد الزياني، بحرص دول التحالف من أجل الشرعية في اليمن على تفادي الأضرار على المدنيين والأطفال في اليمن.
- سيناريو الدعم الروسي للمبادرة الخليجية وتحجيم إيران
ووفقًا لهذا السيناريو، كان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قد قام بزيارة رسمية لروسيا استغرقت عدة أيام، بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتم خلالها بحث قضايا المنطقة والتعاون الثنائي، وأشار وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، أن البلدين يأملان أيضًا بتسوية الأزمة اليمنية على أساس قرار 2216، وكان بمثابة حدثًا تاريخيًا.
وفي هذا السياق، فالحرب في اليمن تمثل إشكالية كبيرة أكثر من أي وقت مضى، فبعد تراجع أسعار النفط وارتفاع التكاليف العسكرية، بالإضافة إلى تحول اليمن إلى قضية استراتيجية في المنطقة. هذا كله سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة كلها.
وأخيرًا، أعلن العاهل السعودي، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، أن معالجة أزمتي اليمن وسوريا وغيرهما من الدول العربية تتطلب "توقف إيران عن سياساتها التوسعية، والالتزام بمبادئ حسن الجوار، واحترام الأعراف والقوانين الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى". كما اختارت الرياض في نهجها مع موسكو تكتيكًا واقعيًا. والآن، تسعى السعودية لتوسيع التعاون الاقتصادي مع روسيا، وتحويل هذا التعاون إلى قاعدة متينة تترك أثرها في التقليل من التناقضات السياسية وتخفيف حدتها، فيما يتعلق بإيران وبالتالي إحالتها إلى المشهد الخلفي.
- سيناريو تنافس روسي- أمريكي لحل الأزمة
ووفقًا لهذا السيناريو، فإن هناك حرب الدبلوماسية المتصاعدة بين موسكو وواشنطن الآن، ، ما تعيد أجواء سنوات مضت، كان الظن أنها ذهبت بغير رجعة. ولا شك أن (موسكو) قد يكون لها دور بالتنسيق أو بالتنافس مع واشنطن، لإعادة السلام إلى اليمن، ووفقًا لهذا السيناريو تتجه روسيا الاتحادية نحو مرحلة "ثنائية القطب" والزعامة الكبرى في العالم، وهذا يبرز جليًا في القضية السورية، مشيرًا إلى أن "الشعب اليمني يطلب من الصديقة روسيا وضع حل يمني -يمني، ثم تحريك الورقة دوليًا، بما يتلاءم مع الوضع الإنساني الذي تلعب فيه روسيا دورًا أساسيًا في العالم".
خاتمة
إجمالاً، نجد مما سبق أن روسيا إحدى الدول الكبرى التي تحاول تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال التدخل المباشر، وساعدها على ذلك ارتباك السياسة الأمريكية في المرحلة الراهنة.وأصبح الموقع الاستراتيجي لليمن وتنوع الموارد الطبيعية، وخاصة النفطية والمعدنية، مغريات للدول المختلفة في إيجاد موطئ قدم لشركاتها العابرة للقارات في مرحلة ما بعد الحرب، ومن ثم فإن روسيا، ومن منطلق مصالحها القومية، لن تفوت الفرصة في توسيع تدخلها المباشر في اليمن سياسيًا أو أمنيًا وعسكريًا إن وجدت أن ذلك سيعود بالنفع العام عليها.فجوهر سياسة الرئيس الروسي الحالي تحاول تقديم صورة متفائلة لدى الشعب الروسي، تُحيي لديه المشاعر القومية بنفوذ روسيا القيصرية على المستوى العالمي.
إن العلاقات الروسية في المنطقة علاقات متوازنة مع كل الدول، خاصة مع اليمن، وأصبحت منطقة الشرق الأوسط مقاطعة واحدة ومسرح عمليات واحد يلعب فيه الكثير من الدول العظمى، ولذلك، فالدور الروسي في اليمن ربما سيكون الدور الأكبر في معدلات النجاح لحل الأزمة، وتستطيع أن تلعب موسكو دورًا جديًا مع جميع الأطراف، على أساس أن جميع اليمنيين يقدرون دورها التاريخي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب مدير المشروعات الخاصة ـ مكتبة الإسكندرية ـ مدرس العلوم السياسية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا