تُقدر اليونان الاستقرار في الشؤون الدولية. ويأتي الصراع في ليبيا ليخلق حالة من عدم اليقين، وليُشكل الديناميكيات الإقليمية تبعًا لذلك. وقد أغلقت اليونان سفارتها في عام 2014م، بسبب الحرب الأهلية في ليبيا، لكنها كانت تؤيد وقف تصعيد العنف في البلاد، بل وساهمت بالتعاون مع شركائها في الاتحاد الأوروبي في جهود المجتمع الدولي لنزع فتيل التوترات والمساهمة في استعادة السلام والهدوء في ليبيا. ومن جملة أمور أخرى، قام وزير الخارجية السابق نيكوس كوتزياس بزيارة إلى العاصمة الليبية طرابلس في 28 نوفمبر 2016م، حيث التقى برئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ونظيره الليبي طه سيالة. كما حضرت اليونان المؤتمر الدولي في باليرمو حول الوضع في ليبيا في نوفمبر 2018م، ممثلة في رئيس وزرائها آنذاك أليكسيس تسيبراس.
وقد واجهت العلاقات اليونانية الليبية تحديات خطيرة في خريف 2019م، ففي 27 نوفمبر 2019م، وقعت حكومة الوفاق الوطني وتركيا مذكرة تفاهم لترسيم حدودهما البحرية. وبموجب هذه الاتفاقية، أنشأت الدولتان خطًا حدوديًا بطول 18.6 ميلًا بحريًا للجرف القاري وحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بين البلدين. كما وقع الممثل الدائم لتركيا لدى الأمم المتحدة فريدون سينيرلي أوغلو بالفعل على خطاب يُحدد حقوق تركيا المزعومة في شرق المتوسط. ووفقًا للخطاب، تحتفظ تركيا "بحقوقها في تقديم الإحداثيات الجغرافية للجرف القاري التركي ناحية الغرب من خط الطول 28-00-00.000E ، والذي يمتد إلى الحدود الخارجية للمياه الإقليمية للجزر التي تواجه المنطقة المعنية في البحر المتوسط." وهذا يعني أن أنقرة تعتقد أنها تتمتع بالحق في أن يكون لها مناطق بحرية وجرف قاري غرب خط الزوال الثامن والعشرين متجاهلة بذلك سلسلة جزر دوديكانيز وكريت.
وترفض اليونان ادعاءات تركيا باعتبارها مزاعم خاطئة وتعسفية، ولا أساس لها من الناحية القانونية. وفي كلمته أمام المجلس الأطلسي في 7 يناير 2020م، وصف رئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، الذي تولى منصبه في يوليو 2019م، مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة الوفاق الوطني وتركيا بأنها "لاغية وباطلة"، بل "وتثير السخرية من الناحية الجغرافية''، لأنه لا يوجد اتصال جغرافي بين تركيا وليبيا. ومنذ نوفمبر 2019م، شرعت أثينا في محاولة دبلوماسية لتوضح للمجتمع الدولي أن اتفاقية حكومة الوفاق الوطني وتركيا لا تحمل نتائج قانونية لأطراف ثالثة. فالموقف اليوناني، وفقًا لمعاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، يؤيد كون الجزر -بغض النظر عن حجمها-لها الحق الكامل في المناطق البحرية كما يحدث مع الأراضي البرية الأخرى. وهناك العديد من الدول الأخرى التي أبدت تضامنًا مع اليونان، وتشمل مصر وفرنسا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وردا على توقيع اتفاق حكومة الوفاق الوطني وتركيا، طردت اليونان السفير الليبي من أثينا. والأهم من ذلك، استقبلت اليونان المشير خليفة حفتر في أثينا في 17 يناير 2020م، وشجع وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس المشير حفتر على المشاركة البناءة في عملية برلين، والسعي لوقف إطلاق النار واستعادة الأمن في ليبيا، وطرد المرتزقة، والاعتراف بأن المذكرات غير القانونية الموقعة بين حكومة الوفاق الوطني وتركيا لاغية وباطلة. وبينما لم تُخفِ تركيا إحباطها من قرار اليونان بمساندة حفتر في الصراع الليبي، فقد كثف ديندياس اتصالاته، ففي الأول من يوليو، على سبيل المثال، زار الوزير اليوناني مجلس النواب الليبي. وبعد لقائه مع رئيس المجلس عقيلة صالح، صرح بأن جلب المرتزقة من سوريا وانتهاك قرار حظر الأسلحة كانت عناصر مؤثرة على الموقف التركي"، كما توصل إلى تفاهم حول إمكانية تشغيل القنصلية اليونانية في بنغازي.
وردًا على التحديات التركية في شرق البحر الأبيض المتوسط، تعتمد اليونان على آلية ثلاثية للتعاون مع إسرائيل وقبرص وكذلك مع مصر وقبرص. وفي أغسطس، وقعت أثينا والقاهرة اتفاقية بشأن المناطق البحرية، وهو ما أثار غضب تركيا من جديد، حيث تتعارض أجزاء من هذا الاتفاق مع اتفاقية حكومة الوفاق وأنقرة. وبالإضافة إلى هذه الاتفاقية واعتمادها التقليدي على القانون الدولي، تعتمد اليونان على دعم بعض دول الخليج العربي كما ذكرنا سابقًا. وفي بداية فبراير، زار رئيس الوزراء ميتسوتاكيس الرياض والتقى بالملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود. وأقدمت اليونان حينها على قرار هام بنشر صواريخ باتريوت في السعودية. وفي نفس الجولة، زار ميتسوتاكيس أبو ظبي، حيث التقى ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
كانت الإمارات العربية المتحدة، تحديدًا، صريحة في التعبير عن تضامنها مع اليونان في عام 2020م، حيث أدان الإعلان المشترك الذي تبناه وزراء خارجية قبرص ومصر وفرنسا واليونان والإمارات العربية المتحدة في 11 مايو الأنشطة التركية غير القانونية في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، ومياهها الإقليمية. وحثت أنقرة على الاحترام الكامل لسيادة جميع الدول وحقوقها السيادية في مناطقها البحرية في شرق البحر المتوسط. كما ندد بالتدخل العسكري التركي في ليبيا، ودعا أنقرة إلى الاحترام الكامل لقرار حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة ووقف تدفق المقاتلين الأجانب من سوريا إلى ليبيا. وبعد أكثر من ثلاثة أشهر، وفي نهاية أغسطس، تصاعدت التوترات اليونانية التركية بسبب نشاط التنقيب لسفينة "أوروتش ريس" في شرق البحر المتوسط، حيث أرسلت الإمارات أربع طائرات مقاتلة من طراز إف-16 إلى جزيرة كريت لإجراء مناورة عسكرية مشتركة.
ومع التحول في مشهد الشرق الأوسط، رحبت اليونان بإعلان تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين من ناحية وإسرائيل من ناحية أخرى. وتمتلك جميع الدول مصالح مشتركة في ليبيا وشرق المتوسط. وبالطبع، سيتم اختبار العمق الاستراتيجي لخطط التعاون الجديدة في المستقبل. لكن من الواضح أن اليونان بدأت تلعب دورًا مهمًا وسط هذه المخططات الجديدة.