منذ 5 يونيو قبل الماضي، قطعت كل من السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، وفرضت عليها "إجراءات عقابية" وذلك لمواقفها وسياساتها الداعمة للإرهاب. ولقد جاءت مواقف الدول الأوروبية تجاه الأزمة غير واضحة وغير حاسمة، حيث تضمنت مطالبات على استحياء لحث قطر بإعادة النظر في مواقفها وسياساتها. ولقد ساعدت ميوعة المواقف الأوروبية تجاه قطر على تطور الأزمة مع دول الخليج ومصر مع عدم اعتراف قطر وإنكارها المستمر بارتكاب أي أخطاء في حق الدول المشار إليها، فلم تتخذ الدول الأوروبية موقفًا واضحًا تجاه الأزمة حتى الآن، ما أضفى مزيدًا من إصرار قطر على مواقفها وكأنها لم تخطيء، وساعدها في تحويل القضية من كونها مطالبات واضحة لقطر بتغيير سياسة دعم الإرهاب إلى تعرضها لحصار واستخدام قنواتها الإعلامية الداعمة للجماعات الإرهابية بشكل مستمر وواضح للترويج لمفهوم تعرض قطر للحصار.
ولعل من الأهمية إدراك نقطة محورية وأساسية وهي أن الخليج بكافة دوله هي شريك أساسي واستراتيجي لدول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وتتنوع العلاقات بينها وبين دول الخليج اقتصاديًا، وثقافيًا، وأمنيًا وعسكريًا. وطبقًا لما يمكن تحليله ورصده للمواقف الأوروبية المختلفة، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو على مستوى بعض الدول، فسنجد أن المصلحة الأوروبية هي المحرك الأساسي الأول للمواقف الأوروبية تجاه الأزمة القطرية.
- الرؤية الفرنسية للأزمة سياسيًا
تعد فرنسا الدولة الأكثر نشاطًا في الوساطة تجاه الأزمة القطرية، وذلك كونها الأقرب للطرف السعودي – الإماراتي كونها ترتبط بعلاقات اقتصادية هامة مع السعودية وتعاون عسكري وأمني مع الإمارات توج عام 2008م، بإنشاء القاعدة العسكرية الفرنسية في الإمارات، غير أن فرنسا لم تعلن وقوفها بجانب الدول المقاطعة لقطر، وتبنت دور الوسيط. وهو ما تجلى في تصريحات وزير الخارجية الفرنسي حول عدم التصعيد في المنطقة، تجنبًا للمزيد من التوتر في المنطقة. وقد أعلنت فرنسا في 5 يونيو من العام المنصرم دعمها للوساطة الكويتية لحل الأزمة الخليجية القائمة، وضرورة الحوار بين كافة الأطراف لحل الأزمة الخليجية، ورغم ذلك لم تنجح الجهود الكويتية إلى الآن، في إقناع الأطراف العربية الخمسة، بتحقيق نتائج ملموسة من أجل التوصل إلى حلول بشأن قضايا الخلاف وتثني قطر علن المضي في غيها في ظل تمسك قطر بسياساتها الداعمة للإرهاب سياسيًا وإعلاميًا بل واقتصاديًا، والتي أجملتها الدول العربية المُقاطِعة لقطر في 13 بندًا، منها غلق قناة «الجزيرة»، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وهي طلبات رفضتها الدوحة ولم تستعد حتى إلى تغيير سياسة قناة الجزيرة في محاولة لإبراز حسن النية .
- الرؤية الألمانية للأزمة سياسيًا
صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بأن الأزمة القطرية لا يمكن حلها إلا عبر مفاوضات سرية، وذلك عقب لقائها أمير قطر في العاصمة الألمانية برلين. وأضافت: "لا أعتقد أننا يمكن أن نحل هذه الأزمة بمفاوضات علنية في ظل ميل قطاع كبير من الناس لإصدار تقييمات للأزمة"، مضيفة: إن "المفاوضات السرية هي السبيل لحل الأزمة".
وقد بدت ألمانيا من أولى الدول الأوروبية استجابة للأزمة الخليجية، وصدرت خطابها بالحياد وعدم تغليب كفة أحد الطرفين لاسيما أنها شريك تجاري لكلٍ من قطر والسعودية والإمارات. في بداية الأزمة استقبلت وزيري الخارجية القطري والسعودي، واستمعت للطرفين، داعية للحوار، وعرضت في أول الأمر الوساطة غير أن الأمر اتسم بوجود مواقف مختلفة بين المعارضة الألمانية والحكومة الاتحادية. كل منهم له رؤيته، إذ لم تقتنع المعارضة الألمانية باتهام دول المقاطعة لقطر بكونها فقط من تمول الإرهاب، ومن جانب آخر وجدنا تصريح مدير الاستخبارات الألمانية السابق (2005-1998م) بأن «قطر مولت مساجد المتطرفين في أوروبا، وخصوصًا في ألمانيا، وقد جنّدت هذه المساجد عشرات الشبان للانضمام لتنظيم داعش، منهم من سافر للقتال في العراق وسوريا، ومنهم من نفذ هجمات في أوروبا».
- الرؤية البريطانية للأزمة سياسيًا
في المؤتمر الذي عقد في لندن في العام الماضي، صرح خالد الهيل المتحدث الرسمي باسم المعارضة القطرية بأنه "يوجد إجماع إقليمي وقلق دولي متزايد من السياسات القطرية الحكومية التي تمثل تهديدًا للأمن والاستقرار الدولي، وإذا كان العالم فعلاً يرغب في وضع حد للعنف والإرهاب والفوضى، فلابد أن يضع حدًا للسياسة القطرية الممولة والمحفزة له". كما أكد السفير البريطاني لدى المملكة العربية السعودية سايمون كوليس، أن المملكة المتحدة ملتزمة بأمن واستقرار دول الخليج العربي، مضيفًا أن بريطانيا تسعى لحل الأزمة بين دول المقاطعة وقطر، وأن لندن تشعر بالأسف لهذا النزاع بين دول التعاون الخليجي، وقد رحبت الحكومة البريطانية بالمساعي التي يقوم بها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح من أجل تقريب وجهات النظر وإيجاد الحلول لرأب الصدع بين دول الخليج. وأشار كوليس إلى أن بريطانيا تسعى من خلال رئيسة الوزراء تيريزا ماي ووزير الخارجية بوريس جونسون إلى وضع الحلول والسعي من أجل حل الأزمة القطرية في أقرب وقت.
ونطرح عددًا من السيناريوهات حول العلاقات الأوروبية القطرية في ضوء الأزمة الأخيرة ورؤى الدول الأوروبية الكبرى حيالها
- استمرار وتحسن العلاقات الاقتصادية
اختزلت الدول الأوروبية القضية في أنها مجرد خلاف خليجي، للحفاظ على مصالحها مع قطر، واستطاعت قطر أن تحتمي بنفوذها المالي وتغلغلها في اقتصاديات بعض الدول المهمة، وخاصة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وألمانيا حيث أن موقف دول مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا أضفى حجة للاستمرار في سياستها، وتحويل القضية من دعمها للإرهاب لفرض حصار اقتصادي ضدها.
- تدهور العلاقات الاقتصادية
تضع أزمة قطر مشروع السوق الخليجية المشتركة أمام مفترق طرق، وكذلك مصير مشروعات البنية التحتية الطموحة في حال طرد قطر من المجلس، وماذا لو أصبح المناخ السياسي طاردًا بعد سنوات الرفاه والازدهار؟ فالقطريون لم يعد بإمكانهم التنقل، وحرية نقل البضائع الخليجية المنشأ من وإلى قطر توقفت، أما البضائع الأجنبية المتوجهة إلى السوق القطرية عبر الإمارات أو السعودية أو البحرين فعليها سلوك طريق آخر عبر طرف آخر. الأمر مرتبط بمدى استمرار الأزمة القطرية-الخليجية التي تتجه إلى التصعيد. ومع هذا التصعيد يتوقع مراقبون طرد قطر من المجلس وتشديد العقوبات الاقتصادية عليها.
- ألمانيا وقطر ... الحرص الاقتصادي الألماني
الاقتصاد الألماني بحالة انتظار لما ستسفر عنه التغييرات في الخليج، فالحصار الخليجي العربي على قطر يمس أيضًا بالمصالح الألمانية، فالأزمة قد تجلب أيضًا مخاطر اقتصادية على ألمانيا، كما أنّ هناك مخاوف من أية تغييرات قد تجريها قطر في حجم استثماراتها الأجنبية الخارجية نتيجة الحصار. ويخضع المال القطري في الشركات الألمانية الآن للكثير من التكهنات. كما أن التساؤل الأكبر ماذا سيحدث لألمانيا لو أحتاج القطريون أنفسهم لأموالهم المستثمرة في ألمانيا، وأرادوا استردادها بشكل فجائي. وماذا سيعني لألمانيا تواجد رأس المال الأجنبي بها، في حال تم إدانة قطر بدعم الإرهاب.
خاتمة
إذ أن قطر لم تنفذ حتى الآن أي بند من بنود المطالب العربية، وإنما تسعى إلى التصعيد الدولي.فيظل ضغط الدول الأوروبية على قطر، والمجتمع الدولي بشكل عام، هو الضمانة الوحيدة لتغيير سياستها الداعمة للإرهاب، بدون موقف واضح لهذه الدول سنظل في دائرة من المماطلة داخل الأزمة، وتحويل مسار ومفهوم القضية. ولابد من دعوة إلى جميع الأطراف للتهدئة والحوار من أجل استقرار وأمن المنطقة، ودعم الاتحاد الأوروبي لجهود الوساطة الكويتية، والتشديد على أهمية الالتزام الحازم من الجميع ضد الإرهاب ومن يموله ويدعمه سياسيًا واقتصاديًا وذلك بخلاف التحريض الإعلامي أيضًا والذي تنتهجه قنوات بعينها مثل قناة "الجزيرة" القطرية. ومن الملاحظ أن صنّاع السياسة الخارجية الألمان ينظرون إلى منطقة الخليج بقلق يفوق قلق الاقتصاديين ورجال المال، ولذلك، أضحت ألمانيا وسيطًا مطلوبًا. ولكن يجب الإدراك بأنه بدون موقف واضح للدول الأوروبية، سنظل في دائرة من المماطلة داخل الأزمة، وتحويل مسار ومفهوم القضية، والتعامي بشكل واضح عن مواقف قطر الداعمة للإرهاب، والتي لم تعد خافية على المجتمع الدولي كله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نائب مدير المشروعات الخاصة ـ مكتبة الإسكندرية ـ مدرس العلوم السياسية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا