array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

الانتقال السلمي للسلطة للسلطان هيثم بن طارق مؤشر على قوة ومتانة النظام المؤسسي في الدولة

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

د. أشرف مشرف

يعتبر عام 2020م، من الأعوام الفارقة في تاريخ سلطنة عمان، حيث شهدت السلطنة تحولات سياسية واقتصادية عديدة، بدأت بالتحول السلمي للسلطة بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد وتولي السلطان هيثم بن طارق مقإلىد الحكم في 11 يناير 2020م، تلاه سلسلة من الإصلاحات الإدارية والتشريعية والاقتصادية والمإلىة التي ساعدت السلطنة على مواجهه تداعيات أزمة جائحة كورونا التي أصابت جميع نواحي الحياة في السلطنة. وقد ساعدت حالة الاستقرار السياسي التي تتمتع بها السلطنة والتطور المؤسسي والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة على التقليل من حدة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن قلة الطلب على النفط وانخفاض أسعاره دون المستوى المحدد في الميزانية العامة للدولة والإغلاق الجزئي والكلي لكثير من المؤسسات التجارية والصناعية وتأثير ذلك سلبًا على الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة خلال العام المنصرم.

انعكاسات الاستقرار السياسي على التنمية

مرت سلطنة عمان بمرحلة حاسمة في تاريخها في أوائل عام 2020م، بعد وفاة السلطان قابوس بن سعيد وتولي السلطان هيثم بن طارق مقإلىد الحكم في 11 يناير 2020م، اذ اعتبر المراقبون هذا التحول السلمي للسلطة انجازًا سياسيًا بعد فترة طويلة من الغموض استمرت لسنوات عن مستقبل النظام السياسي ما بعد قابوس. يعد انتقال السلطة سلميًا إلى السلطان هيثم بن طارق مؤشر على قوة ومتانة النظام المؤسسي في الدولة، حيث أرست هذه الخطوة دعائم النظام السياسي الداخلي وأوضحت التماسك والتفاهم بين أفراد الأسرة الحاكمة والتناغم الكبير بين الشعب والأسرة الحاكمة وهو ما أسس لوجود علاقة إيجابية بين استقرار بيئة النظام السياسي وبين إرادة النظام الحاكم نحو تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والاستمرارية في بناء الدولة العصرية الحديثة التي أرسي لبناتها السلطان الراحل قابوس بن سعيد منذ عام 1971م. كما أكدت هذه الخطوة ثبات المبادئ السياسية والاجتماعية في المجتمع العماني أثناء عملية التحول السياسي الداخلي وكذلك المحددات الداخلية والخارجية للسياسة الخارجية العمانية.

ركزت السلطنة على إعادة هيكلة النظام الإداري للدولة بدءًا بالتغيير الوزاري في أغسطس 2020م، حيث تم دمج العديد من الوزارات والمؤسسات التنفيذية وتوحيد أساليب وأنماط العمل داخل النظام الإداري والحكومي وترشيد استخدام الموارد المالية والطبيعية والبشرية من أجل الاستخدام الأمثل وتعظيم الاستفادة من هذه الموارد في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. فقد تم استحداث وزارة للاقتصاد لرسم سياسية اقتصادية جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة وإدارة الموارد الاقتصادية والطبيعية للدولة، في حين تم دمج مؤسسات عديدة نتيجة لتدخل وتكرار مهامها مثل دمج الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات إلى وزارة التجارة والصناعة، ومجلس البحث العلمي إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من أجل ترشيد الهيكل الحكومي وتفعيل سياسة جديدة ومبتكرة تدفع نحو خلق اقتصاد معرفي وتنمية مستدامة.

اهتمت السلطنة بإدخال مبادئ الحوكمة باعتبارها أداة فاعلة في تطوير الأداء والكفاءة في الإدارة الحكومية، وسيادة القانون، وتعزيز مبادئ الشفافية والالتزام والمساءلة، كما تمثل الحوكمة أحد المحاور الرئيسية في الرؤية الاقتصادية لعمان 2040م، كذلك اتخذت السلطنة نظم الحوكمة كأداة فعالة لتحقيق أهداف سياسية مثل تعزيز ثقة المواطنين في الحكومة ومؤسساتها وزيادة مشاركتها في عملية التنمية لتحقيق استقرار المجتمع وأمنه ورفاهيته.

انعكس التحول السلمي للسلطة إيجابيًا على دور السلطنة الداعم للأمن والسلم في منطقة الخليج والتأكيد على الثوابت والمرتكزات الرئيسية في السياسة الخارجية خاصة فيما يتعلق بالحياد الإيجابي والنأي بالنفس عن الصراعات الدولية والإقليمية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، مما ساعد السلطنة على تحقيق أولويات المصلحة الوطنية والاستفادة من علاقات حسن الجوار في توطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية مع شركائها التجاريين.

إعادة هيكلة القطاع العام وتحسين بيئة الاستثمار

نجحت حكومة السلطنة أيضًا في دمج العديد من شركات قطاع الأعمال والشركات الحكومية تحت مظلة جهاز استثمار عمان والشركات القابضة من أجل الإشراف على ملكيتها وإدارة مشاريعها التي لم تحظ باهتمام كبير خلال الفترة السابقة نظرًا لاستخدامها كوحدات اقتصادية لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية مثل إعادة توزيع الثروة القومية من خلال التوظيف وخلق الوظائف بغض النظر عن الربحية والاحتياجات الفعلية لإدارة وتشغيل هذه الشركات. يعتبر دمج صندوق الاحتياطي العام والصندوق العماني للاستثمار بالمرسوم السلطاني 61/2020 لإنشاء جهاز الاستثمار العماني أحد أهم هذه العمليات بعد ضم 66 شركة حكومية كبري تحت مظلته بهدف تعظيم عوائد استثماراتها وإدارتها بصورة حذرة ومدروسة المخاطر وجذب الاستثمارات الأجنبية وتحفيز الاستثمارات المحلية وتوجيها بشكل استراتيجي يخدم القطاعات الاقتصادية المستهدفة والواعدة.

ويأتي التوجه لدمج الشركات المملوكة للدولة من أجل رفع كفاءتها وتعزيز التكامل والقدرة التشغيلية بينها للعمل ضمن منظومة واحدة من شأنها تقليل التكاليف المالية بما يضمن تحقيق أفضل عائد من الموارد المالية وحوكمة الأداء وزيادة الإنتاجية وفاعلية الأداء وتكامل الأدوار بين هذه الشركات. ففي مجال الأمن الغذائي، تم دمج كل من شركة المياه الزرقاء، وشركة روبيان المحيط للاستزراع السمكي، وشركة الوسطى للصناعات السمكية تحت مظلة الشركة العمانية لتنمية الثروة السمكية، حيث تطمح السلطنة رفع حجم الإنتاج السمكي خلال الخطة الخمسية العاشرة باستثمارات تقدر بـ 356 مليون ريال عماني على الأقل عبر 6 مشاريع للاستزراع السمكي، و6 مشاريع لاستزراع الروبيان، ومشروع لاستزراع الصفيلح.

كما تم إعادة هيكلة شركات قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال إدراج الشركات المعنية بالبنية الأساسية النشطة وغير النشطة؛ كالشركة العُمانية للنطاق العريض وشركة تقنية الاتصالات الفضائية وحصة الحكومة في الشركة العُمانية لأبراج الاتصالات، إضافة إلى الصندوق العُماني للتكنولوجيا تحت مظلة المجموعة العُمانية للاتصالات وتقنية المعلومات بهدف تحقيق أهداف اقتصادية واستثمارية موحدة، تعزز الاستثمار في الاقتصاد الرقمي والتقنيات الناشئة كالذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والمدن الذكية والبيانات الضخمة وسلسلة الكتل وغيرها من التقنيات الحديثة ومبادرات الثورة الصناعية الرابعة.

جاءت هذه الإجراءات بعد سلسلة من المراسيم السلطانية لتحسين بيئة الأعمال حيث صدرت مجموعة من قوانين الإفلاس والشراكة بين القطاعين العام والخاص والتخصيص واستثمار رأس المال الأجنبي في 2 يوليو 2019م، من أجل إيجاد بيئة تشريعية منظمة وجاذبة للاستثمار وتحديث التشريعات والقوانين لتعزيز تنافسية الاقتصاد العماني. كما سعت السلطنة إلى تبسيط الإجراءات والتصاريح وإتاحة الحوافز وفتح مجالات جديدة للمستثمر الأجنبي تشمل مشاريع استراتيجية تسهم في التنمية، كذلك تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والخدمات العامة للمساهمة في تنويع مصادر الدخل القومي وزيادة دوره من خلال تملك وإدارة الأنشطة الاقتصادية المختلفة وجذب الاستثمارات والخبرات والمعرفة والتكنولوجيا الحديثة.

دور القطاع الخاص في تحقيق التنمية ورؤية عمان 2040

 في ضوء إعادة هيكلة الاقتصاد لتقليل الاعتماد على النفط والغاز، تسعى السلطنة إلى دعم القطاع الخاص ليلعب دورًا فاعلاً في التنمية وتحريك الأنشطة الاقتصادية وتحقيق التنويع الاقتصادي وخلق فرص عمل وتعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة نظرًا لقدرته الفائقة على ترشيد استخدام الموارد النادرة وتحقيق معدلات عالية من الإنتاجية والربحية. ظهر هذا الدعم من خلال الاستثمار في البنية الأساسية اللازمة لتطويع القطاع الخص مثل المطارات والموانئ وشبكة الطرق والمناطق الصناعية والاقتصادية والحرة وتسهيل حصول الشركات الخاصة على القروض والائتمانيات المالية اللازمة لتمويل المشاريع الاستثمارية، بالإضافة إلى السياسات المالية والنقدية وسياسات الحوافز التشجيعية مثل الإعفاءات الجمركية والضريبية للمدد تصل إلى عشر سنوات في المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة. 

وتواصل السلطنة دورها لدعم القطاع الخاص من خلال سياسة الخصخصة وبيع أصول الدولة في القطاعات الإنتاجية للشركات الخاصة كوسيلة لتوسيع ملكية هذا القطاع وزيادة قدراته المالية والإنتاجية والتصديرية، وكذلك تشجيع الشركات الخاصة على المنافسة في قطاع الخدمات بعد نجاح تجربة خصخصة قطاع الكهرباء. لذا قامت الحكومة بإصدار ومراجعة الإطار القانوني والتشريعي المنظم لأنشطة القطاع الخاص مثل قانون الشركات وقانون الإفلاس والاستثمار الأجنبي والشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما أدى إلى زيادة عدد المؤسسات الاقتصادية لما يزيد عن 300 ألف شركة ربحية وغير ربحية، منها 45 ألف شركة صغيرة ومتوسطة مسجلة بريادة، إنشاء خمسة آلاف شركة منها خلال العشرة أشهر الأولى من عام 2020م.

وتؤكد دراسة تطبيقية يقوم بها الباحث أنه بالرغم من الصعوبات التي يواجها القطاع الخاص نظرًا للآثار السلبية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط وقلة الاستثمارات الحكومية والإغلاق الكلي والجزئي المترتب عن جائحة كورونا كوفيد-19 إلا أن إسهامات القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي بدأت في التحسن حيث قدرت نسبته بحوالي 16% عام 2017م، كان نصيب القطاع الخاص من الاستهلاك حوالي 39.7%، بينما تراوحت نسبته بين 30% و35% من إجمالي التكوين الرأسمالي الثابت (العام والخاص). كما أفادت الدراسة على الدور الهام للقطاع الخاص في خلق الوظائف، حيث وصل متوسط نسبة العمالة في القطاع الخاص حوالي 78% من إجمالي القوة العاملة في السلطنة خلال العشر سنوات الماضية. فبالرغم من قدرة القطاع على توفير فرص عمل كبيرة الا أن معظمها يشغل من قبل العمالة الوافدة بنسبة تصل إلى 84% وأن الغالبية العظمى منها عمالة غير ماهرة مما يؤثر سلبًا على معدل اإتاجية العامل في السلطنة.

دور غرفة تجارة وصناعة عمان في مواجهة تداعيات جائحة كوفيد-19

لا شك أن جائحة كورونا كوفيد-19 أصابت الاقتصاد العماني بالشلل شبه التام لمدة تزيد على ثلاثة أشهر (أبريل – يونيو 2020م) تم خلالها إغلاق المؤسسات التجارية والصناعية ووقف حركة الطيران والنقل الداخلي وتوقف المدارس والجامعات وتحويل الدراسة إلى منصات إلكترونية مما أدى إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة بنسبة تصل إلى 4% تقريبًا خلال 2020م. كانت الشركات الصغيرة والمتوسطة من أكثر المتضررين بالجائحة نظرًا لفرض الإغلاق التام والجزئي وقلة الطلب على المنتجات والخدمات وتوقف العمالة عن العمل بالمؤسسات وصعوبة حركة التنقل مما اضطر معظم الشركات إلى الغلق أو تسريح جزء كبير من العمالة وتخفيض المرتبات وتأجيل المشاريع الاستثمارية والتوسعية.  

منذ بداية الأزمة في فبراير 2020م، قدمت غرفة تجارة وصناعة عمان كل الدعم المعلوماتي واللوجيستي والتنسيق مع الحكومة وسلطات البلدية والمصارف من أجل توفير الدعم والتخفيف من حدة الأزمة على الشركات الصغيرة والمتوسطة. قامت الغرفة أيضًا بعقد سلسلة من الندوات مع رجال الأعمال للتعرف على الصعاب التي تواجههم ومدى فاعلية المساعدات التي تقدمها الحكومة للشركات، كما أعدت الغرفة بشكل دوري قوائم بالحوافز المطلوبة للشركات ورفعها إلى اللجنة العليا لمتابعة تداعيات جائحة كورونا والبنك المركزي من أجل إلغاء الرسوم الخاصة بالتصاريح وتأجيل سداد القروض وزيادة مدتها إلى 15 عام وتوفير السيولة من قبل القطاع المصرفي وخفض سعر الفائدة وتسهيل الائتمان والإجراءات الجمركية والضريبية لمدد تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر.

امتد دور غرفة تجارة وصناعة عمان في مواجه آثار الجائحة من خلال إنشاء صندوق لدعم شركات القطاع الخاص بمساهمة قدرها مليون ريال عماني لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتواصل مع الجهات الحكومية، وتشجيع الشركات على مواصلة أنشطتها الاقتصادية في القطاعات المختلفة. وكان لغرفة تجارة وصناعة عمان دور جوهري في توجيه شركات القطاع الخاص بالعمل على توفير الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية والأجهزة الطبية والأدوية اللازمة لمواجه الآثار الناتجة عن جائحة كورونا منذ بداية ظهورها بالسلطنة في فبراير 2020م.

علاقة سلطنة عمان مع دول مجلس التعاون الخليجي

إن قدرة السلطنة في الحفاظ على ثوابت سياستها الخارجية بعد تولي السلطان هيثم بن طارق يشير إلى اقتناع السلطنة بضرورة نزع فتيل الصراعات الإقليمية والتركيز على مسائل التنمية والتكامل الاقتصادي الإقليمي، كذلك طي صفحات الماضي التي شابها تباين في المواقف مع السعودية والإمارات من قضايا شديدة الخلاف والحساسية مثل توسيع مجلس التعاون الخليجي وثورات الربيع العربي والأزمة القطرية. وبالتالي يمكن للسلطنة لعب دور جوهري في رأب الصدع في الوضع السياسي لمجلس التعاون الخليجي من خلال توظيف السياسية الخارجية العمانية في حل أكثر أزمات المنطقة تعقيدًا وهي الأزمة القطرية وأزمة اليمن والصراع السعودي / الإيراني. إن عدم توظيف هذا الدور يعد فشلا وتقاعسًا في حل الخلافات الإقليمية، حيث ثبت بالفعل نجاح السلطنة في تسهيل المفاوضات والتوصل إلى تفاهمات في مسائل من أكثر القضايا تعقيدًا على المستوى الدولي وهو الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمي في يوليو 2015م.

هناك حاجة إلى الاستفادة من العلاقات المتوازنة للسلطنة مع دول الجوار من خلال إعادة النظر من قبل السعودية والإمارات في الدور الإقليمي للسلطنة والذي يمكن من خلاله الوساطة لحل الأزمة القطرية، واستغلال الموقف المحايد للسلطنة والتي لم تشارك في عاصفة الصحراء للعب دور الوساطة من خلال علاقتها مع جماعة الحوثي والذي تعتبره طرفًا رئيسيًا يجب دمجه في العملية السياسية لوضع خارطة طريق جديدة لليمن لإنهاء الأزمة السياسية والإنسانية ، فيمكن أن يتحول هذا الموقف المحايد إلى مصدر للتعاون والاستفادة منه بنفس الطريقة التي استفادت منها الدول الكبرى في إبرام اتفاقها مع إيران منذ خمس سنوات من أجل الوصول إلى تفاهمات إقليمية خليجية تزيل الخلافات القائمة بشأن التدخلات الإيرانية في شؤون الدول المجاورة وتحد من سباق التسلح وتحفظ الأمن والسلم في المنطقة.

وفي إطار العلاقات التجارية بين السلطنة ودول مجلس التعاون الخليجي، تعتبر سلطنة عمان من أكثر الدول الخليجية تكاملاً وتعاونًا من حيث التبادل التجاري في السلع والخدمات مع الخمسة دول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. يشير جدول 1 أن الإمارات والسعودية أهم الحلفاء التجاريين للسلطنة على مدى العقدين الماضيين. كما تشير الإحصائيات إلى تحسن تدريجي في العلاقات التجارية العمانية القطرية منذ عام 2010م، ووصلت التجارة البينية بينهما إلى مستويات عالية بعد فرض السعودية والإمارات والبحرين ومصر الحصار على دولة قطر في 5 يونيو 2017م. ففي عام 2019م، وصلت نسبة التجارة البينة بين قطر وعمان إلى 95% من إجمالي التجارة البينية لقطر مع دول مجلس التعاون الخليجي.

 

المصدر: قاعدة بيانات الأمم المتحدة كومتريد 2020.

توضح البيانات المتوفرة للتجارة الخارجية أن السلطنة تحقق فائضًا مريحًا في الميزان السلعي بفضل الصادرات النفطية والتي بلغت 6.95 مليار ريال عماني في 2019م، إلا أنها تعاني عجز في ميزان الخدمات والتي بلغت 2.76 مليار ريال عماني في نفس العام، مما يتطلب جهودًا كبيرة لتعزيز الصادرات في الخدمات والذي يمثل قطاع السياحة عمادها الرئيسي. يمثل النفط والغاز الخام ومشتقاتها الجزء الأكبر من الصادرات العمانية، يليها الصادرات غير النفطية مثل منتجات الصناعات الكيماوية والأسمدة والمنتجات البلاستيكية والمعدنية والأغدية والمشروبات والحيوانات الحية ومنتجاتها والزيوت والشحوم الحيوانية والنباتية. في حين تستورد السلطنة الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية والسيارات ومعدات النقل ومعظم المنتجات الزراعية والصناعية والوقود والمعادن المصنعة، حيث بلغت القيمة الإجمالية للواردات 8.49 مليار ريال عماني في 2019م.

يشير جدول 1 أن الإمارات العربية المتحدة هي الشريك التجاري الأول للسلطنة من حيث الصادرات والواردات، حيث مثلت الصادرات غير النفطية العمانية إلى الإمارات ما يقرب من 51% من إجمالي الصادرات إلى دول المجلس في 2017م، قبل انخفاضها إلى 44.4% في 2019م.  تأتي السعودية في المركز الثاني بنسبة 26.4% من إجمالي الصادرات غير النفطية العمانية إلى دول المجلس في 2019م، ثم قطر بنسبة 23.2% في نفس العام. وصلت نسبة الكويت من الصادرات غير نفطية عمانية 3.3% من إجمالي الصادرات غير النفطية، في حين سجلت البحرين 2.6% في 2019م.

جدول 1: التبادل التجاري لسلطنة عمان مع دول مجلس التعاون الخليجي 2017-2019 م، (مليون ريال عماني)

الدولة

2017

2018

2019

الصادرات العمانية غير النفطية

الواردات المسجلة

الصادرات العمانية غير النفطية

الواردات المسجلة

الصادرات العمانية غير النفطية

الواردات المسجلة

القيمة

النسبة من الإجمالي

القيمة

النسبة من الإجمالي

القيمة

النسبة من الإجمالي

القيمة

النسبة من الإجمالي

القيمة

النسبة من الإجمالي

القيمة

النسبة من الإجمالي

 

الإمارات

1255.8

51

4250.1

87.4

1115.8

42.4

4545.8

84.2

1037.7

44.4

3641.6

82.5

 

السعودية

511.5

20.8

356.7

7.3

638.8

24.3

317.9

5.9

616.5

26.4

352.7

8

 

البحرين

41.2

1.7

115.5

2.4

46.6

1.8

173.1

3.2

61.1

2.6

159.1

3.6

 

 الكويت

125

5.1

10.6

0.2

139

5.3

8.7

0.2

78

3.3

15

0.3

 

 قطر

529

21.5

127.9

2.6

690.1

26.2

350.2

6.5

542.1

23.2

243.7

5.5

 

                             

المصدر: الإدارة العامة للجمارك والمركز الوطني للإحصاء والمعلومات

 

أما بالنسبة للواردات فتعتمد عمان بشكل رئيسي على دول مجلس التعاون الخليجي. في 2019م، استوردت عمان 82.5% من إجمالي واردتها من دول المجلس (البالغة 4.86 مليار ريال عماني) من الإمارات. جاءت السعودية في المرتبة الثانية بنسبة 8% من إجمالي الواردات من دول المجلس. تأتي قطر في المرتبة الثالثة بنسبة 5.5% من إجمالي الواردات من دول المجلس، تليها البحرين بنسبة 3.6%، في حين لم تزد واردات السلطنة من الكويت عن 0.3% في 2019م.  

تفاؤل السلطنة بالعام الجديد والنهضة المتجددة

تتطلع سلطنة عمان إلى العام الجديد 2021م. بنوع من التفاؤل الحذر نظرًا لآن التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 كانت أقل تأثيرًا على الاقتصاد العماني مما كان متوقعًا في بداية الأزمة ومن المتوقع أن يتعافى الاقتصاد بمعدل نمو يتراوح بين 2% و2.5% خلال العام المقبل. ساعد إنتاج اللقاح المضاد لفيروس كوفيد-19على زيادة درجة التفاؤل للتغلب على الجائحة وإعادة الحياة إلى طبيعتها، مما يشجع المؤسسات الإنتاجية على العمل بقدراتها التشغيلية قبل ديسمبر 2019م، وبالتالي زيادة الطلب على مصادر الطاقة من النفط واحتمالية ارتفاع أسعاره إلى ما فوق 65 دولار للبرميل.

على المستوى القصير والمتوسط، من المتوقع تحسن الوضع المالي للسلطنة نتيجة ارتفاع أسعار النفط الخام، والذي تعدى حاجز 50 دولار للبرميل في الأسبوع الثاني من ديسمبر لأول مرة منذ بداية الجائحة، كذلك الحد من الاقتراض الخارجي حيث وصلت نسبة الدين الخارجي حوالي 77% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يحسن النظرة السلبية للاقتصاد وقدرته على الالتزام بسداد الدين وبالتالي رفع التصنيف الائتماني للسلطنة. من المتوقع أيضًا حدوث انفراجه في الأزمة الخليجية القطرية مما يساعد على تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول مجلس التعاون لتحقيق التكامل القائم على المزايا النسبية لكل دولة.

  أما على المستوى المتوسط والطويل فمن المتوقع أن تشهد السلطنة قفزة نوعية في التنمية الاقتصادية من خلال التطبيق الحازم لخطة الاستدامة المالية 2020-2024م، والخطة الخمسية العاشرة 2021-2026م، ورؤية عمان 2040 التي يشرف على تصميمها وتنفيذها السلطان هيثم بن طارق. أن سرعة وطبيعة الإصلاحات الهيكلية في الجهاز الإداري والمالي والتشريعي تدل على رغبة السلطان الجديد في إحداث نهضة متجددة -على غرار النهضة التي بدأها السلطان قابوس -تؤدي إلى انضمام السلطنة إلى مصاف الدول المتقدمة.

مقالات لنفس الكاتب