array(1) { [0]=> object(stdClass)#13189 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

فرض وقف دائم لإطلاق النار يحقق الأمن والاستقرار وينهي الأزمة الليبية

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

العميد المختار بن نصر

                                                                                       

لقد تحول الوضع في ليبيا على مرالسنوات التسع الماضية منذ فبراير ٢٠١١م، أي منذ اندلاع الثورة الليبية إلى أزمة معقدة رمت بظلالها على كامل المنطقة العربية والمتوسطية والأوروبية وتحولت إلى نزال للقوى الدولية، وأضحت ليبيا فريسة للاضطرابات وفوضى السلاح وحلبة للصراعات الداخلية والدولية وبؤرة تهديد خطيرلكل دول الجوار وللسلم الدولي.

 شهدت ليبيا "ثورتها الأولى" سنة ٢٠١١م، مع ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، وأمام الانتفاضة الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية أجابت السلطة بالعنف؛ فاحتد التمرد وتشكلت ميليشيات مسلحة عسكرت البلاد وتشتظي المجتمع، واندلعت حرب أهلية، وعندما لجأ الثوار إلى شرق البلاد في بنغازي ومسراطة هددهم القذافي بقمع دموي؛ عندها قررت الأمم المتحدة وبدون توافقات، التدخل مع حلف شمال الأطلسي لدعم المعارضة وحماية المدنيين ،فتم مقتل القذافي في أكتوبر ٢٠١١م، ليتحول إلى "شهيد" ويصبح رمزًا سياسيًا هامًا في أعين مناصريه.

 عقد من الزمن بعد تلك الحادثة ولا زالت ليبيا فريسة للفوضى، تتلمس مستقبلاً مضطربًا مفتوحًا على كل الاحتمالات، وبرغم تنظيم انتخابات لاختيار برلمان وطني، وتكوين حكومة اعترفت بها الأمم المتحدة؛ ظلت الأوضاع تزداد سوءًا، إذ تعاظم عدد الميليشيات واحتد التقاتل والصراع بينها. وأمام عجز الحكومة الجديدة عن تأمين البلاد انطلقت في ١٤ فبراير٢٠١٤م، الثورة الثانية يقودها خليفة حفتر؛ العسكري العائد من منفاه في الولايات المتحدة الأمريكية، فتمكن في ظرف وجيز من تكوين وقيادة جيش التحرير الوطني للاستيلاء على جنوب البلاد وغربها وفرض شرعيته. منذ ذلك الحين انقسمت ليبيا إلى معسكرين؛ في الشرق برلمان موجود في طبرق تحت مراقبة جيش المشير حفتر ودعمه، وفي الغرب حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا وعلى رأسها فائز السراج.

ساعد تشعب الأزمة وإطالة أمدها في ليبيا على فتح الباب للتدخل الأجنبي، فتوزعت القوى الأجنبية هي الأخرى إلى معسكرين حسب اهتماماتها السياسية والاقتصادية. ففي الشرق يلقى المشير حفتر دعمًا من الإمارات ومصر وروسيا، وفرنسا؛ أما في الغرب فتقف كل من تركيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي مع مواقف منظمة الأمم المتحدة إلى جانب حكومة الوفاق. وبرغم انسحاب الولايات المتحدة من الساحة نسبيا، تراقب كل من الصين وكوريا الوضع عن كثب وتتهيآن للتدخل نظرًا للرهانات الاقتصادية الكبرى.

 

تصاعدت وتيرة الخلافات في نهاية ٢٠١٩م، وانقطعت كل سبل الحوار عندما تدخلت القوات التركية في ليبيا لمعاضدة حكومة الوفاق في حربها، فهدد المشير حفتر بدعوة القوات المصرية للتدخل. وفي محاولة لمعالجة الأزمة انعقد مؤتمر برلين في بداية شهر يناير ٢٠٢٠م، تحت إشراف الأمم المتحدة؛ وتوالت بعد ذلك اللقاءات بحثُا عن مخرج للازمة.

عام صعب وعام ضبابي مقبل، ولاتزال الأزمة الليبية تراوح مكانها بكل تعقيداتها، ولا تزال القوى الأجنبية جاثمة على الأرض الليبية، ولايزال مستقبل ليبيا مفتوحًا على كل الاحتمالات، لذلك سنحاول في هذه الورقة الوقوف على أهم محطات هذه الأزمة خلال عام ٢٠٢٠م، واستشراف ما عسى أن يكون مستقبلها في العام الجديد، وأي دور لدول الجوار والمجتمع الدولي لمساندة الحلول المطروحة؟

 

١-أهم محطات الأزمة الليبية خلال عام ٢٠٢٠

 

اشتد تعقيد الأزمة الليبية مع اليوم الثاني من شهر يناير ٢٠٢٠م، عندما صوت البرلمان التركي بالسماح لنشر قوات تركية في ليبيا لدعم الحكومة الشرعية الليبية في حربها ضد المشير حفتر، وقد سبقت ذلك القرار أشهر طويلة من المفاوضات بين الطرفين انتهت بتوقيع اتفاقية تفاهم حول استغلال حقول الغاز في المياه الإقليمية للبلدين وفي مناطق محل خلاف مع عدد من الدول ومنها اليونان، توالت ردود الأفعال الرافضة لتلك الاتفاقية  حيث أعلن حفتر ومصرعن عدم الاعتراف بها و طردت اليونان السفير الليبي، وما أجج الخلافات حولها إنها ضمت اتفاقًا حول التعاون العسكري والأمني وإعلان الرئيس التركي على استعداده لإرسال قوات إلى ليبيا اذا ما طلبت الحكومة الليبية ذلك.

اعتبر برلمان بنغازي توقيع هذه الاتفاقيات مع تركيا "خيانة عظمى "واعتداء على السيادة الوطنية "، وتهديد خطير ليس فقط للأمن القومي الليبي، بل أيضًا للأمن القومي العربي وللأمن في المتوسط. في المقابل أكدت حكومة الوفاق إنها ماضية في المصادقة على تلك الاتفاقيات بسرعة، معتمدة على البند ٨-٢ من اتفاق الصخيرات الذي يخول لرئيس الحكومة إمضاء الاتفاقات الدولية بعد المصادقة عليها من البرلمان.

 

  أثار ذلك القرار حفيظة أكثر من طرف، فتحرك الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر بسرعة ليسيطر على مدينة سرت الاستراتيجية، ويوم ٦ يناير استقبلت الجزائر فائز السراج ووزير الخارجية الروسي في محاولة لمعالجة الأزمة، ويوم ٨ يناير سارع الرئيس فلادمير بوتين للقاء أردوغان في إسطنبول، وطالبا معًا بوقف فوري لإطلاق النار، قبل المشير حفتر بوقف هجومه. ودعي كل من السراج وحفتر إلى موسكو في (١٣ يناير) لمناقشة تفاصيل وقف القتال، فقبل رئيس الحكومة الدعوة ورفضها حفتر.

يوم ١٨ ينايرانطلقت قوات المشير حفتر لغلق أهم منشآت النفطية في البلاد احتجاجًا على التدخل التركي في الصراع الليبي، وكانت العملية تهدف إلى منع حكومة الوفاق الوطني من توظيف عائدات النفط لتمويل داعميها من المقاتلين الأجانب.

 

 في اليوم الموالي انعقد مؤتمربرلين لبحث السلام في ليبيا، فجمع ممثلي اثنتا عشرة دولة وأربع منظمات دولية، والبلدان الفاعلة في الساحة الليبية، بمشاركة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي وبلدان جوار ليبيا ولم تحضره تونس التي وصلتها الدعوة متأخرة أكدت الوثيقة النهائية على "وقف دائم لإطلاق النار" وإنهاء أي تدخل أجنبي في البلاد مع دفع مسار سياسي لحلحلة الأزمة. ويستشف من الوهلة الأولى أن تلك الوثيقة جاءت لإرضاء كل المشاركين في المؤتمر، لذلك لم تحتو على اقتراحات قوية لإنهاء الأزمة الليبية، بحكم العدد الكبير من الفاعلين والمتورطين في تأجيج الأزمة. واعتبرانطلاقة للبحث عن الحل السياسي، حيث احتوى الإعلان على الالتزام باستقلال ليبيا وسيادتها وسلامتها الترابية ووحدتها الوطنية وأكد على أن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه عسكريًا، بل عبر مسار سياسي بقيادة الأطراف الليبية.

 في ١٨مايو ٢٠٢٠م، انقلبت الأوضاع في ليبيا كليًا، عندما هاجمت قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا قوات حفتر واستعادت سيطرتها على قاعدة الوطية الاستراتيجية التي كان قد استولى عليها جيش حفتر مطلع شهر أبريل ٢٠١٩م، في حملته على العاصمة طرابلس، والتي لم يستطع السيطرة عليها رغم محاولا ت دخولها من محاور مختلفة في ظل اشتباكات طاحنة مع قوات حكومة الوفاق، وفي ٢٤مايو انسحب مئات من العناصر التي كانت تدعم قوات حفترمن تخوم طرابلس. لتنتهي معركة طرابلس في ٥ يونيو ٢٠٢٠ م، بانتصار لقوات حكومة الوفاق.

 أربعة عشر شهرًا بعد انطلاق الهجوم على العاصمة، تعترف قوات حفتر بهزيمتها وتفشل الحملة العسكرية على طرابلس رغم الدعم العسكري والمالي والسياسي اللامحدود الذي تلقاه حفتر من الدول الداعمة له، ومشاركة عناصر من تشاد والسودان وعناصر "فاغنر" الروسية التي تقاتل بالآلاف إلى جانبه، وفق تقارير لجنة الخبراء بالأمم المتحدة.

وفي نفس اليوم دعا الرئيس المصري إلى وقف لإطلاق النار بدعم من الجامعة العربية وروسيا وفرنسا، وافق عليه حفتر، بينما رفضته حكومة الوفاق التي قررت مواصلة القتال، وأطلقت هجومًا بغاية استرجاع مدينة سرت الاستراتيجية؛ وضعت تركيا شروطها لوقف القتال المتمثلة في استبعاد حفترمن المفاوضات بحكم إنه خسر الحرب، ومواصلة الاتفاقات المبرمة مع فائز السراج، وفي٦يونيو ٢٠٢٠م، أعلن الرئيس السيسي عن مبادرة للسلام في ليبيا واقترح إنشاء مجلس منتخب وإقرار وقف لإطلاق النار. رفضتها حكومة الوفاق وتركيا ورحبت بها عدة دول أخرى، لكن تسارعت الأحداث، فهدد الرئيس المصري في ٢٠ يونيو، بتدخل مباشر في النزاع إذا ما تقدمت قوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا نحو سرت المدينة الاستراتيجية. في شهر يوليو استقرالوضع الميداني وتقدم عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي بمبادرة لإنهاء الأزمة الليبية وانطلقت المشاورات بالمغرب بين الفرقاء الليبيين بحضور ممثلين عن المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب للاتفاق حول تثبيت وقف إطلاق النار وحول المناصب القيادية وإعادة هيكلة المؤسسات بما يضمن توحيدها بين شرق البلاد وغربها وتشكيل حكومة كفاءات وإعادة هيكلة المجلس الرئاسي، وقد سهل قرار فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني بالتخلي عن مهامه نهاية أكتوبر مأمورية الطرفين المتفاوضين.   

كما عقد في مصر اجتماع أمني ليبي بإشراف الأمم المتحدة ضمن محادثات اللجنة العسكرية " ٥زائد٥"المنبثقة عن مؤتمربرلين ومخرجاته، لبحث بعض الملفات الأمنية والعسكرية والنظر في تشكيل قوة مشتركة لوقف إطلاق النار وتوحيد المؤسسة العسكرية،

في ٩نوفمبر٢٠٢٠م، انطلقت في العاصمة التونسية بإشراف الأمم المتحدة جلسات الحوار بين الفرقاء الليبين في مسعى للتوصل إلى تفاهمات لإنهاء النزاع والترتيب لوضع مؤسسات الحكم الدائمة التي ستفضي إلى إجراء انتخابات وطنية، من أجل استعادة سيادة ليبيا، وتوحيد البلاد تحت سلطة حكومة واحدة.

من ٢٣ إلى ٢٨ نوفمبر ٢٠٢٠م، انعقد في طنجة بالمغرب اجتماع تشاوري للنواب الليبيين حضره ١٢٣ نائبًا واعتبر اجتماعهم بحد ذاته نجاحًا.  ومن أهم القرارات التي أفرزها هذا اللقاء، إنهاء الخلاف وبرمجة اجتماع لمجلس النواب في مدينة غدامس الليبية لإقرار كل ما من شأنه إنهاء الانقسام بالمجلس بما يمكنه من أداء مهامه على أحسن وجه. وتم التأكيد في البيان الختامي على الالتزام بإجراء الانتخابات في مدة لا تتجاوز العام من تاريخ التئام مجلس النواب كما أكد على العمل على إنهاء الانقسام الحاصل في ليبيا وضرورة احترام الإعلان الدستوري وشرعية المؤسسات المنبثقة عنه وعلى دفع مسار المصالحة الوطنية والعودة الآمنة للنازحين.

لقد اتسم عام ٢٠٢٠م، منذ بدايته بتوترات كبيرة وفترات قتال مربكة زادت في تعقيد الوضع السياسي والعسكري وسرعت في التدخل الأجنبي في ليبيا وانتهى بجلسات الحوار والتفاهمات والتوافق حول ضرورة إنهاء الصراع والبحث على حل سياسي بدل الحل العسكري، فأي مستقبل لهذه الأزمة في العام الجديد؟

 

٢-مستقبل الأزمة الليبية في العام الجديد٢٠٢١

 

برغم بوادر الانفراج الهش الذي شهدته الأزمة الليبية في الثلاثية الأخيرة من سنة ٢٠٢٠م، يبقى مستقبل ليبيا برمته رهين "تفاعلات تدخل الأطراف الخارجية في الأزمة وقدرتها على الوصول إلى محاصصة مرضية في الموارد الليبية " ومدى تأثيراتها على المواقف الداخلية المتناقضة وصولا إلى تسوية سياسية، لقد  تكثفت  جهود الفاعلين المحليين والقوى الإقليمية والدولية بحثًا عن حل سياسي للأزمة فتعددت المبادرات واللقاءات والحوارات في كل من المغرب وسويسرا وتونس بمشاركة أطراف ليبية وأخرى معنية بالأزمة، تشكلت حول ثلاثة مسارات ،المسار الأممي، الذي تحرك بعد جمود طويل والمتميز بوجود انقسامات حول الأزمة إذ "منعت روسيا والصين صدور تقرير لخبراء الأمم المتحدة يتهم الأطراف المتحاربة وداعميهم كروسيا وتركيا والإمارات والأردن وقطر بانتهاك حظر تصدير السلاح إلى ليبيا" المسار الدولي، الذي نجح بقيادة ألمانيا والولايات المتحدة مع موقف داعم من الأمم المتحدة في دفع كل من تركيا وروسيا ومصر والإمارات إلى الاتفاق على أطر عمل ركزت على الجانب العسكري- السياسي لكنها همشت الجانب الاقتصادي. والمسار الداخلي، حيث تم في ١٨سبتمير٢٠٢٠م، الاتفاق بين "الجيش الوطني الليبي" والمجلس الرئاسي في حكومة الوفاق، على إعادة فتح المنشآت النفطية وإنتاج النفط وتصديره وعلى أحداث لجنة لمراقبة توزيع العائدات النفطية بين الطرفين مع مساع لتشكيل حكومة جديدة.

هناك اليوم تحديات جمة تقف أمام تسوية الأزمة الليبية، مثل ما يوصف"بالمشروع الشخصي لحفتر" وتدني مؤسساتية القوات الداعمة لحكومة الوفاق وانتشار "عناصر إرهابية" في المكونات العسكرية للجانبين وكذلك المحاصصة للاستئثار بالمصالح الاقتصادية الهامة التي يسعى اليها الفاعلون الدوليون والإقليميون.

وبرغم تذبذب المسار السياسي، وتعقيدات الأوضاع الأمنية، يظل من المطلوب أن يحدد مستقبل ليبيا اليبيون وليس مصالح قوى خارجية.وفي كل الحالات يظل تصور مستقبل الأزمة الليبية في ظل هذه التشابكات والصراعات أمرًا صعبًا، فحظوظ "سيناريوهات التسوية والصراع تبدو متساوية نظرًا لتداخل المسارين السياسي والعسكري وتعدد الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في الأزمة وتعاظم مصالحها"، ما يجعل التسوية المحتملة أمرًا في غاية الصعوبة؛ وكذلك الشأن بالنسبة للحسم العسكري.

وبالنظر لمواقف كل من روسيا وتركيا الفاعلين الرئيسين في مجريات الأزمة وإدارتها  "والموقف الأمريكي الغامض مع تعارض مصالح حلفائها وتصارعهم في الساحة الليبية رغم ميلها إلى موقف حكومة السراج وتركيا بسبب التدخل الروسي الداعم للطرف المقابل"  والموقف الأوروبي الذي يعاني من الانقسام والتناقض ولا سيما بين إيطاليا وفرنسا، والموقف العربي الواعي بخطورة التغلغل التركي والذي عزز حالة الاستنفار، وخاصة الخوف من النموذج الذي يروج له والذي يشجع الجماعات المسلحة والفصائل الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي بكل أنواعها، هذه العوامل مجملة تجعل الأزمة اللبية مفتوحة على كل الاحتمالات؛ويمكن تصورالسيناريوهات التالية:

- سيناريو التسوية السلمية: والذي شرع فيه وهو أفضل السيناريوهات اذ سيجنب ليبيا والمنطقة مزيدًا من التدخلات الأجنبية والصراع "لكنه يحتاج إلى توافقات واسعة بين الفاعلين الإقليميين والدوليين، التي لا تهمها دماء ومصالح الليبيين"

- سناريو تواصل الصراع: وهو مرتبط بفشل السيناريو الأول؛ أو إذا ما سعت تركيا وقطر للمضي قدمًا في فرض واقع ميداني، بحثًا عن حل عسكري نهائي، مع إمكانية الانزلاق للسناريو السوري؛ من المرتقب في هذه الحالة أن يحتد الصراع بشكل كبيرإذا اعتبرنا تواصل خسارة حفتر في الشرق الليبي والدعم التركي الهام له في تلك المنطقة.

- سناريو التقسيم: ويبدو هذا السناريو محتملاً عل مدى أطول، في صورة فشل السناريوالأول والثاني وفي صورة "استمرار دعم القوى الخارجية لطرفي الصراع والتدخل المباشر لمنع أي طرف من تحقيق الحسم العسكري".

وستحاول مختلف الأطراف الفاعلة السعي إلى دعم الحل الذي يتماشى مع مصالحها.

 

٣-أي دور لدول الجوار والمجتمع الدولي لمساندة الحلول المطروحة

 

مبدئيًا يلاحظ أن هناك إجماع معلن من عديد الدول على قبول مبدأ الحوار والدفع إلى الحل السلمي التوافقي، لكن تبقى مصالح بعض الدول المتورطة في الصراع أهم لها بكثير من تحقيق الاستقرار في ليبيا.

فالمقاربة التونسية حول الأزمة الليبية تتمحور حول ثلاث نقاط حددها الرئيس قيس سعيد في كلمته في ٣١ ديسمبر٢٠١٩م، رفض الانحياز لأي جهة دولية متواجدة في ليبيا، السعي لتوافق بين الأطراف الليبية بمساعدة مجلس الأمن (تونس عضو به من مطلع يناير ٢٠٢٠م)، والاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية، موقف محمود لكنه يبدو غير مواكب لتطورات الواقع الميداني في ظل التدخل الأجنبي، وحتى التعويل على مجلس الأمن للدفع إلى توافقات يبدو عسيرًا أمام انقسام أعضائه الدائمين حول الأزمة. الجزائر تدعو دائما لمعالجة الأزمة سياسيًا، ووضعت مبادرتها جانبًا لتبقى في إطار اتفاقات مؤتمر برلين وترى أن الحل الوحيد يكمن في" ولادة مؤسسات تحظى بالشرعية لدى الليبيين ووضع دستور بمساعدة المجتمع الدولي وخاصة بلدان الجوار" .هذان البلدان سيدفعان إلى الحل السلمي، أما مصر التي ظلت تنادي طويلاً بضرورة الحل السلمي تغير موقفها أمام تطورالوضع الميداني، حيث صادق البرلمان المصري على إمكانية التدخل العسكري في ليبيا إذا ما تقدمت قوات حكومة الوفاق المدعومة بتركيا نحو الشرق(سرت) معتبرة أن ذلك يعد تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي . ويظل دفعها للحل السلمي مرتبطًا بمدى دعم تركيا لحكومة الوفاق. روسيا وتركيا اللتان تدعمان طرفي النزاع تدعمان أيضًا الحل السلمي.

اما أوروبا فمواقفها متضاربة حول حظر السلاح وتتخوف من إطالة أمد الصراع و تواصل عدم الاستقرار الذي يمكن أن يأتي للساحة بمتدخلين جدد وهي منشغلة إلى حد كبير بمعضلة الهجرة واللاجئين الناتجة عن هذا الوضع؛ فإيطاليا أضاعت نفوذها في ليبيا وتجتهد للحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع أي طرف، لكن الدور الفرنسي النشط من شأنه أن يضعف آليات العمل متعدد الأطراف كالاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة؛ أما الولايات المتحدة والتي تعول عليها أوروبا في أي تدخل عسكري لا يبدو أنها مهيأة للدخول في صراع على غاية من التعقيد، خاصة وأن حلفاءها، الإمارات وتركيا متورطون مباشرة في الصراع. وستسعى كلاهما إلى فرض موقفها على الساحة. ربما ستحاول الإمارات السعي إلى التفوق بإرسال مرتزقة جدد وتوجيه دفعات من الأسلحة الجديدة إلى حفتر، مما سيؤدي إلى استقدام أنظمة دفاع جوي متطورة، والدفع إلى سيناريو مواصلة الصراع.

  

ختامًا لا يخفي اليوم أن الحرب القائمة في ليبيا تغذيها وتؤججها طموحات وأطماع قوى كبرى، أفشلت من البداية التحول السلس للسلطة لكي تحقق مصالحها، فهؤلاء الفاعلين يتصارعون لتغيير وجه المنطقة حسب أهوائهم وينخرطون في صراع خطير ذي عواقب كارثية، وما لم تتدخل الأطراف الدولية الفاعلة ولا سيما الولايات المتحدة والأمم المتحدة لوضع حد لهذا الصراع فإن عواقبه ستكون وخيمة على الجميع ومدمرة على الشعب الليبي، وللحد من هذا التردي ودعم نجاح الخيارالسلمي لا بد من إعطاء الأولوية للاعتبارات السياسية التالية:

  • الاعتراف من كل المتدخلين بأن الأمم المتحدة تظل المفاوض المحايد الأفضل وذلك من شانه أن يسهل معالجة الأزمة؛ ويحافظ على مصالح جميع الأطراف.

-  الدفع نحو سياسة أوروبية موحدة تجاه الصراع الليبي، نظرًا وإن اختلاف المواقف جعل روسيا وتركيا توسعان نفوذهما وتهددان المنطقة والجناح الجنوبي للحلف الأطلسي.

-  تنفيذ الحظر على الأسلحة المفروض على ليبيا من طرف مجلس الأمن، فتواصل تدفق السلاح والمرتزقة يؤجج الصراع ويطيل أمده.

-  وأخيرًا فرض احترام وقف دائم لإطلاق النار والسعي إلى المحافظة عليه، بدءًا بالمستوى المحلي؛ ثم الوطني وذلك نظرًا لانتشار القبائل الليبية والميليشيات المختلفة التي تشكل جبهتي الصراع على كامل التراب الليبي، ذلك من شأنه أن يساعد على نشر الأمن والاستقرار وإنهاء الصراع ويسهم في توحيد الجهود لبناء المؤسسات، وإنهاء الأزمة الليبية.

مقالات لنفس الكاتب