array(1) { [0]=> object(stdClass)#12958 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 140

دول الخليج: اقتصاديات الإرهاب.. مكافحة تمويله.. الجهد الدولي والسعودي

الخميس، 08 آب/أغسطس 2019

في تقرير طويل نشره "معهد دول الخليج العربي في واشنطن" The Arab Gulf States Institute in Washington تحت عنوان: "Combating Terrorist Financing in the Gulf: Significant Progress but Risks Remain" (مكافحة تمويل الإرهاب في الخليج.. تقدم ملحوظ ومخاطر قائمة)، للباحثة سيلينا رياليو" Celina B. Realuyo الزميل غير المقيم بمؤسسة دول الخليج العربي في واشنطن، والمدير السابق لبرامج مكافحة تمويل الإرهاب بوزارة الخارجية الأمريكية؛ شرحت فيه الباحثة أبرز الإجراءات المحلية والإقليمية والعالمية التي اتخذتها دول الخليج العربي على مدار العقد الماضي للتصدي لتمويل الإرهاب. وختم التقرير بالثناء على الخطوات التي اتخذتها دول المجلس لوقف تدفق الأموال للجماعات الإرهابية خلال العقد الماضي. تسلط هذه الورقة على بعض جهود دول المجلس على المستوى الإقليمي والدولي للتصدي لخطر عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

دول الخليج ومجموعة العمل المالي (FATF) والمجموعات الأخرى المتخصصة

دول الخليج استشعرت منذ فترة طويلة، بأهمية تجفيف مصادر غسل الأموال وتمويل الإرهابوالتي أصبحت تشكل مصدر تهديد عالمي يؤثر على ضمان سلامة النظام المالي. فخلال العقدين الماضيين عملت دول المجلس الكثير من الإجراءات سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي للتصدي لهذه الآفة. فدول الخليج كانت من أوائل الدول التي سعت إلى تطبيق التوصيات الأربعين لمكافحة عمليات غسل الأموال الصادرة من مجموعة العمل المالي (FATF) عام 1990م، والتوصيات التسع الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب. حيث تشارك في اجتماعات مجموعة الفاتف بصفتها أعضاء في منظومة مجلس التعاون الخليجي العضو الدائم (Member) في المجموعة، وتلتزم بتطبيق جميع المعايير الدولية في هذا المجال. وتعتبر مجموعة الفاتف (Financial Action Task Force(، من أوائل الهيآت الدولية التي تم إنشاؤها لمكافحة عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب خلال الثلاثين سنة الماضية. حيث انشأت المجموعة بموجب قرار من قمة باريس لمجموعة الدول السبع الكبرى، التي عقدت في شهر يوليو 1989م. وقد وضعت هذه اللجنة مجموعة من التوصيات (40 توصية) لمجابهة تلك الجرائم المالية، وضمان سلامة النظام المالي، والتيباتت تمثل المحور الأساسي لخطط وإجراءات مكافحة غسل الأموال، وضمان سلامة النظام المالي. وقامت المجموعة بمراجعتها سنة 1996 و2003 و2012م، بهدف ضمان مواكبتها للتطورات التي عرفتها التهديدات الناتجة عن غسل الأموال، ومراقبة مدى تحقيق أعضائها للتقدم فيما يتعلق بتنفيذ الإجراءات الضرورية على المستوى المحلي، ومراجعة عمليات غسيل الأموال، والإجراءات المناهضة لآليات تمويل الإرهاب، وتطوير إجراءات عالمية ملائمة في هذا الخصوص. فقد أصدرت المجموعة تسع توصيات خاصة بمكافحة تمويل الإرهاب أضيفت إلى التوصيات الأربعين السابقة، كما أن المجموعة أضافت إلى مهامها في السنتين الأخيرتين موضوع مكافحة تمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل وموضوع مكافحة الفساد. وتضم المجموعة 34 دولة والمفوضية الأوروبية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعددًا من المراقبين من المنظمات المختصة. وتكمن المهمة الأساسية لمجموعة الفاتف في إجراء عملية تقييم مشترك لجميع الدول الأعضاء وغير الأعضاء بهدف التحقق من التزامها بالمعايير الدولية والتوصيات الصادرة عنها (التوصيات الأربعين الخاصة بمكافحة عمليات غسل الأموال بالإضافة إلى التوصيات التسع الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب).  ودول المجلس تحرص على المشاركة بشكل فعال في اجتماعات المجموعة المالية ممثلة في الأمانة العامة لمجلس التعاون، التي تقوم بتمثيل مقعد مجلس التعاون في جميع اجتماعات مجموعة العمل المالي (فاتف) بصفة عضو دائم (Member) والتنسيق قبل وأثناء الاجتماعات لطرح وجهة نظر دول المجلس، وحماية مصالحها في المحافل والاجتماعات الدولية. يتزامن ذلك مع مهام تزويد الدول الأعضاء، من خلال اللجان الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بجميع الوثائق المتعلقة بالاجتماعات بعد مراجعتها وتدقيقها من قبل المختصين في الأمانة العامة، ثم إعداد التقارير وتعميمها على الدول الأعضاء. وقد خضعت دول المجلس للمرة الأولى لعمليات التقييم المشترك خلال الفترة من 2001 ــــ 2004م في الجولة الثانية لعمليات التقييم المشترك التي أجرتها المجموعة المالية. وقد أشادت المجموعة بجهود دول المجلس في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتحقيقها لدرجات الالتزام بالإجراءات المطبقة في هذا المجال.

وفي 30 نوفمبر 2004م، عقد اجتماع وزاري في المنامة بمملكة البحرين، حيث اجتمعت 14 دولة عربية بما فيها دول المجلس، بعد إدراكها للمخاطر المرتبطة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن هذه المخاطر لا يمكن مواجهتها بطريقة فعالة إلا من خلال التعاون بين دول المنطقة والعمل سويًا بإنشاء نظام فعال تنفيذه طبقًا لقيمها الثقافية الخاصة وأطرها الدستورية ونظمها القانونية، وبالتالي انبثق الاجتماع عن إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF) من أجل مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتعتبر مجموعة المينافاتف إحدى ثمان لجان إقليمية على مستوى العالم تقوم بدور مشابه ومساند لمجموعة العمل المالي الفاتف فيما يتعلق بالتزام دول المنطقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقد ارتفع الأعضاء إلى 21 عضو و16 جهة بصفة مراقب. ومجموعة المينافاتف هي ذات طبيعة طوعية تعاونية مستقلة، وتستضيف مملكة البحرين مقر الأمانة العامة لهذه المجموعة، بينما تتمتع الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية صفة عضو مراقب في المجموعة. وتعمل الدول الأعضاء في المجموعة على تبني وتنفيذ التوصيات الأربعين الصادرة عن المجموعة المالية الفاتف وتنفيذ معاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والتعاون فيما بينها لتعزيز الالتزام بالمعايير الدولية والعمل المشترك لتحديد الموضوعات المرتبطة بعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ذات الطبيعة الإقليميّة وتبادل الخبرات بشأنها وتطوير الحلول للتعامل معها واتخاذ التدابير اللازمة لمكافحتها. وتقضي مذكرة التفاهم الخاصة بالمجموعة بأن ينظم الاجتماع العام برنامجًا مستمرًا للتقييم المتبادل بالتعاون مع سكرتارية المجموعة ويوافق جميع الأعضاء على الاشتراك في هذا البرنامج، ثم بعد ذلك تقوم المجموعة بمتابعة الدول الأعضاء التي خضعت لبرنامج التقييم المشترك. وفي جولات التقييم المشترك تم تقييم دول المجلس كعملية مشتركة بين اللجنة المالية ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد أثنت المينافاتف على الدور التي تقوم به دول المجلس في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتوفيرها لدرجات التقيد بالتدابير المعمول بها في هذا الشأن.

من جانب آخر، فإن خمس دول من دول المجلس (الإمارات، البحرين، السعودية، قطر، الكويت)، أعضاء في مجموعة إيجمونت لوحدات المعلومات والتحريات المالية (The Egmont Group of Financial Intelligence Units)، وقد التزمت هذه الدول بجميع معايير الإيجمونت للانضمام كعضو في المجموعة.  ومن المؤمل أن تنضم سـلطنة عُمان إلى المجموعة في المستقبل القريب. وتعتبر مجوعة الاجمونت التي تأسست في عام 1995م، ومقرها في كندا، المنظمة الدولية المسؤولة عن تسهيل تبادل المعلومات الاستخبارية بين وحدات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. حيث تهدف المنظمة لتعزيز التواصل والتفاعل بين وحدات التحريات المالية حول العالم من خلال عقد اجتماعات منتظمة وتبادل المعلومات وتوفير المساعدة غير الرسمية والتدريب وتبادل الخبرات في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والجرائم المالية الأخرى. وتشارك الأمانة العامة لمجلس التعاون بشكل فعال في الاجتماع السنوي العام لمجموعة إيجمونت بصفة عضو مراقب (Observer) اعتبارًا من الاجتماع العام السابع عشر الذي عقد في دولة قطر عام 2009م. وتتيح عضوية دول المجلس في هذه المنظمة، تبادل المعلومات الاستخباراتية حول جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب مع أكثر من 159 وحدة نظيرة حول العالم، كما وتسهل تدفق المعلومات وبناء القدرات والكفاءة على المستوى التشغيلي في ميدان المكافحة وتعقب وتتبع الأموال والمتحصلات الجرمية والمساهمة في عملية استردادها على المستوى الدولي. وتأتي عضوية دول المجلس في إطار الجهود الخليجية لتعزيز دورها في مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب على المستوى الدولي، واستجابة لنتائج عملية التقييم الخليجي للمخاطر.

وفي 20 أغسطس 2017م، بدأت السعودية في تأسيس مركز خليجي -أمريكي الخاص بمكافحة تمويل الإرهاب والذي سوف يختص بمراقبة التحويلات المالية الصادرة أو الواردة من وإلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتبادل المعلومات المشتركة بهذا الشأن والذي سوف يكون مقره الرياض، وذلك في أولى خطوات تنفيذ توصيات القمة الخليجية الأميركية الثالثة التي عقدت في الرياض في مايو 2017م، حيث أن القمة قد توصلت إلى صيغة مشتركة بين الطرفين لمحاصرة تمويل الإرهاب، وذلك عبر الإعلان عن اتفاقية مشتركة تفضي إلى إنشاء مركز متخصص بهذا الشأن. واختيار الرياض كمقر لإقامة المركز لم يأتي إلا بسبب الجهود التي تبذلها المملكة في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

السعودية والتتويج بعضوية مجموعة العمل المـــالي (FATF)

وافقت السعودية على تطبيق التوصيـات الصـادرة عن مجموعة الـ (FATF) منذ عام 1990م، حيث كانت تشارك في اجتماعات الـ "مجموعة " بصفتها عضو في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وتلتزم بتطبيق جميع المعايير الدولية في هذا المجال وتخضع إلى التقييم الدوري. وقد خضعت السعودية لـ 3 تقييمات في 2004، 2010، و2018م، وقد اجتازتهما بدرجات امتثال مرتفعة واحتلت صدارة ترتيب الدول العربية وأحد المراكز العشرة الأولى في الترتيب العام لـ(G20). وفي عام 2014م، أدركت المجموعة أن هناك جهودًا متميزة تقوم بها المملكة، حيث وصلتها دعوة للانضمام للمجموعة. وفي شهر يونيو 2015م، أصدرت المجموعة خلال اجتماعها الذي عُقد في مدينة بريزبن في أستراليا، قرارًا بالإجماع يقضي بالموافقة على منح السعودية مقعد مراقب في المجموعة تمهيدًا لحصولها على العضوية الكاملة وفقًا لسياسات وإجراءات العمل الداخلية للانضمام إلى المجموعة. وجاء هذا القرار عقب الاستماع إلى نتائج تقرير الزيارة الميدانية التي قام بها وفد رفيع المستوى من المجموعة للمملكة خلال الفترة 1-4 يونيو 2015م، حيث أشاد خلالها الفريق بدور المملكة البارز في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح من خلال برنامج متكامل تشارك فيه جميع السلطات المعنية في المملكة. وفي يونيو الماضي (2019م) خلال الاجتماع العام الذي عقد في مدينة أورلاندو بالولايات المتحدة الأميركية، وافقت المجموعة على منح السعودية مقعد عضو كامل لديها كأول دولة عربية تحصل على هذه العضوية. وتعتبر عضوية المملكة في الفاتف هي المكان الطبيعي لها في هذه المجموعة لأن المملكة عضو في مجموعة العشرين ولديها مقاعد مستقلة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كما يعتبر انضمام السعودية للعضوية الكاملة في المجموعة اعترافًا دوليًا بدور المملكة في مواجهة الإرهاب وعمليات التمويل التي تصل إليه عبر غسيل الأموال. وهو رد واضح وصريح لكل الاتهامات بتساهل المملكة في قضية مكافحة تمويل الإرهاب وغسل الأموال. ويثبت كذلك براءة المؤسسات المالية بالمملكة من أي أموال تسرب لكي تستخدم لدعم المجموعات الخارجة عن القانون. كما إن انضمام المملكة أيضًا اتخذ بالإجماع وبموافقة دول ‫المفوضية الأوروبية مما يعتبر نقضًا عمليًا لاقتراح المفوضية السابق بإدراج ‫السعودية على قائمة سوداء للدول التي يشتبه في تهاونها مع تمويل الإرهاب وغسل الأموال. وبالتالي يأتي انضمام السعودية للمجموعة ليتوج كل الجهود الذي تبذلها السعودية لتجفيف منابع الإرهاب ومصادره، الذي أصبح يشكل هاجس ومصدر قلق عالمي، ويؤثر على أمن واستقرار النظام المالي، وذلك من خلالحرصها الوثيق على التعاون مع مختلف الأطراف والمنظمات الإقليمية والدولية الأمر الذي جعلها تتبوأ مركزًا متقدمًا في هذا الشأن. كما أنه يأتي انسجامًا مع الرؤية السعودية بتحويل المملكة إلى مركز مالي وتجاري عالمي.

مجموعة الـ " FATF" بين السعودية وإيران

هناك مثل انجليزي يقول صوت الأفعال أعلى من صوت الكلمات. ففي نفس الاجتماع الدوري لمجموعة العمل المالي الدولية (FATF) الذي عقد في يونيو الماضي (2019م) في أورلاندو بولاية فلوريدا، والذي وافق بالإجماع على منح السعودية مقعد عضو كامل لديها كأول دولة عربية تحصل على هذه العضوية، اعترافًا بدورها البارز في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، في المقابل وافقت المجموعة على تشديد الرقابة على المؤسسات المالية الإيرانية بسبب مواصلة طهران لأنشطة تمويل الإرهاب. كما حذرت المجموعة من أنها ستعيد فرض تدابير مضادة على إيران إذا لم تسن اتفاقيات باليرمو ومكافحة تمويل الإرهاب بما يتماشى مع معايير FATF بحلول أكتوبر القادم.

فإيران لا تزال رغم إنكارها ومراوغتها تلعب دورًا مركزيًا في تسخين المنطقة عبر تمويل الإرهاب. فمن خلال عمليات غسيل الأموال بمليارات الدولارات عن طريق شركات وهمية تمتد من الشرق الأوسط والقوقاز حتى كوريا الجنوبية وبحر الكاريبي، استطاعت إيران خلال السنوات الماضية أن تلتف على العقوبات المفروضة عليها وتنفق مليارات الدولارات سنويًا على التنظيمات الإرهابية في المنطقة، بمن فيهم المليشيات المسلحة في العراق وسوريا واليمن ولبنان وقطاع غزة وغيرها، حتى تحولت المنطقة إلى صفيح ساخن ومستنقع من الدماء والدمار. ففي عام 2016م، حدد مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال الذي يصدره معهد بازل للحوكمة، إيران كأعلى بلد في العالم من ناحية مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث حلت للعام الثالث على التوالي في المرتبة الأولى عالميًا من بين 149 بلدًا شملتها الدراسة الاستقصائية المتخصصة في رصد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

في سبتمبر عام (2016م) وقعت حكومة روحاني على الاتفاقية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب FATF، وقد حددت المنظمة مهلة 12 شهرًا لإيران لتغيير سلوكها وأنه في حال انتهاك بنود القرار ستصنف في قائمة الدول الداعمة للإرهاب. اشتعلت على إثر توقيع الاتفاقية حرب داخلية ضروس بين معسكر الحكومة من جهة والحرس الثوري والجماعات السياسية المنتفعة من دعم الحرس الثوري لها من جهة أخرى، لان التوقيع سوف يحد من أنشطة الحرس الثوري الاقتصادية وكذلك أنشطته الخارجية التي تعتمد على غسيل الأموال لتمويل عملياته خارج الحدود، وكذلك تمويل التدخل العسكري الإيراني في سوريا والعراق واليمن ودعم الجماعات والميليشيات التابعة لطهران في المنطقة والعالم. إلا أن حاجة الحكومة لدعم الاقتصاد جعلها مضطرة للتوقيع لرفع العقوبات المصرفية والتحويلات المالية المفروضة على إيران، وكذلك فتح الباب أمام بدء التحويلات المالية التي مازالت مجمّدة بين المصارف الإيرانية والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية. وبعد ان استهدفت بنود الاتفاقية التعاملات المشبوهة لبعض الشخصيات المقربة من أعلى هرم النظام وقيادات ومؤسسات الحرس الثوري بالبنوك الإيرانية، عملت قيادات الحرس والجماعات الموالية لها على تجميد بنود القرار والتحايل عليه. وبعد مرور سنة من التوقيع وانتهاء المهلة المحددة، أي في يوليو 2017م، خرج بيان مجموعة الفاتف، محذرًا من التعامل المالي مع إيران بسبب تورطها في غسيل الأموال لدعم الإرهاب، وأنها لم تتخذ التدابير الكافية لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وطالب البيان الدول الأعضاء بتقديم المشورة لمؤسساتها المالية للتدقيق في أي معاملات مع إيران بعناية. وقد تمكنت حكومة روحاني أكثر من ثلاث مرات بالحصول على مهلة من مجموعة الـ فاتف كان آخرها في أكتوبر. ولا اعتقد أن إيران سوف تلتزم بالاتفاقية وخاصة بعد التصعيد الأمريكي ضد إيران وفرض العقوبات وتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. وبالتالي باعتراف دولي وبتقارير المنظمات الدولية نحن أمام نموذجين في المنطقة النموذج السعودي الذي أصبح الزعيم الإقليمي الهام في جهود مكافحة الإرهاب وتمويله، والنموذج الإيراني الذي ما زال مستمر في تمويل الإرهاب ويحتل صدارة الدول الراعية للإرهاب. وعليه فإن على المجتمع الدولي مسؤولية دعم السعودية ومشروعها في دعم الاستقرار في المنطقة، وتشديد الحصار على إيران من خلال اتخاذ مواقف أكثر حزمًا للتصدي لسلوكها الخبيث وتجفيف منابع تمويلها للتنظيمات الإرهابية. لان إيران لن تتوقف من عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب حتى يتغير منهج النظام السياسي ونمط سياسته الخارجية، فتمويل إيران للإرهاب قائم ومستمر.

 

السعودية ترأس مجموعة عمل مكافحة تمويل تنظيم داعش (CIFG).

يعد التمويل أحد الأعمدة الرئيسية في بناء وهيكلة الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وتنظيم داعش الإرهابي انتهج استراتيجية رئيسة منذ قيامه وهي أن المال قبل القتال. وبالتالي سعى للحصول على المال بكل الطرق ويقدر المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، الإيرادات السنوية لتنظيم داعش ما بين 870 مليون دولار إلى 1.9 مليار دولار بين عامي 2014 و2016م، وقد تنوعت مصادر تمويل "داعش" تجارة الآثار والمقتنيات الضرائب وعمليات المصادرة والابتزاز. إلا أن أبرزها كانت تجارة النفط.فمنذ ظهوره في العراق وسوريا سعى التنظيم جاهدًا إلى السيطرة على منابع النفط. يذكر مؤلف كتاب "مال الإرهاب – تحقيق حول الإتجارات التي تمول الإرهاب"، دينيس بولار، وهو صحفي مستقل، وفابيان بيليو، من صحيفة "لا تريبون" الفرنسية. انه في عام 2015 كان هناك 160 بئرًا كانت تضخ النفط في سوريا لداعش، وهو ما يدر على التنظيم المتشدد دخلاً يوميًا يقدر بنحو 1.4 مليون يورو. وقد قدرت إدارة مكافحة تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأميركية أن عائدات داعش من تصدير النفط كانت تبلغ نحو 500 مليون دولار سنويًا بين عامي 2014 و2015م، فالنفط هو إحدى الوسائل الأساسية لهذا التنظيم كي يمول ذاتيا ويكون قادرًا على توسيع نطاق عملياته دون الاعتماد على أي تمويل خارجي.  أما تجارة الآثار، فقد قدرت الحكومة العراقية قيمة تجارة الآثار والمقتنيات الفنية المسروقة من الموصل وأماكن أخرى في العراق بنحو 100 مليون دولار سنويًا وغيرها من المصادر.

وقد بذلت الدول جهود كبيرة لمحاولة قطع مصادر تمويل تنظيم داعش سواء بشكل منفرد أو بمشاركة دول عدة. من أبرز الأمثلة على ذلك هو تأسيس مجموعة عمل مكافحة تمويل تنظيم داعش (CIFG). أنشأت المجموعة في يناير 2015م كأحد المكونات الرئيسة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والتي تقضي مهمتها بتعطيل مصادر عائدات التنظيم وقدرته على نقل واستخدام الأموال لشن حملته الإرهابية. يرأس هذه المجموعة واجتماعاتها كلا من السعودية، الولايات المتحدة وإيطاليا وبمشاركة ممثلين عن 26 دولة ومنظمات متعددة الأطراف. عقدت المجموعة منذ إنشائها عدة اجتماعات. كان الاجتماع الأول في روما في مارس عام 2015م، الذي أعلن فيه أعضاء المجموعة (CIFG) خطة عمل لهذا الغرض والتي ركزت على أربعة أمور رئيسية: 1-منع استخدام التنظيم للنظام المالي العالمي 2-مكافحة الابتزاز واستغلاله للأصول والموارد الاقتصادية 3-منع التمويل الخارجي 4-منع التنظيم من تقديم الدعم المالي أو المادي إلى المنتمين له. وفي جدة بالمملكة العربية السعودية عقد اجتماع آخر خلال شهر مايو من نفس العام ركز المجتمعون على رفض دفع الفدية مقابل اختطاف الضحايا بهدف حرمان تنظيم داعشمن عائدات هذا المصدر. وفي واشنطن عقد اجتماع ثالث من نفس العام شهد فيه إطلاق أربع مجموعات فرعية تختص بمشروعات موجهة نحو دراسة التدفقات المالية غير المشروعة عبر الحدود لتنظيم داعش، وتهريب النفط، والروابط المالية مع المنتمين للتنظيم، ونهب وبيع الآثار. وفي شهر فبراير 2016م، عقد اجتماع مشترك تاريخي مع منظمة الفاتف ومجموعة إيغمونت لوحدات الاستخبارات المالية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي لتطوير فهم أكبر داخل المجتمع الدولي لكيفية قيام تنظيم داعش لرفع الأموال وتحويلها ودراسة التدابير التي يمكن اتخاذها ضده. وقد توالت الاجتماعات من أجل استهداف العصب المالي لتنظيم داعش وخنقه اقتصاديا والقضاء عليه.

وبالتالي فالسعودية بترأسها لهذه المجموعة وعضوية بقية دول المجلس يتجلى الالتزام بتعقب مصادر تمويل الحركات الإرهابية، وأن دول المجلس، بالتعاون مع الدول والمنظمات المتخصصة في هذا المجال نجحت في تفكيك عدد من هذه المصادر. لكن يظل تعقب مصادر تمويل الحركات الإرهابية وفق برنامج زمني محدد وتطوير أدوات التعقب، التحدي الأكبر لدى الدول مما يستلزم تعاون جميع الدول في هذا المجال للوصول إلى التصدي لجميع أشكال التمويل والتي هي بدورها متجدده، التي تمنح الإرهابيين الوسائل لتنفيذ اعتداءاتهم الإرهابية وإمداد شبكاتهم في جميع أنحاء العالم وبث ايديولوجيتهم المتطرفة من خلال الدعاية.

إن التطور الكبير في التكنولوجيا الحديثة ونظم المعلومات والتحرر المالي في الدول، أثر بشكل كبير في توسع وانتشار عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما كان لها انعكاس وتأثير كبير في حماية النظام المالي العالمي. وتعمل دول المجلس دون كلل أو ملل لمكافحة هذه الآفة، وتجري استكمال جهودها من خلال آليات مجموعة الفاتف أو المينافاتف أو مجموعة الإيجمونت أو غيرها من المنظمات المتخصصة في هذا المجال بهدف حماية أمنها واستقرارها ورفاهية شعوبها في المقدمة ثم حماية النظام المالي العالمي من خطر عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. وهناك ضرورة إلى تكاتف دولي إذا أريد لهذه الآليات أن تواصل العمل بأكبر قدر من الفعالية على مستوى كافة الدول.

مجلة آراء حول الخليج