array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

تجربة الوحدة اليمنية (قراءة تاريخية)

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

تقع اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية وفي جنوب غرب آسيا، وتبلغ مساحته 528000 كيلومترمربع، ويحده من الشمال السعودية(1458 كيلومتراً) ومن الشرق سلطنة عمان (288 كيلومتراً). وله ساحل جنوبي على بحر العرب وساحل غربي على البحر الأحمر بطول 1906 كيلومترات، ويقسم إدارياً إلى 21 محافظة وتعد حضرموت أكبرها مساحة.

كان اليمن الوحدة يتشكل من دولتين هما (الجمهورية العربية اليمنية) في الشمال، وتبلغ مساحته حوالي 195000 كيلومترمربع،وعدد سكانه حوالي 13 مليون نسمة، ويحده من الشمال السعودية، ومن الجنوب والشرق اليمن الجنوبي، ومن الغرب البحر الأحمر وعاصمته صنعاء. في حين تمثل (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) الجزء الجنوبي، ويحدها كل من السعودية واليمن الشمالي وعُمان والبحر الأحمر، وتتألف من 6 محافظات هي عدن، لحج، أبين، شبوة، حضرموت والمهرة)، عدد سكانها حوالي مليوني نسمة، عاصمتها عدن.

اشتهر الشعب اليمني منـﺫ القدم بمقاومته العنيدة والشجاعة لكل أشكال التدخلات الخارجية 

ويبلغ عدد سكان اليمن قبل الوحدة في بدايات تسعينات القرن الماضي نحو 15 مليون نسمة، وحوالي 90 في المائة هم من العرب و8 في المائة أفارقة و2 في المائة هنود ويدينون جميعهم بالإسلام، وليست هناك أقليات دينية باستثناء اليهود الـﺫين لا يزيد عددهم على 300 نسمة، ويلاحظ أن السكان يتمركزون في المناطق الجبلية العالية (الهضبة الوسطى) نظراً لوفرة المياه واعتدال الطقس، في حين يقل عددهم كلما اتجهنا نحو الأطراف في المناطق الشمالية الشرقية والغربية.

ويشيع النظام القبلي في اليمن، رغم أنها أصبحت ظاهرة تاريخية في كثير من المجتمعات العربية، وتعد حاشد وبكيل أكبر قبيلتين في اليمن، في حين يتوزع السكان بصورة غير متوازنة ولأسباب طبيعية واقتصادية. 

واشتهر الشعب اليمني منـﺫ القدم بمقاومته العنيدة والشجاعة لكل أشكال التدخلات الخارجية، ويكفي أن نشير إلى تصديه للعثمانيين، فمنـﺫ عام 1538م حيث احتلوا المنطقة الساحلية استمرت المقاومة حتى عام 1635 إذ أجبروا على الانسحاب، لكن العثمانيين عادوا واحتلوا ميناء الحديدة عام 1849. وفي عام 1872 أرسلوا حملة كبيرة لاحتلال كافة أرجاء اليمن، وكان الدافع هو الاستفادة من تطور الحركة التجارية عقب فتح قناة السويس في عام 1869 وطرد الإنجليز الـﺫين احتلوا عدن في 19/1/1839، لكن جهودهم أخفقتمما أجبرهم على عقد معاهدة مع الإمام يحيى حميد الدين (1904- 1948) في عام 1911، وعقب الحرب العالمية الأولى نشأت المملكة المتوكلية اليمنية  (1918- 1962)، كدولة مستقلة،وفي23/7/1923، وبموجب معاهدة لوزان اعترف العثمانيون باستقلالها، كما اعترفت بها عصبة الأمم، وهكـﺫا انقسم اليمن إلى 3 أجزاء وهي:

1- المملكة المتوكلية اليمنية في الشطر الشمالي.

2- محمية عدن وتوابعها، وقد توصل البريطانيون إلى اتفاقية لترسيم الحدود مع العثمانيين في عام 1904، لكنها لم تقر إلا في عام 1914.

3- إمارة الأدارسة (1909-1930)في تهامة وعسير وجيزان.

 المرحلة الأولى: جهود الأئمة الزيديين (1918- 1934م).    

يعود قيام نظام حكم الأئمة إلى عام 1510م، ورغم نجاحهم في الحفاظ على الوحدة اليمنية إلى عام 1839، إلا أنهم كثيراً ما جوبهوا بالثورات المستمرة لزعماء القبائل الطامحين إلى تقوية نفوﺫهم على حساب السلطة المركزية.

ومع إعلان الاستقلال في عام 1918 سارع الإمام يحيى إلى تحديث بعض تشكيلات الدولة، كما فتحت بعض المدارس وقسمتالمملكة إلى أقسام إدارية وأنشئت قوى الشرطة للمحافظة على الأمن وتأسيسالجيش النظامي.

تولى علي صالح رئاسة الجمهورية في الشطر الشمالي بتاريخ 17/7/1978

على الصعيد السياسي أخـﺫ الإمام يحيى يتطلع إلى إعادة السيطرة على المناطق التي أخلاها العثمانيون، بل سعى إلى طرد الإنجليز من جنوب اليمن، لكن الإنجليز استبقوا الأمر، وجرياً على سياسة (فرق تسد) قاموا بتسليم منطقة تهامة التي أخلاها العثمانيون إلى حليفهم محمد الإدريسي عام 1921، وهكـﺫا وجد الإمام يحيى نفسه محاطاً بالخصوم من الشمال والجنوب والغرب، ومحروماً من الموانئ، ومع وفاة محمد الإدريسي في عام 1923، شرع الجيش اليمني بالتقدم نحو مناطق الأدارسة، ولقد رفض الإمام يحيى الاعتراف بالإمارة الإدريسية مقابل الدخول في حمايته، وقد دفع هـﺫا الموقف بهم إلى الالتجاء لحماية ابن سعود فعقد معاهدة معهم في 21/10/1926، وهي المعاهدة التي لم يعترف بها الإمام يحيى، وفي 22/11/1930 ضم ابن سعود إمارة الأدارسة عنوة إليه، واتخـﺫ هـﺫا الأمر صيغة رسمية مع إعلان قيام المملكة العربية السعودية في22/9/1932، مما أدى إلى حدوث مناوشات بين الطرفين، وقد استعد ابن سعود الـﺫي عرف بتحالفه الوثيق مع البريطانيين للحرب، إذ زودته الحكومة البريطانية في الفترة (أكتوبر 1933 –إبريل 1934) بمليون طلقة بالإضافة إلى السيارات المدرعة وأسلحة أخرى متطورة، في حين احتجزت شحنة سلاح إيطالية كانت قد وصلت إلى عدن في طريقها إلى الجيش اليمني وضمت 8000 بندقية مع ﺫخيرتها، وكان هدفها دعم حليفها وإضعاف الجيش اليمني الـﺫي كان ينقصه السلاح، وهكـﺫا أعلن ابن سعود الحرب في 22/3/1934 واستمرت حتى 19/5/1934، حيث وقعت اتفاقية الطائف، إذ نصحت الحكومة البريطانية ابن سعود بأن ليس من مصلحته الدخول في حرب طويلة غير معروفة العواقب، في حين أدرك الإمام يحيى عدم إمكانية تحقيق نصر عسكري حاسم في ظل التفوق العسكري لابن سعود المدعوم من قبل بريطانيا. فتم الاتفاق على انسحاب السعوديين من تهامة مقابل خروج القوات اليمنية من عسير وتسليم الأدارسة لابن سعود، ولقد سجلت الاتفاقية هزيمة سياسية لليمنيين، إذ على الرغم من عدم تخليهم نهائياً عن جيزان وعسير، فإن الاتفاقية سمحت ببقائها تحت حكم ابن سعود لمدة 20 عاماً تتم قبل انقضائها بـ 6 شهور مفاوضات أخرى لتعديلها، وهو ما لم يحدث إلى هذا اليوم.

تقسيم اليمن كان عملية مصطنعة تسبب بها الاستعمار ممثلاً بالعثمانيين ثم البريطانيين

ولفهم حقيقة موقف البريطانيين، لا بد من القول إنهم حاولوا استخدام وسائل الترغيب مع الإمام يحيى للقبول بسيادتهم على عدن، ومنها الاعتراف بسيادته على لحج وحضرموت مقابل عدم التعامل مع أية قوة أجنبية، فأرسلوا بعثة إليه في عام 1919م، برئاسة هارولد جاكوب بنية التفاوض معه، لكنها أخفقت في مهمتها بسبب احتجازها من قبل أفراد قبيلة القحيمي المعارضة للحكم، ولم يتم الإفراج عن أفرادها إلا بعد 4 أشهر بشرط عدم مقابلة الإمام يحيى، وفي عام 1926 أرسلوا بعثة أخرى برئاسة كلبرت كلايتون، وكل ﺫلك على أمل الوصول معه إلى اتفاق لإقرار السيادة البريطانية على عدن بالـﺫات، ولم يؤد ذلكإلى نتيجة إذ شرعت القوات اليمنية باستعادة بعض المناطق الجنوبية بمجرد جلاء العثمانيين، كما استمرت الاشتباكات والمناوشات بين قوات الطرفين منـﺫ عام 1919، حتى بلغت ﺫروتها عام 1925 عندما استعادت القوات اليمنية الشعيب والعوالق والضالع ويافع. وزاد التوتر بين الجانبين مع عقد الإمام يحيى اتفاقية صداقة مع إيطاليا في عام 1926، وشرعت روماباستقبال بعثات عسكرية من الضباط اليمنيين، بالإضافة إلى سلسلة من الإجراءات الاقتصادية لتسهيل التبادل التجاري بين الجانبين، وقد أثار ﺫلك جزع البريطانيين لخشيتهم من إنشاء قاعدة إيطالية تهدد الطريق إلى الهند عند نشوب الحرب، وفي العام نفسه استقبلت صنعاء بعثة سوفييتية وتوجت جهودها بعقد معاهدة صداقةوتعاون بين الطرفين في 1/11/1928.

وكان رد فعل البريطانيين عنيفاً فتخلوا عن العمل الدبلوماسي وشرعت طائراتهم بدءاً من عام 1928 بقصف القوات اليمنية، وأعقب ﺫلك قصف المدن الآمنة، مما ألحق خسائر فادحة بالسكان العزل، وقد أسفرت المواجهات عن هزيمة الجيش اليمني وإجبار الإمام يحيى على الدخول في مفاوضات مع بريطانيا انتهت بتوقيع اتفاقية في11/2/1934، انسحب بموجبها الجيش اليمني من مناطق المحميات التي دخلها؛ ومع أن الإمام يحيى رفض الاعتراف بخط الحدود الـﺫي رسمته الاتفاقية البريطانية – العثمانية لعام 1914، إلا أنه اضطر للتسليم بالاحتلال البريطاني في عدن لمدة 40 عاماً مقبلة، وهي مدة الاتفاقية، على أن يتم بحث موضوع الحدود قبل انتهاء مدة هـﺫه الاتفاقية.

وكان عام 1934 حداً فاصلاً في تاريخ حكم الأئمة الزيديين، إذ عبرت كلتا المعاهدتين عن الاستسلام لمطالب بريطانيا في الجنوب، ولمطالب ابن سعود في الشمال. وكان عام 1934 عام توقف حركة اليمن التاريخية من أجل وحدة الأراضي اليمنية، على الرغم من التضحيات التي قدمها الشعب اليمني بإمكاناته المتواضعة. وقد أدرك البعض أن سبب الإخفاق يعود إلى التركيبة الاقتصادية والاجتماعية المتخلفة المرتكزة على الإقطاع والقبلية. لـﺫا كان لا بد من الإصلاح والتغيير الجذريين فبدأت حالة من الحراك السياسي أفضت لاغتيال الإمام يحيى في 17/4/1948 فيما عرف (بحركة عام 1948 الدستورية)، والتي لم تستمر سوى شهر واحد، إذ نجح ولي العهد الإمام أحمد باستعادة الحكم في 15/3/1948، وقد استمر في السلطة حتى وفاته في 19/9/1962، فخلفه ابنه محمد البدر الـﺫي أطاح به انقلاب عسكري في 26/9/1962 بقيادةالعقيد عبدالله السلال الـﺫي أعلن في 28/9/1962 إلغاء حكم الإمامة وقيام النظام الجمهوري في اليمن الشمالي.

المرحلة الثانية (1979-1990)

رافقت حالة الفوضى والحروب التي شهدتها العلاقات بين الشطرين، نقلة نوعية تمثلت في تولي المقدم علي عبدالله صالح رئاسة الجمهورية في الشطر الشمالي بتاريخ 17/7/1978، فسعى إلى توحيد الجبهة الداخلية عبر إقامة حوار مع العناصر المعارضة لدمجها في العملية السياسية بغية تحقيق قدر معقول من الاستقرار مما يتيح المزيد من فرص التنمية وإنماء البنى الاقتصادية للمجتمع اليمني.

وفي ما يخص موضوع الوحدة فقد نجحت الجامعة العربية باحتواء الخلاف بين الطرفين وعقد دورة استثنائية في الكويت للمدة 4-6/3/1979، وتم خلالها التوصل إلى اتفاق لإنهاء الأعمال الحربية وسحب القوات ووقف الحملات الدعائية وإعادة فتح الحدود أمام حركة الأفراد والبضائع، كما أوصت بعقد قمة بين رئيسي الشطرين لتنقية الأجواء .  

وفي المدة 28-30 /3/ 1979 عقدت قمة الكويت بين الرئيسين علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل، وفي ختام القمة صدر بيان نص على أن تقوم اللجنة الدستورية بإعداد مشروع دستور دولة الوحدة خلال مدة 4 أشهر، ثم تقر الصيغة النهائية من قبل رئيسي الشطرين، فيتم الاستفتاء العام عليه وانتخاب سلطة تشريعية موحدة للدولة الجديدة خلال مدة 6 أشهر، واختتم البيان بالتزام الطرفين بكافة الاتفاقيات السابقة المعقودة بينهما.

وكان هـﺫا البيان بداية العمل الجاد نحو إنجاز الخطوات المؤدية إلى تحقيق الوحدة، وقد استمر بعده عقد اللقاءات بين المسؤولين في الشطرين وعلى مختلف المستويات، كما استمرت أعمال اللجان المشتركة، وفي 2/12/1981 تم تشكيل (المجلس اليمني الأعلى) (واللجنة الدستورية المشتركة)، وقد ضم المجلس في عضويته كلاً من رئيسي البلدين، وأعلن عنه خلال زيارة علي عبدالله صالح إلى عدن، وأعقب ﺫلك الاتفاق المبدئي على تنقل المواطنين بالبطاقة الشخصية، وإزالة المواقع العسكرية الحدودية، وإنشاء عدد من المشاريع المشتركة في مجالات السياحة والمواصلات والصناعة وغير ﺫلك.

يكفي أن ننظر إلى حالة المجتمع اليمني لندرك أنه لم تطرأ عليه أي تغييرات جـﺫرية مقارنة بالتغيرات السياسية التي حدثت في اليمن

ووضعت اللجنة الدستورية المشتركة مسودة الدستور في 30/12/1981، وتكون من 6 أبواب ضمت 136 مادة، وحمل الباب الأول عنوان (أسس الدولة)، ويشمل الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدفاع الوطني  (مادة 1-25)، وحمل الباب الثاني عنوان (حقوق المواطن وواجبات المواطنين الأساسية) (مادة 26-39)، أما الباب الثالث (تنظيم سلطة الدولة) فتطرق إلى هيكلية وصلاحيات مجلس الرئاسة والنواب والوزراء وأجهزة السلطة المحلية (مادة 40-119)، وهو من أكبر الأبواب كونه يتطرق إلى السلطتين التنفيـﺫية والتشريعية، وقد تم إلحاقه بالباب الرابع (القضاء والادعاء العام والنيابة العامة)، أي كل ما يخص السلطة القضائية (مادة 120 -125)، وحدد الباب الخامس شعار الجمهورية وعلمها والنشيد الوطني (مادة 126-128)، وأخيراً حدد الباب السادس قواعد سريان الدستور وأصول تعديله وأحكاماً عامة انتقالية.

واستمر المجلس اليمني الأعلى في أنشطته حتى جاءت أحداث 13/1/1986 في عدن وخروج الرئيس علي ناصر محمد من الشطر الجنوبي ومعه عدد كبير من قيادات الحزب والدولة، وكان تصرف علي عبدالله صالح حكيماً بالتزامه الحياد ودعوته لحل الخلاف ودياً بين رفاق الأمس، وهو ما انعكس على تهيئة مناخات من الثقة أسهمت بإعادة الحوار مع الجناح الـﺫي تولى الحكم في عدن بقيادة علي سالم البيض من أجل إتمام اللمسات النهائية للوحدة اليمنية.

ورغب كلا الطرفين في إعطاء دفعة جديدة لمسار الوحدة، فتم عقد قمة بين رئيسي الشطرين في تعز في الفترة 16-17/4/1988، حيث تم التأكيد على الالتزام بما توصل إليه الجانبان قبل أحداث 13/1/1986 في كافة المجالات والعمل على تنشيط عمل اللجان القائمة، وتكليف المجلس اليمني الأعلى بإعداد برنامج زمني لمشروع دستور الوحدة لإحالته إلى مجلسي الشعب في الشطرين ومن ثم عرضه على الاستفتاء العام كما نصت على ﺫلك اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس، ومن أهم ما اتفق عليه التأكيد على أهمية قيام مشروعات مشتركة لاستثمار الثروات الطبيعية.

وبدأت الخطوات العملية المبشرة بإعادة تحقيق الوحدة في 4/5/1988 عندما تم عقد اتفاق بشأن تسهيل حركة تنقل المواطنين بين الشطرين بوساطة الهوية الشخصية، وإلغاء النقاط العسكرية على الحدود المشتركة، وهو ما دخل حيز التنفيـﺫ بدءاً من 1/7/1988، وكان ﺫلك إسهاماً فعالاً وخطوة واثقة على طريق إعادة تحقيق الوحدة من خلال ما أزالته من تعبئة نفسية وإعلامية خاطئة لدى أبناء الوطن الواحد في الشطرين.

وتواكب ﺫلك كله مع تغيرات دولية أتت بأوضاع مختلفة جـﺫرياً عن السابق في سياسة الاتحاد السوفييتي ومن ثم العلاقات السوفييتية – الأمريكية وانعكاساتها على الأوضاع في بلدان العالم المختلفة، وكان لهـﺫا كله تأثيره على شطري اليمن، ونجحت قيادتا الشطرين في التحرك السليم في هـﺫا الإطار الدولي الجديد لجعل مردوده إيجابياً بالنسبة للوحدة اليمنية.

ومن هنا جاء اتفاق عدن التاريخي في 30/11/1989 بين قيادتي الشطرين، حيث تم التصديق على مشروع دستور الوحدة الـﺫي أنجزته اللجنة الدستورية المشتركة عام 1981، وقد نص الاتفاق على إحالة مشروع الدستور إلى مجلس الشعب والشورى للموافقة عليه خلال 6 أشهر، ومن ثم إجراء استفتاء عام عليه، وانتخاب سلطة تشريعية موحدة للدولة الجديدة طبقاً للدستور الجديد وتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على هـﺫه الإجراءات ودعوة جامعة الدول العربية لإيفاد ممثلين عنها للمشاركة في اللجنة، وبهـﺫا تكون قمة عدن قد تجاوزت الطروحات الكونفدرالية أو الصيغ الانتقالية الأخرى التي كانت تنحصر في المؤسسات التنفيـﺫية وأجهزة الإدارة، ويمكن القول إن قمة عدن وما نتج عنها، حققت الأساس العملي والتنفيـﺫي لمشروع دولة الوحدة اليمنية في الوقت الـﺫي حققت اتفاقية القاهرة 1972 الأساس القانوني لهـﺫه الدولة، مع إحداث بعض التعديلات التي اقتضتها طبيعة المرحلة.

وفي الاجتماع الثاني للجنة التنظيم السياسي الموحد التي عقدت في عدن يوم 10/1/1990 تم إقرار مبدأ التعددية السياسية من خلال الموافقة على البديل الثاني الـﺫي ينص على احتفاظ الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام باستقلاليتهما، وحق القوى السياسية في ممارسة نشاطها بكل حرية وفقاً للدستور في ظل اليمن الواحد. وفي الاجتماع الثاني الـﺫي عقد في صنعاء للمدة 20-22/1/1990، وصدر عنه عدد من القرارات في الجوانب الاقتصادية والمالية والإعلامية والثقافية والتربوية والتشريعية القضائية والشؤون الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي والتصورات المطروحة بشأن دمج الوزارات والأجهزة والمصالح والمؤسسات.

وفي يوم 22/5/1990 تم التوقيع على اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية من قبل زعيمي الشطرين، وفيما يلي نص الاتفاق:

تقوم بتاريخ الثاني والعشرين من مايو عام 1990م الموافق 27 شوال بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (شطري الوطن اليمني) وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد يسمى (الجمهورية اليمنية)، وتكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، بعد تنفيذ هذا الاتفاق يكون مجلس رئاسة الجمهورية اليمنية طوال الفترة الانتقالية ويتألف من خمسة أشخاص ينتخبون من بينهم في أول اجتماع لهم رئيساً لمجلس الرئاسة ونائباً للرئيس لمدة المجلس ويشكل مجلس الرئاسة عن طريق الانتخابات من قبل اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى، والمجلس الاستشاري، ويؤدي مجلس الرئاسة اليمين الدستورية أمام هذا الاجتماع المشترك قبل مباشرة مهامه، ويمارس مجلس الرئاسة فور انتخابه كافة الاختصاصات المخولة لمجلس الرئاسة في الدستور، تحدد فترة انتقالية لمدة سنتين وستة أشهر، ويتكون مجلس النواب خلال هذه الفترة من كامل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب الأعلى بالإضافة إلى (31) عضواً يصدر بهم قرار من مجلس الرئاسة، ويمارس مجلس النواب كافة الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور، عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور يصدر مجلس الرئاسة في أول اجتماع له قراراً بتشكيل مجلس استشاري مكون من (45) عضواً، وتحدد مهام المجلس في القرار نفسه، ويكلف مجلس الرئاسة في أول اجتماع له فريقاً فنياً لتقديم تصور حول إعادة النظر في التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية بما يكفل تعزيز الوحدة الوطنية وإزالة آثار التشطير، وبناء على هذا الاتفاق تمت إعادة تحقيق الوحدة وإعلان قيام الجمهورية اليمنية في الموعد المحدد، وتم اختيار الرئيس علي عبدالله صالح رئيساً لمجلس الرئاسة في الجمهورية اليمنية.

ختاماً إن المتتبع لمسيرة الوحدة اليمنية لا بد أن تستوقفه جملة من الحقائق والمعطيات، لعل في مقدمتها أن التقسيم كان عملية مصطنعة تسبب بها الاستعمار ممثلاً بالعثمانيين تلاهم البريطانيون بدءاً من عام 1839، والـﺫين عرفوا بتبنيهم لسياسة (فرق تسد)، وقد كان لهـﺫا الأمر أهميته كونهم لم ينسحبوا من جنوب اليمن إلا في عام 1967، وظلوا طيلة هـﺫه المرحلة التاريخية حجر الرحى في التطورات التي شهدتها الساحة اليمنية جرياً على عادتهم في مختلف البلدان التي خضعت لاحتلالهم.

وواجهت الوحدة اليمنية جملة من المعوقات الشديدة مما استلزم 76عاماً (1918-1994)، و3 حروب بين شطري اليمن (1972-1979-1994)، ويعود سبب ﺫلك إلى عوامل خارجية وداخلية مع الإقرار بعدم إمكانية الفصل فيما بينهما، وإن كان للعوامل الداخلية النصيب الأكبر، ويكفي أن ننظر إلى حالة المجتمع اليمني الآن لندرك أنه لم تطرأ عليه أي تغييرات جـﺫرية مقارنة بالتغيرات السياسية (ولا نقول التطورات) التي حدثت في اليمن.

وفي ما يخص العامل الخارجي فقد نجحت بريطانيا في التصدي للمحاولات الوحدوية التي قام بها الإمام يحيى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر حليفيها الإدريسي وابن سعود، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية تراجع الدور البريطاني إلى مجرد قوة احتلال في الشطر الجنوبي لينتهي بصورة رسمية مع إعلان الاستقلال في 30/11/1967، وقد رافق ﺫلك تدخل الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشيوعية لدعم النظام في عدن كجزء من صراع القطبين، ومع انهيار المعسكر الشرقي في أواخر الثمانينات تلاشى العائق الأيديولوجي، كما انحسر الدعم الـﺫي كان يتلقاه الشطر الجنوبي، مما أسهم في إعطاء زخم أكبر لمسيرة الوحدة اليمنية.

والعامل الآخر داخلي بحت تمثل في التركيبة القبلية للمجتمع اليمني. ورغم أن هـﺫه الظاهرة تشكل سمة لشبه الجزيرة العربية، إلا أنها اتخـﺫت في اليمن شكلاً أكثر عمقاً وتعقيداً، ناهيك عن القول إن الاستعمار أسهم في ترسيخها، فالعثمانيون والبريطانيون سعوا إلى السيطرة على المناطق الساحلية واحتكار مواردها مما أدى إلى شيوع الفقر في مناطق الداخل، كما سعوا إلى عقد معاهدات مع الزعماء المحليين لتوفير الحماية لهم مقابل عدم مقاومة الاحتلال، ما أدى إلى حالة من التشرﺫم والانقسام وتحول رؤساء القبائل إلى شبه حكام مطلقين احتكروا لأنفسهم مصادر الثروة والسلطة، وكل ﺫلك على حساب المواطن العادي والسلطة المركزية التي وجدت نفسها عاجزة عن تحجيم نفوﺫهم أو محاولة رفع المستوى المعيشي لليمنيين نظراً لضآلة مواردها المالية.

لقد انعكست الحالة الداخلية على مسيرة الوحدة، خصوصاً أن العملية شهدت مآزق ومطبات عديدة؛ إذ لم يكن أي من الطرفين راغباً في التنازل للطرف الآخر إلا وفق حدود معينة، بالإضافة إلى وجود قوى معارضة في كلا الشطرين لمبدأ الوحدة من الأساس، لـﺫا أسهم الاستقرار السياسي في الشطر الشمالي مع تولي علي عبدالله صالح الحكم في دفع مسيرة الوحدة بوتيرة أسرع، ويحسب له سعيه لإحداث نوع من التكامل الاقتصادي قبل الخوض في المسائل السياسية الشائكة، وربما يكون قد استفاد في ﺫلك من تجارب الآخرين (كتجربة الاتحاد الأوروبي)، آخذاً في الاعتبار أن التقسيم يعود إلى عام 1839. لـﺫا وجب السير في عملية الوحدة بتؤدة وبخطوات قصيرة لكن ثابتة، وقد كان ﺫلك قراراً حكيماً كونه أسهم في التخفيف من غلو العناصر المتشككة في الأمر برمته، كما التزمت القيادة بالحياد تجاه ما يحدث من صراعات داخلية في عدن، ما أعطى طروحاتها مصداقية لدى الطرف الآخر، وهو ما توج بإعلان الوحدة اليمنية في 22/5/1990.

 

مقالات لنفس الكاتب