صدر عن مؤسّسة الفكر العربي كِتاب "انزياح المركزية الغربية. نقد الحداثة لدى مثقّفي ما بعد الكولونيالية الصينيّين والعرب والهنود"، للباحث الفرنسي توماس بريسّون، وترجمة د. جان ماجد جبّور.
يعالج الكتاب مسألة استمرار المركزية السياسية والفكرية للغرب ويتساءل الكاتب: كيف يحصل أنه بعد عقودٍ من نهاية الإمبراطوريات الاستعمارية، لا يزال عالَمنا يعتمد على المعارِف التي تمّ تعميمها أصلاً لترسيخ أقدام الفتوحات الإمبريالية؟ لماذا لم يترافق إنهاء الاستعمار السياسي مع إنهاء الاستعمار العلمي، ممّا يُسهم مجدّدًا في تعدّد مراكز إشعاع عالم الفكر؟ ويرى أن الإجابة عن هذه الأسئلة، تمّت من خلال إطلاق أطر بحثية ابستمولوجية وسياسية عدّة، من بينها: "الكونفوشيوسية الجديدة"، التي بدأت في مطلع القرن العشرين في آسيا، ثم أُعيد إحياؤهافي السبعينيات والثمانينيات من باحثين أمريكيين ينحدرون من أصولٍ صينية، و"دراسات ما بعد الكولونيالية"، وهي ثمرة التعاون بين مفكّرين عرب وهنود يعملون في جامعات أمريكية.
ويشير الكاتب إلى أن العديد من الباحثين الهنود طرحوا منذ نهاية السبعينيات، أُسُس تفكير نقدي، تأريخي ونظري، حول إرث الحداثة الغربية، مُسلّطين الضوء على التباس الفضاء المفاهيمي الذي وضعه الاستعمار بين أيدي الهنود، للتفكير في واقع خضوعهم للهَيمنة. تمحورت عمليات التفكير هذه حول مشروع تفكيك هذه الهيمنة، من خلال رفض ادّعاءات الغرب بمشروعيّته العالمية. لافتًا إلى أن العلاقة بين الهيمنة السياسية والهيمنة الفكرية طُرِحت في الوقت نفسه من قبل مثقّفين عرب أثناء النقاش حول الاستشراق، والذي انطلق مع صدور كتاب إدوارد سعيد الذي حمل العنوان نفسه: "الاستشراق". وقد اتجهت عمليات تفكير المثقفين الهنود والعرب نحو السعي لإيجاد طرائق معرفية متعدّدة خارج أطر الغرب وتلاقت بدءًا من ثمانينيات القرن الماضي، وذلك بفضل التحاق هؤلاء للعمل في الجامعات الأنغلوسكسونية وانتشار نصوصهم (المكتوبة باللغة الإنكليزية)، مما أعطى لنقدهم بُعدًا عالميًا.
ينقسم الكتاب إلى جزأين: الأوّل "الكونفوشيوسية الجديدة، حداثة آسيوية في أمريكا" ويتضمن ثلاثة فصول، الأوّل عن أصول الكونفوشيوسية الأمريكية وكيفية انهيار وإعادة بناء الكونفوشيوسية في العصر الحديث، ويتوقف الثاني عند الكونفوشيوسية والحداثة الآسيوية والتغييرات الاجتماعية، والفصل الثالث يتطرق إلى حقوق الإنسان باعتبارها نقطة تحوّل سياسية للكونفوشيوسية الجديدة.
والجزء الثاني "نظرة جديدة على العوالِم غير الغربية: مثقفون عرب وهنود في الولايات المتّحدة" يتضمن فصلاً حولالاستمرارية والقطيعة في النقد العربي ويتناول كتاب الاستشراق لإدوارد سعيد، وفصل أخير يرصد "دراسات التابع" الهندية و"المنعطف السعيدي"ومشروعات التأريخ البديلة.
والمؤلف توماس بريسّون هو أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الثامنة، وباحث في "مركز البحوث الاجتماعية والسياسية في باريس" (Cresppa)، وفي "البيت الفرنسي-الياباني" (CNRS-Tokyo). له العديد من المؤلّفات، من بينها: "المثقفون العرب في فرنسا: هجرات وتبادلات فكرية". أما جان ماجد جبّور فهو أستاذ في الجامعة اللبنانية ، باحث ومترجم ، له مؤلّفات عدّة، فضلاً عن عدد من الكتب المترجمة. منها: "عندما يُعيد الجنوب اختراعَ العالَم" لبرتران بادي.