array(1) { [0]=> object(stdClass)#12966 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 149

استخراج الأدوية من نباتات الغابات و 265 ألف فصيلة تنتظر الدراسة

الإثنين، 04 أيار 2020

منذ أن خص قادة وزعماء العالم قضية التغير المناخي بالاهتمام الكبير على خلفية ما أصاب النظم الإيكولوجية الحيوية من اختلال عميق سرعان ما أصبح يؤثر على التوازن البيئي، لم تسفر " قمم المناخ " المتعاقبة عن نتائج عملية ملموسة لإعادة الوضع البيئي إلى طبيعته بالرغم من التوصيات والقرارات الصادرة عنها التي تؤكد انشغال المجتمع الدولي بمسألة حماية البيئة والحفاظ على الغطاء النباتي، وتعكس انزعاجه من انتشار ظواهر التأثير المتبادلة بين تغير المناخ العالمي وبيئة الأرض وانعكاسهما المباشر على التنمية المستدامة.

تؤكد المنظمة الدولية للأغذية والزراعة FAO على أن الغابات على وجه الخصوص تعد أحد أهم الموارد العالمية إن لم تكن أهمها على الإطلاق التي توفر فوائد متنوعة وكبيرة على المستوى البيئي والاقتصادي والاجتماعي، وتلعب دورًا مهمًا في معالجة ظواهر التغير المناخي العالمي وهو ما يشدد عليه الخبراء والباحثون المهتمين بحماية البيئة والحفاظ على الغطاء النباتي، حيث يربطون ربطًا وثيقًا بين مساعي توفير مناخ اقتصادي دائم وبين وجود إدارة مستدامة للغابات التي تساعد بشكل كبير على صيانة صحة البشر لكونها المخزن الأكبر لمصادر الأدوية ذات الفعالية الكبيرة، ولأنها تسهم بقدر واسع في الحفاظ على البيئة وإثرائها حيث تضخ مئات الملايين من أطنان غاز الأكسجين وتمتص بلايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون، والمعنى أنه إذا أريد للاقتصاد العالمي أن يكون مستدامًا يجب استخدام الإدارة المستدامة المتكاملة للغابات.

لقد صار هناك إدراك متزايد بأن الاقتصاد الذي يعتمد على الاستنزاف المطرد للموارد الطبيعية بصورة مستمرة ليس اقتصادًا مستدامًا، وأن الأمر يحتاج إلى طرق جديدة للتفكير تقوم على نظرية الانتقال إلى ما يعرف " بالاقتصاد الأخضر" حيث تقوم الزراعة والغابات بالدور المحوري في هذا الانتقال، ويضع الخبراء لذلك أربع سيناريوهات عامة يمكن أن يعول عليها في رسم معالم مستقبل مستدام للغابات هي:

* التوسع في غرس الأشجار المثمرة وغير المثمرة ،والاستثمار في خدمات النظم الإيكولوجية .

* تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة القائمة على الاستثمار الغابي.

* استخدام الأخشاب لأغراض الطاقة وإعادة تدوير المنتجات الخشبية.

* تحسين سبل ووسائل الاتصال وتنسيق جهود التنمية.

تمتد أهمية الغابات إلى أبعد من اعتبارات الحفاظ على البيئة ودعم الاقتصاد فهي أيضًا تسهم في الحفاظ على صحة البشر، ويصعب حصر الأمثلة على ما استطاع العلماء من اكتشافه من الأدوية المستخرجة من النباتات الغابية، وتؤكد متابعة المختصين أنه إلى الآن لم يقم العلماء إلا بدراسة حوالي 11000 نبات ،وأن معظم الأدوية الفعالة التي بين أيدينا والمتداولة في الصيدليات مصدرها هذه النباتات، وهناك أكثر من 265 ألف فصيلة نباتية أخرى تتواجد في الغابات تنتظر دراسة خواصها وأن ما لا يقل عن 40 ألف نوع منها تكمن فيها خواص علاجية لأمراض كثيرة مستعصية، وكان المعهد القومي الأمريكي للسرطان قد قام بتمويل وتنظيم أبحاث علمية واسعة حول الكشف عن مدى فاعلية النباتات الطبية في غابات الأمازون .

تشير إحصاءات عام 2010م، إلى أن ما تبقى من غابات العالم لا يغطي سوى مساحة تقارب أربع مليارات هكتار ــ 1 هكتار يساوي 10.000 متر مربع ــ أي نحو 31 بالمائة من مساحة سطح اليابسة، وكانت أكثر من 80 بلدًا قد حققت هدف تثبيت مساحة الغابات فيها خلال الفترة من عام 2005 إلى عام 2010م، منها 17 دولة أوروبية والولايات المتحدة الأمريكية والصين والهند وفيتنام، وفي أمريكا اللاتينية في كل من أوروغواي وشيلي وكوبا وكوستاريكا، وفي شمال إفريقيا تحققت زيادات في كل من تونس والمغرب، وهذه التجارب في الإدارة المستدامة للغابات تستدعي التأمل في أبعادها وبحث إمكانية الاستفادة منها والبناء عليها في إدارة الكثير من غابات العالم التي لا تزال تعاني من استنزاف مواردها،فلا مستقبل لغابات العالم إلا من خلال إدارة مستدامة تتكامل فيها النظرة الشاملة لأمن وسلامة الأرض .

إن ما تتعرض له الأرض في عصرنا الراهن من مظاهر التدمير قد فاق ما كانيمكن في الماضي تصوره لدى صناع سينما الخيال العلمي ،إذ تعددت أنواع التلوث وكشفت الكثير من مظاهرها أن منها ما يتجاوز بكثير حجم التلوث الناتج عن مخلفات المصانع كالمواد الصلبة والسائلة والغازية المنبعثة منها حيث ظهرت ما تعرف " بالنفايات الإلكترونية " وهي نواتج استهلاك المعدات والأجهزة التي تعمل إلكترونيًا وتضم مجموعة واسعة من المنتجات ومكوناتها المستهلكة أو الأجزاء التالفة منها، وهذه النفايات الإلكترونية يصعب الكشف عن انبعاثاتها وتحديد مخاطرها بشكل مباشر لأنها تحتاج إلى أجهزة رصد خاصة، دقيقة وشديدة الحساسية لتحديد أنواع الملوثات الصادرة عنها، والأكيد في اعتقاد الكثير من المختصين أن خطورة النفايات الإلكترونية أمر ثابت وقائم وهو يمتد إلى صحة الإنسان ويدمر البيئة ويصل إلى المياه السطحية والجوفية ويجعلها غير صالحة للشرب .

الإنسانية أمام تحد آخر يتعلق بالخطر البيئي الوجودي انطلقت معه نظرية ما يعرف "اقتصاد المناخ " من فرضية أن اقتصاد السوق يمكن أن يتفاعل مع الطبيعة والمعرفة دون أن يتكبد أية خسائر أو يسبب أضرارًا بالبيئة، إنه علم جديد ما زال قيد التبلور يهدف بواسطة العلم والابتكار إلى التوفيق بين التقدم الاقتصادي والحفاظ على البيئة،إنها بمثابة إعادة تفكير بشأن علم جديد للاقتصاد تدخل فيه حقول علمية أخرى كالفيزياء والكيمياء، والقانون لتدارك سلبيات الماضي، فبداية من انطلاق الثورة الصناعية وحتى الربع الأخير من القرن العشرين لم تكن هناك آذان صاغية لنداءات الاستغاثة ودعوات التبصر لتأثيرات التغير المناخي على النشاط الاقتصادي، فالكوارث الطبيعية الكبرى الناتجة عن هذه التأثيرات التي جرى اعتبار الإنسان مسؤول مسؤولية مباشرة عنها أدت إلى فرض قناعة جديدة مفادها أن هناك أضرارًا يجب أن يتم حسابها في أبواب تكلفة الانتاج ولكنها ذات طبيعة متغيرة وجديدة على نظريات علم الاقتصاد ولم يكن لها اعتبار أو حساب، ولم يستطع اقتصاد السوق القائم أساسًا على مبدأ حرية المنافسة وقانون العرض والطلب أن يحقق مستوى من التوازن بين الموارد المحدودة المتاحة امام المنتجين والحاجات المتنامية للمستهلكين لو لم يتغاضى عن الضرر الذي أحدثه النشاط الإنتاجي، فالمنافسة من أجل البقاء في السوق اضطرت المنتجين إلى التغاضي عن ما سيتحملونه من تكلفة إضافية هي في الحقيقة غير ملموسة عند اتخاذ القرار المرتكز على معادلة التكلفة مقابل الفائدة ولا عن تأثيرات نشاطهم على البيئة ،ومنها اتجه التفكير إلى البحث عن معادلات أخرى تجعل آليات اقتصاد السوق لا تتعارض مع إجراءات الحد من إلحاق الضرر بالبيئي، وهو ما يهدف إليه اقتصاد المناخ.

أثارت مسألة الحفاظ على البيئة الكثير من المفاهيم المتعلقة بها ،كما دفعت إلى إعادة التفكير فيما تعنيه مفاهيم أخرى من مصطلحات تحتاج إلى مراجعة فنبه العديد من المختصين في شؤون البيئة إلى الخلط الواقع بين ما تعنيه بعض الكلمات التي أصبح ذكرها يرتبط بمعاني ثقيلة فكلما ذكرت الصحراء مثلا يربطها أغلب العامة من الناس "بالتصحر"، فالثابت والمؤكد أن الصحراء بيئة متكاملة تتوفر على معظم العناصر التي تشكل أي منظومة بيئية أخرى في العالم من ماء ونباتات وكائنات حيوانية وحشرات بينما " التصحر" هوتغيير مدمر لطبيعة مساحة خصبة من الأرض، أي إنه مظهر تدهور يصيبها بالبوار نتيجة نشاط إنساني غير متبصر قضى على مظاهر الحياة فيها من نباتات وأشجار ، وتغفل الأصوات المطالبة بالتوسع في زراعة الصحراء بالنخيل مثلاً أو بالأشجار المثمرة عن طبيعة التفاعل الناتج عن إدخال أي نبات إلى بيئة جديدة دون أن ندرس بعمق خصائص هذا النبات ونحيط علمًا بكل ما يحيط به وبطبيعة تفاعله معنا كبشر وهي مهمة مراكز البحوث الزراعية وهيآت استصلاح الأراضي بوزارة الزراعة .

انتشر حديثًا مفهوم تدوير النفايات والمخلفات على نطاق واسع بعدما أصبح ضرورة لحماية الموارد الطبيعية بالمواد السامة والضارة وتقليص حجم النفايات ،وحلاً مناسبًا لكثير من المشاكل البيئية في العالم ،والحقيقة أن عملية التدوير معروفة في التاريخ القديم من خلال إعادة صهر المواد المعدنية لتحويلها إلى أدوات أخرى ذات قيمة استعمالية مخالفة لطبيعتها الأولى، وإذا كان التدوير يؤدي إلى الحد من التلوث فإنه في المقابل محفوفًا بالتحفظات التي تشدد على ضرورة اتباع خطوات معينة تبدأ عادة بعملية الفرز للمخلفات حسب مادتها تمهيدًا لإجراء عمليات محددة حسب نوعية كل مادة لتحويلها إلى منتج آخر قد يكون مفيدًا ،وفتحت التشريعات الحديثة في معظم الدول الأبواب واسعة لدفع الجهود إلى العمل أكثر لتطوير تكنولوجيا تدوير المخلفات للحد من حجم التلوث من جهة ، ومن استنزاف الثروات الطبيعية من جهة ثانية ،وتقليل استهلاك الطاقة من جهة ثالثة إذ ثبت اقتصاديًا أن إنتاج المواد عن طريق التدوير أقل تكلفة ولا يحتاج سوى إلى طاقة أقل من الطاقة اللازمة لإنتاجها من المواد الخام ،وكان هذا الاعتبار عاملاً مشجعًا لتطوير مجمعات صناعية كبيرة تتبع أسلوب التكامل وهذا خلافًا للصناعات العشوائية التي كانت قائمة من قبل والتي لا تزال كذلك في بعض الدول حديثة العهد بعمليات التدوير .

لفت انتشار فيروس " كورونا" انتباه العالم إلى حجم ما كانت الأرض تتحمله من مظاهر التلوث الجوي الخطير حيث أدى تراجع النشاط الصناعي بعد التوقيف الاضطراري لمئات العاملين في إطار محاصرة تفشي الوباء وتعطيل حركة وسائل النقل إلى انخفاض حجم الانبعاثات الحرارية والغازية الناتجة عنها وإلى صفاء الجو بعواصم العالم ونقائه بالمدن الصناعية الكبرى بشكل ملحوظ جدًا، وانتعاش الغابات وملاحظة عودة ظهور أعداد من فصائل حيوانية عديدة إليها بعدما كانت على وشك الانقراض مثل ظهور الماعز الجبلي في بعض المناطق بالولايات المتحدة الأمريكية، والأمل رغم اشتداد كارثة تفشي هذا الوباء العالمي وعلى الرغم مما أحدثه من أجواء متشائمة وآلام بعد وفاة الآلاف من البشر أن تكون من قبيل "رب ضارة نافعة " وأن تكون هذه البداية الفعلية لإعادة التفكير الجدي في سبل إحداث البدائل المناسبة للتخلص من تأثيرات مختلف مظاهر التلوث البيئي على حياة الإنسان ، وأن تمثل أيضًا فرصة حقيقية لمراجعة كيفيات مواجهة التغير المناخي المصاحب له على الجهود الحثيثة للدفع على مسار التنمية المستدامة.

مجلة آراء حول الخليج