array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 146

المتطلبات الخليجية: رؤية متكاملة وتبادل الخبرات وتقليل الفجوات

الأحد، 02 شباط/فبراير 2020

مر العالم على مدار العقود الماضية بالعديد من التحولات التي أثرت على حياة الأفراد والمجتمعات بدرجات متفاوتة، بحيث اختلف تأثير تلك التحولات ومدى الاستفادة منها من دولة لأخرى وفقًا لعدة اعتبارات من بينها مدى تقدم الدولة وكونها مشاركًا وفاعلاً في تلك التحولات أم متلقي لها. ورغم ذلك، فالتحولات التي يمر بها العالم حاليًا في إطار "الثورة الصناعية الرابعة" لا تُماثل أيّ من التحولات التي مر بها العالم على مدار قرون مضت. فالتغيرات التي من المتوقع أن يشهدها العالم خلال العشرين عامًا القادمة ستفوق ما شهده العالم من تحولات كنتيجة للثورات السابقة التي شهدها العالم.

وتقوم الثورة الصناعية الرابعة على الترابط بين الجوانب المادية والافتراضية حيث تُشكل ثورة في العمليات الرقمية تتفاعل فيها تكنولوجيا المعلومات مع الإنسان والآلات. حيث تقوم على الدمج بين التقنيات المادية والرقمية والحيوية من خلال استخدام التكنولوجيا المتقدمة في مختلف المجالات بما يُسهم في تحسين كفاءة العمليات وسرعة التطور والنمو. وهي تنطلق من الإنجازات الكبرى التي حققتها الثورة الصناعية الثالثة خاصة شبكة الانترنت والقدرة الفائقة على تخزين المعلومات وغيرها ليفتح المجال لآفاق جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والروبوتات والسيارات ذاتية القيادة والطباعة ثلاثية الأبعاد وغيرها[1].

وتنطوي الثورة الصناعية الرابعة على العديد من المزايا التي تقدمها للأفراد والمجتمعات من بينها دورها في رفع مستويات الدخول وتحسين نوعية الحياة الناتج عن التطورات التكنولوجية في كافة المجالات التي ستحسن حياة الأفراد إضافة إلى دورها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما ستوفر فرصًا مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وستستفيد منها قطاعات عدة وفي مقدمتها قطاع الصحة[2]. على الجانب الآخر، تفرض الثورة الصناعية الرابعة على الدول العديد من التحديات والتي ترتبط بطبيعة تلك الثورة الصناعية في مقدمتها البطالة وما يرتبط بذلك من متطلبات لتأهيل القوى البشرية لتصبح قادرة على مواجهة المهارات المطلوبة في عصر الثورة الصناعية الرابعة. فهناك قطاعات بالكامل ستتغير ملامحها سواء من حيث طبيعة أداء الأدوار أو العمالة في هذا القطاع. فالتطور التكنولوجي سيؤدي إلى غياب وظائف عديدة في المستقبل لصالح الروبوتات والذكاء الاصطناعي. مع ملاحظة أن الوظائف التي اختفت كنتيجة للثورة الصناعية الثالثة من الزراعة والصناعة قد استوعبها قطاع الخدمات. وقد يصاحب ذلك انتشار اللامساواة الناتجة عن فقدان فرص العمل وما ينتج عن ذلك من اضطرابات وقلاقل، كما أن أحد تداعيات الثورة الصناعية الرابعة تحول جزءًا من الصراعات إلى الفضاء الإلكتروني.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن دول الخليج بوصفها الأغنى بين دول المنطقة ستكون الأكثر تأثرًا بالثورة الصناعية الرابعة خاصة أن العديد من ملامحها بدأت تظهر بالمنطقة بالفعل من خلال التجارة الإلكترونية وغيرها من المجالات.[3] مع وجود تفاوتات بين الدول الخليجية في هذا الشأن، إذ تُعد الإمارات الأكثر اهتمامًا بين دول المنطقة في هذا الشأن.

وفي إطار ما تقدمه الثورة الصناعية من فرص مهمة للتقدم البشري يبقى التحدي هو مدى توافر المقومات الكفيلة بخلق بيئة ملائمة لاستفادة الدول مما تقدمه الثورة الصناعية الرابعة من فرص مهمة والقدرة على مواجهة التحديات عبر الاستعداد وتهيئة البيئة الملائمة للاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة.

ويهدف هذا المقال إلى طرح مجموعة من الأفكار بشأن كيفية استعداد دول الخليج للاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة وهو ما يتطلب التعرف أولاً على المقومات التي تمتلكها دول الخليج وتجعلها مؤهلة لأن تكون فاعلاً في الثورة الصناعية الرابعة، وكذلك الجهود التي بذلتها الدول الخليجية للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة، والتحديات التي تواجهها الدول الخليجية في هذا الشأن وكيفية التغلب عليها.

 

-دول الخليج ومقومات المشاركة في الثورة الصناعية الرابعة:

مقارنة بباقي دول المنطقة يتوافر لدى دول الخليج مجموعة من المقومات التي تجعلها أكثر تأهلا للمشاركة في الثورة الصناعية الرابعة ومن ثم الاستفادة مما تقدمه من فرص، خاصة في ظل وجود نسبة كبيرة من السكان من فئة الشباب (وفقًا لمركز الإحصاء الخليجي فإن 25.2% من إجمالي السكان في دول الخليج يقعون في الفئة العمرية 15-25 سنة[4]) وهي الأكثر قدرة على التكيف مع المتطلبات التكنولوجية الجديدة، إضافة إلى قلة عدد السكان، مع موارد مالية تجعلها مؤهلة للاستثمار في قطاع التكنولوجيا الجديدة. كما تحظى دول الخليج بمكانة جيدة في مؤشرات جودة التعليم وهو ما يُشكل فرصة مهمة للاستفادة وتطوير تلك المهارات لتواكب متطلبات سوق العمل في المستقبل. فخلال السنوات الأخيرة اتجهت دول المنطقة لتطوير الأنظمة التعليمية وهو ما انعكس إيجابًا على وضعها في المؤشرات المرتبطة بالتعليم.

ورغم وجود تفاوتات بين دول الخليج إلا أنها مقارنة بباقي دول المنطقة تُعد الأفضل نسبيًا في العديد من المؤشرات التي تُشكل مقومات ضرورية للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة وخاصة المؤشرات المرتبطة بالابتكار والمعرفة.

وفقًا لمؤشر الابتكار العالمي تتمتع دول المنطقة بوضع جيد وذلك كما يتضح من جدول رقم (1). ومؤشر الابتكار العالمي، هو مؤشر مركّب يقيس أداء الابتكار في الدول عبر مدخلات ومخرجات الابتكار، وتُقاس مدخلات الابتكار بناءً على المؤسسات والقوى العاملة والبنية التحتية وتطور الأسواق وتطور الأعمال التجارية، أما مخرجات الابتكار فتُقاس بناءً على مخرجات المعرفة والتكنولوجيا والإبداع.

وتُعد الإمارات الأكثر تقدمًا بين دول المنطقة حيث جاءت في الترتيب 36 عالميًا، يليها الكويت ثم قطر في الترتيب 60، و65 تباعًا ثم المملكة العربية السعودية في الترتيب 68. وتتمتع الإمارات بوضع متقدم في مؤشرات مدخلات الابتكار وأفضلها على الإطلاق مؤشر رأس المال البشري والبحث العلمي مما يؤكد توافر المقومات الملائمة للمشاركة في الثورة الصناعية الرابعة. الأمر ذاته في المملكة العربية السعودية حيث كانت قيمة مؤشر رأس المال البشري والبحث العلمي 29 في الترتيب على المستوى العالمي ثم مؤشري تطور الأسواق وتطور الأعمال.

جدول (1)

وضع الدول الخليجية وفقًا لمؤشر الابتكار العالمي 2019

الدول

الترتيب العالمي

قيمة المؤشر (0-100)

المؤسسات

رأس المال البشري والبحث العلمي

البنى التحتية

تطور الأسواق

تطور الأعمال

مخرجات التكنولوجيا والمعرفة

مخرجات الإبداع

السعودية

68

32.93

104

29

55

47

48

87

86

الإمارات

36

42.17

28

18

21

34

30

63

50

البحرين

78

31.10

54

85

45

79

83

92

83

سلطنة عمان

80

30.98

69

35

48

78

107

112

88

قطر

65

33.86

53

70

28

82

67

80

70

الكويت

60

34.55

90

81

53

41

100

52

56

Source: Soumitra Dutta, Bruno Lanvin, and Sacha Wunsch-Vincent (eds.), Global Innovation Index 2019, Creating Healthy Lives—The Future of Medical Innovation, Cornell University, INSEAD, and the World Intellectual Property Organization, 2019.

كما تتمتع الدول الخليجية بوضع نسبي جيد في مؤشرات المعرفة وهو من المؤشرات التي من المهم العمل عليها للتكيف مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة، ووفقًا لمؤشر المعرفة العالمي لعام 2019م، فقد جاءت الإمارات في الترتيب 18 عالميًا من بين 136 دولة شملها المؤشر وذلك كما يتضح من جدول رقم (2). كما جاءت قطر في الترتيب 40 عالميًا ثم البحرين في الرتيب 43 عالميًا ويليها سلطنة عُمان في الترتيب 50 عالميًا.


 

جدول (2)

وضع الدول الخليجية وفقًا لمؤشر المعرفة العالمي 2019

الدول

الترتيب العالمي (من بين 136 دولة)

التعليم قبل الجامعي

التعليم التقني والتدريب المهني

التعليم العالي

البحث والتطوير والابتكار

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

الاقتصاد

البيئة التمكينية

السعودية

52

92

86

60

36

32

43

79

الإمارات

18

12

13

19

33

15

2

34

البحرين

43

47

22

50

86

34

27

72

سلطنة عمان

50

70

82

58

62

49

31

54

قطر

40

100

50

25

42

36

48

33

الكويت

62

69

72

59

82

62

53

60

Source: Global Knowledge Index, 2019

http://knowledge4all.com/en/WorldMap

وفيما يتعلق بالمؤشرات الفرعية المكونة لمؤشر المعرفة العالمي، ففي الإمارات كان مؤشر الاقتصاد هو الأفضل إطلاقًا حيث جاءت في الترتيب الثاني عالميًا يليه مؤشري التعليم قبل الجامعي، والتعليم التقني والتدريب المهني. وفي المملكة العربية السعودية فقد كان أفضل المؤشرات الفرعية مؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيث جاءت في الترتيب 32 عالميًا. وفي البحرين فقد كان مؤشر التعليم التقني والتدريب المهني هو الأفضل. أما سلطنة عمان فكان مؤشر الاقتصاد هو الأفضل في الترتيب.

هذا على جانبي الابتكار والمعرفة، من الناحية الاقتصادية تُشكل منطقة الخليج فرصة ملائمة لجذب الشركات العالمية للاستثمار بها لما يتوافر بها من بنية تحتية وأطر مؤسسية. ويوضح الجدول الاستثمارات المتدفقة لدول المنطقة خلال السنوات الأخيرة وهي آخذة في النمو رغم حالة عدم الاستقرار في المنطقة بشكل عام.


 

جدول (3)

تدفق الاستثمارات الأجنبية للدول الخليجية (2013-2018)

مليون دولار

السعودية

الإمارات

البحرين

سلطنة عمان

قطر

الكويت

2013

8.865

9.765

3.729

1612

-840

1.434

2014

8.012

11.072

1.519

1287

1.040

953

2015

8.141

8.551

65

-2172

1.071

311

2016

7.453

9.605

243

1680

774

419

2017

1.421

10.354

519

1867

986

301

2018

3.209

10.385

1.515

4.191

-2.186

346

Source: World Investments Report 2019, UNCTD, 2019

يُضاف لذلك وضع اقتصاد دول المنطقة فوفقًا لمؤشر التنافسية العالمي فقد جاءت اقتصادات دول الخليج في مكانة متقدمة مقارنة بدول المنطقة. حيث جاءت الإمارات في الترتيب 26 عالميًا من بين 141 دولة شملها المؤشر، وجاءت قطر في الترتيب 29 عالميًا، ثم الاقتصاد السعودي في الترتيب 36 عالميًا، ثم البحرين فالكويت في الترتيب 45 ثم 46 تباعا. وجاءت سلطنة عُمان في الترتيب 53 عالميًا[5].

وبالتركيز على الصبغة الابتكارية في اقتصاد الدولة فوفقًا لمؤشر الاقتصادات الأكثر ابتكارًا في العالم وهو مؤشر سنوي لتصنيف مدى ابتكار الدول الرائدة في العالم من الناحية الاقتصادية اعتمادًا على ستة معايير هي: البحث والتطوير، ونشاط براءات الاختراع، وقيمة التصنيع المضافة، وكثافة التكنولوجيا العالية، والتعليم بعد المرحلة الثانوية، وأخيرًا موظفي البحوث وبراءات الاختراع والبحوث الشخصية. فمن بين 60 دولة شملها مؤشر عام 2019، جاءت الإمارات في الترتيب 46 على مستوى العالم، وجاءت الكويت في الترتيب 55 عالميًا، ثم المملكة العربية السعودية 56 عالميًا، وقطر في الترتب 57 عالميًا[6].

وبذلك فعلى جانبي المعرفة والابتكار وكذلك طبيعة الاقتصاد تتوافر مقومات ملائمة بدول المنطقة تجعلها مهيأة للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة.

-الجهود الخليجية للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة:

خلال السنوات الأخيرة اتجهت دول الخليج وبدرجات متفاوتة للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة، فقد قامت الإمارات بتأسيس مركز للثورة الصناعية الرابعة[7]، كما قامت بتوقيع بروتوكول تعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي بشأن الثورة الصناعية الرابعة يقوم على ثلاثة محاور هي: توفير بيئة آمنة ومتكاملة للبيانات، وصياغة سياسات وتشريعات الثورة الصناعية الرابعة، وبناء منظومة قيم وأخلاقيات الثورة الصناعية الرابعة[8].

وبشكل عام، تُعد الإمارات من الدول الرائدة في الشرق الأوسط في مجال الذكاء الاصطناعي وخلال السنوات الأخيرة انتهجت عدة خطوات بداية من عام 2017م، عندما أنشأت موقعًا حكوميًا لتطوير الذكاء الاصطناعي ثم وزارة للذكاء الاصطناعي، واستراتيجية للذكاء الاصطناعي تهدف إلى تعزيز مكانة الإمارات كمركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة، إضافة إلى المساهمة في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتقنيات التكنولوجية المستقبلية، وآخرها كان تعيين سفير للذكاء الاصطناعي. كما تسعى الإمارات لتكون أول مختبر عالمي مفتوح Open Lab لتطبيقات تكنولوجيا المعلومات[9].  

وفي مجال التكنولوجيا المالية فقد حققت دول المنطقة نجاحات مهمة خاصة في الإمارات من خلال تطبيقات مثل "دبي باي" والذي أُطلق في عام 2017م، وقد نجح خلال العام الأول من إطلاقه في معالجة 35 مليون دولار من المدفوعات عبر برمجيات البلوك تشين. حتى أن الهيآت الحكومية مثل هيأة كهرباء ومياه دبي وهيأة المعرفة والتنمية البشرية بدأت تعتمد على "دبي باي" في معاملاتها المالية. وغيرها من الأمثلة. كما أن كل من سوق أبو ظبي العالمية ومركز دبي المالي العالمي طبقتا برامج تسريع تركز على التكنولوجيا المالية. لمعالجة المشكلات التي تعانيها الشركات التابعة لتلك الهيآت عبر التكنولوجيا المالية[10].

وتخطط دبي لأن تنشأ 25% من مبانيها باستخدام الطابعات الذكية وأن تكن 25% من السيارات تعمل بدون سائق بحلول 2030[11].

كما تطورت التجارة الإلكترونية في المنطقة بشكل كبير حيث يبلغ سوق التجارة الإلكترونية في المنطقة نحو 20 مليار دولار حيث تتراوح قيمة التجارة الإلكترونية في المنطقة ما بين 2 – 2.5% من تجارة التجزئة[12].

كما نصت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 على تهيئة البيئة الملائمة لمواجهة الثورة الصناعية الرابعة حيث أشارت إلى تنمية البنية التحتية الرقمية، كما أشارت الرؤية إلى "تعزيز حوكمة التحول الرقمي عبر مجلس وطني"[13].

-تحديات تؤثر على مشاركة دول الخليج في الثورة الصناعية الرابعة:

مع كل ثورة تكنولوجية يشهدها العالم تحدث مجموعة من التغيرات التي تؤثر على المجتمعات سواء كانت تغيرات ديموغرافية أو أخرى ترتبط بتوزيع الدخول وغير ذلك. إلا أن التغيرات المصاحبة للثورة التكنولوجية الرابعة ما حدث منها وما هو متوقع حدوثه لم يسبق أن مر به المجتمع البشري في الثورات الثلاث السابقة حيث ستتأثر كافة الأنظمة القائمة خاصة أن الابتكارات المرتبطة بالثورة التكنولوجية الرابعة تُغطي نطاقًا واسعًا من المجالات من بينها انترنت الأشياء، وتطبيقات الذكاء الصناعي، والتعليم الذاتي، والحوسبة القائمة على ميكانيكا الكم. وغيرها[14].

ومع ما تمتلكه دول المنطقة من مقومات تجعلها مؤهلة بدرجة ما للاندماج في الثورة الصناعية الرابعة، ومع المحاولات التي بذلتها الدول الخليجية خلال السنوات الأخيرة للانخراط في الثورة الصناعية الرابعة، إلا أن هذا لا يعني عدم تأثر دول الخليج بالتحديات التي تفرضها الثورة الصناعية. ويمكن أن نُشير إلى نماذج من أبرز التحديات التي يجب الاستعداد لمواجهة تداعياتها من بينها الجرائم الإلكترونية كنتيجة لحدوث تغير في الفضاء الاستراتيجي للصراعات في المستقبل القريب، وكذلك الوضع الاقتصادي للدول ومدى ملاءمته بصورة كاملة للتغيرات المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة، مع التركيز على مستقبل العمالة في ضوء التحولات التكنولوجية والأتمتة. فالذكاء الصناعي والأتمتة من شأنها التأثير على مستقبل العمل بشكل كبير حيث ستختفي العديد من الوظائف ليحل محلها الروبوت كما ستتطلب وظائف أخرى توافر قدرات تكنولوجية خاصة وغير ذلك بحيث بدأت العديد من دول العالم في الاستعداد عبر التدريب على التقنيات الجديدة والبحث عن حلول اقتصادية غير تقليدية لمواجهة التداعيات المحتملة للثورة التكنولوجية على الوظائف. وهناك تقديرات متفاوتة في هذا الشأن، حيث تُشير بعض المصادر إلى أن ما بين 10-50% من الوظائف الحالية ستتأثر كليًا أو جزئيًا بتطبيقات الذكاء الاصطناعي[15]. ووفقًا للتقارير الدولية إذا لم تتمكن المنظمات بالتكيف مع تلك التطورات فإن ثلثي أسواقها ستزول بحلول 2022[16].

كما أن التحدي هو كيف يمكن الوصول لاقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار يعتمد على التطبيقات التكنولوجية المستقبلية. فرغم ما حققته الاقتصاديات الخليجية من إنجازات مهمة في مجال التحرك نحو التوصل لاقتصاد تنافسي فمازالت هناك العديد من الخطوات التي على دول المنطقة القيام بها.

أحد أبرز مخاطر الثورة الصناعية الرابعة تتمثل في الجرائم الإلكترونية خاصة في ضوء ما تُشير إليه الأرقام من أن منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تضررًا من الهجمات الإلكترونية. فالوتيرة السريعة للرقمنة تجعل دول المنطقة أكثر عرضة لمخاطر الهجمات الإلكترونية، ليصبح تأمين الفضاء الإلكتروني أحد أهم التحديات التي تواجه دول المنطقة. وتُشير المصادر إلى أن معدل الجرائم الإلكترونية ارتفع في الكويت بنسبة 170% بين عامي 2015، و2016م. وفي الإمارات زادت الجرائم الإلكترونية بنسبة 23.5% في عام 2م.

-كيف يمكن لدول الخليج أن تتحرك للاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة:

بشكل عام فإن نجاح الدول في الاستفادة مما تقدمه الثورة الصناعية الرابعة من فرص يرتبط بقدرتها على توفير المناخ الملائم والاستراتيجيات المناسبة وخلق اقتصاد تنافسي يجعلها مؤهلة للاستفادة مما تقدمه الثورة الصناعية الرابعة من مزايا. وفي ضوء ما يتوافر لدول المنطقة من مقومات مع وجود تحديات حالية ومتوقعة، يصبح من المهم اقتراح مجموعة مجالات التحرك التي على الدول الخليجية العمل عليها للاستفادة من مزايا الثورة الصناعية الرابعة.

ويمكن طرح مجموعة من الأفكار للدول الخليجية للتحرك خلالها الفترة القادمة. فهناك حاجة لتشريعات جديدة لحوكمة القطاعات الحيوية الجديدة بدول المنطقة، هناك حاجة لمراجعة المقررات التعليمية ومدى توافقها مع الاحتياجات المستقبلية لسوق العمل فالاستمرار على النهج ذاته سيحول المنطقة لسوق للبطالة. كما أنه من المهم التعرف على اتجاهات العمل المستقبلية وخلق توافق بين المناهج التعليمية ومتطلبات سوق العمل المستقبلي عبر تطوير المهارات وتطوير المناهج. فالاستفادة من الثورة الصناعية يتطلب أنظمة تعليمية ذات طبيعة تطبيقية قادرة على تحفيز الفكر وتخريج رواد أعمال في القطاعات المختلفة. فالاستثمار في رأس المال البشري يمثل أهم المجالات التي على دول المنطقة الاستمرار في العمل عليها في الفترة القادمة.

فإذا كان أحد مزايا الثورة الصناعية الرابعة تتمثل في قدرتها على جذب استثمارات أجنبية مباشرة من خلال ظهور قطاعات جديدة للعمل ستجذب الآلاف للعمل بها فهذا يتطلب التعرف على تلك القطاعات والاتجاه نحو الاستثمار فيها بشريًا وماديًا للاستعداد لها[17].

ولكي يمكن لدول المنطقة أن تستفيد من الثورة التكنولوجية عليها أن تتحرك بخطى سريعة في مجال البحث والتطوير[18]. فهناك حاجة للإنفاق على مزيد من البحث والتطوير بالمنطقة خاصة في المجالات الجديدة التي ستنشأ كنتيجة للثورة الصناعية الرابعة.

كما أن التكنولوجيا المالية الناشئة أحد المجالات المهمة التي يمكن لدول المنطقة العمل عليها خلال الفترة القادمة وهناك حاجة لتشجيع الشركات الناشئةفي مجال التكنولوجيا المالية. خاصة أن دول المنطقة قطعت شوطًا مناسبًا في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة.  

وكما أشرنا فقد قامت الإمارات بتأسيس مركز للثورة الصناعية الرابعة ومن المهم التوسع في إنشاء مثل هذا النوع من المراكز بهدف تطوير الآليات الملائمة التي يمكن للحكومات من خلالها مواجهة التحديات المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة وخلق كادر من الخبراء والمتخصصين لدراسة الفرصة المتاحة للاستفادة من الثورة الصناعية الرابعة[19].

وفي ظل المخاطر المرتبطة بالجرائم الإلكترونية والتي من المتوقع تزايدها فعلى الدول الخليجية تطوير الأطر التشريعية القائمة ووضع آليات مؤسسية يمكن من خلالها مواجهة تلك التحديات. هذه التطورات تتطلب أطر تشريعية ملائمة وذلك لتقنين الأنشطة الجديدة وما يترتب على ذلك من تعديلات.

أحد التحديات التي تواجه دول المنطقة حاليًا هو طبيعة الاقتصاد بالمنطقة لذا فهناك حاجة لبناء اقتصاد تكاملي بعيدًا عن الاقتصاد القائم على النفط. كما أن هناك حاجة للاستثمار العربي المشترك وتفعيل الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية.

وفي ظل وجود نسب كبير من العمالة الوافدة في الدول الخليجية فهذا يتطلب سياسة اقتصادية واجتماعية جديدة استعدادًا لمواجهة تأثيرات الثورة الصناعية على القطاعات التي يعملون بها على أن تكون سياسة تدريجية.

خاتمة

وفقًا لتقرير "الثورة الصناعية الرابعة: تأثيرها على النمو الاقتصادي والابتكار ومستقبل العمل في الشرق الأوسط" فقد خلص التقرير إلى أن هناك مجالات تنطوي على فرص وتحديات في الوقت ذاته لدول المنطقة وهي النمو الاقتصادي والابتكار ومستقبل العمل. حيث أشار 78% من قادة الأعمال الذين شاركوا في استطلاع الرأي أنه من بين العوامل الاقتصادية الكبرى والظروف الجيوسياسية المؤثرة على المنطقة يشكل التحول الرقمي الفرصة الأهم لدول المنطقة[20].

ولكي يمكن لدول المنطقة أن تستفيد من هذه الفرصة، عليها التحرك على أكثر من مجال ماديًا وبشريًا. وكل هذا يتطلب وضع رؤية متكاملة بشأن مواجهة التداعيات المحتملة للثورة الصناعية الرابعة وتبادل الخبرات بحيث يتم الاستفادة مما تقدمه الثورة الصناعية الرابعة من فرص للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة عبر التخطيط الدقيق وتقليل الفجوات التكنولوجية بين دول المنطقة.

هذه الرؤية المتكاملة يجب أن تنطلق من تفاوت القدرات بين دول المنطقة وأن تبني على ما يتوافر لديها من مقومات لتصبح قادرة على مواجهة التحديات المتوقعة.

 

[1] ماذا تعرف عن الثورة الصناعية الرابعة؟، العربية نت، 1 يوليو 2018

https://www.alarabiya.net/ar/qafilah/2018/07/01/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9%D8%9F

[2]Mohammad Hassan Al Harbi,Fourth Industrial Revolution is upon us, Gulf News, May 11, 2018.

https://gulfnews.com/opinion/op-eds/fourth-industrial-revolution-is-upon-us-1.2219861

[3] عبدالقادر الكاملي، الثورة الصناعية الرابعة فرصة لنا أم تهديد؟ مجلة رواد الأعمال، 7 يناير 2017.

https://entrepreneuralarabiya.com/2017/01/07/8608/%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D8%B5%D8%A9-%D9%84%D9%86%D8%A7-%D8%A3%D9%85-%D8%AA%D9%87/

[4] «الإحصاء الخليجي»: 25.2% نسبة الشباب في دول الخليج، صحيفة تواصل الالكترونية، 12/8/2018

https://twasul.info/1194173/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A-25-2-%D9%86%D8%B3%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%88/

[5] The Global Competiveness Report 2019, World Economic Report, 2019.

[6]World's 60 Most Innovative Economies, Bloomberg , 2019.

https://www.bloomberg.com/news/articles/2019-01-22/germany-nearly-catches-korea-as-innovation-champ-u-s-rebounds

[7] الإمارات تتعاون مع دافوس لإنشاء مركز الثورة الصناعية الرابعة، حفريات، 25 يناير 2018.

https://www.hafryat.com/en/node/1026

[8] المرجع السابق.

[9] أحمد الصفتي، مزايا خليجية: كيف توظف الدول الثورة الصناعية الرابعة في خدمة اقتصاداتها؟، مركز المستقبل للدراسات والأبحاث، 1مايو 2017.

https://futureuae.com/ar/MainPage/Item/2761/%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%AD%D9%88%D9%86-%D9%88%D8%AE%D8%A7%D8%B3%D8%B1%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%84%D9%81

[10]الدروس المستفادة من تجربة دولة الإمارات في صناعة السياسات التقنية لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة، أم أي تي تكنولوجي ريفيو، 23 ديسمبر 2018.

https://technologyreview.ae/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%B1%D9%88%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%85%D8%A7%D8%B1/

[11] عبدالقادر الكاملي، مرجع سابق.

[12] 20 مليار دولار حجم سوق التجارة الإلكترونية بالخليج، العربية نت، 18 نوفمبر 2017.

https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/economy/2017/11/17/20-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D8%AD%D8%AC%D9%85-%D8%B3%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC

[13] رؤية 2030، المملكة العربية السعودية

https://vision2030.gov.sa/

[14] أحمد الصفتي، مرجع سابق.

[15]UAE leads GCC in adopting Fourth industrial revolution, Mubasher, 19 May 2019

https://english.mubasher.info/news/3480654/UAE-leads-GCC-in-adopting-Fourth-industrial-revolution/

[16]Ibid

[17]مناهل ثابت، الثورة الصناعية الرابعة الفرص والتحديات، البيان، 27 نوفمبر 2017,

https://kitabat.com/2017/12/02/%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%B5-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF/?__cf_chl_jschl_tk__=e322019113f257f0d214139a1bdfd63449f7d8e5-1579443614-0-ASRYAtFMKmuynBalXPaLCnHDv4c0ffUiKFSVg6jSAm8dk0UzpdLw9muBdbP2_llvWmcMa3Tc-r5gEVQMz1va9YwaPbgBA8a7wRHzIk09Ao0Zch5Ht0SKWqsn9sScBtPvhRNndvc1CZfwFIdiLBPPYfv5E1BWqZH3cSlFdByq3hqZU75cL18HSw_LYwzFxNtCW0ss9s23BbDm91w-TQIZRF-mgoQSiJFOeqGo0s9j5jBwNGq21Kj78XMJxQHMJ7N7f3JYith0JoBZBwql7JsYJDu4BV2O3AFrlHt5dty_YS9DqTVfqKUmycr4lrVJX9BRITcYr4Mp_RhcsOCE2X76D0ENdGCjagFOTQw31-DYux2Np4E6RKF0tT_mu5FYWxybz8Fj18xKUlE81CsZghkuodejqbdLDr9EDAj81qrsacTZXNlSJCaXRUdJaMSSQsiqwVgt8AQiaGH_DQfD5pxNMTKTLs541X3kQppVTuFjUHvPEaFhlgCF7t_H3LvVC8Dte6Xro1ZjaPfNtReIjqxTOSaWWeRcaGQFsSM8XQ0X4aEt

[18] سوزان السيد، "الشرق الأوسط يسير بخطى بطيئة ننحو الثورة الصناعية الرابعة"، ومضة، 24 إبريل 2019

https://www.wamda.com/ar/2019/04/middle-east-snail-pace-fourth-industrial-revolution-arabic

[19] محمد أبو حمبور، "الثورة الصناعية الرابعة ومستقبل التعليم والتنمية"، 10 يونيو 2019.

https://www.jrannan.com/2019/06/blog-post_11.html

[20] تأثير الثورة الصناعية الرابعة على النمو الاقتصادي والابتكار ومستقبل العمل،الرؤية، 18 ديسمبر 2019

https://www.alroeya.com/117-82/2102709-%D8%AA%D8%A3%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B9%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%85%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84

مجلة آراء حول الخليج