قام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بجولة في ثماني دول في منطقة الشرق الأوسط، خلال الفترة ما بين 8 إلى 14 من شهر يناير الماضي شملت ثماني دول عربية هي: الأردن، العراق، مصر، البحرين، الإمارات، قطر، السعودية، سلطنة عُمان. حملت جولة بومبيو عناوين كثيرة، جاءت في مجملها تبشر بعلاقات أقوى بين أمريكا وهذه الدول، والتبشير بأمريكا القوية، أو أمريكا "قوة الخير" في الشرق الأوسط في عهد ترامب، على أنقاض أمريكا الضعيفة المترددة في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما، وجاء حاملًا لواء التحالف مع دول المنطقة للوقوف في وجه الإرهاب.
جاء خطاب بومبيو في الجامعة الأمريكية بالقاهرة بعد 10 سنوات من خطاب الرئيس الأمريكي السابق أوباما بجامعة القاهرة، وكلا الخطابان يذكران المنطقة العربية بحضارتها وتاريخها، ويبشران بمستقبل أفضل خاليًا من الإرهاب مع الوعد بحلول السلام وإنهاء الصراعات.
ركز بومبيو على انتقاد سياسات أوباما بشكل واضح مقابل الإشادة بعهد ترامب، أي يبشر بعهد جديد من العلاقات الأمريكية مع الحلفاء في المنطقة العربية والشرق الأوسط، فقال في مستهل خطابه لقد ترددت الولايات المتحدة في ممارسة نفوذها، بينما كان الشعب الإيراني ينهض ضد الملالي في طهران ما أسماه الثورة الخضراء، في حين كان يتمدد النفوذ الإيراني السرطاني في اليمن، العراق، وسوريا، وكذلك يعزز نفوذه في لبنان في حين كان حزب الله وكيل إيران المطلق الولاء لطهران يخزن ترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف بلغت قرابة 130 ألف صاروخ. وفي إطار كيل الاتهامات لعهد أوباما قال إن واشنطن سعت إلى السلام بعقد صفقة بأي ثمن بما أدى إلى عقد صفقة مع إيران، في وقت أطلق فيه بشار الأسد العنان للإرهاب على المواطنين السوريين المدنيين الأبرياء الذين قصفهم بالبراميل المتفجرة، وهذه الدروس تعلمنا منها أنه عندما تتراجع أمريكا تتقدم الفوضى، وعندما نهمل الأصدقاء ينمو الاستياء.
وذكر بومبيو أنه يحمل أخبارًا سعيدة مفادها أنتهى عصر الخزي الأمريكي، وانتهت السياسات الأمريكية التي أنتجت المعاناة غير المبررة، وأنه يحمل بداية جديدة وتتمثل في أن بلاده تعود إلى الاضطلاع بدورها التقليدي كقوة للخير في منطقة الشرق الأوسط، حيث تعلمت أمريكا من أخطائها، وتعاملت مع الواقع ورفضت الوعود الكاذبة.
وانتقدت مراكز الأبحاث الأمريكية على ما جاء في خطاب بومبيو بالجامعة الأمريكية في القاهرة بشكل واضح، ولم يحظ هذا الخطاب بالحد الأدنى من رضا الخبراء والباحثين الأمريكيين المتخصصين في شؤون الشرق الأوسط، فاعتبر مدير مركز سياسات الشرق الأوسط، ناتان ساكس،أن بومبيو أراد أن ينقض على توجهات وسياسات الرئيس أوباما التي جسدت الضعف الأمريكي، وكأنه يعود عودة قسرية إلى عهد الرئيس جورج دبليو بوش فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية، لكن بومبيو يجد صعوبة في إقناع دول المنطقة بأن أمريكا تستطيع العودة إلى سياسة جورج دبليو بوش في ظل قرار الانسحاب الأمريكي المفاجئ من سوريا ، كما أن بومبيو وبولتون يجدان صعوبة في إقناع الدول العربية بسياسات أمريكية قوية أو إعادة ثقة هذه الدول في مصداقية السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط على ضوء سياسات الرئيس ترامب وإدارته في الشرق الأوسط.
وترى تمارا كوفمان ويتس، باحثة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط، أن ما طرحه بومبيو في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لا ينسجم مع أولوية الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية التي تركز بشكل متزايد على الصين الصاعدة وروسيا الحازمة ومعركة المنافسة في الاقتصاد والتكنولوجيا
وكان قد قال بومبيو أن أمريكا قوة تحرير وليست قوة احتلال وواشنطن لم تحلم أبدًا ان تهيمن على منطقة الشرق الأوسط عكس ما تسعى إليه، لذلك أزاح الرئيس ترامب حالة العمى الاختياري تجاه النظام الإيراني وانسحب من الصفقة النووية الفاشلة ووعودها الكاذبة، وأعاد فرض العقوبات التي لم يكن ينبغي رفعها أساسًا، وشرعنا في حملة ضغط جيدة لقطع الإيرادات التي تستخدمها إيران لنشر الرعب والدمار في جميع أنحاء العالم.
وأضاف، والأهم أننا دعمنا تفاهمًا مشتركًا مع حلفائنا حول ضرورة التصدي لأجندة النظام الإيراني، ويزداد تفهم الدول لحقيقة أننا يجب أن نواجه نظام الملالي، والآن دعونا نتحدث عن جهود أمريكا لبناء التحالف، لقد تحركت الإدارة الأمريكية بسرعة لإعادة بناء الروابط بين أصدقائنا القدامى ورعاية شراكات جديدة، وأضاف: إن بناء التحالفات أمر طبيعي بالنسبة لأمريكا، لكننا أهملناه في السنوات الماضية، ولذلك تمتعت إدارة ترامب بعلاقات مثمرة في الشرق الأوسط، وهذه الخطوات نحو التقارب ضرورية من أجل تحقيق أمن أكبر في مواجهة تهديداتنا، كما إنها تشير إلى مستقبل أكثر إشراقًا للمنطقة، وهدفنا من المشاركة مع أصدقائنا ومعارضة أعدائنا، لأن وجود شرق أوسط قوي وآمن وحيوي اقتصاديًا يصب في مصلحتنا الوطنية كما هو في صالحكم أيضًا.
وذكر أن أمريكا لن تتراجع حتى ينتهي القتال الإرهابي وتنتهي الحرب على الإرهاب، وسنعمل بلا كلل إلى جانبكم لهزيمة داعش والقاعدة والجهاديين الآخرين الذين يهددون أمننا وأمنكم.
وحول الوضع في سوريا، قال بومبيو: في سوريا ستستخدم الولايات المتحدة الدبلوماسية والعمل مع شركائنا لطرد آخر جندي إيراني منها، والعمل من خلال المسار السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة لإحلال السلام والاستقرار للشعب السوري الذي طالت معاناته، ولن يكون هناك مساعدات من أمريكا لإعادة إعمار المناطق السورية التي يسيطر عليها الأسد حتى تنسحب إيران وقواتها بالوكالة وحتى نرى تقدمًا لا رجعة فيه باتجاه الحل السياسي.
وردًا على ذلك جاءت آراء الخبراء الأمريكيين مختلفة أحيانًا ومتناقضة أحيانًا أخرى أو متفقة على خجل مع ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي حول سياسة بلاده الخارجية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فقد قال شاران غروال الباحث بمركز الشرق الأوسط، لقد نقض وزير الخارجية الأمريكي بومبيو سياسة الرئيس السابق بارك أوباما الخارجية من دون أن يذكر أسمه مرة واحدة، وأن الركيزة الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية التي أعلن عنها بومبيو هي استراتيجية مدمرة بحتة وتتمثل في محاربة داعش وإيران دون مساعدة دول الشرق الأوسط في اتجاهات أخرى، مشيرًا إلى أن هذا الاختلاف، أو التناقض انعكس على الحاضرين لخطاب أوباما وخطاب بومبيو، في الخطاب الأول تخلل خطاب أوباما تصفيق متكرر وحقيقي، أما خطاب بومبيو فلم يلق تصفيقًا إلا مرة عندما شكر الرئيس عبد الفتاح السيسي على شجاعته في المساعدة على محاربة الإرهاب وتنظيم داعش.
ومن جانبه قال هادي عمر، الباحث في السياسة الخارجية بمعهد بروكنجز، توجه خطاب بومبيو في القاهرة بشكل كبير إلى الأتوقراطيين لا المواطنين ، لذلك لم يحدث خطابه أي وقع، بينما قالت سوزان مالوني نائبة مدير برنامج السياسة الخارجية وزميلة أولى في مركز سياسات الشرق الأوسط، لم يقدم وزير الخارجية الأمريكي بومبيو الكثير من الأمل ولم يستطع الاقناع بأنه قادر على وضع رؤية مدروسة للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط أو استراتيجية صالحة للمضي قدما في خدمة هذه المصالح، إضافة إلى أنه يجد صعوبة في تركيب جمله لذلك لم يكن خطابه عند المستوى المطلوب، ولعل برود خطابه يعود أيضًا إلى أنه ركز على انتقاد الإدارة الأمريكية السابقة بدلا من التركيز على مخاطبة ملايين العرب والإيرانيين والأتراك، وغيرهم من الجنسيات التي تشملها المنطقة المتنوعة والزاخرة بالنزاعات، ومع أن بومبيو قد يحظى بسعادة ترامب لأنه ركز على انتقاد أوباما، لكن خطابه غير مقنع لشعوب المنطقة التي خاطبها، ولم يقدم أي دليل منطقي على أن أمريكا بإمكانها أن تقود جهودًا فعالة لمعالجة أي شيء لمعالجة أيًا من الأزمات الملحة مثل الوضع في اليمن، أو سوريا، أو تخفيف حدة المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجه المنطقة.
ويرى رانج علاء الدين، الزميل الزائر بمركز بروكنجز الدوحة، أن ملاحظات وزير الخارجية الأمريكية بومبيو قدمت تصحيحًا مهمًا وضروريًا للخطاب الانفصالي والذي قطع التواصل الذي كان سمة خطاب البيت الأبيض منذ استلام الرئيس ترامب الحكم، فقد حاول بومبيو من خلال خطابه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن يسترجع دور واشنطن وقيادة الولايات المتحدة وإصرارها على استعادة الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والعالم بعد أن فقدت واشنطن هذا الدور في عهد إدارة أبواما، ومع ذلك بدا غياب ملحوظ لالتزام الولايات المتحدة الطويل الأمد لاستقرار وإعادة الإعمار ، أو رسم الفعل الاستراتيجي والفعال والشامل، ما يدل على ثمة صراع واضطراب في الحرص الأمريكي على ملء الفراغ في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد الإعلان المفاجئ للإدارة الأمريكية عن الانسحاب الأمريكي العسكري من سوريا، كما أن الخطاب لم يظهر ما يكفي من الضمانات حول كيفية اعتزام الولايات المتحدة من أجل وقف عودة ظهور تنظيم داعش، خاصة أن الولايات المتحدة خسرت كثيرًا منذ تسلم الرئيس ترامب الرئاسة، فقد خسرت واشنطن الكثير من نفوذها في العراق وسوريا أمام إيران، وأبعدت حلفاءها وعجزت عن استعادة علاقاتها مع الحلفاء الإقليميين، وباستثناء التنسيق والتوافق بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، من الممكن ألا تصدق الكثير من بلدان المنطقة سواء الحليفة، أو المعادية خطاب بومبيو من أساسه.
من جهته، قال أريك روساند الباحث بمركز سياسات الشرق الأوسط، لقد ركزت معظم ردود الفعل إزاء ملاحظات بومبيو على المقارنات بخطاب أوباما في عام 2009م، ودور الولايات المتحدة في المنطقة، غير أن خطاب بومبيو يشكل تذكيرًا صريحًا بالعناصر الضالة في مقاربة إدارة ترامب لمعالجة التهديدات الإرهابية الحقيقة والدقيقة في المنطقة، وهي مقاربة تقودها على ما يبدو سياسات وافتراضات بديلة للواقع، وينتهج بومبيو ، على غرار رئيسه ترامب، نظرية تبسيطية جدًا مفادها أن أيديولوجية "الإسلاموية الرديكالية" هي أساس العنف الجهادي في الشرق الأوسط، وبأن حل المشكلة يكمن في تنديد المزيد من القادة السياسيين والدينيين.
ويرى عمر حسن عبد الرحمن، زميل زائر في مركز بروكنجز، أن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو استخدم منصة القاهرة لتقديم عظة افتقرت إلى رؤية واضحة وكانت لغته خالية من الأحاسيس وبدت متعالية لجمهور الشرق الأوسط، وخلا خطابه من ذكر الابتلاء الكارثي الذي شكله الغزو الأمريكي للعراق، وعوضًا عن ذلك ألقى باللوم على الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. كما تبدو كلمات بومبيو تعكس أفكاره الصقورية الخاصة بالسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة والتي تمثل أفكار جون بلتون أيضًا، وعكس أفكار رئيسه الذي لا يمكن العثور على أي لمحة من انعزاليته الشعبوية في هذا الخطاب.