array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 139

قراءة فلسطينية من الداخل في صفقة القرن: السياق التاريخي وفرص النجاح

الخميس، 11 تموز/يوليو 2019

منذ حملته الانتخابية أشار الرئيس الأمريكي ترامب إلى تصوره للصراع العربي الإسرائيلي ُثم توالت التصريحات المصحوبة بالممارسات حول صفقة القرن أو التصور الأمريكي للتسوية دون أن يتم طرح الصفقة رسميًا، ولكن الإدارة الأمريكية ومعها إسرائيل سربا عن قصد بعض مكوناتها حتى يستشفا ردود الأفعال من كل الأطراف.

وكما سنبين فإن الصفقة ستؤَسس على الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل وعلى حالة الانقسام الفلسطيني مع استغلال تردي الأوضاع الاقتصادية في مناطق السلطة وخصوصًا في قطاع غزة، وفي اعتقادنا أن حالة الانقسام الفلسطيني شجعت واشنطن كثيرًا على طرح صفقة القرن بحيث يكون الانقسام ركنًا أساسيًا فيها وتكون حركة حماس جزءًا من تسوية صفقة القرن.

يمكننا في هذا السياق الربط ما بين ورشة المنامة ومؤتمر واشنطن يوم الثالث عشر من مارس 2018م، لبحث الوضع الإنساني في قطاع غزة، وحول هذا المؤتمر قال غرينبلات في مقالة له في صحيفة واشنطن بوست قُبيل المؤتمر: (إن المؤتمر يهدف إلى إيجاد حلول حقيقية لمشاكل غزة من خلال جلسة عصف ذهني من قبل خبراء ... وإن المؤتمر سيركز على الأفكار حول كيفية تطوير اقتصاد القطاع وتحسين ظروف الحياة فيه ... وإن المؤتمر يُعقد ردًّا على تنامي الأزمة الإنسانية في غزة) !!! .

السلام الأمريكي من مدريد إلى المنامة

تتفنن إدارة ترامب مثلها مثل الإدارات الأمريكية السابقة في طرح مشاريع وتصورات للقضية الفلسطينية وللشرق الأوسط بشكل عام وتحت مسميات مختلفة، وكلها مشاريع صعبة التنفيذ عمليًا، أو أن ما هو مُعلن عنها رسميًا من أهداف – قد يكون غير ما تُضمر الإدارة الأمريكية ومتعارض مع ممارساتها وممارسات إسرائيل على الأرض.

وهكذا من مؤتمر مدريد للسلام 1991م، إلى أوسلو 1993م، وخطة خارطة الطريق 2003م، إلى الشرق الأوسط الكبير 2004م، وبعده الشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة 2006م، وأخيرًا ما تسمى صفقة القرن والتي آلت لمشروع السلام الاقتصادي كما تم الإعلان عنه في ورشة المنامة -البحرين يومي الخامس والعشرين والسادس والعشرين من يونيو الماضي. طوال عقود من التعامل مع والمراهنة على هذه المشاريع للتوصل لحل سياسي أمريكي منصف للفلسطينيين والعرب للصراع في الشرق الأوسط كان مآل المراهنين مثلهم مثل مآل مَن يجري وراء السراب.

هذه الصيرورة التي آلت إليها هذه المشاريع ليس سببها أن العرب لا يريدون الاستقرار والديمقراطية أو أن الفلسطينيين لا يريدون الحل السلمي العادل، بل لأن واشنطن وتل أبيب لا تريدان لا استقرارًا ولا سلامًا.

كثيرون تحدثوا وما زالوا يتحدثون عن فشل السياسة الأمريكية ومشاريعها في الشرق الأوسط ، وفي ظني أن واشنطن لم تفشل بل أنجزت كثيرًا من أهدافها في المنطقة، وواقع الحال اليوم مقارنة بواقع إسرائيل والمصالح الأمريكية يؤكد ذلك، فإسرائيل تعيش عصرها الذهبي منذ تأسيسها 1947م، حيث لا توجد مصادر تهديد حقيقي لها تأتيها عبر حدودها – ما كانت تسمى دول الطوق - والنظام السياسي الفلسطيني، الآن وفي ظل الانقسام ومع نفس النخب السياسية الحاكمة، أبعد ما يكون عن تشكيل تهديد حقيقي لإسرائيل، كما أن الأهداف الاستراتيجية الأمريكية كما تم تحديدها منذ الحرب الباردة تتحقق اليوم سواء ما يتعلق بالتحكم الأمريكي ببلقنة المنطقة وتفتيتها، أو ضمان التفوق الاستراتيجي والعسكري لإسرائيل في المنطقة.

ما فشل هو المراهنة الفلسطينية على هذه المشاريع وفشل المراهنة على حسن النية بالإدارة الأمريكية كوسيط نزيه في التسوية مع إسرائيل أو كحليف مُخلص، إدارة ترامب غير معنية بالسلام لا في فلسطين ولا في أية منطقة في العالم بل إن ما ترومه هو إدارة الصراعات لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجية، ما دامت الصراعات والحروب خارج أراضيها ونفقاتها تأتي من أموال الدول المتصارعة نفسها، كما أن هذه الحروب تمنح الجيش الأمريكي فرصة و ساحة تدريب حقيقية واختبار أسلحته المتطورة، بالإضافة إلى تحسين مواقعها الجيوستراتيجية في مواجهة منافسيها وخصومها الكبار كروسيا والصين وأوروبا.

مشروع التسوية الجديد والمسمى صفقة القرن لا يخرج عن سابقيه من حيث استراتيجية إدارة الصراع وإعادة الأطراف، وخصوصًا الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى طاولة المفاوضات ،والمهم صمود الفلسطينيين وعدم خضوعهم للابتزاز، فواشنطن ومن جمَّعَتهم في مؤتمر البحرين يملكون الكثير، لكنهم لا يملكون الحق في التصرف بمصير الشعب الفلسطيني، فالقرار عند الفلسطينيين وخصوصًا عند الجهة الممثلة لهم رسميًا ودوليًا منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها محمود عباس، فهذا الأخير يقع عليه الرهان والمسؤولية أيضًا بمضامينها السلبية والإيجابية في هذا الوقت الصعب .

الصفقة ليست مشروعًا للسلام

يمكن أن توصف صفقة القرن بأي مسمى إلا أن تكون مشروع سلام وتسوية سياسية. لو كانت صفقة القرن وورشة المنامة تؤسسان للسلام والتسوية السياسية لكان الفلسطينيون أول من أيد وشارك لأنهم دعاة سلام وراغبون بحل سلمي منصف وعادل بالرغم من تجربتهم المريرة مع مشاريع التسوية السابقة.

فكيف يمكن أن تؤسس واشنطن من خلال صفقة القرن مشروع سلام يضع حدًا للصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي فيما هي تتجاهل أحد طرفي الصراع –الفلسطينيون-؟ وكيف تكون الصفقة مشروع سلام فيما هي تنحاز لطرف على حساب طرف آخر بل وتتنكر لوجوده القومي والسياسي؟ وكيف يمكن لورشة المنامة أن تؤسس للازدهار والسلام وفي نفس الوقت تتجاهل الشرعية الدولية وقراراتها، وتقاطعها الأمم المتحدة وغالبية دول العالم ومنها روسيا والصين وغالبية دول أوروبا؟

الموقف الفلسطيني الرافض للمشاركة في ورشة المنامة وصفقة القرن لا يعني أنهم يرفضون السلام أو يعارضون التسوية السياسية للصراع، فهم لم يتركوا فرصة إلا وعبروا عن رغبتهم بالسلام وسلوكهم خلال ربع قرن من المفاوضات ومن ممارستهم للسلطة تؤكد حرصهم على السلام العادل والتسوية السياسية المنصِفة والقائمة على قرارات الشرعية الدولية. إسرائيل وبدعم أمريكي هي التي أفشلت كل مشاريع التسوية السياسية كما تجاهلت كل قرارات الشرعية الدولية بهذا الخصوص، والرفض الفلسطيني لصفقة القرن وورشة المنامة ليس رفضًا للسلام بل لأنهم لا يرون في صفقة القرن مشروع سلام أو تسوية سياسية منصفة بل مشروع حرب وفوضى وتصفية لقضيتهم.

تصريحات جاريد كوشنر وجيسون غريبلات بأن الصفقة لا تتضمن حل الدولتين وتعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل ولا تعترف بحق العودة، بالإضافة إلى شعار مؤتمر المنامة (الازدهار الاقتصادي مقابل السلام) الذي حل محل (الأرض مقابل السلام)، يشير إلى أن الصفقة تتعارض مع السلام بل إنها تؤسس لحالة فوضى وحرب في المنطقة كلها بل هي امتداد لسياسة (الفوضى الخلاقة) وفوضى الربيع العربي.

لا محاججة أن الموقف والحال الفلسطيني اليوم أكثر صعوبة وضعفًا مما كان عليه الأمر عند طرح مشاريع التسوية السابقة، فالمشاريع السابقة وخصوصًا المتمثلة في مؤتمري مدريد وأسلو كانت تُلمِح ولو ضمنيا بإمكانية قيام دولة فلسطينية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية حول الصراع، أو على الأقل تعطي أملاً بذلك، إلا أن صفقة القرن ومن خلال ما يتم تسريبه عنها ومن خلال المواقف والإجراءات الفعلية على الأرض، من طرف الإدارة الأمريكية صاحبة الصفقة ومن طرف إسرائيل، فإنها تبدد الأمل الفلسطيني في الدولة وفي الحرية والاستقلال كما أنها مشروع تسوية أسوأ بكثير من صفقة أوسلو، ومن هنا كان الإجماع الفلسطيني على رفض الصفقة ورفض المشاركة في ورشة المنامة بالرغم من تهديدات غرينبلات بأن الفلسطينيين سيخسرون كثيرًا إن لم يشاركوا في الورشة.

إن القبول بصفقة القرن معناه الاعتراف بفشل ونهاية المشروع الوطني الذي قدم في سبيله الفلسطينيون ومعهم الآلاف من أحرار العالم مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والمعاناة في المنافي، ليس هذا فحسب بل أيضًا تجاهل وإلغاء كل قرارات الشرعية الدولية التي ناضل الفلسطينيون طوال عقود لينتزعوا من المنتظم الدولي من خلالها اعترافًا بعدالة قضيتهم وحقهم بالحرية وحق تقرير المصير وبدولة مستقلة.

واشنطن تعلم أن صفقة القرن لن تنهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لأنه لا يمكن لأية قوة في الأرض أن تنهي قضية شعب متواجد على أرضه لأكثر من أربعة آلاف سنة وتعترف به وبحقه بدولة مستقلة غالبية دول العالم. كما أن غالبية دول العالم لا تعترف بصفقة القرن أو تتعامل معها وأعلنت مسبقًا أنها لن تشارك في ورشة البحرين، ولأنه لا سلام أو تسوية سياسية بدون مشاركة الشعب الفلسطيني ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية.

الصمود الفلسطيني على المحك

مشروع التسوية الأمريكي الجديد والمُسمى صفقة القرن ينبني على اعتقاد أن كل المقاومات السابقة لإسرائيل وللتسوية الأمريكية قد انهارت وأن الفلسطينيين لم يعودوا قادرين على الصمود، وهو اعتقاد سيكتشف الأمريكيون أنه في غير محله، ومؤتمر المنامة بكل إغراءاته الاقتصادية لن يحقق ما فشلت فيه إسرائيل بالإرهاب والسلاح.

مشروع التسوية الجديد يثير ضجيجًا أكبر وتخوفات أكثر من كل مشاريع التسوية الأمريكية السابقة ليس لأن الفلسطينيين باتوا جاهزين للخضوع والتسليم بالأمر الواقع بل لأسباب أخرى، منها ارتباطه بشخص الرئيس الأمريكي ترامب المثير بذاته للجدل والذي يهوى الضجيج والإثارة الإعلامية، ولأن كثيرًا من بنود الصفقة تم تنفيذه بالفعل على أرض الواقع وورشة البحرين كاشفة للصفقة وليس مؤسسة لها، هذه عوامل موجودة وتؤخَذ بعين الاعتبار ولا شك، الفلسطينيون اليوم وبالرغم من أن وضعهم الداخلي هو الأكثر ضعفًا من أية مرحلة سابقة إلا أنهم لن يتنازلوا أو يتخلوا عن حقوقهم المشروعة، نقطة الضعف الآن في القضية الفلسطينية.

بالرغم من كون الحالة الفلسطينية منقسمة وضعيفة إلا أن تعاطيها الإيجابي المُعلن مع الصفقة غير وارد حيث الجميع رسميًا وشعبيًا يرفضها، إلا أن الخشية تتأتى من التعاطي السلبي بمعنى الرفض العلني دون استراتيجية أو موقف موحَد لكيفية مواجهتها وتعطيلها، أيضًا الصفقة لن تنجح إن كان هدفها حل الصراع لأن الحل يحتاج لموافقة الشعب الفلسطيني، ولكنها قد تحقق درجة من التقدم إن كان هدفها إعادة تدوير فكر ونهج المفاوضات لإدارة الصراع وكسب الوقت وخصوصًا أن الصفقة مشفوعة بإغراءات مالية قد تبدو مغرية في ظل الوضع الاقتصادي السيئ الذي تم افتعاله بداية في غزة ثم في الضفة الغربية.

وفي هذا السياق، فإذا كان حصار غزة وما نتج عنه من فقر وجوع وبطالة وحصار مالي للسلطة في رام الله من خلال منع أموال المقاصة وقطع واشنطن مساعداتها للسلطة وتردد العرب في تفعيل شبكة الأمان المالي، إذا كانت هذه الإجراءات شجعت ترامب على طرح صفقة القرن وخصوصًا في شقها الاقتصادي، فإن الرقم الصعب الفلسطيني يتمثل في ثبات صمود الفلسطينيين أمام الإغراء الاقتصادي تحت ضغط حاجة الشعب وضغط دول عربية ذات شأن.

لا نشكك بموقف القيادة الفلسطينية وكل القوى الوطنية، ولكن، أي أموال ترِد الآن للسلطتين – مثلا مبلغ 480 مليون دولار التي وعدت قطر بتقديمها للسلطتين-قد تكون دفعة على الحساب من عشرات المليارات المخصصة لصفقة القرن في شقها الاقتصادي، الأمر الذي يضع على المحك ثبات مواقف السلطتين في غزة والضفة في رفضهما الصفقة وخصوصًا في شقها الاقتصادي !!.

إفشال صفقة القرن

ليس صحيحًا أن السبب الرئيسي في توجه إدارة ترامب لتأجيل طرح الصفقة يعود فقط لأزمة الانتخابات الإسرائيلية وعدم قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة، بل السبب الأهم هو الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي للصفقة وعدم تجاوب غالبية دول العالم معها.

ما تسمى صفقة القرن ليست محل إجماع كل أركان الإدارة الأمريكية وهي مرتبطة أكثر بشخص الرئيس ترامب المثيرة مواقفه للجدل، لذا فالعقلاء في الإدارة الأمريكية يعلمون جيدًا صعوبة بل استحالة إنهاء الصراع في الشرق الأوسط وخصوصًا الفلسطيني الإسرائيلي دون موافقة الفلسطينيين، والفلسطينيون حتى الآن ثابتون على موقفهم الرافض.

لا شك أن الانقسام الفلسطيني والعربي وكذا الممارسات الإسرائيلية على الأرض فيما يتعلق بالقدس والاستيطان كلها أمور قد توحي ظاهريًا بإمكانية البناء عليها لتصفية القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع التاريخي السياسي والديني في الشرق الأوسط، إلا أن الأمور أكثر تعقيدًا وعمقًا. قد تستطيع إدارة ترامب أن تغيِّر بعض الشيء من طبيعة الصراع وتفكيك وإعادة تموضع بعض أطرافه، ولكنها لا تستطيع إنهاء القضية الفلسطينية أو تجاوز الأمم المتحدة وقراراتها أو إنهاء حالة العداء بين المسلمين والعرب من جانب واليهود وإسرائيل كمشروع استعماري صهيوني من جانب آخر.

إن كانت فرصة نجاح صفقة القرن في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شبه منعدمة، فما الذي يسعى له ترامب من الترويج لصفقة القرن وما تثيره من ضجيج؟ وما الذي سعى له من وراء عقد ورشة البحرين، ومن المعروف أنه لا يوجد مؤتمر أو لقاء سياسي وخصوصًا إن كان بتوجيه ورعاية دولة كبرى إلا وله أهداف مُعلنة أو خفية، بغض النظر عن شرعية أو عدم شرعية هذه الأهداف؟

في عالم السياسة وفي علم إدارة الصراعات والنزاعات الدولية نميز ما بين إنهاء الصراع وحل الصراع، وواشنطن من خلال مساعيها تًدرك أنها لن تخسر شيئًا من طرح مشروعها المسمى صفقة القرن، فإن نجحت جهودها في حل الصراع أو تفكيكه وتغيير طبيعته فهذا إنجاز مهم لها، وإن لم تتمكن من حله، وهذا مؤكد، فعلى الأقل تأمل أن تًعيد سيطرتها على إدارة الصراع بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها وخصوصًا إسرائيل، ومقياس النجاح والفشل في الحالتين ليس رهنا بالإدارة والإرادة الأمريكية والإسرائيلية فقط ،بل بردود فعل الفلسطينيين والعرب، واستمرار تصديهم للسياسة الأمريكية.

إذا، فإن كل ما يجري مجرد محاولات ومراهنات أمريكية لتحقيق كل أو بعض الأهداف التالية:

1-   قطع الطريق على أي طرف آخر أن يطرح مشاريع تسوية أو ينافس واشنطن في تفردها بإدارة الصراع.

2-   سحب البساط من تحت أقدام الأمم المتحدة وقراراتها ومنظماتها ومحكمة الجنايات الدولية، والأمم المتحدة اليوم هي محل رهان القيادة الفلسطينية، وبهذا تسعى واشنطن لإلغاء البُعد الدولي للقضية الفلسطينية.

3-   كسب الوقت من خلال محاولة إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى جولة جديدة من المفاوضات العبثية، وذلك بهدف تمكين إسرائيل من استكمال مخططاتها للسيطرة وضم كامل الضفة الغربية والقدس.

4-   تفريغ القضية الفلسطينية من كينونتها كقضية تحرر وطني من الاستعمار وتحويلها لقضية إنسانية واقتصادية، وهذا يُعيدنا إلى ما قبل انطلاق الثورة الفلسطينية والمشروع الوطني التحرري منتصف الستينيات.

5-   ابتزاز منظمة التحرير وإحراجها، فإما أن حضور مؤتمر البحرين مما يعني موافقتها على الصفقة ليس فقط في شقها الاقتصادي بل والسياسي، أو تستمر في موقفها الرافض مما قد يدفع أطرافًا أخرى للحلول محلها، وقد يتم اتهامها بأنها غير معنية بتحسين الأوضاع الاقتصادية لشعبها.

6-   ضرب وحدانية تمثيل منظمة التحرير للفلسطينيين، من خلال فتح قناتي اتصال ومفاوضات إحداها مع المنظمة والسلطة والأخرى مع حركة حماس، حتى الأموال التي يتم تقديمها من قطر وغيرها وتلك التي يُوعَد بها الفلسطينيون من خلال الصفقة لا تذهب لعنوان فلسطيني واحد بل تُقسم ما بين سلطة غزة وسلطة الضفة.

7-   تعزيز حالة الفصل بين ما يُفترض أنها أراضي الدولة الفلسطينية الموعودة من خلال فصل غزة عن الضفة وخلق فتنة داخلية.

8-   إنهاء المقاومة المسلحة من خلال الحفاظ على الهدنة الأخيرة بين فصائل المقاومة في قطاع غزة وإسرائيل والتي تمت برعاية شبه دولية وبإغراءات مالية، وواشنطن ليست بعيدة عن الموضوع بشكل مباشر أو غير مباشر، وليس عبثًا أيضًا أن الهدنة تمت قبيل ورشة المنامة.

9-   فك الارتباط ما بين فلسطين والعالم العربي من تجاوز المبادرة العربية للسلام.

10  ـ تغيير طبيعة الصراع باصطناع أعداء غير إسرائيل.

هذا المشروع كسابقيه لن يحقق السلام أو ينهي الصراع، وما زال يحدونا الأمل بأن تتدارك القوى السياسية الفلسطينية الأمر وتتخذ موقفًا موحدًا في مواجهة ما هو قادم، وألا تضعف بعض الأطراف للتساوق مع الصفقة بصيغة أو أخرى تحت ضغط الحاجة أو الإغراء المالي أو التخوف من تداعيات الرفض على وجود السلطة سواء سلطة غزة أو السلطة الفلسطينية .

الرفض ليس دومًا موقفًا وطنيًا أو بطوليًا  

من موروثات الثقافة السياسية العربية وإلى وقت قريب أن موقف الرفض، بكل أشكال حمولته الأيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، يتضمن حكم قيمة إيجابي يصنف صاحبه كرجل المبدأ والمدافع عن الشعب وقضاياه، إلا أنه ثَبُت بالممارسة أن خطاب الرفض لا يعبر عن موقف وطني أو بطولي إن لم يكن مصحوبا بإستراتيجية وطنية لمواجهة ما يتم رفضه، وهذا ينطبق على الذين يرفضون صفقة القرن قولا وينفذونها سلوكًا.

يبدو أن كثيرًا من الأحزاب الفلسطينية التي تعلن رفضها لصفقة القرن تمارس عمليًا ما يساعد على تنفيذها، وبالتالي يصبح خطاب الرفض أداة تضليل لتمرير صفقة القرن ما دام الرفض غير مصحوب بما يَعيق التنفيذ الفعلي للصفقة وهو جار منذ سنوات، بل يمكن القول إن كلا من السلطة الفلسطينية وحركة حماس ساعدتا، بوعي أو بدون وعي، في التأسيس للصفقة.

النخب السياسية من خلال مواقفها المتوقفة عند تخوم الرفض اللفظي لصفقة القرن دون أن تُجهد نفسها بإبداع طرق ووسائل خلاقة لمواجهتها تتحول إلى شاهد زور وتُعيد إنتاج الفشل ،معتقدة أن التمترس وراء خطاب الرفض سيمنحها شهادة بالوطنية وسيبرئها من المسؤولية .

هذه المواقف والسلوكيات البائسة للنخب الفلسطينية ليس سببها أن الطريق مغلقة وليس بالإمكان أبدع مما كان كما تُرَوِج وتبرر موقفها ونهجها، بل لأنها تعلم بأن أي نهج وطني حقيقي سيفتح المجال للمراجعة والمحاسبة وإعادة النظر في شبكة المصالح الشخصية والحزبية التي تراكمت طوال سنوات من وجودها في السلطة، وهذا قد يهدد وجودها في السلطة سواء في الضفة أو غزة.

استمرار النخب السياسية في الحديث عن التمسك بالثوابت وعدم التنازل عنها وتأكيدها على رفض صفقة القرن، لا يُسقط المسؤولية عنها ويجب عدم السماح لهذه النخب بإدعاء البطولة لمجرد أنها تقول بتمسكها بالثوابت وعدم التنازل وتزعم رفض الصفقة، فالشعب لم ينتخبها أو يقبل بتسيدها عليه لأنها تقول بالتمسك بالثوابت وبالحقوق الوطنية أو ترفع شعار المقاومة والرفض، بل لاستعادة هذه الحقوق، وفي هذا السياق يمكن فهم لماذا واشنطن وتل أبيب استبقتا الأمر وفرضتا الهدنة مع فصائل المقاومة في قطاع غزة قبل طرح صفقة القرن.

نعلم أن البعض سيقول ليس هذا وقت إثارة المشاكل الداخلية وأن المطالبة بالتغيير الآن قد يُضعف القيادة الفلسطينية أو يشكك بها ويشكك بالمقاومة وفصائلها كما سيُبعِد الأنظار عن المخاطر التي تهدد القدس ومجمل القضية، وبالتالي المطلوب الآن من وجهة نظر هؤلاء أن يتوحد الفلسطينيون لمواجهة صفقة القرن، وهذا كلام صحيح وطنيًا ويندرج في سياق ما يجب أن يكون.

ولكن، لسنوات والشعب صابر وصامت على الوضع الداخلي حتى لا تنزلق الأمور لفتنة داخلية توظفها إسرائيل، كما أنه دائمًا يجد أعذارًا للسلطتين أو يقنع نفسه بهذه الأعذار لكن دعونا نتساءل بصدق: هل النخب السياسية الراهنة مؤهلة لإحداث اختراق، سواء في مجال التسوية السياسية وخصوصًا بعد أن صرح الرئيس أبو مازن قبل أيام في اجتماع وزراء الخارجية العرب 21 أبريل الماضي أن إسرائيل لم تلتزم بأي اتفاق سلام وأن نتنياهو لا يريد السلام مع الفلسطينيين؟ أو اختراق في مجال المقاومة وقد وقَّعت فصائل المقاومة في غزة هدنة طويلة المدى مع إسرائيل؟ أو اختراق في مجال المصالحة الوطنية وقد استمرت حوارات المصالحة كحوار الطرشان طوال عقد من الزمن؟

أيضًا كيف تتوحد هذه القوى دون أن تبدأ عملية تغيير ومراجعة داخلها كخطوة أولى، مثلا أن تُعيد منظمة التحرير ترتيب وضعها الداخلي حتى بدون ممن هم خارجها من الفصائل، وتعمل على تنفيذ قرارات المجلس المركزي بشأن إعادة النظر بالاعتراف بإسرائيل وبالتنسيق الأمني، أيضًا أن تعيد حركة حماس حساباتها في المراهنة على الإخوان المسلمين والدعم الخارجي وبمخططها لصناعة دولة غزة، ومراهنتها على استمرارية الدور الوظيفي المسنود لها إلى ما لا نهاية. ومن جهة أخرى، هل توحيد حالات مأزومة داخليًا ومتعادية مع بعضها البعض سيُنتج حالة وطنية قادرة على مواجهة تحديات المرحلة؟

الخاتمة

إن استمر حال النظام السياسي الفلسطيني على ما هو عليه من انقسام وتشرذم، وحتى تحافظ النخب الحاكمة على وجودها في المشهد السياسي، وحتى لا تخسر مصالحها ... لا نستبعد في هذه الحالة أن تجد بعض المكونات السياسية تبريرا لقبولها لأية تسوية جديدة سواء كانت صفقة القرن أو غيرها دون شروط، تحت ذريعة منح فرصة جديدة للسلام أو محاولة تَجَنُب ما هو أسوء! أو تحت عنوان التكتيك والمناورة .

إن ما نخشاه في هذا السياق أن يحدث تواطؤ ضمني بحيث تستمر واشنطن في تأجيل صفقة القرن-مع استمرار تنفيذ الصفقة على أرض الواقع كما هو جاري، في المقابل تستمر النخب السياسية الفلسطينية في إعلان رفضها لصفقة القرن أو الهروب نحو تشكيل هيآت ولجان لمواجهتها وكأن الصفقة مشروع مستقبلي وليس واقعًا يتم تنفيذه منذ سنوات، وفي هذه الحالة تحقق واشنطن مخططها عمليًا وتستمر النخب السياسية الحاكمة الفلسطينية في ادعاء البطولة من خلال إعلان رفضها للصفقة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أكاديمي ومحلل سياسي فلسطيني ـ وزير الثقافة الفلسطيني السابق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مجلة آراء حول الخليج