array(1) { [0]=> object(stdClass)#13382 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 142

فرص التعاون تتطلب اتفاقيات مشتركة لتعزيز التواجد العربي

الثلاثاء، 08 تشرين1/أكتوير 2019

تحميل    ملف الدراسة

تتمتع دول آسيا الوسطى الخمس (أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، كازاخستان) باهتمام دولي وإقليمي واسع النطاق، وذلك بالنظر إلى أهميتها الجيواستراتيجية، وما تزخر به من ثروات طبيعية ضخمة تؤهلها لقفزات تنموية كبيرة. فمن ناحية تمثل دول آسيا الوسطى قلب آسيا الذي يربط كلا من القارتين الآسيوية والأوروبية في إطار ما بات يعرف بالكتلة الأوراسية، وتعد المنطقة كتلة جغرافية متماسكة وممتدة لا تطل على بحار مفتوحة أو محيطات، والبحران الوحيدان اللذان تطل عليهما بعض دول المنطقة هما بحر قزوين وبحر آراك، وهما ليسا من البحار المفتوحة.ولكن رغم كونها دول حبيسة فإن منطقة آسيا الوسطى تمثل قلب الأرض Heartland الذي رأى الجغرافي البريطاني جون ماكيندر، أحد مؤسسي علم الجيوبوليتك، أن من يسيطر عليها يتحكم في العالم. فالمنطقة تقع جنوب روسيا، وغرب الصين، وشمال أفغانستان حيث النفوذ الأمريكي وقوات حلف شمال الأطلسي، وشمال شرق إيران، وشرق تركيا.

من ناحية أخرى يحتوي بحر قزوين، الذي تمتلك كازاخستان وتركمانستان حوالي نصف شواطئه، ثاني أكبر احتياطي عالمي من النفط بعد منطقة الخليج العربي. وتتفاوت تقديرات هذا الاحتياطي من 200 مليار برميل وفق تقديرات أولية متفائلة مطلع التسعينات، إلى 33 مليار برميل وفق تقديرات أكثر دقة وواقعية عام 2003م، ورغم أن هذه الاحتياطات الضخمة لم تستغل بعد بالكامل فإنها تؤهل دول المنطقة للمنافسة عالميًا في المستقبل القريب، خاصة في ضوء ما شهده العقد الماضي من توسع واضح في الاستثمارات بهذا المجال مقارنة بحقبة التسعينات.

ويفسر هذا التنافس الدولي والإقليمي على المنطقة، فمن ناحية تعتبر موسكو منطقة آسيا الوسطى جزءًا من المجال الحيوي الطبيعي لروسيا، وهي الدولة الأكثر اهتمامًا بالمنطقة التي كانت لعقود جزءًا من روسيا القيصرية ثم السوفيتية. وخلال حقبة التسعينات، شهد النفوذ الروسي تراجعًا واضحًا في آسيا الوسطى في مواجهة نمو متزايد في النفوذ الأمريكي. فقد رأت القيادة الروسية آنذاك أن دول المنطقة تمثل عبًأ على روسيا، وبدا وكأن روسيا تريد أن تتنصل من علاقاتها التي دامت قرون مع هذه المنطقة. إلا أنه منذ وصول الرئيس بوتين إلى السلطة مطلع عام 2000م، عادت روسيا بقوة للمنطقة وأبدت اهتمامًا واضحًا بها وبإحياء العلاقات الوثيقة معها مع احترام استقلالها السياسي وسيادتها على أراضيها. وهناك جاليات روسية هامة في هذه الدول أكبرها في كازاخستان ويمثلون 30% من إجمالي السكان، وتتضاءل النسبة في باقي الدول على النحو التالي: قرغيزستان 5,12%، أوزبكستان 5,5%، تركمانستان 4%، طاجيكستان 1,1%.

ورغم المنافسة الشديدة التي تواجهها روسيا من جانب الولايات المتحدة والقوى الإقليمية التابعة لها وفى مقدمتها تركيا وإسرائيل، فإن حجم النفوذ الروسي مازال قويًا في ضوء المصالح المتبادلة والارتباط الوثيق مع هذه الدول. ويتضمن التعاون بين روسيا ودول المنطقة مدى واسع من المجالات، وتعتبر كازاخستان الشريك التجاري الأول لروسيا بين دول المنطقة، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 19.8 مليار دولار، ويمثل أكثر من 60% من إجمالي تجارة كازاخستان. وتحتل روسيا المركز الأول بين شركاء أوزبكستان التجاريين أيضًا وتستأثر بـ 29% من تجارة أوزبكستان الخارجية حيث بلغ التبادل التجاري بينهما 6.86 مليار دولار عام 2011م. ويشكل نصيب روسيا حوالي 25% من حجم التجارة الخارجية القرغيزية.

وتعتبر روسيا مستثمر هام في دول المنطقة، وتركز بوضوح على الاستثمار في مجال الطاقة، وتسعى إلى الشراكة في شبكات نقل الطاقة التي تمثل بدائل محتملة للطاقة الروسية بالنسبة لأسواقها لاسيما أوروبا من خلال الاستثمارات المشتركة. كما تحتفظ روسيا بقواعد عسكرية في طاجيكستان وقرغيزستان. وتعتبر القاعدة العسكرية الروسية (201) في طاجيكستان أكبر قاعدة برية لموسكو خارج أراضي روسيا، وتضم سبعة آلاف جندي وضابط. وقد أقيمت القاعدة عام 2004م، لمدة 10 سنوات وتم تجديد الاتفاق الخاص بها في أكتوبر 2012م، لمدة ثلاثين عامًا حتى عام 2042م، كما أقامت روسيا أيضًا محطة لمراقبة الأقمار الصناعية على الأراضي الطاجيكية. كما وقعت روسيا وقرغيزستان في سبتمبر 2012 م، اتفاقية بشأن تحديد الوضع القانوني وشروط تواجد قاعدة "قانت" العسكرية الروسية في قرغيزستان، وهي أول قاعدة عسكرية تقيمها موسكو خارج أراضيها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 2003م. وتعتبر منظمة الأمن الجماعي من أبرز أطر التعاون بين روسيا ودول المنطقة، وهي تحالف عسكري سياسي يضم روسيا وعددًا من الجمهوريات السوفيتية السابقة (بيلوروسيا وأرمينيا) وأربع دول من آسيا الوسطى (كازاخستان وطاجكستان وأوزبكستان وقرغيزستان).

وتنافس تركيا بقوة على المنطقة مستغلة في ذلك التقارب العرقي والثقافي مع شعوب المنطقة. فشعوب منطقة آسيا الوسطى وأذربيجان تنتمي إلى ذات العرق التركي، ولغاتها، فيما عدا طاجيكستان، تنتمي إلى مجموعة اللغات التركية. وقد تم عقد أول مؤتمر للدول الناطقة بالتركية في اسطنبول أواخر عام 1992م، وتم تأسيس مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية في 3 أكتوبر 2009م، ومقره اسطنبول. يدعم ذلك كون تركيا أقرب جغرافيًا للمنطقة، وتمتلك خطوط طيران مباشرة مع دولها، وتعتبر اسطنبول ترانزيت أساسي للطيران المتجه إليها. كما أن الجمهوريات الخمس أكثر قبولاً واقتناعًا بالنموذج العلماني التركي للحكم وتعتبر تركيا حلقة وصل مع الغرب الأوروبي والأمريكي.

ويعتبر النفوذ الإيراني في المنطقة محدود مقارنة بنظيره التركي، ولإيران حدود مشتركة ممتدة مع تركمانستان وهي منفذ الأخيرة البري الطبيعي إلى الخليج العربي، وفي 13 مايو 1996م، افتتحت إيران طريق السكك الحديدية "عشق أباد مشهد سرخس تاجان"، الذى يمتد ليربط تركمانستان بميناء بندر عباس الإيراني، وهو محور رئيسي للنقل على شواطئ الخليج العربي، ومشروع يربط هذه الدول بخط سكك الحديد الأورآسيوي "خانكي - الماتا - طشقند - سرخس - طهران - استانبول – باريس"، ليجعل إيران حلقة وصل بين تلك الدول والعالم الخارجي، ويساعد إيران على الخروج من العزلةالدولية والحصار الأمريكي. كما أن الخط سيمتد ليرتبط بالطريق الجديد الأوراسي الذي تقوم الصين ببنائه ممتدًا من شرقي الصين إلى كازاخستان حيث يرتبط بخط "مشهد سرخس تاجان".

ونظرًا لكون النموذج الإسلامي الذي تطرحه إيران لا يلقى قبولا لدى دول آسيا الوسطى بالنظر لكونها دول علمانية وللمشاكل بين حكومات هذه الدول والتيار الإسلامي الأصولي والجماعات المتطرفة بها، فقد حرصت إيران على صياغة منهج براجماتي وتقديم نموذج فارسي يتسم بالطبيعة العملية وليس الدينية المذهبية. وتعد تركمانستان وطاجيكستان الأقرب لإيران بين الدول الخمس. فقد خصصت تركمانستان مساحات واسعة من الأراضي لزراعة القطن وتصديره إلى إيران. وعلى الرغم من امتلاك إيران لثالث احتياطي للغاز في العالم، إلا أنها تحتاج لغاز تركمانستان، ويبلغ حجم صادرات الغاز التركماني إلى إيران عبر خطين من الأنابيب حوالي 16 مليار متر مكعب سنويًا، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين إيران وتركمانستان 3 مليارات دولار سنويًا. وهناك العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة في مجال الطاقة والغاز ونقلهما إلى الأسواق العالمية بين إيران وتركمانستان، وأبرمت الدولتان اتفاقًا لبناء خطين جديدين لنقل الكهرباء. وأمنيًا تتعاون تركمانستان مع إيران لمكافحة المخدرات الأفغانية، التي تدخل لإيران عبر أراضي تركمانستان.

ولإيران صلات ثقافية وحضارية مع الطاجيك الذين يتحدثون الفارسية، وإن لم يكونوا من الشيعة، وظهر النفوذ الإيراني القوي في طاجيكستان حين لعبت طهران دورًا مهمًا في مفاوضات السلام الطاجيكية عقب الحرب الأهلية 1993-1997م، بين المعارضة الإسلامية وحكومة الرئيس إمام علي رحمان. وهناك تنسيق مشترك بين البلدين بشأن التطورات في أفغانستان حيث تشكل إيران وأفغانستان وطاجيكستان ثلاثية الدول الناطقة باللغة الفارسية وتسعى طهران لدعم الجوانب الثقافية عبر تعميم اللغة الفارسية في طاجيكستان التي ما زالت تتعامل رسميا باللغتين الروسية والطاجيكية. كما اتفقت إيران وطاجيكستان وأفغانستان على إنشاء ممر مشترك للطاقة والمياه، لربط الشبكات الوطنية للكهرباء في الدول الثلاث وتجري حاليًا دراسة الجدوى الاقتصادية وتحديد مصادر تمويل المشروع. أيضاً مشروع خط أنابيب من إيران إلى طاجيكستان عبر أفغانستان ثم قرغيزستان والصين لتصدير الغاز الإيراني لهذه الدول. وعلى حين تتركز علاقات إيران مع كل من تركمانستان وطاجيكستان، تعتبر العلاقات الإيرانية مع باقي الدول محدودة نسبيًا بما في ذلك كازاخستان التي تعتبر أحد الدول التي تشارك إيران بحر قزوين.

ولقد كانت دول الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية من أوائل الدول الي حرصت على تطوير علاقاتها بدول آسيا الوسطى، انطلاقًا من العلاقات التاريخية بين الجانبين وكون المنطقة امتداد طبيعي لمنطقة الخليج، وكانت والعرب على مدى قرون جزءًا من إمبراطورية إسلامية كبرى. وعلى مدى عقد التسعينات والعقد التالي ركزت دول الخليج على العامل الديني في علاقتها بجمهوريات آسيا الوسطى، ورغم تأكيد دول آسيا الوسطى على هويتها الإسلامية ودعمها للقضايا العربية في المحافل الدولية المختلفة، وأهمية العلاقات الثقافية والتقارب الديني والحضاري معها إلا أنها تظل عاجزة عن التأسيس لعلاقات استراتيجية بين الجانبين حيث تتطلع هذه الدول لتعاون اقتصادي وتقني واستثمارات تساعدها على النهوض اقتصاديًا وتلبية احتياجات شعوبها المتزايدة، وتتيح حضورًا عربيًا فعال ومؤثر في تلك المنطقة الهامة. وقد عبرت دول آسيا الوسطى عن تحفظها على أحادية الدور العربي عامة واقتصاره على الوازع الديني رغم أهميته، ورغبتها في تنويع العلاقات وحاجاتها للاستثمارات العربية ودفع التعاون الاقتصادي والتقني مع العالم العربي. وأشار مفتي كازاخستان إلى ذلك قائلاً: "إن الدول العربية التي تظن أن واجبها إزاء المجتمعات الإسلامية في آسيا الوسطى يتحقق بتقديم المصاحف لا تدرك عمق وصعوبة المشكلات الاقتصادية في المنطقة، والتي تدفعها غالبًا إلى إقامة علاقات صداقة مع أي دولة تمد إليها يد العون والمساعدة، والسماح بدخول رؤوس الأموال التي تحمل في طياتها أفكارًا وثقافات، بل وسياسات أصحاب رؤوس الأموال هذه".

في هذا الإطار، صدر قرار مجلس جامعة الدول العربية، في دورته العادية (130) بتاريخ 8 سبتمبر 2008م، بناءً على اقتراح المملكة العربية السعودية، بأهمية تفعيل مذكرات التفاهم الموقعة بين جامعة الدول العربية ودول آسيا الوسطى، ودعوة الدول العربية التي ليس لها بعثات دبلوماسية في دول المنطقة بالمبادرة لفتح سفارات لها، وعقد منتدى اقتصادي يضم الدول العربية ودول آسيا الوسطى. وقد دعم هذا التوجه مقترح مجموعة الاقتصاد والأعمال العربية لتنظيم ملتقى عربي إسلامي آسيوي بالتعاون مع الجامعة العربية ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية بهدف الوقوف على فرص الاستثمار في دول آسيا الوسطى.

وانطلقت الدورة الأولى من "منتدى الاقتصاد والتعاون العربي مع دول آسيا الوسطى وجمهورية أذربيجان" بمدينة الرياض يوم 29 أكتوبر2013م، تحت شعار "آفاق الاستثمار والتبادل التجاري" على مستوى وزراء الخارجية ووزراء المال والاقتصاد، كما شارك بها رجال الأعمال في اجتماعات ( B2B ) بالإضافة إلى المؤسسات المالية واتحادات الغرف التجارية لكلا الجانبين.

وهناك مجموعة من الإجراءات الهامة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين. أولها، تنمية التبادل التجاري بين الطرفين، فحجم التبادل التجاري بين دول المنطقة والعالم العربي محدود ويكاد ينعدم مع بعض الدول. وعلى سبيل المثال، ورغم أهمية كازاخستان تمثل تجارة الدول العربية مجتمعة معها 1% فقط من إجمالي تجارة كازاخستان. ورغم كون الإمارات هي رابع أكبر شريك تجارى لتركمانستان إلا أنها لا تستأثر سوى بـ 4,3% من صادراتها و7,9% من واردتها. وسجلت تجارة الإمارات، أكبر شريك تجاري عربي مع أوزبكستان 50 مليون دولار، وتصل في حالة الكويت والسعودية إلى4,3 و3,9 مليون دولار على التوالي.

ويمكن تفسير محدودية التبادل التجاري بين الطرفين كتوجه عام في ضوء مجموعة من الاعتبارات، أهمها تماثل اقتصادات دول الخليج في اعتمادها على تصدير النفط مع اقتصادات عدد من دول المنطقة، وعدم توافر المعلومات الكافية عن أسواق الدول الخمس واحتياجاتها ومتطلباتها، وهنا يأتي دور مكاتب التمثيل التجاري والسفارات الخليجية بها لتوفير المعلومات اللازمة وتقديم إرشادات لرجال الأعمال وتسهيل دراسة الأسواق لهم. هذا فضلاً عن عدم وجود بنوك مشتركة ومن ثم فإن الضمانات البنكية المتعلقة بالعلاقات التجارية والاقتصادية تتم بضمان البنوك الأمريكية والأوروبية وغيرها، وهي بنوك تطلب إما السداد مقدمًا بنسبة 100% أو فتح اعتماد بنسبة 100%. 

وتعتبر أوزبكستان أكبر أسواق المنطقة بالنظر إلى عدد سكانها يليها كازاخستان، إلا إن كازاخستان تتقدم من حيث القدرة الشرائية على أوزبكستان. وتحتاج أسواق هذه الدول إلى المواد الغذائية عامة والصناعات الاستهلاكية، ومواد البناء، والأدوية. ومن المهم في هذا السياق، تحرير التجارة بين الجانبين، واعتماد المعاملة التفضيلية في التبادل التجاري بينهما، ووجود فروع لبنوك خليجية، كما أن الصفقات المتكافئة "الأوفست" قد تكون أسلوبًا مناسبًا، وإن كان هذا الأسلوب يصلح على المستوى الحكومي وقد لا يصلح في كل الأحول بين رجال الأعمال. من المهم أيضًا وجود خطوط طيران مباشرة مع دول المنطقة، وتكثيف المشاركة الخليجية في المنتديات الاقتصادية التي تعقدها دول المنطقة، ومشاركة المؤسسات المالية واتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة وجمعيات رجال الأعمال في مثل هذه المنتديات والمؤتمرات.

يضاف إلى ذلك ضرورة تأسيس بنك معلومات يتضمن تفاصيل وافية عن مجالات وفرص الاستثمار في الدول الخمس والتسهيلات التي تقدمها، وأيضًا احتياجات الأسواق كمًا ونوعًا، والقدرة الشرائية والاستيعابية لهذه الأسواق. وتنظيم معارض للمنتجات الخليجية في الدول الخمس، واستضافة معارض لمنتجاتها في دول الخليج، وتنظيم لقاءات لرجال الأعمال وممثلي الشركات المهتمة على هامش هذه المعارض للتعرف على فرص الاستثمار بها. وتنظيم زيارات لرجال الأعمال العرب لدول المنطقة للتعرف عن قرب على فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي بها، واستقبال وفود من مجتمع الأعمال بهذه الدول للتعرف على فرص التعاون الاقتصادي مع دول الخليج. ومثال ذلك زيارة وفد رجال الأعمال السعودي في يونيو عام 2004م، لكازاخستان لبحث سبل تنشيط الاستثمارات والتبادل التجاري وإمكانية تنفيذ مشاريع مشتركة في قطاعات الطاقة والتعدين والصحة والزراعة والسياحة والنقل. ومن المهم زيادة وتكرار مثل هذه الزيارات والتوسع في إنشاء مجالس مشتركة لرجال الأعمال لتعميق التعاون بين الجانبين.

ثانيها، زيادة حجم الاستثمارات الخليجية في دول المنطقة والتي تعتبر محدودة مقارنة بالاستثمارات الروسية والصينية والأمريكية والتركية حيث تهيمن الدول الأربع على معظم الاستثمارات بها. وأهمية توقيع اتفاقيات لمنع الازدواج الضريبي بين دول الخليج ودول المنطقة، وتفعيل هذه الاتفاقات، وتوقيع اتفاقات لتشجيع الاستثمارات والحماية المتبادلة لها بين الدول العربية والدول الخمس.وتعتبر الإمارات والسعودية وسلطنة عمان وقطر من أبرز المستثمرين العرب في المنطقة. وعلى سبيل المثال، تعمل في أوزبكستان 68 شركة بمشاركة مستثمرين من الإمارات، منها 31 برأس مال من الإمارات العربية المتحدة 100%، ومكاتب لـ 17 شركة إماراتية معتمدة في أوزبكستان. ورغم هذا يبلغ إجمالي الاستثمارات الإماراتية الموظفة في اقتصاد أوزبكستان 31.5 مليون دولار فقط. ولا تتجاوز الاستثمارات العربية في طاجيكستان 2 % من حجم الاستثمار الأجنبي فيها والبالغ نحو 2 مليار دولار. وتتعاون قطر مع طاجيكستان في مجال تربية الحيوانات وإنتاج العسل، وتم افتتاح فرع للبنك التجاري القطري في طاجيكستان. كما عبرت قطر عن اهتمامها بجذب مجموعة كبيرة من العمال الطاجيك للعمل في مشاريع بناء المنشآت الرياضية التي سيتم إنشاؤها في الدوحة في إطار الاستعدادات لنهائيات كأس العالم لكرة القدم عام 2022م، وفي مجال الإنشاء المعماري تقوم شركة ديار القطرية بتشييد أكبر مسجد في طاجيكستان. ويتم التعاون بين سلطنة عمان وكازاخستان في إطار مشروع اتحاد شركات خط أنابيب قزوين واستغلال الشركات العمانية للحقول النفطية بغرب كازاخستان، ومشروعات نقل الشحنات الكازاخية إلى الأسواق العالمية عبر موانئ عمان خاصة ميناء الريسوت الذي يقع في نقطة استراتيجية من المواصلات الدولية.

ومن المهم أن يحتل التعاون والتنسيق في مجال الطاقة قمة أولويات التحرك الخليجي في منطقة آسيا الوسطى، وعلى دول الخليج النظر إلى دول المنطقة المنتجة للنفط والغاز كحليف لها في سوق الطاقة العالمية، وليس منافس أحدهماللآخر نتيجة تشابه القاعدة الاقتصادية بين المنطقتين، وأن تقوم بالتنسيق والتعاون معها في مجال الطاقة في إطار محورين أساسيين. أولهما، الحفاظ على استقرار السوق النفطية وضمان حد أدنى لأسعار النفط وذلك من خلال التحكم في حجم الإنتاج، خاصة وأن الجزء الأكبر من نفط آسيا الوسطى مخصص للتصدير، والاحتياجات الاستهلاكية المحلية محدودة مقارنة بحجم الإنتاج. وقد تقوم دول الخليج بدعم انضمام كازاخستان إلى عضوية منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، أو على الأقل المشاركة في اجتماعات أوبك كمراقب. وتشجيع تأسيس شركات مشتركة لهذا الغرض للمشاركة في عمليات البحث والتنقيب وتطوير الإنتاج، وكذلك في مجال الصناعات البتروكيماوية.

كذلك، يعتبر الاستثمار في قطاع الصناعات المعدنية من المجالات الواعدة القائمة على الثروة الضخمة من المعادن لدى دول المنطقة مثل الألمونيوم (طاجيكستان)، والحديد والصلب (كازاخستان)، والمشغولات الذهبية والفضية (أوزبكستان، كازاخستان، طاجيكستان)، الرخام (طاجيكستان)، وصناعة الغزل والنسيج (أوزبكستان وطاجيكستان). والصناعات الغذائية الخاصة بمنتجات الألبان واللحوم (كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكستان، أوزبكستان)، والخضروات النقية أيكولوجيًا والفواكه مثل الرمان والتفاح والعنب والمشمش (طاجيكستان). وصناعة الجلود والأحذية.

وهناك مساحات واسعة من الأراضي الخصبة الجيدة للزراعة في هذه الدول، وعدد منها مثل كازاخستان على استعداد لوضع مساحات من الأراضي تحت تصرف دول الخليج لزراعتها نظير مقابل مادي أو توزيع ناتج الزراعة بين الجانبين، وقد يكون من المناسب تأسيس شركات مشتركة لهذا الغرض تتولى الزراعة وتوزيع الناتج والتسويق للفائض عن حاجة البلدين.

كذلك الاستثمار في قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية والذي يتضمن الهواتف الخلوية والخطوط الأرضية وخدمات الأنترنت وشركات تليفزيون الكابل وغيرها، ويتمتع هذا القطاع بآفاق رحبة في دول المنطقة. وقطاع التشييد والبناء ويتضمن إنشاء وترميم المنشآت البترولية، والمباني الحكومية، والفنادق والمرافق السياحية والخدمية. والاستثمار في قطاع الصحة حيث يعاني القطاع الصحي في هذه الدول من مشكلات عدة منها ضعف الكفاءة البشرية لطواقم الأطباء والممرضين، وقلة عدد المستشفيات وضعف الخدمات التي تقدمها، لذا يضطر العديد من أبناء المنطقة خاصة القادرين منهم إلى السفر للخارج لتلقي العلاج. وتتضمن مجالات الاستثمار في هذا القطاع إنشاء المستشفيات الخاصة، ومصانع إنتاج الأدوية والعقاقير وتسويقها في دول المنطقة.

إن دول آسيا الوسطى بموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية والمعدنية الضخمة تحتل مكانة متميزة إقليميًا ودوليًا، ويزداد أداء اقتصاداتها قوة بمرور الوقت، كما تزداد قدراتها التنافسية في سوق الطاقة العالمي. ولذا فإنه من الضروري دفع التعاون الخليجي معها على الصعيد الاقتصادي بشقيه التجاري والاستثماري، والوصول به إلى مستوى استراتيجي يتناسب وعمق الروابط الثقافية والدينية مع الدول الخمس.

مقالات لنفس الكاتب