array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

لا تطوير لبرنامج نووي من دون وضع إطار شرعي ملائم

الإثنين، 01 آب/أغسطس 2011

لطالما أثّر التقدم التكنولوجي في تطوّر القانون، فإن عوامل مثل التغيّر الاقتصادي وتطور أنواع جديدة من الأخطار والطموحات الاجتماعية المتجددة تساهم كلها في ضرورة إحداث تطورات قانونية تتماشى مع هذه التطورات، وقد أثبت هذا الأمر صحّته بصفة خاصة بالنسبة إلى مجال الطاقة النووية.

 1- الدلالات القانونية لاستخدام تقنية حديثة

إن البلد الذي ينوي تأسيس برامج نووية بهدف تلبية متطلباته المتزايدة من الطاقة في محاولة لتنويع مصادر الطاقة لديه، أو لتحقيق استقلالية أكبر في مخزون الطاقة، أو لتخفيض انبعاث التلوث الكربوني، يجب على هذا البلد التعامل مع حزمه متنوعة من الأسئلة الاجتماعية والتقنية والاقتصادية والمالية بصورة متزامنة. وفي هذا السياق، تُعتبَر ملاءمة البنية التحتية المؤسسية والتشريعية المحلية في الدولة قضية ذات أهمية عليا، وأن هذا الأمر مهم بشكل خاص للحكومات المعنية والدول الأخرى التي قد تكون مهتمة بالنشاط النووي الحديث نتيجة للقُرب الجغرافي أو ببساطة لأنها ستساهم في الصناعة النووية الحديثة من خلال تزويد المواد أو المعدات أو التعاون التقني أو توفير رأس المال.

القانون الذي ينظّم الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لا يُضفي على نفسه صفة التخصص الثابت

أما بالنسبة إلى التقنيات الأكثر تقدّماً التي تم إدخالها منذ أواخر القرن العشرين، فإن تطوير الاستعمالات السلمية للطاقة النووية قد أدّى إلى طرح السؤال المتعلق بالكيفية التي يمكن بها مواءمتها لتدخل ضمن الإطار القانوني القائم أو وضع نظام قانوني خاص بها. وفي الواقع، ومنذ البداية تم الاعتراف بأن الأخطار الخاصة المرتبطة بالانشطار الذري والاستعمالات السلمية الأخرى للمواد المشعة تتطلّب إحداث تغييرات جذرية في التشريعات القائمة.

وقد كان رجال القانون والعلماء النوويون وما زالوا يواجهون معاً مهمة وضع حلول جديدة للتوفيق ما بين المتطلبات العملية لهذه التكنولوجيا الحديثة والتقاليد القانونية في البلدان المعنية. كما نتج تحدٍّ إضافي ومستمر عن التطور المستمر للتقنيات النووية وتطور المشكلات والمخاطر الملازمة لهذه النشاطات التي تتطلب عملية صياغة قوانين مرنة وصارمة في الوقت نفسه.

 2- خصوصية وإطار القانون النووي

إن القانون الذي ينظّم الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لا يُضفي على نفسه صفة التخصص الثابت وهو غير مستقل تماماً عن القوانين الأخرى وذلك لأنه يضمّ معايير متعددة تخصّ القانون المدني والقانون العام أو القانون البيئي أو قانون النقل، لكنه يقدّم صفات خاصة محدّدة، وأولها كونه فريداً في ناحية أصله عبر التاريخ، إذ تم استخدامه لأغراض عسكرية قبل توظيفه لأغراض مدنية مما تطلّب فرض نظام استثنائي للضوابط والقيود على التجارة النووية الدولية بهدف حظر انتشار الأسلحة الذرية. أما الخصوصية الأخرى فهي أنه ينطبق على التكنولوجيا المتطورة التي تشمل مميزات تقنية إبداعية وأنواعاً حديثة من المخاطر القائمة أو تلك التي تم اكتشافها حديثاً وهي مميزات أدت إلى وجوب تبني أنظمة شاملة في ميادين الحماية من الإشعاعات والأمان النووي والتصرف في النفايات المشعة. وباختصار، يتمتع القانون النووي بطبيعة حديثة توجد مفاهيم قانونية جديدة تم اعتمادها بشكل كبير من قبل أنظمة قانونية أخرى وهي في تطوّر دائم وذلك بهدف التكيّف مع التطورات التكنولوجية والتحكم بشكل أفضل في المخاطر المرتبطة باستخدامها.

استخدام الطاقة النووية يمكن أن يشمل تطبيق مجموعة كبيرة من القوانين الوطنية المتعلقة بمواضيع أخرى

 3- نبذة موجزة عن القانون النووي الدولي

إن ما يميّز القانون النووي هو أبعاده الدولية وما نتج عنها من درجة كبيرة من التوافق في تطبيق التشريعات المحلية. وإلى مدى كبير، فإن هذا يعود إلى الدور الفعال الذي تلعبه المنظمات الحكومية الدولية وبشكل خاص الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، ولقد كانت هذه الوكالة مفيدة في دعم وتشجيع الدول الأعضاء فيها في مسعى مستمر لتنظيم التزامات الدول وتوسيع المعايير القانونية والمقاييس التقنية والأنظمة النموذجية الصادرة والتي هي بمثابة اتفاقيات دولية أو مدونات لقواعد السلوك أو أدلة إرشادية وتوصيات.

وبصرف النظر عن أهمية التعاون الحكومي الدولي، توجد أسباب أخرى مفصّلة ومحدّدة تفسّر المنحى الدولي القوي للقانون النووي:

 أ- حظر انتشار الأسلحة النووية

منذ البداية ظهر السؤال المروّع عن إمكانية تحويل المشاريع النووية المدنية لتخدم الاستخدامات العسكرية. وقد كان هذا الأمر مهماً بشكل بارز في البلدان التي تملك الخبرة الفنية في المجال النووي والمواد النووية، وهدّدت بوقف التعاون النووي الدولي على الصعيدَين العلمي والتقني. وتم الاعتراف بشكل كبير بأن هذه المشكلة تتطلب صياغة نظام يضمّ ضمانات وضوابط صارمة يتم اعتماده دولياً مما أدّى إلى تطوير المعايير الدولية لاستخدام سلمي للذرة وانعكس في أحكام الضمانات الرقابية للنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية وفيما بعد في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في عام 1968.

كما قامت معاهدة عدم الانتشار بتقسيم الدول إلى الخمس التي تملك أسلحة نووية وتلك التي لا تملك أسلحة نووية، وتمّ مؤخراً تعزيز اتفاقيات الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الاتفاقيات التي تُعتبر مُلزمة للدول التي لا تملك الأسلحة النووية والتي تشكّل طرفاً في معاهدة عدم الانتشار من خلال البروتوكول الإضافي.

استخدام الطاقة النووية يمكن أن يشمل تطبيق مجموعة كبيرة من القوانين الوطنية المتعلقة بمواضيع أخرى

 ب- الوقاية من الإشعاعات

لقد أصبح معروفاً منذ إجراء الاختبارات التي أدت في مطلع القرن العشرين إلى اكتشاف الإشعاعات بأن الإشعاعات المؤينة تشكّل خطراً على الكائنات الحية كافة كما يمكنها التسبب بآثار مَرَضيّة لاحقاً ومنها مرض السرطان. وعلى المدى الواسع، أصبحت هذه المخاطر حقيقة مروّعة نتيجة لقصف هيروشيما وناغازاكي في عام1945 . فقد دعا هذان الحادثان المأساويان المجتمع العلمي الدولي للبدء في دراسة هذه الآثار والقيام - فيما بعد – ببلورة معايير مشتركة للوقاية من الإشعاعات تم نشرها بصفة توصيات دولية. وقد باتت هذه التوصيات معترفاً بها عالمياً في الوقت الحالي كما تم إدخالها في صلب القوانين والأنظمة الوطنية. ومنذ عام1994، أصبحت معايير الأمان الأساسية الدولية للوقاية من الإشعاعات المؤينة ولأمان المصادرالإشعاعية التي أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعاون مع منظمات دولية أخرى هي الوثيقة المرجعية في هذا المجال، ويجري تحديثها بانتظام.

 ج- نقل المواد المشعة

دَفَعَ الشحن الدولي للوقود النووي والمواد المشعة بصفة عامة - وهو مكون ضروري للتجارة الدولية والتعاون التقني - والمخاطر المرتبطة به، المجتمع الدولي إلى تطوير معايير نقل محددة لضمان أمان نقل المواد المشعة إلى كافة أنحاء العالم عبر كافة الوسائل البرية أو البحرية أو الجوية. أما الوثيقة الدولية الرئيسية التي تحوي المعايير التقنية التي يُنصح بها فهي لائحة النقل المأمون للمواد المشعة التي صدرت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي يتم تحديثها بانتظام. ولقد تم إدخال التوصيات على الأقسام ذات الصلة في الوثائق القانونية الدولية واللوائح التي تنظّم نقل المواد الخطرة عبر طرق النقل المتنوعة من قبل المنظمات الدولية ذات الصلة، كما تم إدخالها في صلب القوانين واللوائح المحلية.

 د- الأمان النووي وإدارة الحوادث

إن الأنشطة النووية ومنها إنتاج الطاقة والتطبيقات العلمية أو الطبية تقع بشكل أساسي ضمن الحدود الوطنية. ولفترة طويلة اعتُبِرت سلامة هذه الأنشطة بمثابة أمر يدخل ضمن المجال الحصري للدولة التي يقع فيها هذا النوع من النشاطات. وجاءت الكارثة الصناعية التي أحدثها انفجار المفاعل النووي في تشيرنوبل في عام 1986، والانتشار غير المحدد وغير المرئي للمواد المشعة من خلال الرياح التي يمكنها أن تصل إلى مناطق جغرافية واسعة كان بمثابة إنذار يدعو إلى دراسة العواقب المحتملة لهذه الأخطار. لذا فإن أمان محطات القوى النووية انتقل من المجال الوطني الحصري وأصبح مسألة تتمتع باهتمام دولي على أساس قاعدة الأمان النووي التي تقول إن (الحادث في مكان محدد هو بمثابة حادث في كل مكان).

وقد تجلى الأثر الفوري لذلك على التطور القانوني الدولي من خلال بلورة واعتماد اتفاقيتَين دوليّتَين في غضون أشهر قليلة برعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية تُلزِمان الدول الأطراف فيهما التي يتجاوز عددها 100 دولة حتى الآن بإعلام الآخرين والوكالة الدولية للطاقة الذرية بطريقة محدّدة بالحوادث التي قد تكون لها آثار عابرة للحدود. وعلاوة على ذلك، فقد وافق المجتمع الدولي على تأسيس آليات دائمة للمساعدة المتبادلة في حال وقوع حوادث أو في حالات الطوارئ الإشعاعية.

وسرعان ما بدأت المخاوف المتعلقة بالأمان في كافة أرجاء العالم: وما هي إلا سنوات قليلة إضافية حتى تمت بلورة وثيقة مُلزمة على الصعيد الدولي حول أمان محطات القوى النووية ألا وهي اتفاقية الأمان النووي التي أُبرمت في عام 1994 وهي تنطبق على محطات القوى النووية المدنية البرية وتُلزِم الدول المتعاقدة بتأسيس إطار رقابي وقانوني وطني لتنظيم أمان هذا النشاط النووي. وتنصّ الاتفاقية المذكورة على ضرورة عقد اجتماعات بصفة منتظمة للأطراف المتعاقدة وذلك بهدف تقديم التقارير عن تنفيذها وتبادل وجهات النظر والخبرات فيما بينها بدلاً من فرض عقوبات على عدم التقيد بالاتفاقية مما قد يُحبط عزم الدول على التقيد بهذا الصك.

كما شجّعت الحركة البيئية الدولية في التسعينات الدول على معالجة مسألة أمان النفايات المشعة والوقود المستهلك. ففي عام 1997، اجتمعت مجموعة من الدول تحت رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واعتمدت الاتفاقية الدولية المشتركة بشأن أمان التصرف في الوقود المستهلك وأمان التصرف في النفايات المشعة مع اتباع المبادئ الرئيسية نفسها لنهج يقوم على تقديم الحوافز لضمان تنفيذ الالتزامات والتعاون الدولي.

ولاحقاً في عام 2004، تم استكمال هذا النظام القانوني من خلال مدونة قواعد السلوك بشأن أمان مفاعلات البحوث النووية. كما جرى التنويه بمدونة قواعد السلوك بشأن أمان المصادر الإشعاعية وأمنها التي تم وضعها سابقاً في عام 2003 لمعالجة مسألة الأمان والأمن في عملية مناولة المصادر الإشعاعية ونقلها والتخلص منها والتي وُصِفت في وقت ما بأنها ذات أهمية خاصة نظراً للاستخدام المتزايد عالمياً للمصادر الإشعاعية في الطب والصناعة والتنقيب عن النفط وإدارة المياه. وكما يوحي العنوان، فإن مدونات قواعد السلوك أو مدونات قواعد الممارساتالتي تم تطويرها من قبل مجموعة من الخبراء الدوليين بدعوة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليست إجبارية أو مُلزمة قانونياً، ولكنها على الرغم من ذلك تتمتع بصلاحية فريدة ضمن النظام القانوني المحلي للدول التي تقرر اعتمادها، بما أنها تعكس إجماعاً تقنياً دولياً.

 الحماية المادية للمواد النووية والأمن النووي

لطالما اعتُبِرَت التهديدات بالأذى ضد المنشآت النووية وعمليات نقل المواد النووية أو هذه المواد ذاتها بالإضافة إلى الإجراءات المطلوبة لكشفها والتصدي لها في مثل هذه الحالات، بمثابة أمر من شأن الاختصاص القضائي وحده في الدولة صاحبة السيادة. ومع ذلك تم تطوير توصيات تقنية دولية منذ السبعينات بهدف حماية المواد الإشعاعية خلال نقلها دولياً. لكن أحداث 11 سبتمبر عام 2001 غيّرت كلياً هذه المعادلة القاصرة: فأصبح الأمن النووي المختلف عن مفهوم الأمان النووي بما أنه يتعلّق بتهديدات خارجية وليس بالمخاطر الإشعاعية يُعدّ من بين المخاوف الدولية الرئيسية. وقد أدى هذا الأمر إلى عدد متزايد من المبادرات والبرامج ضمن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومن قبل الدول الشريكة.

إن الصك الرئيسي المُلزم دولياً، أي اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية، التي تم اعتمادها في عام 1979، قد جرى تعديله في عام 2005 للأسباب التي تم ذكرها سابقاً بهدف توسيع مجال التطبيق من الحماية الأصلية لهذه المواد المصنّفة خلال النقل الدولي فقط ليشمل النقل المحلي وحماية المرافق النووية، كما أضيفت الأعمال التخريبية كعمل إجرامي.

وفي تطورات منفصلة وقعت ضمن إطار الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة، تم التفاوض خلال فترة مطوّلة من الوقت بشأن اتفاقيتين تتناولان بشكل مباشر موضوع الإرهاب النووي. ففي عام2005، اعتمدت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لقمع أعمال الإرهاب النووي، النافذة حالياً، بعد اعتماد الاتفاقية الدولية لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل في عام 1997 التي تغطي الأعمال الإرهابية النووية المُرتكبة بوساطة أجهزة متفجرة نووية. ولا يفتأ مجلس الأمن يناشد الدول التصديق على هذين الصكين.

 المسؤولية والتعويض عن الأضرار النووية

بالمقارنة بقطاع الأمان النووي حيث كان يجب بلورة معايير قانونية من الصفر تقريباً، نجد أن تاريخ القواعد التي تنظّم التعويض عن الضرر الذي تسبب به طرف ثالث يعود إلى منشأ المجتمعات المتمدّنة. لكن بمجرد ظهور برامج الطاقة النووية، تبيَّن أن خاصية المخاطر النووية وحجم الضرر المحتمل أن ينتج عن حادث لا يمكن معالجتهما بالشكل المناسب من خلال القانون العادي للأضرار. وكان المطلوب هو نظام للمسؤولية والتغطية المالية لا يشكّل عبئاً ضخماً على الصناعة النووية الناشئة وفي الوقت نفسه يضمن احتمال حصول الضحايا على التعويض المناسب. وعلاوة على ذلك، فإن احتمال تسبّب الحوادث النووية بضرر في الدول المجاورة يدعو بشدة إلى توافق دولي على هذا النظام الخاص الذي يرتكز في الوقت الراهن على الاتفاقيات التالية:

* اتفاقية فيينا بشأن المسؤولية المدنية عن الأضرار النووية عام 1963؛ تم تعديل هذه الاتفاقية بوساطة بروتوكول تم اعتماده في عام 1997.

* اتفاقية التعويض التكميلي عن الأضرار النووية عام 1997.

* تغطي الاتفاقيتان المذكورتان أعلاه المجتمع الدولي. أما على الصعيد الإقليمي (أوروبا الغربية)، فيجب ذكر اتفاقيتين إضافيتين كجزء من نظام المسؤولية الدولية:

* اتفاقية (باريس) للمسؤولية المدنية في مجال الطاقة النوويةعام 1960، وتم تنقيحها أخيراً في عام2004 .

* اتفاقية (بروكسل) عام 1963 التكميلية لاتفاقية باريس التي تم تنقيحها أيضاً في عام 2004.

وعلى الرغم من أن ما كان يُعرف باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية سابقاً لم يكن طرفاً في أي من هذه الاتفاقيات في وقت حادث تشيرنوبل النووي، فإن العِبَر المستخلَصة من تداعيات هذه الكارثة دعت البلدان التي أبرمت اتفاقيتي فيينا وباريس إلى تأسيس آلية للاعتراف المتبادل بأنظمة كلٍّ منها على شكل بروتوكول مشترك تم اعتماده في عام 1988. كما أن هذا الحادث كان السبب الرئيسي لتعديل هاتين الاتفاقيتين مؤخراً لكي توفّرا مقداراً أكبر من المسؤولية والتعويض.

 4- تحويل المعايير الدولية إلى تشريعات وطنية

 لمواجهة مجموعة متنوعة من الالتزامات القانونية الناشئة عن الاتفاقيات الدولية المذكورة أعلاه ومجموعة كاملة وكبيرة من التوصيات التقنية الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمات مختصة أخرى، كيف يمكن للمشرّع أن يعالج مهمة تطوير تشريع محلي مناسب وبصفة خاصة في بلد سيبدأ العمل في برنامج نووي؟

تشكّل المعايير القانونية لتنظيم الطاقة النووية جزءاً من النظام القانوني العام للدولة. وبالتالي ليس من الضروري، من جهة، أن تكون عملية وضع مسودة للإطار القانوني لهذا الغرض مختلفة تماماً عن مجالات أخرى في صنع القرارات. وشأن القانون النووي كشأن أي قانون تشريعي آخر، فهو غير موجود في فراغ، بل يجب أن يتقيد بالنظام الدستوري والمؤسسي والسياسي في الدولة وبالتقاليد القانونية الوطنية. ومن جهة أخرى، فإن الأهمية الاستراتيجية التي تتحلّى بها الأنشطة النووية والمخاطر الخاصة التي تسببها هذه الأنشطة على صحة البشر والبيئة والأمن الوطني تبرّر الأخذ بنهج تشريعي متميز. وهناك سبب آخر للمعاملة الخاصة التي يحظى بها القانون النووي المحلي ألا وهو تعدّدية وتعقيد القواعد التقنية التي تم اعتمادها على المستوى الدولي.

وعملياً، تساهم عوامل متعددة في صياغة الإطار القانوني الذي ينطبق على استخدام الطاقة النووية: أولاً، تلتزم الدولة ولأسباب السياسة الوطنية بممارسة رقابة دقيقة على نواحي الأنشطة النووية كافة ويتم إشراك الحكومة والهيئات الوطنية وهيئات عامة أخرى من البداية في هذا الأمر. ثانياً، ولدواعي الأمان والأمن، تُحظر الأنشطة كافة في الميدان النووي كقاعدة ما لم تسمح الهيئة الوطنية المسؤولة بذلك بشكل صريح ومحدّد. وبالتالي فإن كافة الأنشطة المرتبطة باستخدام الطاقة النووية أو المواد النووية أو التكنولوجيا النووية تتطلب نظاماً وطنياً صارماً يتحكم في عملية الحصول على الترخيص. ويُشير هذا إلى شرط ثالث أساسي وهو يتمثّل في تأسيس هيئة رقابية مختصة ومستقلة يتم تخويلها الصلاحيات الضرورية لضمان تنفيذ الأنشطة النووية بطريقة متطابقة بالكامل مع اللوائح والتعهدات الدولية المعتمدة من قِبَل الدولة.

وتأسيساً على ما تقدم ومع الأخذ في الاعتبار طبيعة ومجال البرنامج النووي المزمع تأسيسه، يبقى على المشرّع تحديد الشكل الأكثر ملاءمة للإطار القانوني المراد اعتماده في دولة محدّدة. وفي هذا الخصوص، يتم التمييز عادة بين 1- المبادئ القانونية الرئيسية التي يجب جعلها مُلزمة لجميع الأشخاص والمنظمات المعنية، في كلا القطاعَين الخاص والعام، من خلال تضمينها في صلب قانون محلي شامل يعتمده مجلس النواب بما يتماشى مع النظام الدستوري لذلك البلد. 2- المتطلبات المحددة والتقنية التي تخضع للتعديل والتحديث بشكل متكرّر.

وقد اختارت معظم البلدان تضمين المبادئ والأحكام الرئيسية، بالقدر الذي تتقيد فيه بأحكامها القانونية المتعارف عليها، في صلب (قانون الطاقة الذرية) العام. كما أن قانون الطاقة الذرية الوطني هذا يؤسس قواعد الصلاحيات والعلاقات المتبادلة ما بين الهيئات الرقابية المختلفة. وهذا القانون ينصّ بدوره على أنه يتوجب على الحكومة والهيئات المختصة التي تعيّنها لهذا الغرض وضع مسودة للوائح التقنية العالية الاختصاص عادة على شكل تشريعات تنفيذية ثانوية، ويُقصد بذلك المراسيم أو الأحكام، وييسر ذلك قدراً أكبر من مرونة العملية الرقابية. ومع ذلك، فإن استخدام الطاقة النووية يمكن أن يشمل تطبيق مجموعة كبيرة من القوانين الوطنية المتعلقة بمواضيع أخرى مثل قضايا الحماية البيئية والأمان الصناعي والتشريعات الاستثمارية واستخدام الأراضي والنقل والإجراءات الإدارية. ومتروك للدولة اعتماد الإطار القانوني الذي يتوافق مع التزاماتها ويصبح في الوقت نفسه جزءاً لا يتجزأ من قوانين الدولة.

 

مجلة آراء حول الخليج