الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020
احتفلت مملكة البحرين بيومها الوطني التاسع والأربعون، والواحد والعشرون لتولي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة مقاليد الحكم، وفي الكلمة السامية التي تفضل بها جلالته بهذه المناسبة ذكر "الإرث المتأصل" لما تملك هذه الأرض من إرث كبير من الحضارة العريقة الضاربة في جذور التاريخ كحضارة دلمون وأرادوس وتايلوس ما قبل التاريخ حتى دخول البحرين في الإسلام بعد دعوة النبي محمد (ص) مرورًا بالدولة الأموية والعباسية ومن ثم الدويلات المتناثرة كالقرامطة والعصفوريون وحكم السلاجقة والجبور، إن الإرث المتأصل الذي ذكره جلالته قد أتى من الإنجازات والتضحيات التي تحققت على مدى أكثر من 237 عامًا من حكم أسلافه الميامين من آل خليفة عقدًا يتلوه عقد وعهداً يتلوه عهد من مواصلة البناء في هذا الوطن العزيز، لقد انتقلت البحرين من مشيخة إلى إمارة في ديسمبر 1869م، بتولي الشيخ عيسى بن علي بن خليفة آل خليفة الحكم في البحرين ثم تحولت إلى دولة في ديسمبر عام 1971م، في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة وذلك إيذانًا بانتهاء معاهدات الحماية البريطانية مع البحرين والتي شرع بعدها في بناء الدولة العصرية والتي صاحبتها النهضة المباركة في جميع المجالات، ثم أصبحت البحرين مملكة دستورية في عهد جلالة الملك حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة عام 2001م، لتشهد المزيد من التطور بخطى سريعة نحو البناء والازدهار والتي صاحبها طرح المشروع الإصلاحي الذي قاده جلالته من خلال تصويت الشعب البحريني على ميثاق العمل الوطني الذي عبر عن إرادة ملكية في الانتقال بالبحرين نحو آفاق من التطور في جميع القطاعات وعلى كافة الأصعدة ليضع مملكة البحرين إلى مصاف دول أكثر تقدمًا رغم المتغيرات الدولية سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.
المسيرة البحرينية المباركة التي انطلقت قبل أكثر من 237 عامًا قد حرصت على تهيئة كل السبل والإمكانات كي يكون المستقبل أكثر إشراقًا وجمالاً للوطن والمواطن ولمستقبل الأجيال الصاعدة من أبناء البحرين من أجل مواصلة العمل بكل جدية وثبات لتجديد تلك النهضة المباركة، لقد خطت مملكة البحرين ومنذ تأسيس الدولة الحديثة نهج تسامحي فريد من نوعه حتى غدت قبلة للقاصي والداني، وأصبح التعايش السلمي ميزة من أبرز سمات ومميزات الدولة البحرينية في عصرنا الحاضر وقد أصبح كل من يعيش على هذه الأرض المباركة له مساهمة من هذا النوع الفريد من التسامح والتعايش السلمي الذي يزهو بِه المجتمع البحريني قاطبة ولهذا فقد حازت مملكة البحرين كأكبر وجهة للمغتربين في الشرق الأوسط وذلك وفقًا لاستطلاع مؤشر(International Expat Insider for Year 2015) وذلك وفق العديد من العوامل كنوع الحياة والتمويل الشخصي والعمل في الخارج وتكوين الصداقات.
مملكة البحرين لم تأل جهداً في اتباع نهج سياسي خارجي واضح ومعتدل التزامًا بالمواثيق الدولية والإقليمية كعضو في منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والكثير من المنظمات سواءً الدولية منها أو الإقليمية وبفضل تلك السياسة الرشيدة المتزنة فقد أصبحت علاقات مملكة البحرين بالعالم الخارجي علاقات دبلوماسية صلبة ومتينة مع جميع دول العالم، وقد لعبت مملكة البحرين دورًا مهمًا في تكوين وتأسيس منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ التأسيس في 25 مايو 1981م، جنبًا إلى جنب شقيقاتها من الدول الخليجية في تنمية وتطوير تلك المنظومة وربما كانت مملكة البحرين من أكثر دول مجلس التعاون التي لاقت من التدخلات في شأنها الداخلي من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ قيام الثورة في طهران في فبراير عام 1979م، إن دخول العقد الثاني من الألفية أو ما عُرف اصطلاحًا بــ (الربيع العربي) والتي من خلاله حاولت الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دعم الخارجين على القانون في مملكة البحرين في أحداث فبراير عام 2011م، مع استمرارية دعم المليشيات والأحزاب الإرهابية التي تلقى التمويل والدعم اللوجستي من قبل إيران مستغلة العنصر الديني لبعض فئات المجتمع البحريني، بالرغم من تلك الأحداث إلا أن مملكة البحرين قد واصلت طريق البناء والتقدم نحو المستقبل متسلحة بتعزيز مبدأ المواطنة الحقة المثمرة في بناء الوطن والمواطن على حد سواء معلية في هذا المقام ركيزتين مهمتين أولتهما كل اهتمام وهما أمن الوطن والمواطن:
ا- أمن الوطن، وذلك من خلال بناء منظومة أمنية فاعلة تخدم سلامة البحرينيين في وطنهم إلى جانب استخدام أحدث المنظومات الدفاعية لحفظ كيان الدولة التي تحمى وتصان من قبل أبنائها، هذا إلى مشاركة ومؤازرة البحرين في تعزيز الأمن الخليجي وذلك من خلال المساهمة في تعزيز الأمن الخليجي وذلك من خلال المساهمة في تعزيز أمن الخليج العربي الاستراتيجي من تدخلات إقليمية شرسة، فقد أتت مشاركة البحرين في دعم الشرعية في اليمن حفاظًا على الأمن الخليجي الجماعي، كذلك أتت مشاركة مملكة البحرين في مهام قوة الواجب المشتركة (150) البحرية والتي تغطي مساحة وقدرها أكثر من ثلاثة ملايين ميل بحري تشمل البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عُمان والمحيط الهندي من أجل مكافحة الإرهاب والأنشطة الداعمة له كتهريب الأسلحة والمخدرات و الاتجار بالبشر لضمان حرية الملاحة وتدفق التجارة الدولية بكل يسر وأمان في تلك المنطقة.
ب- أمن المواطن، فقد كان احتفال اليوم الوطني هذا العام مغايرًا ومختلفًا صاحبه أجواء تتسم بنوع من المشاعر المختلطة بعد مرور العالم بأسره بعام استثنائي وذلك بسبب آثار وتداعيات جائحة كورونا على العالم بأسره، لم تقتصر آثار الجائحة على صحة الناس فقط في كل أرجاء العالم وإنما امتدت بشكل كارثي لتصيب الاقتصاد العالمي بالكساد والانكماش والتي بلا شك كان تأثيرها وارتدادها كبيرًا على دول الشرق الأوسط ومنها بطبيعة الحال دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مما أبرز لنا تحدي كبير على المستويين الصحي والاقتصادي والاجتماعي في ظل تراجع النشاط التجاري وإعطاء الأولوية للمحافظة على صحة وأرواح المواطنين، لذلك أولت القيادة السياسية الحلول لمواجهة هذه الكارثة وذلك بإصدار حزمة مالية واقتصادية من أجل تجاوز تلك الجائحة والتي وفرت للقطاع الخاص القدرة على الاستمرارية في مزاولة النشاط الاقتصادي، كما وفرت الحماية للمواطنين من شبح البطالة كما عززت الدولة عبر تحملها تكاليف معيشية دعمًا للمواطن البحريني مع العمل على توفير اللقاحات والأمصال الطبية ضد تلك الآفة لجميع المواطنين والمقيمين مجانًا، وهذا ما يجعلنا نقف هنا عند هذه الإجراءات في مواجهة أزمة من أكثر الأزمات التي عصفت بالمنطقة والعالم عند هذا البلد الصغير من حيث المساحة وتعداد السكان وحجم الاقتصاد الوطني مقارنة مع دول أوروبية وغربية متقدمة وذات اقتصادات عملاقة وإمكانيات طبية كبيرة قد فشلت حتى الآن في احتواء انتشار الوباء أو وقف آثاره الاقتصادية والاجتماعية.
يعتبر الاقتصاد البحريني قادر على تجاوز التقلبات العالمية وذلك لتنوعه وعدم اعتماده على القطاع النفطي فقط إنما عُزز بقطاع مالي قوي نجح في جذب المستثمرين الخارجيين وذلك يعكس لنا ثقافة الإنتاج الاقتصادي الذي خطته مملكة البحرين منذ العقدين من الزمان، إذ تعدّ البحرين مركزًا ماليًا الأسرع نموًا في الشرق الأوسط متبعة بذلك سياسة الاقتصاد الحر المفتوح وفقًا لمؤشر الحرية الاقتصادي الصادر لعام 2011م، فإن اقتصاد مملكة البحرين هو الأكثر حرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ولذلك فقد قام البنك الدولي بالاعتراف بالاقتصاد البحريني كاقتصاد من ذي الدخل المرتفع وأن هذا الاقتصاد قد صاحبه إنشاء شبكة بنية تحتية متقدمة تخدمها شبكة اتصالات عالية الجودة مما جعلها مركزًا للعديد من الشركات والبنوك الدولية التي باتت تتخذ من البحرين مقرًا لها وتمتد فروعها لباقي دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وذلك يأتي تجسيدًا للرؤية الاقتصادية 2030م، التي أطلقها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في أكتوبر 2008م وهي رؤية شاملة للبحرين تسعى إلى إنشاء توجه واضح لتطورات اقتصاد المملكة مع التركيز على هدف أساسي يتجلى في تحسين المستوى المعيشي لجميع مواطني مملكة البحرين.
لا يمكننا في اليوم الوطني لمملكة البحرين أن نحصر مسارات تقدمها وإنجازاتها الوطنية في مسار أو مجال معين فهي نهضة شاملة للمستويات كافة ومستوعبة لاحتياجات الحاضر وتطلعات المستقبل، لقد جاءت احتفالاتنا هذا العام بتحديات كبيرة في وجه الإنجازات والمكتسبات البحرينية التي أدت إلى تثبيت أركان الأمن والاستقرار في هذا الوطن مع الاستمرار في عملية البناء والتنمية وتعزيز مكانة المملكة في صفوف الأسرة الدولية والتي تدعونا أن نردد على الدوام النشيد الوطني: بحريننا ملكينا رمز الوئام دستورها عالي المكانة و المقام ميثاقها نهج الشريعة و العروبة و القيم عاشت مملكة البحرين بلد الكرام مهد السلام دستورها عالي المكانة و المقام ميثاقها نهج الشريعة و العروبة و القيم عاشت مملكة البحرين.
مجلة اراء حول الخليج
٣٠ شارع راية الإتحاد (١٩)
ص.ب 2134 جدة 21451
المملكة العربية السعودية
+هاتف: 966126511999
+فاكس:966126531375
info@araa.sa :البريد الإلكتروني