وجدت صعوبة كبيرة أثناء كتابة هذا المقال وأنا ألاحق المتغيرات السريعة واليومية التي تدفع بها تركيا (السيد أردوغان تحديدًا) في شرق المتوسط، فهناك مناورات بحرية لا تنتهي وكان آخرها إعلان المناورة (عاصفة المتوسط) والتي تتشارك فيها تركيا مع ما يسمى بدولة قبرص التركية وقبلها التهديد بتمزيق الخرائط التي تحد حدود تركيا، ناهيك عن عشرات التصريحات والتهديدات التي لا تنتهي وآخرها حشد الدبابات على الحدود اليونانية.
لماذا قلت يدفع بها (السيد أردوغان تحديدًا)؟ ذلك أنه الشخص الوحيد المخول بكل السلطات العسكرية والسياسية والاقتصادية في تركيا مما دعى زعيم المعارضة التركية إلى القول: أشك أن هناك وزير خارجية تركي.
وفي المقابل هناك أيضًا تصريحات يونانية وقبرصية متتالية ولكن هذا لا يلغي أن جوهر النزاع تأريخي في الأساس ورغم تغير العالم وإعادة رسم خرائط الجغرافيا إلا أن هذا العداء والخلاف لم يتبدل حتى يكاد يكون وجوديًا لكل الأطراف.
وحتى نكون منصفين في القول فإن السيد أردوغان هو من يدفع بهذا العداء نحو حافة الهاوية وهو من يدعو إلى تمزيق الخرائط وإلى فرض (الوطن الأزرق) وإلى تجاهل المؤسسات الدولية والتي تحاول إيجاد عالم أكثر عدالة ومسؤولية.
في كتابها الحزين (الجبل العميق) ترصد الكاتبة التركية المنشقة ( آجي تملكران )* وعبر رؤية إنسانية موجعة معاناة الأرمن مع تركيا الجارة وجيران تركيا أيضًا، ولعل أصدق وصف قالته عن تركيا: تركيا التي يحدها البحر من جهة واحدة وتحدها الأحزان من جميع الجهات، وقالت عن شعب أرمينيا الذي تعرض لمحنة الإبادة من الأتراك: إن الذين فروا قد يفوقون عدد الذين بقوا والأموات بكل تأكيد يفقون عدد الأحياء.
السؤال المطروح: هل تغير سلوك تركيا منذ مذابح الأرمن ومشانق القوميون العرب في سوريا و (سفر برلك) في جزيرة العرب ومآسي دول البلقان وكل ما ترك الأتراك من مآس حيث ما حلوا؟.. الحاضر والواقع يقول لا، وسلوك الأتراك هو ذات السلوك الفوقي الشوفيني المتطرف.
صفر أصدقاء
لن يندهش المراقب الذي يعرف الذهنية التركية من سعيها إلى تقليص عدد أصدقائها وزيادة الدول المعادية لها وهذه هي تركيا وعبر تاريخها الطويل القائم على التسلط والأنا والفوقية الطاغية وضيق الأفق السياسي دون الارتكاز على أسباب موضوعية.
وتكاد تركيا الآن تعادي معظم جيرانها (سوريا، العراق، أرمينيا، اليونان، قبرص) الخ بل وحملت هذا العداء نحو دول بعيدة عنها كالمملكة العربية السعودية ومصر والإمارات المتحدة ألمانيا إيطاليا وليبيا، ودول أخرى، وتسعى إلى خلق مشكلات مع دول الاتحاد الأوربي وتتهمه بالانحياز إلى اليونان رغم أن هذه الدول تأوي أكثر من مليوني عامل تركي، وكأنها آلت على نفسها تقليص عدد أصدقائها للصفر.
وقد تنبه الاتحاد الأوربي إلى (الذهنية التركية) مبكرًا ورفض انضمام تركيا لهذا الاتحاد رغم عضويتها في الاتحاد العسكري لهذه الدول (الناتو) ويسعى الآن جادًا إلى الحد من طموحاتها الإقليمية ومن عبثها بأمن شرق المتوسط حسب تصريح الرئيس الفرنسي.
ولعل آخر دلائل هذا التحرك ضد طموحات تركيا (رغم محدوديتها) هو إعلان الولايات المتحدة في الثاني من سبتمبر للعام ٢٠٢٠ م، رفع الحظر عن توريد السلاح إلى جمهورية قبرص. ولكن وللأسف وعلى المستوى العام هناك تراخ دولي ضد هذه الطموحات وهذا العبث وإلا كيف يصمت عن دولة تدعو إلى تمزيق خرائط دولة عضو في الاتحاد الأوربي ونشر خارطة توضح أطماع تركيا في كل مياه الدول المجاورة؟
وهم التأريخ
منذ مؤتمر ( لوزان في العام ١٩٢٠م) والذي فكك الدولة العثمانية ووضع تركيا ضمن حدودها الحالية ولدى تركيا شعور بالضغينة والغبن تجاه العالم، ولم تعترف بتلك الحدود وسعت إلى ضم أقاليم لم تكن ضمن ذلك الاتفاق كإقليم الإسكندرونة السوري (هاتاي التركي الآن ) والادعاء بأحقيتها في الموصل شمال العراق ، وإقليم حلب في الشمال السوري إضافة إلى الكثير من الجزر اليونانية في بحر إيجة، وقد سبق واحتلت ثلث جزيرة قبرص وأسمتها دولة قبرص التركية والتي لا يعترف بها أحد سوى تركيا ، ولعل آخر محاولات توسعها اقتطاعها أجزاء من الشمال السوري تحت مسمى حماية حدودها الجنوبية والوقوف ضد تأسيس كيان كردي يحيي المطالب التاريخية بإنشاء وطن كردي مستقل
كما أنها بتوقيعها اتفاق حدود بحرية مع ليبيا البعيدة جدًا دلالة إضافية على وهم التمدد التركي وحلم الوطن الأزرق المزعوم.
وكانت قد سعت إلى التواجد في جزيرة سواكن السودانية قبل سقوط حكومة الرئيس السوادني البشير، كما أن لها تواجدًا في الصومال تحت مسمى مساعدة الصومال وتتواجد الآن في قطر.
وقد صرح وزير يوناني في السادس من سبتمبر لهذا العام أن (الرئيس التركي يعيش وهم إحياء الإمبراطورية العثمانية لكننا قادرون على التصدي لهذه الأطماع) وتابع قائلاً (إن الخروج والتهديد بالحروب وأنهار الدماء في فرنسا وإهانة الرئيس الفرنسي (ماكرون) بهذه الطريقة يجب أن يكون مصدر قلق كبير للمواطنين الأتراك لأنه يتجاوز حدود الدبلوماسية والسياسة).
هل هي نهاية (الأتاتوركية) مقابل (الأردوغانية)؟
بقيت الحكومات التركية المتعاقبة وفية لإرث كمال أتاتورك (الاتاتوركية ) إن صحت التسمية، مكرسة علمانية الدولة وعدم الانخراط في مغامرات غير محسوبة وبقي الجيش حارسًا لهذا الإرث وكان يتدخل كلما دعت الحاجة وعبر انقلابات متكررة .
وبوصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم وممثله الرئيس أردوغان ذو التوجه الديني والمسكون بوهم الخلافة العثمانية عمد وببط ء على إحداث تعديلات في النظم السياسية والإدارية معتمدًا على قاعدة شعبية عريضة حصل عليها من خلال تعافي الاقتصاد التركي ومن خلال الأغلبية البرلمانية ومن خلال مخاطبة الغرائز الدينية. ولعل أخطر تلك التعديلات حدث في الثاني من سبتمبر للعام ٢٠١١م، عندما استطاع تمرير قانون محاكمة العسكر حتى أولئك الذين ما زالوا في الخدمة العسكرية
وبذلك حجٌم تدخل المؤسسة العسكرية عن التدخل في الحياة السياسية وزج بالعشرات في السجون وبتهم مفبركة وبذلك سيطر على هذه المؤسسة وضمن ولاءها المطلق.
ثم عمد إلى تحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي وهكذا أصبح حاكمًا مطلقًا مكرسًا ما يمكن أن نسميه ( بالأردوغانية).
هذه التعديلات تزامنت مع أحداث تاريخية تمر بها المنطقة ولعل أحدها كان مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أطلقته الولايات المتحدة معتمدة على تركيا كممثل للإسلام السني المعتدل كما تعتقد مقابل ما أسمته بالإسلام السني المتطرف أو الإرهابي، إضافة إلى اعتماد الولايات المتحدة على تركيا كحليف يحد من تزايد النفوذ الروسي في شرق المتوسط من خلال القاعدة الروسية الكبيرة في طرطوس.
ورغم الاختلافات الكبيرة بين تركيا والولايات المتحدة، في عدد من الملفات كعدم تسليمها السيد (فتح الله جولن) والذي تتهمه تركيا بالضلوع في محاولة الانقلاب الفاشلة أو المزعومة، كذلك حصولها على المضادات الروسية (أس أس ٤٠٠) رغم كل هذه الخلافات وخلافات أخرى إلا أن الولايات المتحدة أبقت على علاقات جيدة مع تركيا.
ومن خلال كل ما سبق زادت شهية السيد أردوغان للعب دور سياسي وديني في المنطقة موسعًا رغبته في لعب هذا الدور خارج تركيا مزايدًا مرة بالقضية الفلسطينية ومرة بالديموقراطية الإسلامية مما أدى إلى صدام سياسي مع العديد من دول المنطقة كمصر التي انحاز فيها إلى جانب حزب الإخوان مقابل خسارته لمصر وجعل من إسطنبول مقرًا لكل الخارجين على القانون في بلادهم، كذلك أوجد تحالفات غير معلنة مع العديد من دول المنطقة.
ولتكريس هذه الزعامة عمد إلى ممارسات شكلية تخاطب المزاج السائد العام وكان آخرها تحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجد وكنائس آخري.
الوطن الأزرق
كما ذكرنا ظلت تركيا تشعر بالغبن من تحجيم حدودها في مؤتمر لوزان في العام 1923 م، ومن خلال منح معظم الجزر في بحر إيجة إلى اليونان، وقد تغاضت عن ذلك أثناء الحرب الباردة متمتعة بحماية حلف الناتو ضد الهيمنة السوفيتية في تلك الحقبة، وبانهيار جدار برلين وسقوط الحقبة السوفيتية تصاعد الحس القومي التركي ضد هذه الحدود وتنامى مع تحسن الوضع الاقتصادي وزيادة عدد السكان وعاد التفكير للبحث عن حدود جديدة وضحتها خارطة الوطن الأزرق.
وأول من طرح مصطلح الوطن الأزرق هو الأدميرال البحري التركي جيم غوردنيز في العام 2006م، وكانت فكرة طوباوية حالمة لا تسند إلى أي شرعية أو مرجعية قانونية.
وبالنظر إلى خارطة الوطن الأزرق فهي تسعى إلى تكريس هيمنتها على منتصف بحر إيجة متجاهلة عشرات الجزر اليونانية إضافة إلى أجزاء كبيرة من المياه اللبنانية والسورية والقبرصية.
بل وعمدت إلى مد ممر بحري يكاد يلامس جزيرة كريت اليونانية ويتصل بالمياه الليبية وهي بذلك تفرض سيطرتها على السفن العابرة للمتوسط ومد أنابيب الغاز واستغلال الثروات في تلك المناطق، وقد عارضت كلاً من فرنسا، إيطاليا، اليونان، إسرائيل، قبرص، مصر، والأمم المتحدة ذلك لكن تركيا ماضية في هذا الاتجاه من خلال تكريس وجودها البحري وبناء وشراء المزيد من الوحدات البحرية لتكريس هذه الهيمنة.
غاز المتوسط
عندما بدأت إسرائيل التنقيب عن الغاز والنفط في شرق المتوسط ثم قبرص واليونان وتلتها دول أخرى سارعت تركيا إلى إحياء نظرية (الوطن الأزرق) والبحث عن النفط والغاز ولكن وسط مياه لدول ذات سيادة بموجب قانون البحار (قبرص واليونان) ولم تحاول تركيا وبالذهنية ( الأردوغانية) معالجة الخلافات القديمة والناشئة عبر الحوار والأطر السياسية ولكن عبر الأساطيل البحرية. وأرسلت سفينة البحث (عروج) وسط تشكيل بحري ضخم لتصطدم بموقف يوناني متصلب هذه المرة كون ذلك انتهاكًا للسيادة اليونانية والقبرصية، وتحركت أساطيل تلك الدولتين للوقوف على ما يسمى بشفير الهاوية.
ولأن اليونان تستند إلى موقف واضح من خلال القانون الدولي ومن خلال قانون البحار فقد حظيت بدعم دولي مباشر خاصة من دول كفرنسا وإيطاليا وقبرص وبموقف متعاطف من دول كألمانيا ودول أخرى. وسارعت دول عديدة كالولايات المتحدة وروسيا لإرسال قطع بحرية إلى هذه المنطقة وسط تصاريح متضاربة عن تأكيد حرية الملاحة في المياه الدولية ولكن في حقيقته هو محاول نزع فتيل الانفجار بين عضوين من دول حلف الناتو.
ولأن تركيا لا تستند إلى موقف قانوني فقد استخدمت مفردة (بالإنصاف) ودعا السيد أردوغان في 10 أغسطس من هذا العام (دول البحر الأبيض إلى الاجتماع والتوصل إلى صيغة مقبولة تحمي حقوق الجميع). وأضاف: لن نقبل حبسنا في سواحلنا من خلال بضع جزر صغيرة متجاهلين مساحة تركيا الشاسعة).
ثم عاد في الخامس من سبتمبر وفي خطاب له وبمناسبة المناورات البحرية التأكيد على القول إنه لن يعترف بتلك الحدود قائلاً ويعني اليونان: سيدركون أن تركيا تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق المجحفة التي تُفرض عليها"
وفي الوقت ذاته ردت اليونان بذات اللهجة ورفضت أي تفاوض تحت لغة التهديد وأظهرت قدرًا كبيرًا من الاستعداد للتصعيد والمواجهة لمعرفتها أن العالم لن يسمح بنشوب حرب في هذه المنطقة الحساسة جدًا ولتفادي فرض أمر واقع تفرضه تركيا.
وتتمتع اليونان بدعم مباشر من دولة كبرى كفرنسا وتعاطف من دول كثيرة ، وفي بيان أصدرته الرئاسة الفرنسية قالت ( إنه يجب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقف سياسة المواجهة بكل الاتجاهات ، وأضاف البيان : أن سياسية أردوغان تشكل خطرًا على أوروبا ، كما أن الدور التركي في ليبيا وسوريا والمتوسط يهدد أوروبا أيضا) مما دعا السيد أردوغان إلى تهديد فرنسا والتلويح بتصدير اللاجئين كما يفعل كل مرة وبأنهار الدم في شوارعها .
القانون الدولي
يعتبر قانون البحار الدولي الذي جرى التوقيع عليه في العام ١٩٨٢م، ودخل حيز التنفيذ في العام ١٩٩٤م، من قبل ١٥٧ دولة يعد المرجعية الدولية المعترف بها لحل النزعات البحرية وحماية حقوق ومسؤوليات الدول في استخدامهم الأمثل لمحيطات العالم، ووضع مبادئ توجيهية للأعمال التجارية، والبيئة، وإدارة الموارد الطبيعية البحرية.
ويعرف قانون اتفاقية الأمم المتحدة البحر الإقليمي في مادته الخامسة: أنه حد أدنى الجزر على امتداد الساحل كما هو مبين على الخرائط ذات مقياس الرسم الكبير .أي أن البحر الإقليمي والجرف القاري يحسب من آخر جزيرة تمتلكها الدولة الشاطئية، وهذا هو لب الإشكال في الموضوع حيث أن لليونان عشرات الجزر قريبة من الساحل التركي وبالتالي وحسب قانون البحار الدولي تعتبر هذه المياه بحار إقليمية يونانية وتمتلك اليونان عليها كامل السيادة ولا يحق لتركيا التنقيب عن أي موارد اقتصادية فيها ويكاد يكون كامل بحر إيجة مياه يونانية بموجب ذلك، وهذا ما عناه السيد أردوغان بقوله (لن نقبل حبسنا في سواحلنا من خلال بضع جزر صغيرة متجاهلين مساحة تركيا الشاسعة) ثم عاد لتلطيف تصريحاته مطالبًا ما يسمى بالإنصاف.
ولمعرفة تركيا بهذا القانون فهي تتجاهله بالمطلق وتكرس مفهوم (الوطن الأزرق) وتصدر خرائطه وسط لامبالاة كثير من الدول الساعية وراء مصالحها.
لماذا قبرص التركية؟
في العام ١٩٧٤م، وبحجة حماية القبارصة الأتراك قامت تركيا بغزو دولة جزيرة قبرص واحتلال ثلث مساحتها وأنشأت دولة لا يعترف بها أحد عداها هي وأسمتها (قبرص التركية.)، وهي ليست دولة بقدر ما هي مقاطعة قبرصية محتلة وتتصرف تركيا نيابة عنها أو باسمها في كل شيء. لم يكن السبب الرئيس لغزو الجزيرة حينها هو ما ادعته تركيا بمظلمة القبارصة الأتراك ولكن كان الهدف الرئيس هو خلق سبب لكسب مساحات في البحر الإقليمي القبرصي واليوناني وباسم حقوق دولة (قبرص التركية).
ومن أجل ذلك عارضت تركيا الاكتشافات القبرصية للغاز في مياهها الاقتصادية بحجة أن هذه المياه تخص دولة قبرص التركية وتقوم هي بالتنقيب في تلك المياه وبحجة أن ذلك بتفويض من قبرص التركية وهكذا تسعى تركيا لخلط الأوراق في المنطقة وكل ذلك من أجل تكريس مفهوم أو نظرية الوطن الأزرق والتضييق على دولة اليونان بحجة القانون الدولي.
وعندما أعلنت تركيا في السادس من سبتمبر للعام 2020م، عن إجراء مناورات بينها وبين ما يسمى بقبرص التركية أسمتها عاصفة المتوسط إنما هي تكرس هذا المفهوم، وقد أوضحت تركيا في حينه أن ("عاصفة المتوسط" تهدف إلى تطوير التدريب المتبادل والتعاون بين قوات البلدين.
وتأتي تلك المناورات على وقع التصعيد الحاصل في شرق المتوسط بين تركيا واليونان وقبرص على حقوق نفط متنازع عليها) وهي ليست مناورة بقدر ما هو استعراض قوة استفزازي لدول الاتحاد الأوربي مجتمعة والتي أعلنت صراحة وقوفها إلى جانب دولتي اليونان وقبرص.
التدخل المباشر في الشأن الليبي
ومن أجل توسيع دائرة الدول الحليفة لأنقرة في المتوسط فقد دعمت تركيا طرفا ليبيا دون آخر، وتدخلت تدخلاً مباشرًا سواء من خلال الدعم البحري والجوي والطائرات المسيرة أو من خلال نقل مئات المرتزقة من الجبهة السورية للقتال ضمن جبهة الوفاق الليبية.
وهي بذلك تطيل أمد الحرب والنزاع في ليبيا من أجل مصالحها وأجنداتها الخاصة ومن أجل سببين رئيسين:
1- محاولتها محو أو إضعاف التأثير المصري والعربي في الشأن الليبي.
2- الحصول على امتيازات بحرية في الجرف القاري الليبي المواجه لدولة اليونان
والحصول على امتيازات نفطية ليبية.
وفي الحقيقة فإن تركيا لا تمتلك أي حدود بحرية مع ليبيا، لكنها ومن خلال ما أسمته بـــ (الوطن الأزرق) فقد وسعت مساحات مياهها البحرية متجاهلة السيادة اليونانية خاصة بوجود جزيرة كريت الكبيرة، ثم اختلقت ممرًا بحريًا ( MARITEM ZONE ) كي يوصل المياه البحرية التركية المفترضة مع المياه البحرية الليبية وبذلك تستطيع ليس فقط التحكم في المياه والسيادة الليبية ولكن منع أي محاولات لتمديد أنابيب الغاز وربما منع السفن التجارية بحجة السيادة.
وقد تنبهت مصر واليونان مبكرًا لهذا الهدف وسارعت لإفشاله من خلال ترسيم حدودهما البحرية والتي وبموجب القانون الدولي البحري تلغي أي أدعاء لتركيا في هذه المنطقة.
وعلى صعيد محاولات تركيا الوصول إلى منابع النفط في الشرق الليبي وتهديد أمن مصر فقد أعلنتها مصر وعلى لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي صراحة (أن سرت والجفرة خط أحمر) ومصر ليست وحدها في هذا المجال وإنما تدعمها المملكة العربية السعودية والإمارات ودول أخرى وذلك من أجل الأمن المصري والعربي ولإبعاد تركيا عن الانتفاع من الشأن الليبي.
وقد منح الشعب المصري للجيش تفويضًا كاملاً لإبطال المشروع التركي الداعم للفكر الإرهابي في كل مكان.
الخلاصة
منذ وصول السيد أردوغان إلى السلطة وهي يختلق الصدامات غربًا وشرقًا محاولاً إحياء الأوهام العثمانية السابقة واستعادة أمجاد تركيا التي ما زالت تسكن المخيلة التركية ومحدثًا أضرارًا كبيرة لدول الجوار.
ولأن كانت تركيا تشعر بالمظلومية أو تنشد العدالة في حدودها البحرية فحل ذلك عن طريق التفاوض والمؤسسات الدولية كما فعلت هولندا والدنمارك من جهة وألمانيا من جهة أخرى في العام 1969م، في قضية الجرف القاري بينهما وأسهمت المحكمة الدولية في حل النزاع.
لكنها وبنشرها لخارطة (الوطن الأزرق) وتهديها بتمزيق الخرائط وتصديرها للأزمات ودعم الإرهاب وقضايا اللاجئين فإن تركيا عضو مقلق في المجتمع الدولي ولا أعتقد أن العالم سيرضخ لهذا التهديد.
والغريب هو صمت وتواطؤ المجتمع الدولي عندما هدد أردوغان أوروبا بطوفان المهاجرين وقد فعل ذلك سابقًا ولن يتوقف عن التلويح بهذا الملف وفعله الآن.
ولا ننسى (تعطيش) تركيا للدول العربية (العراق وسوريا وحجز ما يقارب التسعين في المئة من مياه نهري دجلة والفرات تاركًا هذه الدول تصارع من أجل مياه الشرب ومع تزايد السكان ودورات الجفاف فإن مستقبلاً كارثيًا ينتظر هذه الدول.
هل ستندلع حربًا وشيكة أشك في ذلك ولكن وبالذهنية (الأردوغانية) فكل شيء ممكن.
وما هو مصير حلف الناتو؟ أعتقد أن هذه الأزمة قد تكون البداية لإعادة صياغته بشكل مختلف والعالم الذي أنشئ من أجله حلف الناتو قد تغير وتغيرت مراكز التهديد والقوى وأصبح العالم ينحو للسلام والتعاون الاقتصادي ويميل لغصن الزيتون وليس البندقية.
ويظل لا جديد كما قالت الكاتبة التركية المقيمة في باريس (إن تركيا بلد يحده البحر من جانب وتحيطها الأحزان من كل جانب).