array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 141

دول الخليج والمواجهة الأمريكية – الإيرانية : السيناريوهات المحتملة والخطط المطلوبة

الإثنين، 09 أيلول/سبتمبر 2019

تحميل    ملف الدراسة

في الأمور السياسية لا شيئ يتكرر بنفس النمط والمقدار، وإن تشابه، وخاصة في العلاقات الدولية التي هي بطبعها متغيرة بتغير الأشخاص والظروف والمواقف والمصالح. فأمام أسئلة صعبة كالتي تطرح في هذا المحور لمجلة (آراء حول الخليج) والتي تدور حول ما الذي سوف تنتهي إليه المواجهة بين إيران من جهة و الولايات المتحدة من جهة وربما يعض القوى الغربية ؟ وأين تقف دول الخليج حيال تلك المواجهة الباردة أو المتحولة إلى ساخنة؟ فمن الصعب القطع بقول نهائي، إلا أن القادم في هذه المطالعة هو محاولة لقراءة الاحتمالات من خلال سبر التاريخ الماضي و اتصاله بالأحداث العالمية والإقليمية الكبرى .

المتابع يلاحظ أن هناك تحولات لافته في موقف الدول الكبرى ( وهنا في الأساس الولايات المتحدة) واقترابها من المشكلات العالمية ومنها بالطبع ( الملف الإيراني) لقد حاولت إدارة السيد باراك أوباما [1]الوصول إلى نتيجة ما في هذا الملف، واقتصرت أولوياتها على ( الملف النووي) وبعد جهد دبلوماسي كبير ، مع دول أخرى ( أي ما عُرف بالخمسة زائد واحد) توصلت الأطراف إلى اتفاق يؤخر المشكلة ولا يقوم بحلها ، أي إعطاء النظام الإيراني فرصة زمنية يوقف أثنائها ( التخصيب ) المُضر !، إن صح التعبير ، في مقابل الكثير من الامتيازات الاقتصادية و الدبلوماسية والجيوسياسية، الأمر الذي لم يكن مقبولاً لدى قطاع آخر من صناع السياسة الأمريكية، وقد جاء السيد دونالد ترمب ليقلب ذلك الاتفاق رأسًا على عقب، ويعيد الملف الحرج إلى الصفحة الأولى [2]، على الرغم من عدم رضاء من قبل قوى أوروبية صديقة للولايات المتحدة . القوى الخليجية أو الفاعلة منها كانت تنظر إلى اتفاق ( 5+1) بريبة، فهي لم تكن طرفًا ولم تدعى إلى المفاوضات [3] ، كما أن القوى المفاوضة لإيران طول تلك الفترة التي سبقت الوصول إلى اتفاق ( يوليو 2015م) لم تهتم كثيرًا بمناقشة المخاوف الخليجية و العربية، وهي الدول المحاذية و المجاورة لإيران، حيث أن أولوية تلك الدول هي ( مخاطر التمدد الإيراني في الجوار) سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان و المناوشات التي تفتعلها إيران مع الدول المجاورة من خلال تجنيد بعض مواطني تلك الدول من أجل الاخلال بأمنها . تلك الهواجس والمخاوف لم تكن بحسبان الدول التي فاوضت إيران وربما كان آخرهمها . على تلك الخلفية تم بناء مسرح عمليات المواجهة التي تتطور بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، وبين إيران من جهة أخرى، وهي مواجهة متحركة وتحمل مخاطرها الكبرى على الإقليم وتتشابك فيها مصالح دولية وإقليمية وتحتمل عدد من السيناريوهات .

السيناريو الأمريكي:

في سبتمبر 1901م، خاطب وقتها نائب الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت جمعًا من مؤيديه مبشرًا بالسياسية التي يعتنقها فقال تعبيرًا أصبح مشهورًا في التاريخ الأمريكي الحديث حيث قال: ( تحدث بلين واحمل عصى غليظة .. فالطريق أمامك طويل )... وقتها كانت القوة العسكرية الأمريكية محدودة، بعد ذلك الخطاب بأيام قتل رئيس الولايات المتحدة وليم ماكنلي ( الرئيس الخامس والعشرون ) و جاء روزفلت ( الرئيس السادس والعشرون ) إلى البيت الأبيض ، قام روزفلت بتطبيق ما دعى إليه جمهوره ( العصى الغليظة) [4]و طفق يُحدث المؤسسة العسكرية الأمريكية عددًا وعُدة، ومن المصادفة أن شعاره كان ( أمريكا عظيمة) نفس الشعار الذي تبناه السيد دونالد ترمب، الرئيس الخامس والأربعون ولكن بعد ذلك التصريح المشهور تقريبًا بقرن وبضع سنين . القرن الذي بدا تقريبًا برئاسة الرئيس روزفلت و سياسة التوجه إلى بناء القوة العسكرية سمي لاحقًا من مؤرخين كثر بأنه ( القرن الأمريكي) شاركت أمريكا في حوالي عشر حروب كبرى خلاله بما فيها حربان عالميتان، وخسرت على أفضل المصادر توثيقًا أكثر بقليل من 700 ألف قتيل، وحوالي مليون جريح ومعاق [5]، الرقم نفسه أقل بكثير من ضحايا حروب القارة العجوز( اوروبا ) الطويلة أو الامبراطوريات الشرقية، إلا أنه رقما يثير مخاوف لدى الجمهور الأمريكي العام، خاصة إن علمنا أن الهجرات الأولى إلى أمريكا من أوروبا هي هجرات هاربة من الحروب التي تشنها الامبراطوريات الغربية على بعضها طلبًا للتوسع وفيها يفقد ملايين من الضحايا البشرية أرواحهم، و كذلك فرارًا من الاضهاد والظلم، فمن الطبيعي أن يُقيد المشرع الأمريكي في الدستور عملية ( إعلان الحرب) و يجعل ذلك الإعلان شراكة بين الجسم المنتخب من الناس ( الكونجرس) وبين الرئيس المنتخب، ومع ذلك نجد أن الرؤساء الأمريكان أو عددًا ليس بالقليل منهم خاضوا حروبًا رغما عن ذلك التقييد [6] أو تم التحايل عليه كما وثقه كتاب صدر مؤخرًا بعنوان (رؤساء الحرب) [7]. ويصف المؤلف في هذا الكتاب (عمليات) التحايل القانوني التي وفرت لرؤساء أمريكيين شن حروب عديدة دون الموافقة الرسمية والعلنية للكونجرس، دفاعًا عن ما عرف بــ ( المصالح الأمريكية العليا) .

 

المستجد في استخدام القوة الأمريكية :

في العقود القليلة الأخيرة نلاحظ في الفضاء السياسي الأمريكي أمرين: الأول: أن القوة الأمريكية تفقد (زخمها) في العالم، وتتخلى تدريجيًا وبشكل غامض عن كلٍّ من القيم الديمقراطية العميقة التي نشأت عليها واستطاعت تسويقها على مدى قرن وأكثر، و(الثاني) أنها تتخلى عن الدفاع عن منظومة الاستقرار العالمي. يمكن فهم السياسة الترمبية الحالية إنها محصلة معادلة (عدم الكفاءة في استخدام القوة الخشنة في العقود الأخيرة، والنقص الفاضح في استخدام القوة الناعمة)، وترمب هو التجسيد الأكثر وضوحًا لها ولكنه لم يصنعها وحده، فقد تكونت تلك المعادلة بمرور أكثر من عقد نتيجة التحديات العالمية، تحديات اليوم تتفوق على ما سبقها.

أمام الولايات المتحدة اليوم على الأقل أربعة من التحديات الكبرى: أولها اضطراد نمو الصين كقوة اقتصادية عظمى والتي سرعان ما سوف تتحول إلى سياسية، وثانيها حركات العنف ذات المتكأ الإسلامي من بوكوحرام إلى داعش مرورًا بإيران وأفغانستان ومشابهاتها، وثالثها السباق في الفضاء الخارجي، والرابع معارك الفضاء الإلكتروني متزايد الخطورة. عدا الإعلان الغامض عن (حرب الإرهاب) والضغط الاقتصادي الأكثر غموضًا على الصين، لا يبدو أن إدارة ترمب لديها وضوح في كيفية مواجهة التحديات الأخرى[8]. الأساس في عدم القدرة على مواجهة هذه التحديات أن الولايات المتحدة منذ فترة ليست قصيرة غير قادرة أو ربما غير راغبة في استخدام (القوة الخشنة)، و هذه الحقيقة ليست خاصة بالإدارة الحالية، فقد عانى من قبلها من الأمر نفسه بسبب (متلازمة حرب أفغانستان والعراق)، وأيضا بسبب التراث السياسي الأمريكي. لكن هذه المشكلة تهون نسبيًا إذا ما قورنت بالمشكلة الكبرى، وهي أنها لم تعد تحسن استخدام أو إدارة (القوة الناعمة) التي كانت تسمى في وقت ما (القيم الأمريكية العميقة)؛ فحادثتا السفير من جهة والنائبات من جهة أخرى تنبئان عن عدم تسامح وعدم قبول للآخر، وهما من بين عناصر أخرى يفقدان جاذبية القيم الأمريكية الناعمة للجمهور العالمي الأوسع . لقد أخذ السيد ترامب تراجع القوة الأمريكية ( الخشنة والناعمة) إلى صُعد غير مسبوقة ، فهو قد تحدث بخشونه مع حلفاء الولايات المتحدة في منظومة حلف الأطلسي وطالبهم برفع مساهماتهم المادية في ميزانية الحلف، وهدد بوضوح باحتمال تخلي أمريكا عن سياسة ( المظلة) التي اتبعتها بعد الحرب العالمية الثانية لحماية أوروبا نوويًا ، كما تحدث بلغة تنقصها الدبلوماسية مع حلفاء آخرين، إنه لن يقوم بالمساعدة في ضمان أمنهم إلا بعد أن ( يدفعوا) مالا إلى الخزينة الأمريكية في صور شتى [9]، ومن جانب آخر سحب ما تبقى من تأثير للقوة الناعمة التي كانت تجذب تعاطف مجتمعات كثيرة ( للحلم الأمريكي) من جملتها احترام الحريات وقبول المهاجرين والدفاع عن القيم العليا الإنسانية، فهاجم المهاجرين ومنع بشكل كامل الهجرة من بلدان بعينها بعضها جارة لصيقة لأمريكا، كما منع دخول مواطنين لبلدان أخرى هكذا بالمطلق، كل ذلك سحب من رأس المال الأخلاقي للولايات المتحدة وزاد من معارضتها على المستوى الدولي . إن أضفنا إلى ذلك أن النظام الأمريكي الانتخابي نظام يحمل سيولة شديدة، كل أربع سنوات للرئيس وسنتين انتخابات لنصف الكونجرس، مما يقيد الإدارة السياسية من الالتزام بسياسات بعيدة المدى ، ويواجه الرئيس ترامب انتخابات ( 2020م) وهي عادة انتخابات حاسمة للرئيس كونه رئيس لفترة واحدة او فترتين [10] مما يعقد اتخاذ قرارات السلم والحرب، وخاصة الحرب، لأن جمهور ترامب هو في الأغلب في المدن الصغيرة والمتوسطة البيضاء و التي يتوق سكانها إلى تعليم أبنائهم و الحرص على مستقبل آمن لهم لا زجهم في حروب بعيدة . هذا يقيد الإدارة في الاستخدام الفعال للقوة الخشنة .

السيناريو الإيراني :

بعد أربعة عقود من حياة النظام الإيراني القائم ، ويواجه النظام مجموعة من الإشكالات العميقة على المستويين الأيديولوجي و المعاشي، فعلى المستوى الأيديولوجي يدخل النظام في نفق شبه مظلم، حيث أن نظام (ولاية الفقيه )، وهي اختراع غير واقعي جاء به السيد روح الله بن مصطفى الخميني[11] معاكسٌ تمامًا لتاريخ من الاجتهادات الشيعية الإثناعشرية، ومعاكسٌ لخبرة تاريخية من قبل المراجع الشيعية الإثنا عشرية وهي النفور من التدخل في الشؤون السياسية على مر عصور. الأصل في الاجتهاد الشيعي الإثناعشري هو النأي برجال الدين والقائمين على التثقيف الديني الإيماني عن السياسة فيما يعرف بفقه الانتظار، وفقه الانتظار جاء نتيجة تجارب مريرة في الصراع السياسي، انتهت إلى ضرورة انتظار ظهور الإمام الغائب من أجل قيادة الأمة والنأي بالنفس حتى ذلك الوقت عن العمل السياسي المباشر أو غير المباشر باعتبار ذلك منجاة من الفشل سياسيًا ، على أساس أن الشخص العادي - ملكًا أو حاكمًا - يمكن أن يفشل، أما الفقيه فإن فشله السياسي ينسحب على المذهب ككل وعلى الحوزة وتحميلهما وزر ذلك الفشل. في المسيرة التاريخية للمذهب الإثناعشري الإيراني كانت هناك بعض الرخص التي ترخص بها بعض الفقهاء للعمل السياسي غير المباشر، ويذكر لنا التاريخ تجربة الحكم الصفوي عندما قرر إسماعيل الأول في بداية القرن السادس عشر الميلادي أن يحول إيران إلى المذهب الشيعي الإثناعشري، وهدف من ذلك إلى إعطاء الشعوب الإيرانية هوية مخالفة للجوار ومنصة للعداء مع منافسيه العثمانيين السنة، وكانت إمبراطوريتهم في ذلك الوقت هي القطب المنافس لبسط سيطرته في المنطقة . وقتها ظهر ما يمكن أن يسمى (ثنائية الفقيه والسلطان)، أي استعانة السلطان الصفوي على امتداد حكمه وبدرجات مختلفة بالفقيه الشيعي من أجل ترسيخ سلطانه لدى الشعوب التي سيطرت عليها الإمبراطورية الفارسية، ولكن الفقيه الصفوي لم يجرؤ على أن يكون ذا سلطان سياسي مطلق، بل إن بعض الفقهاء الذين استعانت بهم الدولة الصفوية اختلفت معهم هذه الدولة وهمشتهم في وقت أو آخر. وفي بداية القرن العشرين يظهر لنا شكلٌ آخر من انخراط الفقيه الإثناعشري في السياسة، هذه المرة من خلال الفقيه الليبرالي الذي حث على المضي في حركة (المشروطية) ، وتشجيع المطالبة بالتمثيل الشعبي بين عامي 1905 – 1907م، وتعرف بالثورة الدستورية، التي أدت إلى قيام برلمان شارك فيه بعض الفقهاء، ولكنهم لم يقربوا الحكم المباشر، كان دورهم تحريضيًا. وتبنى عددٌ ليس بالقليل منهم أفكارًا ليبرالية مماثلة لتلك الأفكار السائدة في غرب القارة الأوروبية في تلك الفترة من الزمن، سميت تجربتهم تاريخيًا بالليبرالية المؤمنة. عاد من جديد النظام الحاكم في ايران لاستخدام الفقيه الإثناعشري في ستينيات القرن العشرين فيما عرف بثورة محمد مصدق الوطنية، ولكنه كان استخدامًا سلبيًا، فقد حرض الفقهاء العامة وقتذاك على حكومة محمد مصدق بذريعة أنها (تحمل الأفكار الشيوعية)، وعلى هذا الأساس _ وليس من دون دعم غربي _ أطيح بثورة مصدق التحديثية.

في كل المراحل السابقة كان الفقيه يقوم بدور (السَنيد) للعمل السياسي الإيجابي أو السلبي، ويُستخدم لتعبئة تعاطف العامة عند الضرورة من أجل نصرة هذا أو ذاك من المشروعات السياسية . وكان ذلك منسجمًا مع الفكر التقليدي الإثناعشري من ناحية عدم التورط في حمل العبء السياسي المباشر، وانتظار عودة المعصوم؛ حيث إن إقامة الدولة في زمن الغيبة افتئات على المعصوم؛ لأنه وحده فقط المناط به إقامة الدولة؛ لأن أحد شروط إقامة الدولة في الفقه الإثناعشري هو جلوس المعصوم على رأسها أما الفقيه الإثناعشري المتقدم ( المرجع) ، هو إمام الدعوة على أكثر تقدير لا إمام الدولة. سار الأمر في معظم تاريخ المذهب الإثناعشري على القطيعة النسبية بين الدولة وبين الفقيه، أو التعاون في أحسن الأحوال تحت شروط محددة، كما حرصت كل أشكال الدولة الإيرانية منذ الصفويين ومنها الحديثة على أن تسترضي الفقيه وتقدم له الامتيازات الخاصة بالحوزة والتعليم الديني على شرط أن يقابلها بالولاء أو على الأقل عدم التحريض ضدها، وكان ذلك حتى عصر الشاه الأخير محمد رضاء بهلوي. في وقت ما ليس ببعيد قبل الثورة الإيرانية الأخيرة، بقيت الحوزة الرسمية الشيعية ضد فكرة التدخل في السياسة، بل وصل بعضها حتى إلى نفي فكرة وجود (دستور حديث للدولة)، والأغلب أن الحوزة كانت ترفض قراءة بعض المجتهدين لمشاركة الفقيه في السياسة أو الاشتراك في الحكم، حتى مساعدي الخميني من الليبرالين كانو تحت قناعة أن الخميني يقوم بالحشد و لكن نحن نحكم !. القفزة التي فارقت كل ذلك التاريخ هو ما جاء به السيد الخميني، فقدم فكرة (ولاية الفقيه)، التي سار بها البعض نتيجة ظروف تاريخية معقدة ولكنها مشروطة بما عرفه بعضهم بـ (شورى الفقهاء)، ومع ترسخ سلطة الخميني وعدد من الأحداث العسكرية والسياسية [12]تحول الأمر في ولاية الفقية من شورى الفقهاء إلى ولاية الفقيه المطلقة، وإمساكه بزمام السلطة المادية (المال والعسكر) والروحية، فتراجعت ثم تنحت فكرة (ولاية الأمة على نفسها) وغيرت بعض نصوص الدستور الأول إلى حكم مطلق، وهمش كلا الاجتهاديين المشاركة أو المشروطية وتحول النظام الإيراني - كما يظهر ويمارس اليوم - إلى نظام استبدادي وشخصاني مطلق، استخدم سلطان الترهيب الذي يقود إلى الخوف ثم الصمت للسيطرة الكلية و الشاملة مما نتج عنه فداحة في التعدي على الحقوق البسيطة للمواطن في إيران، لقد خلق بعض رجال الدين ( الغول) واستعصى عليهم ترويضه .

المشروع الإيراني السياسي القائم على (ولاية الفقيه) لم يستطع كما هو متوقع أن يقدم نموذجًا تنمويًا حديثًا، فكان لا بد من خلق ما يعرف ب ( الثورة الدائمة) أي إشغال الشعوب الإيرانية بسياسة خارجية تحقق طموحات غامضة في إقامة (الدولة الأمة ) أي أن إيران الإسلامية مسؤولة عن كل المسلمين ( المستضعفين) في كل الدول ومنها بالطبع العربية المجاورة وسبيلها إلى ذلك القضاء على الدولة المدنية في سبيل إقامة ( دولة الأمة) ذات الصيغة الشيعية فإيران الإسلامية لا تعترف بـ ( الدولة الوطنية) مشروعها هو الدولة الدينية التي لا تعترف بالجغرافيا بل تسعى إلى تقويض الدولة الوطنية وإحلال قوى وفصائل (مذهبية أو دينية) تدين لإيران بالولاء السياسي، وهي تفعل ذلك من خلال تطويق دول الخليج من الشمال (العراق وسوريا) ومن الجنوب ( الحوثي في اليمن) وتتحالف ولو بشكل غير علني مع المشروع ( الإخواني) بقيادة النظام التركي، الذي لا يعترف أيضًا بالحدود الجغرافية للدولة الحديثة. وأصبح الوعي السياسي في الإقليم في مفترق طرق نتيجة الهجوم الإعلامي المنظم على الدولة المدنية الوطنية، لذلك فإن هناك جهودًا ( إيرانية \تركية) للإخلال بتوازن القوى في المنطقة وخلق فراغ تقفز فيه مصالح الثنائي الإيراني التركي إلى المقدمة. في المقابل يكافح المشروع السياسي الآخر ( الدولة الوطنية) على رأسها المملكة العربية السعودية ومصر و دولة الإمارات لترسيخ فكرة الدولة بمعناها الحديث، وتطالب المشروع الإيراني باحترام الجغرافيا، إلا أن إيران لو انصاعت إلى ذلك الاحترام لفقدت أساس وجودها، حيث أفلست سياسيًا في الداخل و قلصت نفوذها في الخارج، و النفوذ الخارجي هو التعويض النفسي للجماهير الإيرانية ،وتخرج ذلك التعويض تحت شعارات مختلفة منها بالطبع ( المستضعفين) ومنها ( محاربة إسرائيل)!

تلك الطبيعة الصراعية في المنطقة بين التوسع والدولة الأمة و بين الدولة الوطنية الحديثة لا تفهمه حق فهمه الإدارة الأمريكية أو ربما تفهمه ولكن ليس لديها الكثير ( غير العقوبات الاقتصادية) وأحسن تعبير على سياسيتها الحالية تجاه ذلك الصراع أنها تجلس على يدها siting on its hand !    في انتظار إما موافقة إيرانية على التفاوض أو هبة شعبية داخلية في إيران وهي احتمالات مفتوحة، ولا تكلف الإدارة إلا الحد الأدنى من الموارد، وتبقى حالة الاستنزاف للموارد في المنطقة مستمرة !

سيناريوهات الصراع :

العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران هي عقوبات صارمة و تضر بالاقتصاد و المجتمع الإيراني ، إلا أن العقوبات مهما كانت شديدة فإن أي دولة تخترقها تصبح بمثابة ( الثقب الأسود) في جدار تلك العقوبات، فإيران رغم الضنك الاقتصادي الشديد الذي أصيبت به جراء تلك العقوبات تستطيع أن تتعايش معها، في نفس الوقت يمكن أن (تزعج ) الولايات المتحدة و خاصة حلفاؤها من خلال اصطناع أزمات (موضعية)[13] كلامية وعملية، كمثل اختطاف السفينة البريطانية بشكل ( درامي ) [14] حيث يتاح للجمهور الإيراني الشعور بالتفوق من خلال مشاهدة تلك العملية البهلوانية، وأيضًا التهديد الدائم بإغلاق مضيق هرمز أو العبث بأمن مضيق باب المندب على فم البحر الأحمر الجنوبي، كما تقوم باستنهاض بعض من ( خلاياها النشيطة) في كل من العراق و اليمن أو لبنان أو النائمة في بلاد مجاورة أخرى للإخلال بالأمن الوطني [15] كما تتوجه إلى تفعيل نشاط دبلوماسي مع دول كبيرة ومتوسطة في آسيا وأوروبا وآسيا الوسطى و أمريكا اللاتينية . في المقابل فإن الولايات المتحدة غير حاسمة في سياسيتها النهائية تجاه ذلك المحور ، وهي ترسل رسائل متناقضة وتسعى لتحقيق أكبر قدر من الارباح الممكنة، ما يهمها في الأساس ( لأسباب أمريكية داخلية) هي عدم حصول إيران على القنبلة النووية لان ذلك يهدد أمن إسرائيل ، بقية الأمور قابلة للتفاوض من وجهة نظر الإدارة الحالية .

مستقبل المشهد السائد في المنطقة

هناك عدد من المحاور في المنطقة الأول هو الطوق الذي ترغب إيران و تركيا فرضه ،مع حلفاء محليين على صلب الدولة الخليجية ( الدولة الوطنية)، خاصة المملكة العربية السعودية، وهناك محور مقاوم يتكون من المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات و مصر مع عدد من الحلفاء، المحور الأول يسعى جاهدًا لبث بروبوجندا تتخطى الدولة الوطنية، والمحور الثاني يحاول أن يبني تلك الدولة الوطنية، المحوران في حال صدام مستقبلي، إلا أن قصور الفهم الأمريكي للمخاطر ، وهي في الأساس تقويض الدولة الوطنية لصالح أيدلوجيا متشددة وعابرة للجغرافيا، غياب هذا الفهم يوصلنا إلى الموقف المتجمد في الصراع الحالي في المنطقة. في غياب احتمال استخدام ( القوة الخشنة) فمآل الصراع هو ضعف أو تفوق أحد المحورين على الآخر بالضربة السياسية القاضية، وهي في تقدير الكاتب أن تقوم دول الجغرافيا بخلق النموذج الاقتصادي و الاجتماعي البديل والحديث، وتجعل من مشروعها جاذبًا للتأييد ليس من جمهورها فقط ولكن من الجمهور العام في الشرق الأوسط وخاصة الجمهور الإيراني، ذلك يحتاج إلى خطط واعية وتعبئة الموارد المالية و البشرية والأهم وجود الإرادة السياسية واضحة الأهداف !

 

 

 

 

 

 

[1]الرئيس الامريكي الرابع والاربعون 2009 \2017

[2]في 8 مايو 2018 اعلنت الولايات المتحدة خروجها من لاتفاق اللنووي مع ايران .

[3]في حين ان المفاوضات مع كوريا الشمالية  حول ملفها الننووي دعيت اليها دول الجوار ( اليابان و كوريا الجنوبية)

[4]في دارسة مفصلة في كتاب The big Stick    صدر عام 2016   لايلويوت كوهين يتحدث عن حدودو القوة الناعمة الامريكية وحتمية القوة العسكرية

[5] كان اقل عدد القتلى في حرب امريكية هي حرب تحرير الكويت حيث قتل في المعركة 219 عدد ليس قليل منهم بسبب ( نيران صديقة)!

[6]لقد وثق هذا الموضوع بشكل واسع السيد مايكل دستلوز ( رؤساء الحرب ) Michael Beschloss: Presidents of War, 2018

[7]المصار السابق

[8]مقالة الرميحي في الشرق الاوسط بتاريخ 27 يوليو 2019

[9]يمكن متابعة هذا النوع من التصريحات بشكل متكرر ، وكان اخرها ان ( امريكا لن تقوم بدور الشرطي في مضيق هرمز) الاربعاء 24 يوليو 2019

[10]يحدبذ الرؤساء الامريكين الحصول على فترتين انتخابيتين في الاغلب .

[11]1902 – 1989 مرجع ديني وسياسي

[12]خاصة حرب السنوات الثمان بين ايران والعراق 1981-1988

[13]كمثل اختطاف السفينة البريطانية 19 يوليو 2019

[14]من خلال انزال جنود مثلثين ومججين بلسلاح من طائرة هيلوكبتر اضهارا للعظمة .

[15]في البحرين والكويت و الامارات والسعودية

مقالات لنفس الكاتب