array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

العلاقات الأمريكية-الخليجية تمر بمرحلة حرجة ومطلوب مبادرات أمنية واقتصادية

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

د. غانم علوان الجميلي

تعود البداية الفعلية للعلاقات الأمريكية-الخليجية إلى اللقاء التاريخي الذي جمع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت والملك عبد العزيز آل سعود على ظهر البارجة الحربية الأمريكية "كوينسي" في منطقة قناة السويس في فبراير من عام 1945م.  كانت الولايات المتحدة آنذاك بصدد وضع اللمسات الأخيرة للنظام العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية وهي بحاجة إلى البحث عن حلفاء جدد ومناطق نفوذ تساعدها في إدارة العالم الذي دفعت نتائج الحرب العالمية الثانية بها إلى الواجهة، ولم تجد أفضل من المملكة بوصفها أحد أهم البوابات لمنطقة الخليج الاستراتيجية، كما وأن المملكة في ذات الوقت كانت دولة ناشئة تواجه العديد من التحديات الداخلية والإقليمية وهي الأخرى بصدد البحث عن موقعها في الخارطة السياسية العالمية وكان كل ما يمكن أن تقدمه المنطقة آنذاك هو موقع استراتيجي في نقطة التقاء قارات العالم القديم وصحراء شاسعة تعوم فوق بحر من النفط الخام.

اليوم وبعد 75 سنة على ذلك اللقاء التاريخي تغير الكثير بالنسبة لطرفي العلاقة، فالولايات المتحدة لم تعد القوة العالمية الصاعدة، بل هي القوة العالمية الفعلية التي يتطلع البعض إلى إزاحتها عن مناطق نفوذها وفي مقدمتها منطقة الخليج، وكذلك الأمر بالنسبة للمملكة التي لم تعد تلك الدولة الناشئة الفقيرة التي تبحث عن مكانتها، لأنها أصبحت اليوم قوة اقتصادية وسياسية لا يستهان بها وهي تترأس مجموعة العشرين التي تمثل أقوى تجمع سياسي واقتصادي في العالم بعد الأمم المتحدة بالإضافة إلى موقعها القيادي في العالمين العربي والإسلامي.

تقف العلاقات بين الولايات المتحدة والمنطقة اليوم على مفترق طرق تمتاز بالضبابية وعدم الوضوح لأسباب منها غياب النظرة الاستراتيجية والانشغال بالقضايا العاجلة والتشبث بأفكار الماضي والعمل بردود الأفعال. وسوف نحاول في هذه المقالة إلقاء نظرة على واقع العلاقات الأمريكية-الخليجية وأدائها في العام الماضي مع محاولة استشراف أهم الاستحقاقات التي سوف تواجهها في العام الحالي.

 

عام مليء بالأحداث

كان العام الماضي مليئًا بالتحديات والأزمات بدأت مع موجة وباء الكوفيد-19 التي اجتاحت معظم دول العالم حيث وصل عدد الإصابات في العالم عند كتابة المقال أكثر من 65 مليون إصابة نتج عنها أكثر من مليون ونصف وفاة كان نصيب الولايات المتحدة منها حوالي 15 مليون إصابة وحوالي 300 ألف حالة وفاة.  أي أن الولايات المتحدة التي يشكل سكانها 4% من سكان العالم فيها ربع الإصابات.  هذه الأعداد الكبيرة تسببت في واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية في العصر الحديث. يقول السيد هاروهوكا كورودا رئيس بنك اليابان في كلمة له ألقاها في السابع من أكتوبر الماضي "إن انتشار وباء الكوفيد-19 قد ألجم إلى حد كبير النشاطات الاقتصادية في العالم أجمع.  حيث سجلت العديد من الاقتصاديات انخفاضًا ملحوظًا في مستويات نمو الناتج المحلي في الفترة بين أبريل ويونيو.  ومع أن بعض البلدان والمناطق بدأت باستعادة النشاط الاقتصادي تدريجيًا، لكن سرعة التعافي كانت متواضعة.  إن انتشار الوباء في العالم لم يتباطأ لحد الآن ولذلك فإن العديد من الاقتصادات مستمرة في البقاء تحت وطأة الداء وأن طريق التعافي الكامل يبقى بعيدًا. الأوضاع الاقتصادية في آسيا هي الأخرى سوف تبقى صعبة للغاية، فبحسب تقرير البنك الآسيوي للتنمية الذي نشر في سبتمبر فإن الاقتصادات النامية في آسيا سوف تسجل أول انكماش لها منذ 60 سنة. لقد أثر كوفيد ـ 19على آسيا كذلك حيث جاء ذلك من ثلاث جهات:

  1. انخفاض في الصادرات أدى إلى تدني الفعاليات الاقتصادية.
  2. تدني في الطلب وعلى خلفية الزيادة في القيود على التنقل.
  3. انخفاض في مستويات الاستهلاك الداخلي والتي انعكست على توقف العديد من الشركات وامتناع الناس من الخروج.

إن الهبوط في معدلات الطلب العالمي والمحلي أحدثت آثارًا سلبية على ربحية الشركات، والأجور والاستثمار في الشركات".

المنطقة هي الأخرى شهدت العديد من الأزمات فهي حالها حال بقية دول العالم تأثرت وبشكل كبير من انتشار وباء الكوفيد-19 الذي أصابها في مصاب حيث وصلت عدد الإصابات في دول مجلس التعاون إلى حوالي مليون إصابة وعدد الوفيات وصل إلى 7500 وفاة.  وكان أثر الوباء على المنطقة مضاعفًا لأنه بالإضافة إلى تلك الأضرار التي أصابت بقية الدول فقد تسبب الوباء في تدني الطلب على النفط وأحدث انخفاضًا حادًا في مداخيل دول المنطقة التي تعتمد على مبيعات النفط بوصفها المصدر الأول لدخولها حيث تهاوت أسعار النفط من معدل 62 دولارًا للبرميل في شهر ديسمبر 2019م، إلى 21 دولارًا في شهر فبراير من عام 2020م،  وإذا علمنا بأن دول الخليج ومن ضمنها إيران تصدر حوالي 18 مليون برميل يوميًا ؛ نحصل وبعملية حساب بسيطة على أن خسائر دول الخليج من هبوط أسعار النفط بمقدار 40 دولار وصلت إلى 760 مليون دولار في اليوم الواحد.  وقد أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن أسعار النفط التي انخفضت بشكل كبير بسبب كوفيد-19 قد استعادت بعض خسائرها حيث وصل معدل سعر البرميل إلى 41 دولارًا في عام 2020م، ومن المتوقع أن يصل إلى معدل 44 دولارًا في عام 2021م، وهو رقم بعيد عن مستوى الأسعار قبل الأزمة.

إدارة جديدة وتحديات جسيمة

تأتي إدارة الرئيس المنتخب بايدن إلى الحكم في العشرين من الشهر الحالي والبلاد تواجه عددًا غير مسبوق من الأزمات والتي فصلنا فيها أعلاه، ولذلك فإن أولوياتها سوف تكون:

  1. تخفيف وطأة أزمة الكوفيد-19 تبدأ من وضع خطة طموحة لتوفير اللقاح وتوزيعه
  2. الخروج من الأزمة الاقتصادية من خلال الإسراع في تقديم حزمة من المحفزات الاقتصادية للتخفيف من وطأة الأزمة ومن ثم العمل على تطوير خطة بعيدة المدي تشمل مشاريع البنية التحتية لتنشيط الاقتصاد
  3. تطوير مقاربة فعالة لمواجهة المتغيرات المناخية وذلك بالمبادرة إلى العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ والعمل مع دول العالم من أجل تطويرها.
  4. ترميم الجبهة الداخلية ومعالجة آثار الانقسام المجتمعي الذي يغذيه النشاط الإعلامي والسياسي للرئيس المنتهية ولايته ترامب والوسائل التي سوف يتخذها لكي يحافظ على قاعدته السياسية ،وهل ستؤدي تلك الجهود إلى إشعال فتنة داخلية بين مكونات المجتمع؟
  5. إعادة بناء العلاقات الخارجية بسبب الخراب الذي أحدثته إدارة الرئيس ترامب في السياسة الخارجية من خلال إضعاف دور المؤسسات الدبلوماسية والتقليل من شأن المنظمات الدولية والتقرب إلى الدول المنافسة على حساب الدول الحليفة. لذلك سوف تسعى إدارة بايدن إلى إعادة بناء التحالفات الدولية من خلال تفعيل دور المؤسسات الناشطة في السياسة الخارجية مثل وزارتي الخارجية والدفاع ووكالة المخابرات.

 

العوامل المؤثرة في العلاقات بين الولايات المتحدة ومنطقة الخليج

  1. المقاربة الجديدة لإدارة بايدن

يكثر الحديث في المنطقة عن احتمال حصول تغيرات كبيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.  وقبل أن ندخل في التفاصيل نود أن نبين بأن الفرق في السياسة الخارجية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي محدود جدًا بسبب التطابق الكبير في النظرة إلى المصالح الأمريكية في الخارج بين الطرفين. أضف إلى ذلك الفرق الكبير بين مواقف السياسيين عندما يصلوا إلى الحكم ومواقفهم وهم على مقاعد المعارضة لأن كلامهم في الحالة الثانية يميل إلى التنظير وتسجيل النقاط على الخصوم وفي غياب القوى الخارجية الضاغطة.  لكن وكما يقول المثل فإن "حسابات الحقل غير حسابات البيدر"، فما أن يصل السياسي إلى دفة الحكم ويبدأ بالتعرض للضغوط من ذات القوى التي تعرض لها سلفه فإنه لا يملك إلا أن يقترب من تلك المواقف. كذلك لابد من التذكير هنا بأن مواقف المسؤولين تنبني على رغبات الداعمين لحملاتهم الانتخابية، مع العلم بأن الداعمين الكبار يمثلون عددًا قليلاً جدًا من أصحاب المال والمؤسسات الكبيرة. 

لكن ومع ذلك كله فلا بد من الإقرار بأن هناك فروق وإن كانت محدودة في المقاربات للسياستين الداخلية والخارجية بين الحزبين. ولذلك فإن وصول الإدارة الجديدة لابد أن يقابل بمبادرات جدية تسعى لتطوير العلاقات لما يخدم مصالح أطراف العلاقة، ولعل من أهمها:

  • حل الأزمة الخليجية وتقوية الجبهة الداخلية لدول مجلس التعاون لمواجهة تداعيات المرحلة القادمة وفي مقدمتها إعادة التفاوض على الملف النووي الإيراني الذي يتطلب موقفًا موحدًا وجهدًا مشتركًا من جميع دول المنطقة وأهمية تنسيق الموقف مع تركيا.
  • أيجاد حل سلمي للحرب في اليمن بسبب الثمن الباهظ الذي تدفعه شعوب المنطقة من حرب الاستنزاف تلك.
  • تقوية أواصر التعاون الاقتصادي والسياسي مع العراق.
  • دعم جهود الولايات المتحدة في إيجاد حل سياسي للصراع في أفغانستان.

 

  1. العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية

تشكل العلاقات مع إسرائيل عاملاً مهمًا في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة حيث يحظى الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل بالإجماع بين الحزبين.  الرئيس المنتخب جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس هما أكثر المرشحين الديمقراطيين تأييدًا لإسرائيل ويشهد على ذلك سيرتهما السياسية الطويلة.

لكن هناك عوامل شخصية وسياسية تؤثر في أداء السياسة وعلى سبيل المثال فإن العلاقة بين الديمقراطيين أقوى مع حكومات حزب العمال في إسرائيل في حين أن العلاقة أقوى بين الجمهوريين وحزب الليكود، لذلك كانت العلاقة بين إدارة أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ضعيفة على الرغم من تأييد أوباما القوي لإسرائيل.  ومما زاد الطين بلة هو دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي في الصراع السياسي بين إدارة أوباما ومجلس النواب، الذي كانت تسيطر عليه أغلبية جمهورية مناكفة لسياسته، والتي قامت بدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي لإلقاء خطاب في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ حيث وصل إلى واشنطن من دون دعوة رسمية من الرئيس الأمريكي، كما تقتضي الأعراف الدبلوماسية، بالإضافة إلى قيامه بإلقاء خطاب انتقد فيه بشدة سياسة الرئيس أوباما وخصوصًا فيما يتعلق بالمفاوضات مع إيران.  كانت تلك الخطوة بمثابة إهانة للرئيس الأمريكي ونائبه بايدن لا ينساها العديد من الديمقراطيين.  لم تقف الأمور عند ذلك الحد بل زادها حدة المواقف المعلنة من رئيس الوزراء الإسرائيلي وتأييده لإعادة انتخاب ترامب في الحملة الانتخابية الحالية بالإضافة إلى موقفه المماثل قبل أربع سنوات. لذلك ومع أن العلاقات بين إدارة بايدن وإسرائيل سوف تبقى قوية، لكن العلاقة الشخصية بين نتنياهو والديمقراطيين قد تشكل حجر عثرة في تلك العلاقات.  والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي سوف يدفع ثمن مواقفه في الانتخابات الإسرائيلية القادمة؟   

 

  1. العلاقات الأمريكية-الإيرانية

جاءت بداية العام الماضي وهي تحمل نذيرًا بسخونة العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران وبالتحديد في الثالث من يناير 2020م، عندما قامت طائرات بدون طيار بإطلاق صواريخ على رتل سيارات قرب مطار بغداد الدولي تسببت في مقتل عدة أشخاص بينهم كل من قاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس والمستشار المقرب من آية الله خامنئي، وأبو مهدي المهندس نائب القائد العام لقوات الحشد الشعبي العراقية. كانت تلك الضربة بمثابة الزلزال الذي حرك الأرض ونتجت عنه عدة موجات ارتدادية، كان من أهمها أن النظام الإيراني الذي كان يعاني من الضغط الشعبي المتمثل بالمظاهرات الشعبية التي كانت تطالب بتغيير النظام بسبب صعوبة الظروف الاجتماعية والغلاء نتيجة العقوبات الأمريكية سرعان ما تحولت إلى مظاهرات مؤيدة للنظام ومنددة بالشيطان الأكبر، وكذلك الأمر بالنسبة للأوضاع السياسية في العراق التي كانت تهتز تحت وطأة الاعتصامات الشعبية فإذا بها تتغير إلى تظاهرات تطالب بخروج القوات الأمريكية.  لذلك جاء الرد الإيراني محدودًا حيث قامت بإطلاق صواريخ، وإن كانت بدون حمولة من المتفجرات، على قاعدتي عين الأسد وأربيل تسببت ببعض الخسائر المحدودة في القوات الأمريكية المتواجدة هناك. ومرة أخرى جاء الخيار الإيراني من خلال التصعيد في جبهات أخرى تعتبرها إيران نقاط ضعف مثل التصعيد ضد دول الخليج من خلال جماعة الحوثي في اليمن أو المليشيات المسلحة التي تأتمر بأمرها في العراق.

 

كما كانت بداية العام جاءت نهايته مع عملية نوعية أخرى استهدفت محسن فخري زادة الضابط في الحرس الثوري والمسؤول الأول عن البرنامج النووي الإيراني.  وكذلك أحدث اغتيال محسن زادة ردود أفعال قوية كانت في أغلبها مستنكرة لهذا العمل الذي وصفته بالإرهابي.  هذه العملية النوعية أثارت العديد من التساؤلات ليس عن الجهة التي قامت بالعملية حيث هناك شبه اجماع بأنها عملية إسرائيلية، ولكن عن التداعيات ورد الفعل الإيرانية التي شكلت العملية اختراقًا أمنيًا كبيرًا أولًا، والأهم من ذلك عن توقيت العملية والغايات المطلوبة من وراؤها، وهذه هي القضية التي سوف نتوقف عندها.

 الانتخابات الأمريكية فريدة من نوعها ومختلفة عن أي انتخابات في الأنظمة الديمقراطية الأخرى، ولعل واحدة من أبرز تلك الفروق هي أن المرشح الفائز في انتخابات الرئاسة لا يستلم المنصب فور إعلان النتائج وإنما بعد فترة تتجاوز ستة أسابيع من إجراء الانتخابات.  هذه الفترة تصبح غريبة عندما يكون المرشح الخاسر هو رئيس البلاد. كانت المرة الأخيرة التي حصل فيها الموقف عندما خسر الرئيس جورج بوش الأب أمام المرشح الديمقراطي بيل كلينتون، لكن الفرق هو أن الرئيس بوش سارع إلى الاعتراف بالهزيمة وتعهد بالعمل مع الرئيس المنتخب من أجل انتقال سلس للسلطة.  هذه المرة هي الأكثر غرابة لأن المرشح الخاسر الرئيس ترامب لم يقر بخسارته الانتخابات بل يعتبر نفسه هو الفائز ولذلك فهو لا يريد لمنافسه النجاح، بل يقوم بكل ما في وسعه في سبيل وضع العراقيل أمام الإدارة القادمة.

 

قدمنا بذلك التفصيل لكي نخلص إلى القول بأن توقيت العملية جاء ليعكس عدة عوامل، أولها القناعة بأن إيران التي تتطلع لاستلام بايدن الرئاسة بسبب رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015م، ولذلك فهي لن تقوم بالرد من خلال عمل انتقامي من شأنه أن يحول دون عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق وقد حدث ذلك بالفعل حيث أمهلت الحكومة الإيرانية الولايات المتحدة بضعة أشهر لكي ترى ما الذي سوف تفعله الإدارة الجديدة.  الثاني هو أن الرئيس ترامب وحليفه نتنياهو يريدان وضع العراقيل أمام إدارة بايدن والحيلولة بينها وبين العودة إلى الاتفاق النووي ومن ذلك محاولة جر إيران إلى حرب سوف يرثها بايدن فور استلامه السلطة من شأنها أن تشغله عن أولوياته الداخلية. الثالث والأخير هو أن العملية هي جزء من حملة ترامب إلى الترشيح لفترة رئاسية قادمة في انتخابات 2024م، ولذلك فهو يعد العدة لتلك الحملة من خلال الظهور بمظهر القائد القوي الذي واجه إيران مقابل بايدن الذي يريد التصالح معها وهي عوامل مؤثرة في قاعدة مؤيدي ترامب خصوصًا جماعة اليمين المسيحي، وهي ذات الرغبة عند رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي سوف يخوض انتخابات برلمانية قريبة يريد أن يظهر فيها بصورة القائد القوي. ولايزال المجال مفتوحًا أمام إثارة المتاعب في الملف الإيراني ومن ذلك تغيير ترامب للطاقم القيادي في وزارة الدفاع وزيادة التواجد العسكري في المنطقة خصوصًا بعد وصول حاملة الطائرات "نيمتز" إلى الخليج.

 

إن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران من القضايا التي أعلن عنها الرئيس المنتخب بايدن وهي جزء من مبادرة الإدارة القادمة للعودة إلى الساحة الدولية والتعاون مع الحلفاء وخصوصًا الأوروبيين الذين كانوا جزءًا من المفاوضات وحافظوا على التزامهم به بعد انسحاب إدارة ترامب.  لكن هذه العودة لن تكون بالسهولة التي تتصورها إيران لأن هناك شروط لابد من توفرها قبل ذلك لعل من أهمها:

 

  • عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل خروج الولايات المتحدة من الاتفاق وتخلي إيران عن كل المكتسبات التي حققتها في الفترة السابقة مثل رفع مستويات التخصيب أو التغيير في نوعية وأعداد أجهزة التخصيب وهذه القضية سوف تستغرق وقتًا ليس بالقصير.
  • أن العودة سوف تسبقها مفاوضات لمناقشة بعض الأمور التي يشملها الاتفاق السابق ومن ذلك وضع القيود على برنامج الصواريخ البالستية لإيران ومناقشة التدخل الإيراني في شؤون دول الجوار.

 

هذا الموقف لا يعبر فقط عن الإدارة الأمريكية القادمة بل إن الحلفاء الأوروبيين أيضًا يشاركونها الرأي، وقد صرح بذلك الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في أواخر سبتمبر حيث قال، "إننا بحاجة إلى أطر جديدة للتعامل وبجدية مع البرنامج النووي الإيراني ولإكمال اتفاق 2015م، والذي يشمل إضافة استجابة للفعاليات الإيرانية في مجال الصواريخ البالستية وكذلك أنشطة إيران في زرع عدم الاستقرار في المنطقة". 

 

  1. دور العامل النفطي في السياسة الأمريكية

تأتي إدارة الرئيس المنتخب بايدن بوعود كبيرة من أهمها إعادة بناء قطاع الطاقة في أمريكا لتخفيف الاعتماد على النفط ومشتقاته وتشجيع البدائل وفي مقدمتها الطاقة الشمسية. هذه المسألة قد تحدث تأثيرًا سلبيًا على العلاقات بين البلدين على المدى القريب وذلك بسبب التصورات الخاطئة عند البعض القائمة على فكرة خاطئة أصلاً وهي أن اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة سببه اعتماد الولايات المتحدة على استيراد النفط من دول الخليج، والذي هو أبعد ما يكون عن الحقيقة.  إن أهمية النفط بالنسبة للولايات المتحدة تأتي من ثلاثة عوامل، أولها أن أمريكا هي أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم حيث تحتاج إلى حوالي 20 مليون برميل نفط يوميًا (خمس الاستهلاك العالمي تقريبًا) ولذلك تنفق ما مقداره 400 مليار دولار سنويًا على النفط بأسعاره الحالية.  لهذا السبب تؤثر أسعار النفط في وضع الاقتصاد الأمريكي وفي الحالة المعاشية للمواطن بصورة مباشرة، ولذلك فإن المحافظة على مستوى معين لأسعار النفط تشكل مصلحة أساسية للولايات المتحدة.  كما وأن سوق النفط العالمية تجري تعاملاتها بالدولار حصريًا الأمر الذي يؤثر على عملية العرض والطلب على الدولار ووضعه في السوق العالمي، هذا بالإضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه شركات النفط الأمريكية في الصناعة النفطية العالمية وما يدر ذلك من موارد على الاقتصاد الأمريكي. إن دول المنطقة بحاجة إلى التذكير بهذه الحقائق.

 

  1. التنافس الدولي على المنطقة

يعتبر التنافس الدولي على المنطقة من أهم الدوافع التي تؤثر في الاهتمام الأمريكي بالمنطقة.  تاريخيًا كانت الحيلولة دون وقوع المنطقة تحت النفوذ السوفيتي من أهم العوامل أو لعلها الأعذار وراء الاهتمام الأمريكي في المنطقة.  المنطقة اليوم تشهد تنافسًا من نوع آخر، فقد شكلت العقوبات الأمريكية على إيران بعد وصول ترامب إلى الرئاسة فرصة نادرة للصين لإحداث اختراق في المنطقة.  وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز تحقيقًا مفصلاً عن المبادرة الصينية تجاه إيران.  حيث جاء في المقال: "اتفاق الشراكة المقترح الذي يقع في 18 صفحة وحصلت الصحيفة على نسخة منه، سوف يوسع وبشكل كبير الوجود الصيني في إيران في مجالات المصارف والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية بالإضافة إلى أعداد كبيرة من المشاريع الأخرى، وفي المقابل سوف تحصل الصين -وبحسب مسؤولين إيرانيين وتجار نفط-على النفط الإيراني وبأسعار مخفضة جدا ولمدة 25 سنة.  وتصف الوثيقة أيضًا التعاون العسكري والذي من شأنه أن يمنح الصين موطئ قدم في المنطقة".

ليس هذا فحسب بل سبق الاتفاق اتفاقًا آخر بين العراق والصين حين قامت إيران باستخدام نفوذها مع حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي من أجل توقيع اتفاق تعاون اقتصادي مع الصين وقد تم التوقيع على الاتفاق أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي السابق إلى الصين على رأس وفد كبير جدًا، وقد كان من اللافت أن الوفد اشتمل على عدد كبير من الوزراء بالإضافة إلى 14 محافظًا- من أصل 18- حيث نص الاتفاق على قيام الصين باستثمار 500 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية في العراق في مقابل حصول الصين على النفط العراقي.  هذه الأنشطة بدون شك من شأنها إثارة حفيظة الإدارة الأمريكية ومن ورائها الشركاء الغربيين وتزيد من حدة الصراع على المنطقة.

 

خلاصة القول بأن العلاقات الأمريكية-الخليجية تمر بمرحلة حرجة بسبب التحديات التي تواجه أطراف العلاقة والظروف الإقليمية والدولية، ولذلك فالمطلوب هو مبادرات قائمة على نظرة استراتيجية لأهمية تلك العلاقات بالنسبة لدول المنطقة خصوصًا في الجوانب الأمنية والاقتصادية لأن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على سد الفراغ الأمني الذي إن حدث فسوف تكون له تداعيات لا تحمد عواقبها.

مقالات لنفس الكاتب