كان الإعلام الخليجي أحد أدوات التواصل بين الأشقاء في شبه الجزيرة العربية وعلى شاطئ الخليج العربي منذ القدم وإن اختلفت أشكاله بداية من شاعر القبيلة وحتى عصر وسائل الإعلام الحديثة، وزادت أهمية وسائل الاتصال في مرحلة ما بعد قيام مجلس التعاون الخليجي ، وبدء مراحل التكامل الممنهجة بين دول المجلس في مختلف المجالات وكان الإعلام أحد المجالات المستهدفة للتكامل، إضافة إلى أنه أهم أداة من أدوات تحقيق التكامل المنشود باعتباره وسيلة التواصل وتشكيل الرأي العام وحشده خلف المصلحة العليا لدول مجلس التعاون، إلا أن الواقع يقول لقد تحول الأمر إلى غير ذلك، فبدلًا أن يكون صوت الخليج الواحد المعبر عن تطلعات شعوبه ودوله، ويكون الكاشف للمخاطر التي تواجه المنظومة الخليجية والمحذر منها، والمنبه للتحديات واستشعارها، والداعم لوحدة الأسرة الخليجية الواحدة في منطقة تموج بالخلافات والاستهداف المعلن من الدول الإقليمية التي لها أجندات معلنة و خفية، تحول الإعلام الخليجي إلى أداة لتنفيذ هذه الأجندات، و تشتيت الرأي العام، واختلاق وزرع الخلافات وتضخيمها ليس على مستوى النخب الخليجية فقط بل امتد تأثيره إلى عامة الشعب بسبب انتقال هذه العدوى إلى شبكات التواصل الاجتماعي سهلة الاستخدام وقليلة الكلفة وواسعة المشاركة من غير المثقفين من عامة أبناء دول الخليج، إضافة إلى دور الفضائيات واسعة الانتشار والتي تقدمت على شاعر القبيلة في الهجاء وتحولت إلى أداة للطعن فيما كنا نعتبره من المحرمات لهذه الدول المحافظة التي تحترم التقاليد والعادات والقيم وتنبذ ظهور الخلافات إلى العلن، وترفض الخوض في قضايا الشرف والعرض والأمور الشخصية طبقًا لموروث قديم من التقاليد المجتمعية العربية التي كنا نفاخر بها.
وفي خضم هذا الارتباك والتناحر الإعلامي نادت النخب الخليجية بضرورة الحفاظ على الحد الأدنى من الوفاق الإعلامي بالترفع عن الاتهامات والانقياد لمن يريد غرس الفتنة في الجسد الخليجي الواحد عبر أقلام وأصوات وأشخاص غير خليجيين أو حتى خليجيون يهاجمون بعضهم البعض على الأرض الخليجية، ويبدو التناحر والتراشق، بل الشتائم وكأنه لا عودة للوفاق الخليجي مرة أخرى حيث يبدو الخوض في المحرمات بدون سقف أو بلا خطوط حمراء كما كان عليه الوضع من قبل حيث كانت الحملات الإعلامية العدائية تنشب بين الحين والآخر بين دول المنطقة العربية لكنها لم تهبط إلى المستوى الحالي من الإسفاف ، ما يكشف خطورة الإعلام الجديد الذي تصاحبه أخلاقيات جديدة للإعلام لا تعترف بمواثيق الشرف الإعلامية ولا تضع خط رجعة للمصالحة وكأن الأمر انتهى وإلى الأبد وكأن أصوات العقلاء ذهبت أدراج الرياح تحت أقدام الأصوات الزاعقة والتغريدات الفالتة.
السؤال هنا: إلى متى يستمر هذا الوضع الإعلامي الذي يدرك المخاطر والتحديات المحدقة بدول مجلس التعاون الخليجي؟ وإلى متى تظل منطقة الخليج والمنطقة العربية مخترقة إعلاميًا وتستقبل سيلًا من الإعلام الموجه بمختلف الوسائل وبالعديد من اللغات ويظل المستقبل الخليجي سلبيًا ويستقبل هذه الرسائل التي تستهدفه وتستهدف وحدته وتعمل على استقطابه من مجتمعه ومن بيئته ومحيطه وتغريبه إلى ثقافات ودول أخرى إقليمية تعمل ليلاً ونهارًا عبر إعلام موجه لاختراق الشخصية الخليجية وتحطيم ثوابتها وعزلها من مجتمعها؟ فليس بسر أن دولة مثل إيران تغدق بسخاء على إعلام موجه للدول العربية عامة ومنطقة الخليج بوجه الخصوص، كما أن تركيا تقوم بذلك وعبر أدوات متنوعة منها الإعلام بكل أشكاله وعبر القوى الناعمة ومنها المسلسلات والأفلام وغير ذلك.
في مثل هذه الظروف من الضروري من وقفة مع النفس، وإعادة الحسابات وقراءة الواقع الإعلامي بعمق لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحفاظ على الحد الأدنى من مفردات الخطاب الإعلامي المخجل لكي نحفظ الذائقة الخليجية من تدني لغة الحوار وحصر الخلافات السياسية في إطارها السياسي ولا داعي لإدخالها إلى المنازل ونجعلها مادة لشبكات التواصل الاجتماعي، وفكاهة للناشئة في المدارس، وهنا لابد من قيام وزراء الإعلام بدول مجلس التعاون بوضع ميثاق شرف إعلامي يتم الالتزام به حتى في وجود خلافات سياسية مؤقتة تطرأ على الساحة الخليجية، وأن يكون للأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي دورها في وضع هذا الميثاق، بل نأمل أن يكون للأمانة العامة للمجلس دور يتجاوز ذلك في تبني إنشاء معهد للتدريب الإعلامي تكون مهمته تدريب الإعلاميين من مختلف وسائل الإعلام على أسس العملية الإعلامية الصحيحة بما في ذلك أخلاقيات مهنة الإعلام، وإحياء البرامج الخليجية المشتركة ، تبثها أجهزة التلفاز الخليجية مع تبادل المذيعين والمذيعات لتقديم البرامج ونشرات الأخبار عبر الفضائيات والإذاعيات الخليجية في مختلف دول مجلس التعاون، وأن تكون هناك زيارات للإعلاميين بتنسيق وإشراف جمعيات الصحفيين في دول المجلس، فلابد أن يعي القائمون على مهنة الإعلام في مختلف الوسائل التحديات والمخاطر التي تواجه دول المجلس ولن تستثني أي دولة من دوله فهي تحديات وجودية.
ونحن في مركز الخليج للأبحاث متمسكون برسالتنا الخليجية، والدفاع عن منطقتنا واستشراف المخاطر والتحديات التي تواجهنا أو التي نتوقع حدوثها ونخضعها للدراسة والبحث عبر الدراسات، أو المؤتمرات وورش العمل في داخل المنطقة وخارجها، كما نخصص هذه المجلة (مجلة آراء حول الخليج) للشؤون الخليجية من كافة الزوايا وفي شتى المجالات ونعتقد أننا قد نجحنا إلى حد كبير في تحقيق طموحنا وأصبحت المجلة مرجعًا موثوقًا لطلاب درجتي الماجستير والدكتوراه في الشأن الخليجي من مختلف الجامعات العربية، وكذلك تحولت المجلة ومعها مركز الخليج للأبحاث إلى مقصد الباحثين من مختلف دول العالم الذين يبحثون عن المعلومات المتعلقة بالمنطقة ونحن لا ندخر وسعًا في تقديم كل ما نملك من معلومات لصالح منطقة الخليج انسجامًا مع شعار مركز الخليج للأبحاث وهو (المعرفة للجميع) .