array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 134

استراتيجية موسكو في عهد بوتين: الاتحاد الروسي مركز نفوذ العالم الجديد

الثلاثاء، 05 شباط/فبراير 2019

تحميل    ملف الدراسة

أشار "مفهوم السياسة الخارجية في الاتحاد الروسي" الذي اعتمده الرئيس فلاديمير بوتين في نوفمبر 2016م، إلى أن الهدف الرئيسي لأنشطة الدولة المعنية بالسياسة الخارجية يتمثل في ضرورة "ترسيخ وضع الاتحاد الروسي كمركز نفوذ في العالم الحالي". فروسيا ترغب في استعادة مركزها كقوة عظمى وأن يكون لها وجود في جميع مناطق العالم. فكما أعلن الرئيس الروسي، "حدود روسيا لا تنتهي أبدًا". وهذا الوجود، وفقًا للمفهوم المذكور، أداة للحفاظ على "الأمن الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية"، فضلاً عن كونه طريقة لتأكيد "وضع روسيا في العلاقات الاقتصادية العالمية ولمنع أي تمييز ضد البضائع والخدمات والاستثمارات الروسية".

إن منطقة الشرق الأوسط لديها تاريخ طويل من التواصل والتعاون مع روسيا. ولكن العلاقات بين الاتحاد السوفيتي مع دول الخليج العربيلم تصبح واقعًا سياسيًا إلا في النصف الثاني من الثمانينيات، باستثناء الكويت التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في 1963م، وسلطنة عُمان أقامت علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي عام 1985م، وتبادلت الإمارات العربية المتحدة ممثلين دبلوماسيين مع الاتحاد السوفيتي عام 1986م، وقطر في 1988م، لقد استُعيدت العلاقات الدبلوماسية السوفيتية السعودية في سبتمبر 1990م، وأقامت البحرين علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي في الوقت ذاته. لقد كان ذلك بداية اتصال مباشر للاتحاد السوفيتي وخلفه الاتحاد الروسي مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي، علاوة على كونه صفحة جديدة في تاريخ الاتحاد السوفيتي الذي أنشأ تواصلاً مع الدول العربية التي يعتبرها الزعماء في الاتحاد السوفيتي حلفاء تقليديين للولايات المتحدة.

ووفقًا "لمفهوم السياسة الخارجية" جاءت أولويات السياسة الخارجية الروسية على أساس ترتيبٍ هرمي، حيث جاء الشرق الأوسط بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ والدول الآسيوية الرائدة. إلا أن هذا الترتيب الهرمي تغير في سبتمبر 2015م، عندما احتل الشرق الأوسط فجأة مكانة مركزية في النشاط الخارجي لروسيا. ويرجع إجراء ذلك التعديل إلى عامل تزعزع الاستقرار في تلك المنطقة المهمة من العالم، وأصبح الوضع في سوريا أبرز الأمثلة على ذلك.

وقد بدأت العمليات العسكرية الروسية في سوريا في سبتمبر 2015م، وحدد فلاديمير بوتين أهدافه كالتالي: "مساعدة القوة الشرعية على تحقيق استقرار الموقف" و"محاربة الإرهاب الدولي". وقد تزامن ذلك مع تفاقم الوضع الروسي في العالم بعد العقوبات الغربية. ففي الشرق الأوسط، كانت تحاول موسكو أن تجد لنفسها مكانًا في النظام الإقليمي، على أن توازن بين القوى الإقليمية التي تختلف أحيانًا إلى حدٍ كبير مع الموقف الروسي حول المسائل الرئيسية في الوضع الإقليمي.

استطاعت موسكو إلى جانب إيران أن تحافظ على بقاء نظام بشار الأسد. فقد أطلقت روسيا عملية أستانا، والتي كانت تعتبرها السعودية إضافة هامة للمفاوضات بين الأطراف السورية في جنيف. ولم تصبح العلاقات الوثيقة مع إيران عائقًا أمام علاقات جيدة مع إسرائيل، بالرغم من حدوث بعض الأزمات في العلاقات بينهما من قبل. وكما هو الأمر مع العلاقات الإيرانية الروسية، لم يصبح التعاون النشط سببًا لإنهاء العلاقات الاقتصادية بين روسيا والسعودية أو اتفاقهما حول أسعار النفط في السوق العالمي. كما استطاعت روسيا، بعد انتهاء أمر حادثة الطائرة الروسية في تركيا، أن تشرِك تركيا في عملية أستانا وأن تغير جزءًا طفيفًا من الموقف التركي السلبي تجاه الحكومة الرسمية في دمشق. وفي ضوء علاقاتها مع القوى المختلفة التي لها دور في الساحة الإقليمية، أصبحت روسيا أحد الأطراف الفاعلة الرائدة في الشرق الأوسط، إلا أنها لم تتمكن من التأثير على تطور الموقف الإقليمي.

ولكن بعد أن أعلنت روسيا في "مفهوم السياسة الخارجية" هدف "المساهمة في تحقيق استقرار الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، عن طريق، أولاً، محاربة "تهديدات الجماعات الإرهابية الدولية" وتحقيق "حل شامل وعادل ومستمر للصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، لم تتمكن روسيا من تقديم مبادرات جديدة. لقد كان لموسكو اتصالات مع أطراف متنازعة مختلفة في صراعات إقليمية في ليبيا واليمن، ولكن روسيا لم تكن عضوًا نشطًا في الفريق الذي كان يعمل على حل تلك الصراعات. ففي بعض الصراعات، اتخذت روسيا موقفًا محايدًا. فعلى سبيل المثال، لم تغير المفاوضات بين بوتين وأمير قطر، تميم بن حمد الثاني، التي أُجريت في موسكو في 26 مارس 2018م، الموقف الروسي المحايد تجاه الأزمات القطرية. وقد كانت العلاقات بين روسيا ودول الخليج العربي ذات أهمية بالغة حتى أن "مفهوم السياسة الخارجية" وضع "التنمية الشاملة للتعاون مع جمهورية إيران الإسلامية" كإحدى أولويات السياسة الخارجية الروسية. مع أن دول مجلس التعاون الخليجي تنظر إلى إيران على أنها خصم استراتيجي، وقد أدَّت الروابط الوثيقة بين روسيا وإيران، لا سيما بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في يناير 2016م، إلى التأثير سلبًا على موقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه روسيا.

روسيا ودول الخليج: العلاقات السياسية

إن توجه مجلس التعاون الخليجي نحو التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وأوروبا للحفاظ على الأمن الإقليمي لم يستثني إمكانية أن تقيم الدول الأعضاء في المجلس تعاونًا مع روسيا وأن تتلقى ضمانات دولية أوسع نطاقًا لاستقرارها. ولكن هذا التطور لم يتكلل دائمًا بالنجاح، فقد كانت التناقضات المختلفة بين روسيا وبعض دول مجلس التعاون الخليجي سببًا لانهيار ذلك التعاون. ومثال على ذلك ما حدث في قطر عندما قتل ممثلو قوات الأمن الروسية سليم خان يندرباييف، أحد زعماء الانفصاليين الشيشانيين، في فبراير 2004م، بالدوحة، وأيضًا عندما تعرض السفير الروسي فلاديمير تيتورينكو في نوفمبر 2011م، لواقعة في المطار الدولي في العاصمة القطرية، والتي دفعت روسيا إلى استدعاء سفيرها، ولم يُعيَّن سفير جديد إلا في 2013م. وبدايةً من عام 2008م، تواصل مجلس التعاون الخليجي وروسيا مع بعضهما البعض لإقامة حوار استراتيجي. وقد شجعت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرسمية إلى السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر هذه العملية. وفي نوفمبر 2011م، حيث التوقيع على مذكرة تفاهم بوصفها آلية نحو مشاورات دائمة بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا. ومن ثمَّ، أصبح الحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي حقيقة، إلا أن المشاورات لم تكن منتظمة.

وبالرغم من الخلافات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بحل الأزمة في سوريا، عُقدت الدورة الرابعة من الحوار الاستراتيجي الوزاري بين الاتحاد الروسي ومجلس التعاون لدول الخليج العربية في موسكو في مايو 2016م، ونتج عنها إعلان مشترك يعكس نية الطرفين لمواصلة كفاحهما المشترك ضد الإرهاب، من خلال تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب. وفي بيان ختامي، اتفق الطرفان على "تكوين صداقة وتعاون في إطار الحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي"، ومواصلة السعي نحو المزيد من التعاون والتفاهم فيما يخص القضايا الإقليمية والدولية الرئيسية، وإقامة التعاون العملي في النشاط التجاري والمسائل الإنسانية. وخلال ذلك الاجتماع، حُددت ميادين التعاون الممكن، ومنها محاربة الإرهاب ومراقبة استخدام الطاقة النووية. وقد دعم الطرفان فكرة تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك الأسلحة النووية.

ولقد أكدت زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى موسكو في أكتوبر 2013م، استعداد روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي لإقامة علاقات متبادلة، بما يتضمن الحوار السياسي، والتعاون الاجتماعي الاقتصادي، والنشاط الاستثماري، خاصةً في مجال الطاقة. وقد أبدت الكويت وروسيا رغبتهما في إيجاد حل سياسي للأزمة السورية وتوفير المساعدة الإنسانية للشعب السوري.

وقد ازداد التواصل بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي بعد بدء العملية العسكرية الروسية في سوريا، حيث يتفهم زعماء تلك الدول تصاعد الدور الروسي في الصراع السوري، مع محاولة تغيير مواقفها فيما يتعلق بمبتغى روسيا الأساسي لمنع نظام بشار الأسد. ففي عام 2015 م، وفي النصف الأول من عام 2016م، زار زعماء الكويت وقطر والبحرين روسيا. كما زار روسيا وزراء الداخلية وكبار الموظفين الآخرين من دول مجلس التعاون الخليجي. وكان الموضوع الرئيسي للمفاوضات مشكلة حل الأزمة السورية. وبالرغم من جميع جهود دول مجلس التعاون الخليجي، لا يزال هناك تعارض في مواقف الطرفين، ولكن ما زال الاتصال بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي مستمرًا.

العلاقات الروسية السعودية: صراعات وتغيرات

إن العامل الرئيسي الذي أثر على العلاقات بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي كان التضارب في الاتصالات الروسية ــ السعودية. فمنذ استعادة العلاقات الدبلوماسية في 1990م، أصبح التفاعل الثنائي غير مستقر إلى حدٍ كبير. فبعد فترات من الاتصال الوثيق، جاءت فترات من تدهور العلاقات، فقد أدت الأعمال العسكرية الروسية في جمهورية الشيشان إلى وقوع أول أزمة في العلاقات الروسية ـ السعودية عام 1994م.

وعندما أصبح بوتن رئيسًا لفترة أولى عام 2000م، تغيرت طبيعة العلاقات الثنائية بين روسيا والسعودية. فقد استُثنيت مسألة الشيشان من نطاق العلاقات الروسية ـ السعودية، وأكدت الزيارة الرسمية لولي عهد المملكة آنذاك، الملك عبد الله بن عبد العزيز في بداية شهر سبتمبر عام 2003م، إلى موسكو توجهات جديدة في العلاقات الثنائية. ونتج عن الزيارة تشكيل "مجموعة عمل روسية سعودية مشتركة لمحاربة الإرهاب" وتأييد السعودية لاعتماد روسيا كمراقب في منظمة التعاون الإسلامي. وفي فبراير 2007م، زار بوتين السعودية.

إلا أن هذا التقدم الملحوظ في العلاقات الثنائية تأثر بعد أحداث "الربيع العربي وحدث " تغييرًا جذريًّا في الخطاب السياسي الروسي تجاه المنطقة. واعتبر السياسيون في روسيا أن الاحتجاجات الحاشدة في البلدان العربية مؤامرة ووصف بوتين، الذي أصبح رئيسًا لروسيا مرة أخرى في 2012م، الوضع الجديد في الشرق الأوسط بأنه "تراجع" و"حمام دم كبير".

اختلفت الرؤية الروسية والرؤية السعودية تجاه الموقف في منطقة الشرق الأوسط. فقد أصرَّت موسكو على دمج الأسد في العملية السياسية السورية، بينما أعلنت السعودية أن الرئيس السوري فقد شرعيته. ورأت روسيا أن من اللازم الاعتراف بحقوق إيران في وضع برنامجها لاستخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية. أما على الجانب الآخر، اعتبرت السعودية البرنامج النووي الإيراني وسياستها الخارجية، طابع عدواني يهدد المنطقة ككل. وفي قمة جامعة الدول العربية في 29 مارس 2015م، وصف سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الراحل للمملكة العربية السعودية، روسيا بأنها " جزء أساسي من المآسي التي تمس الشعب السوري". وأشار بوتين من جانبه إلى أن مسألة هبوط أسعار النفط قد ترجع إلى مواقف سعودية".  

كان يمكن لاجتماع يونيو 2015م، بين الرئيس بوتين ونائب ولي العهد حينئذٍ ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان في سانت بيترسبرغ، وأيضًا اجتماع فلاديمير بوتين مع العاهل السعودي الملك سلمان في أنطاليا في نوفمبر 2015م، أن يمهدا الطريق للتغلب على الأزمة، ولكن العمليات العسكرية الروسية في سوريا وضعت نهاية لتلك التوقعات. ودعا بعض علماء الدين إلى الجهاد، متهمين روسيا بالإسلاموفوبيا. وقد أخفق اجتماع بوتين مع محمد بن سلمان المنعقد في أكتوبر 2015م، في تقريب وجهات النظر. إلا أن الاختلافات السياسية لم تؤثر على حيادية السعودية فيما يتعلق بقضية القرم والعقوبات المفروضة ضد روسيا، وهو ما لم تشترك فيه السعودية.

لقد تعزز التقاء الموقفين الروسي والسعودي بشكلٍ أكبر من خلال قرار موسكو بامتناعها عن التصويت على قرار رقم 2216 بخصوص اليمن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبالرغم من استمرار الخلافات، اتفقت موسكو والرياض على نهجهما تجاه تحسين العلاقات بينهما.

وفي بداية شهر أكتوبر عام 2017م، زار الملك سلمان بن عبد العزيز موسكو. وأشار وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، ووزير الخارجية السعودي وقتئذٍ، عادل الجبير، في بيان صحفي، أن العلاقات الثنائية بلغت "مرحلة تاريخية واكتسبت طابعًا مؤسسيًّا". إن المستقبل السياسي لسوريا ودور روسيا فيه في فترة ما بعد الصراع من ضمن محاور الاهتمام الروسية الرئيسية، وكانت روسيا حريصة على تلقي موقف إيجابي من الجانب السعودي تجاه دورها السياسي في منطقة الشرق الأوسط. لقد أصبحت العلاقات الثنائية الروسية السعودية وسيلة لتحقيق المصالح الاستراتيجية الروسية.

لم تضع العلاقات المتطورة حدًا للاختلافات القائمة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية. لكن كلا الطرفين كانا على استعداد لإقامة تواصل في ميادين غير متصلة بالموقف السياسي في المنطقة. فقد اتخذت روسيا موقفًا حياديًا تجاه "قضية مقتل جمال خاشقجي"، كما أبدت ميلها لإجراء تنازلات في علاقاتها مع أوبك. كما كانت روسيا حريصة على التوصل إلى تفاهم مع السعودية فيما يخص المشكلات الرئيسية للسياسة العالمية.

روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي: البُعد الاقتصادي للتفاعلات

إن العلاقات الاقتصادية والتجارية الروسية مع دول مجلس التعاون الخليجي محدودة إلى حدٍ كبير، فحجم التبادل التجاري الكلي بين روسيا وعُمان يُقدَّر في نهاية عام 2018م، بأقل من 90 مليون دولار أمريكي، أما بين روسيا وقطر فتُقدَّر بقيمة 73.3 مليون دولار أمريكي في بداية 2018م، ووصلت قيمة التجارة الثنائية بين روسيا والبحرين في 2016م، إلى 61.3 مليون دولار أمريكي، أما بين روسيا والإمارات العربية المتحدة فوصلت في 2017م، إلى 1.6 مليار دولار أمريكي. كذلك فإن العلاقات التجارية بين روسيا والكويت منخفضة المستوى. فقد بلغ إجمالي حجم الصادرات الروسية في الكويت 45.1 مليون دولار أمريكي في 2015م، أما الواردات فبلغت 3.8 مليون دولار أمريكي. كما أن الاستثمارات الروسية في اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي لا تُذكر.

وتُستثنى من ذلك الإمارات العربية المتحدة، فأكثر من أربعين ممثلاً للشركات الروسية يعملون في الإمارات، من بينهم شركة لوك أويل LukOil، وشركة روساتوم Rosatom، وشركة غازبروم إكسبورت Gazpromexport، وشركة غازبروم نفط Gazpromneft، وشركة روس نفط غاز ستروي Rosneftegazstroi، وهي ترتبط بقطاعات إنتاج النفط والغاز ، والطاقة النووية، والنقل، وقطاعات الاقتصاد الأخرى. كما تُطوِّر روسيا التعاون العسكري مع الإمارات وتشارِك في المعرض العسكري الدولي "آيدكس" في أبو ظبي، وفي المعرض الجوي الدولي "معرض دبي للطيران". وقد أصبحت السياحة أحد الاتجاهات الهامة للتعاون الروسي الإماراتي، حيث يزور المواطنون الروسيون الإمارات بدون تأشيرة، وتتزايد أعدادهم سنة تلو الأخرى. ففي 2017م، بلغ عدد السياح الروسيين الذين سافروا إلى الإمارات 500 ألف سائح.

وفي سياق لقاء فلاديمير بوتين مع ممثلي مجتمع الأعمال السعودي في الرياض، أشار بوتين إلى أن التجارة الثنائية تقف عند مستوى "منخفض للغاية". ووفقًا للإحصاءات الروسية، بلغ حجم التبادل التجاري الكلي بين روسيا والسعودية 491.7 مليون دولار أمريكي عام 2016م، (أي أقل بنسبة 46.9% عن 2015م)، حيث انخفضت الصادرات الروسية بنسبة 54.4% من 770.7 مليون في 2015 إلى 350.9 مليون في 2016م، وتراجع إجمالي الواردات من السعودية بنسبة 9.3% من 155.4 مليون في 2015م، إلى 140.7 في 2016م، وبلغت نسبة السعودية في التبادل التجاري الروسي 0.105% في 2016م، مقابل 0.176% في 2015م، (وتقع في المرتبة الخامسة والسبعين). وتحتل السعودية المرتبة السبعين في الصادرات الروسية. وتهيمن الصادرات الروسية على إجمالي حجم التبادل التجاري بين روسيا والسعودية، وأيضًا على التبادل التجاري مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

ويمكن أن تساعد سياسة التحول الاقتصادي-إلى جانب إقامة اقتصاد استثماري يشكل جزءًا من "رؤية السعودية 2030"-في زيادة التعاون بين البلدين. وقد كانت نتائج اجتماع "مبادرة مستقبل الاستثمار "الذي عُقد في الرياض في أكتوبر 2018م، مبشرة. وأعلن رئيس صندوق الاستثمار الروسي المباشر، كيريل دميترييف قائلاً إن "العديد من الشركات الروسية، بدايةً من قطاع البتروكيماويات إلى القطاعات الاقتصادية الأخرى، على استعداد لاستثمار مليارات الدولارات في السعودية". وفي أكتوبر 2018م، صرَّح خالد الفالح وزير الطاقة السعودي عن إمكانية إجراء استثمارات سعودية في مشروع "آركتيك إس بي جي-2" لإنتاج الغاز المُسال في غرب سيبيريا. وفي نهاية 2018م، بلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في روسيا ما يزيد عن ملياريّ دولار. ويرى ممثلو مجتمع الأعمال الروسي أن التعاون مع السعودية "يتيح فرصة التعويض عن العقوبات الأمريكية، والتي لها تأثير سلبي على قطاع الطاقة في روسيا.

لقد وضعت روسيا إطارًا تنظيميًا وافيًا للتعاون الاقتصادي والتجاري مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي. ووقَّع الطرفان اتفاقيات حكومية بشأن التعاون التجاري والاقتصادي والتقني (وكانت أولى تلك الاتفاقيات مع الكويت في 1964م). وفي إطار عمل غرفة التجارة والصناعة الروسية، أُنشئت بعض لجان الأعمال لتشجيع التعاون الاقتصادي، فتوجد لجان أعمال روسية عمانية، وروسية كويتية، وروسية إماراتية، وروسية قطرية، وروسية بحرينية، وروسية سعودية.

في نوفمبر 1994م، تم إبرام الاتفاقية العامة بين حكومة الاتحاد الروسي والمملكة العربية السعودية، ووُقِّعت الاتفاقية بشأن اللجنة الحكومية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني. وأثناء زيارة الرئيس بوتين للرياض في فبراير 2007م، وُقِّعت اتفاقيات حول إنتاج الطاقة ومعالجتها، والبنية التحتية للنقل، والفضاء، وهندسة الطاقة النووية، والتعدين. وقد أُضيف الإطار القانوني للتعاون من خلال الاتفاقات الجديدة التي أُجريَت في سانت بيترسبرغ أثناء زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان في يونيو 2015م، والمتمثلة في الاتفاقية حول الاستخدام السلمي للطاقة النووية، إلى جانب ثلاث مذكرات نوايا مشتركة بشأن الفضاء، والأعمال الإنشائية وإجراءات زيادة فاعلية اللجنة المشتركة للتعاون العسكري والتقني. كما اعتمدت الدولتان برامج التعاون في هندسة الطاقة والاستثمار.

ومنذ عام 2000م، وضعت مركبات الإطلاق الروسية 14 اتصالاً سعوديًا وأقمارًا صناعية أوروبية للاستشعار عن بعد في المدار. وتعمل وكالة "روسكوزموس" والمركز السعودي للعلم والتكنولوجيا على مشروع اتفاقية بشأن استكشاف الفضاء. كذلك تعمل شركتا "لوك أويل" و"ستروي ترانس غاز" الروسيتان في السوق السعودية.

وانطلاقًا من خبرة موسكو في التعاون العسكري التقني مع الكويت (في بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين) ومع الإمارات العربية المتحدة، سعت موسكو إلى إقامة علاقات مماثلة مع السعودية. بَيْد أن رئيس الاتحاد الروسي قال بعد زيارته إلى الرياض إن الأمر يتسم بالحساسية، وستَصدُر تعليقات بمجرد توقيع عقود معينة. وترتبط تلك العقود بإنشاء مصنع في السعودية لأسلحة كلاشنكوف الآلية، وتوصيل منظومة الصواريخ "ترايمف" إلى المملكة العربية السعودية. وفي بداية فبراير 2018م، قال مساعد للرئيس الروسي لشؤون التعاون التقني العسكري إن وثائق منظومة الصواريخ قد وُقِّعت ولكن "المفاوضات ما زالت مستمرة". ويعود اهتمام الجانب الروسي بالتعاون العسكري مع السعودية إلى أن الأسلحة والتقنيات العسكرية تُعد عناصر هامة في الصادرات الروسية.

أصبح توقيع اتفاق أوبك بلس في نهاية 2016م، المؤشر الأكثر نجاحًا لأهمية التعاون الروسي السعودي. وقد ساعدت المشاركة الشخصية للرئيس بوتين على الحفاظ على استمرار مدة ذلك الاتفاق في ديسمبر 2018م وقال ألكسندر نوفاك، وزير الطاقة الروسي، متحدثًا عن إمكانية تمديد الاتفاق مرة أخرى إن "التعاون سيستمر على هذا النحو أو بنحوٍ آخر لأن الاتفاق أثبت فاعليته"، وأضاف قائلاً: "أحيانًا نختلف في وجهات النظر ولكن يمكننا التوصل إلى توافق في الآراء".

الخلاصة

لم تحظ روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي بعلاقة استراتيجية، فضلاً عن أن الروابط بين الطرفين غير مستدامة وغير متعددة الأطراف. وقد ساهمت الاختلافات في المسار العام لكل دولة في تعقيد تطور العلاقات المشتركة بينهما. كما أدَّى انعدام الثقة إلى تعقيد الأنشطة المشتركة التي تهدف إلى معالجة القضايا الإقليمية. إن وجود روسيا في الشرق الأوسط واقع ينبغي أن تعترف به جميع دول مجلس التعاون الخليجي. وحاليًا، يرتبط ذلك الوجود بعلاقات التحالف لروسيا مع إيران والحكومة السورية. غير أن تلك التناقضات ينبغي ألا تُشكِّل عائقًا أمام الاتصالات ذات الفائدة المتبادلة.

وتهتم روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي بهذا الأمر اهتمامًا كبيرًا، فدول الخليج تخطط لتنويع علاقاتها الاقتصادية الخارجية في برامجها الاستراتيجية. أما روسيا، فقد وجدت نفسها في انعزال اقتصادي، وهي تسعى حاليًا نحو مجالات جديدة لتطوير اتصالاتها. وبالرغم من أن الاهتمام المتبادل بتحقيق التقارب بعيد المنال، وأن الاختلافات تقلل من فاعلية الاتفاقات التي أُجري التوصل إليها، إلا أنه لا يزال هناك احتمالية للتوافق بالإضافة إلى إمكانيات كبيرة لاستغلال هذه الاحتمالية. كذلك يمكن لوجود خطوات نحو التوصل إلى مواقف توافقية أن يسهل من عملية تحديد شروط مسبقة لتأسيس علاقات استراتيجية بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي.

مقالات لنفس الكاتب