array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

النفط والجائحة: تحديات عابرة وآفاق مفتوحة بين الخليج وإفريقيا

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

د.  الصادق الفقيه

مثلت الروابط الثقافية والتجارية العميقة لدول الخليج مع إفريقيا عاملاً حاسمًا في التقارب التاريخي بينهما، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى قربهما الجغرافي. وما البحر الأحمر إلا مسافة وصل عبرته كل الرسالات، التي كان مهدها الجزيرة العربية، وكان لها تأثير قوي بشكل خاص في القرن الإفريقي، والتي تأمل العديد من دول المنطقة في تعضيدها والتوسع فيها بمصالح الحاضر الاقتصادية ودعاماتها السياسية. لهذا نرى أن الدول الغنية، التي يتألف منها مجلس التعاون الخليجي، قد زادت من علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع دول القرن الإفريقي، على مدى العقد الماضي، بما في ذلك العام الماضي 2020م، الذي تأثرت فيه دول الخليج؛ أكثر من إفريقيا، بصدمة اقتصادية مزدوجة جراء جائحة كورونا وتدني أسعار النفط. وبالنسبة لدول المجلس، وخاصة الثلاث الأكثر قدرة ونشاطًا اقتصاديًا في إفريقيا؛ المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، يُعتبر الاستثمار مكونًا رئيسًا في المبادرات، التي اتخذتها؛ كلٍ على حدة، لتبني سياسة خارجية أكثر وضوحًا وإيجابية. إن زيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي في القارة سيمكن دول الخليج من تحقيق مكانة بارزة على الساحة الدولية، واكتساب شركاء تجاريين، مع ترسيخ هذه المكانة أيضًا كحراس بوابات لاقتصادات إفريقيا الصاعدة والقادمة.

بالطبع، في الاقتصاد تمثل التحديات فرصًا استثمارية، إذ كان للقرصنة في القرن الإفريقي تأثير أمني واقتصادي بعيد المدى على الصعيدين العالمي والإقليمي، الأمر الذي أجبر العالم على طلب المساعدة من دول الخليج، وذلك نتيجة للخسائر الضخمة، التي نجمت عن هذه القرصنة. إذ قدر البنك الدولي أنه بين عامي 2008 و2012م، فقد الاقتصاد العالمي 18 مليار دولار سنويًا بسبب القرصنة. في كل عام، تمر أكثر من 22000 سفينة، ما يقرب من 20 في المائة من السفن التجارية في جميع أنحاء العالم عبر خليج عدن. وتمر غالبية المنتجات النفطية القادمة من منطقة الخليج والمتجهة إلى أوروبا عبر هذا الشريان المهم. من هنا كان لا بد من المشاركة العسكرية للمجتمع الدولي، ومشاركة دول مجلس التعاون الخليجي في مكافحة القرصنة في القرن الإفريقي عبر شراكات "التنمية" والتجارة والمصالح الاقتصادية. ولكن كيف تبدو هذه "التنمية" في الواقع؟ ماذا يحدث عندما تهتم دول الخليج فجأة بالمناطق المنسية منذ زمن طويل في القرن الإفريقي ودول إفريقيا جنوب الصحراء حيث لم يكن مفهوم العلاقات أكثر من مجرد مفهوم تاريخي، أو ثقافي، وفي أوضح الأحوال سياسي؟ ماذا يحدث للتقاليد والاقتصادات وأساليب الحياة المحلية عندما تتدفق شركات النفط والبنية التحتية الضخمة إلى هذه الدول الإفريقية؟ من يقرر كيفية تقسيم المنافع ومن يمتلك خيرات الأرض؟ من ينجح، ومن ينجو، ومن لا ينجو عندما يحدث "التطور" في الواقع؟

البحر الأحمر من جديد:

تعود العلاقات بين دول الخليج والتعاون في شرق البحر الأحمر وإفريقيا جنوب الصحراء إلى آلاف السنين، وساهمت في تعميقها الهجرات المتبادلة، وطورتها الإدارة العمانية؛ في عهدها الإمبراطوري، باتخاذها السواحل الشرقية للقارة السمراء امتدادًا لها. وقد اغتنمت دول الخليج متانة العلاقات الثقافية والدينية وعرضت إمكانياتها على دول القرن، وذهبت بعيدًا في العمق الإفريقي، لاستثمار ثرواتها، وتعزيز أهميتها الجيوستراتيجية الجديدة لتوسيع نفوذها في عالم لم يعد فيه مكان للضعفاء. فكانت هذه الأمور هي الشغل الشاغل لدول الخليج في الأعوام الماضية، وكانت القرصنة والتحولات في اليمن هما السببان الرئيسيان لذلك التوجه. وبينما اشتد التنافس العالمي على النفوذ في القرن الإفريقي، كان لا بد للمحور الخليجي بقيادة السعودية والإمارات وقطر من تحرك يحفظ الحق الجيوستراتيجي ويُعظِّم المصالح السياسية والاقتصادية، ولكن في أُطرٍ من التعاون المتبادل مع دول القارة، وبما يجعله تعاونًا بناءً يخدم أهداف التنمية الوطنية لكل دولة في الجانبين.

لقد كان نشاط المحور الخليجي الأكثر وضوحًا، في الفترة الأخيرة، وفي منطقة القرن الإفريقي خاصة، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات المتحدة، وسعيهما المشترك للمصالحة بين الخصمين؛ إثيوبيا وإريتريا، وهو الإنجاز الأكثر أهمية على المستوى السياسي، الذي مهد بدوره لفرص اقتصادية. وقد أفادت تقارير كثيرة أن المملكة العربية السعودية قامت، في غضون ذلك، بتحديث ميناء عصب الإريتري، وشيدت مقرًا عسكريًا قريبًا؛ وحصلت شركة موانئ دبي العالمية على عقود بمئات الملايين من الدولارات في موانئ بربرة وبوساسو في المناطق شبه المستقلة في أرض الصومال وبونتلاند، على التوالي. وفي حين تبدو الدوافع العامة لاستراتيجية المحور الخليجي سياسية، لكن الهدف الأساس اقتصادي. ونستطيع القول إنه سيترك بصمات عميقة في القرن الإفريقي من خلال التنمية والاستثمار في البنية التحتية. 

إن دولاً كثيرة ومجموعات مصالح مختلفة انخرطت مع منطقة القرن الإفريقي في السعي لتحقيق مصالحها الخاصة. بينما كان بعضها مفيدًا بالنسبة إلى البعض الآخر، ولكن التساؤل بالنسبة للكثيرين الآن هو ما إذا كانت دول القرن قادرة على جعل هذه العلاقات تعمل لصالحها وصالحهم. فمن ناحية، اغتنمت بعض هذه الدول الفرصة لتحقيق النجاح من الفرص الاستثمارية، التي تتيح لها الحصول على تمويل من صفقات استثمارية ضخمة لموانئها. لكن من ناحية أخرى، تعني مواقفهم الضعيفة أن معظمهم اضطروا للانحياز إلى جانب دون الآخر عند الحاجة. على سبيل المثال، بعد خلافها مع الحكومة الكندية بشأن ما قيل عن قضايا حقوق الإنسان، نجحت المملكة العربية السعودية في كسب تأييد الصومال وإريتريا لإدانة كندا. وقد تأثر الصومال بشكل خاص بالمنافسات بين دول الخليج حيث اندفعت بعض الحكومات الإقليمية في اتجاهين متعاكسين بهدف تعزيز التحالفات عبر البحر. غير أن الاستثناء النموذجي لآثار هذه المنافسات إلى الآن هو إثيوبيا، التي أبحرت بسلام وسط المنافسة المتزايدة على النفوذ بين دول الخليج المتنافسة، وبدا أن أديس أبابا مرتاحة في طريقة تعاونها الحذر مع كل الأطراف.

ففي الوقت، الذي تحاول فيه إثيوبيا إنشاء روابط تعاونية قوية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، حافظت على علاقات وثيقة مع دولة قطر، وسعت لجذب الاستثمارات من المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فقد استغلت في الوقت نفسه، الدبلوماسية وأهميتها، العلاقات مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر في نفس الوقت. وقد اجتمع المسؤولون الإثيوبيون مع قادة البلدان الخليجية الثلاثة في عدة مناسبات في العامين الماضيين، وكانت الحوارات الاقتصادية هي الغالبة على جدول الأعمال. وإذا كانت العلاقات الاقتصادية مع دولة قطر محدودة في حجمها وطبيعتها، إلا أن العلاقات التجارية بين إثيوبيا والسعودية تشهد تطورًا ملحوظًا، تؤكده كثافة التبادلات البينية بين البلدين، أما الإمارات العربية المتحدة فقد سبق لها أن وافقت على صفقة بقيمة 3 مليار دولار، يودع منها مليار دولار في البنك الوطني الإثيوبي للمساعدة في أزمة النقد الأجنبي، واستثمار الملياري دولار المتبقية في مختلف القطاعات الرئيسة.

الخليج والصدمة المزدوجة:

أثرت جائحة الفيروس التاجي-كورونا، وانهيار أسعار النفط على الجوانب الحيوية في الاقتصادات الخليجية وشمال إفريقيا، وإن بدا أن الأمر يختلف قليلاً في بقية القارة الإفريقية جنوب الصحراء. ومن المتوقع أن تنكمش الاقتصادات بنسبة 5.2٪ في نهاية العام الماضي 2020م، وهو ما يقل 4.1 نقطة مئوية عن التوقعات في أبريل 2020م، و7.8 نقطة مئوية أسوأ من أكتوبر 2019م، مما يعكس التوقعات المتشائمة بشكل متزايد للاقتصاد الإقليمي. كما تدهورت آفاق الحساب الجاري وأرصدة المالية العامة في المنطقة بشكل حاد؛ مدفوعة إلى حد كبير بانخفاض إيرادات تصدير النفط، وانخفاض الإيرادات المالية، والزيادة الكبيرة في الإنفاق المالي المطلوب للاستجابة للأزمة الصحية، من المتوقع أن يصل الحساب الجاري والأرصدة المالية للمنطقة في العام الماضي 2020م، إلى -4.8٪ و -10.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي. على التوالي، أسوأ بكثير من التوقعات في أكتوبر 2019م. غير أنه من المتوقع أن تتعافى المنطقة جزئيًا فقط في هذا العام 2021م. ومن المتوقع أن يرتفع الدين العام بشكل كبير في السنوات القليلة المقبلة، من حوالي 45٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019م، إلى 58٪ في عام 2022م.

الآن، تتمثل الأولوية القصوى في الاستجابة للأزمة الصحية، في التعامل مع جائحة الفيروس التاجي-كورونا، مع الحفاظ على قدرات الاستهلاك والإنتاج. إذا كان ذلك ممكنًا من الناحية المالية، يجب على البلدان الخليجية تأجيل الضبط المالي حتى يتم التعافي بشكل جيد. إذ إن إعادة تخصيص الإنفاق للتعامل مع الآثار المباشرة للأزمة وجعل هذا الإنفاق أكثر كفاءة، على سبيل المثال، عن طريق الحد بشكل استباقي من التسربات لضمان وصول تدابير الإغاثة إلى المستفيدين المقصودين، يمكن أن يساعد في خلق حيز مالي. على المدى المتوسط، هناك حاجة ماسة لتعزيز الإنتاجية لاستعادة النمو وتثبيت الدين. وتتمثل إحدى الطرق القوية للقيام بذلك في متابعة إصلاحات مؤسسية عميقة من شأنها إعادة تشكيل دور الدولة، وتعزيز المنافسة العادلة، وتسريع تبني التكنولوجيا الرقمية، ومتابعة التكامل الخليجي، والتوسع به إلى النطاق الإقليمي العابر إلى إفريقيا جنوب الصحراء، ومن دون إغفال استصحاب دول شمال إفريقيا العربية في المعادلة الكلية للعلاقات الاقتصادية مع القارة السمراء.

يمكن أن يكون الانفتاح التجاري مهمًا في تحقيق الشمولية التعاونية على المستوى القاري. ومع ذلك، لتعزيز النمو، الذي يفيد جميع شرائح المجتمع، يجب أن تسير الإصلاحات التجارية بالتوازي مع إصلاحات السياسات الأخرى. وبخلاف ذلك، قد يتم إلغاء فوائد الانفتاح التجاري من خلال تدابير اقتصادية واجتماعية أخرى. يمكن أن تكون مساهمات الانفتاح التجاري في النمو الشامل غير متساوية ولا يمكن فهمها دون النظر في كيفية تأثيره على جميع عوامل الإنتاج، وإفادة البعض وإلحاق الضرر بالآخرين.

وبإلقاء نظرة سريعة على ما مر به الأداء الاقتصادي العام في دول الخليج، في عام 2020م، فقد عانت الكويت، مثل غيرها، من الصدمات المزدوجة، ومن المتوقع أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد انكمش بنسبة 7.9٪، مقارنة بـ -5.4٪ التي كانت متوقعة في يونيو 2020م. وتراجعت عائدات النفط في الكويت بنسبة 16.6٪ على خلفية انخفاض أسعار النفط بنسبة 10.3٪ وانخفاض إنتاج النفط بنسبة 2.2٪. وتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بفعل إجراءات الصحة العامة المطولة وإجراءات التخفيف المالية المقيدة. كما انخفضت الإيرادات غير النفطية أيضًا بسبب ضعف النشاط الاقتصادي. فيما توقع اقتصاديون أن يكون اقتصاد مملكة البحرين قد انكمش، وأن يرتفع العجز المالي والخارجي بشكل حاد في عام 2020م، لذات الأسباب، مما يعكس المسار الضيق، الذي لوحظ في عام 2019م، ويشمل هذا التوقع الاقتصاد في سلطنة عُمان، التي قد يبلغ الانكماش فيها أكثر من 9٪ في عام 2020م. أما إذا تغيرت الظروف، وخفت الجائحة، فمن المتوقع أن يرتفع النمو في عُمان تدريجيًا إلى متوسط ​​4٪ في 2021-2022م.

وعلى الرغم من تدابير التخفيف المالية والنقدية الكبيرة، التي اتبعتها السعودية، تأثر الاقتصاد السعودي والمركز المالي، وكانت تقديرات عام 2020م، ضعيفة، مع التعافي على المدى المتوسط، ​​الذي يعتمد على انتعاش الاقتصاد العالمي، واحتواء الوباء في نهاية المطاف. وهذا التعافي العالمي السريع هو الذي تتطلع إليه الإمارات العربية المتحدة، التي إن انكمش لديها الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020م، إلا أنه من المتوقع أن يصل النمو إلى 2.5٪ بحلول عام 2022م، مدعومًا بخطط التعافي الحكومية، وارتفاع عائدات النفط، وما يمكن أن يُحدِثه معرض دبي إكسبو 2021م، من تعزيز. وبالنظر إلى دولة قطر، قد تبدو الأمور متقاربة من غيرها، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2٪ في عام 2020م، مع ملاحظة أنه جرى تخفيفه من خلال الإنفاق على البنية التحتية، التي تتبناها الدوحة استعدادًا لكأس العالم لكرة القدم عام 2022م، والتوسع المستمر في قدرة الغاز الطبيعي المسال، والتكيف المالي. من المتوقع أن تدعم الخطوات المتخذة لتحسين بيئة الأعمال، وكذلك الدفعة الأخيرة قبل كأس العالم، النمو في قطر على المدى المتوسط.

إفريقيا والجائحة:

رغم الجائحة، وعلى عكس دول الخليج، فإن الاقتصاديات الإفريقية لا تزال تتفوق، إلى حدٍّ ما، على باقي مناطق العالم في أدائها خلال فترة انتشار فيروس كورونا، بعد كل ما حدث في عام 2020م. وكما يقول ماثيو وينكلر، من "بلومبرغ" كأن "فيروس كورونا يدعم تنافسية الاقتصادات الإفريقية"، إذ تضمُّ دول القارة الإفريقية، البالغ عددها 54 دولة، 7 من أسرع الاقتصاديات نموَّاً في العالم حاليًا. ويعود ذلك بشكل جزئي إلى أن الجائحة حسَّنت قليلاً من المزايا التنافسية لهذه الدول، من خلال تسريع عمليات التحوُّل القائمة منذ 10 سنوات، من كونهم مُصدِّرين للموارد الطبيعية إلى مراكز للتجارة الإلكترونية. وينعكس التحول نحو الأعمال، التي تدفعها تكنولوجيا القرن الواحد والعشرين في منطقة سكانها أصغر سنًا من أيِّ مكان آخر في العالم على المنظور المتغير، الذي يشكل إفريقيا المؤسساتية. وأصبح لشركات الاتصالات وجود حيوي، وشغلت حوالي 29٪ من إجمالي رأس المال في القارة في عام 2020م، بالمقارنة مع 13٪ قبل عقد مضى، وفقًا للبيانات، التي جمعتها "بلومبرغ". في حين تراجعت حصة المواد والطاقة إلى 23٪ من 34٪، بعد أن كانا يشكِّلان العلامة الفارقة للمنطقة منذ عهد الاستعمار خلال المدة نفسها.

واستطاعت إفريقيا الحد من تطور انتشار الجائحة بشكل أفضل من العديد من المناطق النامية. فعدد الحالات المسجَّلة للإصابة بفيروس كورونا في أضخم دول القارة، جنوب إفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا، قد بلغ أدنى مستوى له منذ أبريل، من العام الماضي، وفقًا للبيانات، التي نشرتها جامعة "جونز هوبكينز" للصحة العامة. وتحمَّلت اقتصاديات إثيوبيا وأوغندا وساحل العاج ومصر وغانا ورواندا وكينيا، الأثر الاقتصادي للوباء بنجاح كبير، إلى درجة أنها كانت بين أسرع 10 اقتصاديات نموًا في العالم في عام 2020م. خمسة منها على الأقل، يتوقع أن تستمر في تحقيق نموها النخبوي حتى عام 2022م، وفقاً لتوقُّعات الاقتصاديين، التي جمعتها "بلومبرغ" خلال الأشهر الثلاثة الماضية. منذ سنتين، وكانت إفريقيا تضمُّ أفضل ثلاثة من جهة الأداء. ومنذ عامين كانت إفريقيا تضمُّ ثلاث دول من أفضل الاقتصاديات أداءً، وفي عام 2015م، زاد العدد إلى أربع. لذا، قام بعض المستثمرين الخليجيين باقتناص الفرص، التي تمكِّن الناس من العمل واللعب عن بعد، إذ تبدَّى اتجاه مماثل عبر البحر الأحمر، مُدْرِكين لحقيقة أن هذا الوباء العالمي سبب مشكلة للجميع، لكنه أثبت أنَّه فرصة للربح في إفريقيا.

ولإثبات أن إفريقيا عبرت موجة الجائحة الأولى بنجاح مقدر، فقد ارتفعت قيمة أسهم أكبر 200 شركة عامة في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى بنسبة 13 بالمئة العام الماضي 2020م، مع ارتفاع مؤشر الأسواق الناشئة بنسبة 12٪، وخسارة مؤشر السوق الحدودية الأكثر خطورة بنسبة 3٪، وفقًا لبيانات جمعتها "بلومبرغ". وتقدَّمت الشركات الإفريقية بنسبة 7٪ خلال العامين الماضيين مع تقدُّم الأسواق الناشئة بنسبة 33٪، واكتسبت السوق الحدودية 12٪. كما ارتفعت قيمة الشركات الإفريقية نفسها، البالغ عددها 200 شركة بنسبة 324٪، على مدار خمس سنوات مع ارتفاع الأسواق الناشئة بنسبة 67٪، وارتفعت السوق الحدودية بنسبة 27٪. وقادت الشركات العاملة في مجال السلع في إفريقيا جميع الصناعات بعائد إجمالي قدره 188٪ مدة عامين (دخل وتخمين)، الذي صغَّر نسبة 37٪، التي حقَّقها نظراؤها العالميون، وعاد قطاع التكنولوجيا الناشئ بنسبة 123٪، عندما ارتفع المؤشر العالمي المقارن 92٪.

لقد شهد عام 2020م، نموًا مضطردًا في قطاع التكنولوجيا، فقد ارتفع سعر سهم شركات "كارتراك هولدينغ ليمتد"، ومقرها "جوهانسبرج"، التي تجمع بيانات السيارات المنقولة خلال القيادة، مما يوفِّر للمستخدمين السلامة والأداء الذكي، بنسبة 76٪، وكانت قيمة "سي بي زد هولدينغ ليمتد"، ومقرها "هراري" في "زيمبابوي" مع أعمال رقمية مزدهرة، أعلى بـ11 مرة. وارتفعت "إم تي إن نيجيريا كوميونيكيشنز"، خدمة الاتصالات السلكية واللاسلكية، التي تتخذ من "لاغوس" في نيجيريا مقرًا لها، التي استفادت بشكل خاص من عمليات الإغلاق بسبب الجائحة، بنسبة 58٪؛ وانخفضت بقية الاتصالات العالمية بنسبة 1٪. وتمتلك نيجيريا أفضل الأسهم من جهة الأداء في العالم. من بين 93 سوقًا رئيسيًا للأسهم في العالم، واحتل مؤشر البورصة النيجيرية لجميع الشركات، الذي يضم 153 شركة المرتبة الأولى مع إجمالي عائدات بنسبة 27٪، وفقًا للبيانات، التي جمعتها "بلومبرغ". وحقَّق قطاع الاتصالات، الذي يمثل 28٪ من المؤشر، ارتفاعًا أقل من 1٪ عام 2015م، و68٪، متجاوزة المرتبة الثانية في مجال الرعاية الصحية. إنَّه أفضل عائد لما يمكن أن يأتي للمستثمرين في الشركات الإفريقية. ويعدُّ "غلوبال إكس إم إس سي آي نيجيريا"، أكبر صندوق يتم تداول أصوله المستثمرة في سوق الأوراق المالية في البلاد، ولديه أكبر خصم بنسبة 32٪، وهو رقم قياسي منذ إنشاء الصندوق عام 2013م، والمعنى: حظيت أكثر من 20 شركة نيجيرية في "إي تي إف" بتقدير أسرع بكثير من نظيراتها، إلى الحدِّ، الذي يتمُّ فيه التقليل من قيمتهم بشكل كبير.

المستقبل:

تشهد استثمارات دول الخليج في إفريقيا ارتفاعًا مضطردًا، حيث تحتل الإمارات العربية المتحدة مرتبة متقدمة في السنوات الأخيرة من حيث الإنفاق الرأسمالي في إفريقيا على مستوى العالم، ولا تزال الفرص في إفريقيا تبدو جذابة، والمستقبل يبشر بما هو أكبر. وللمضي قدمًا بسرعة، على دول الخليج أن تلعب دورًا أكثر أهمية من أي وقت مضى في تشجيع التعاون مع إفريقيا، خاصة وأن التأثير الاقتصادي يكتسب قوة غبر متزايدة. ومع استمرار إفريقيا في ترسيخ مكانتها كمكون مهم دائمًا في الاقتصاد العالمي، فإن القارة منفتحة بحكمة على التعاون مع الخليج. ويعمل الجانبان على تنسيق العلاقات الاقتصادية وتسهيل بناء الوعي والتفاعل بشكل أكبر حتى تتمكن الشركات من كلا الجانبين من بناء علاقات مستنيرة وتنافسية ودائمة للمستقبل.

وتبشر اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية المُصاغة حديثًا بفجر جديد لدول القارة، وتثير اهتمام دول الخليج. فهي تشمل اتفاقية التجارة الحرة 54 دولة يبلغ عدد سكانها مجتمعة أكثر من مليار شخص ويتجاوز الناتج المحلي الإجمالي 3.4 تريليون دولار، مما سيجعلها رابع أكبر اقتصاد بين دول مجموعة العشرين. يقطع الاتفاق، الذي تم توقيعه في كيغالي، رواندا، عام 2018م، شوطًا طويلاً في تحقيق رؤية الاتحاد الإفريقي، وأجندة 2063م، الخاصة به لإنشاء "إفريقيا متكاملة ومزدهرة وسلمية، يقودها مواطنوها، وتمثل قوة ديناميكية في الساحة العالمية." ووفقًا للاتحاد الإفريقي، فإنه "بإطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية وإنجاحها، تتغلب إفريقيا على الانقسام التاريخي والعزلة لاقتصاداتها من خلال فتح فرص تجارية ضخمة، بالإضافة إلى تحسين روابط النقل والاتصالات بين بلداننا". ورغم أن الأمر لا يزال في بدايته، لكن الاتحاد الإفريقي يعمل على تسريع إنشاء الاتحاد الجمركي القاري والاتحاد الجمركي الإفريقي. وتعمل الدول الأعضاء أيضًا على إنشاء سوق النقل الجوي الإفريقي الموحد، بالإضافة إلى بروتوكول المعاهدة المؤسسة للجماعة الاقتصادية الإفريقية المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص وحق الإقامة وحق التأسيس.

إن قطاع التصنيع قد يكون هو المستفيد الأكبر من اتفاقية التجارة الحرة القارية للتجارة الحرة، حيث لا يزال تمثيله ناقصًا في الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا، وهو أحد أكثر القطاعات أهمية، التي يمكن أن توفر فرص العمل والاستثمار الأجنبي المباشر والبنية التحتية في الاقتصادات الإفريقية. وقال المنتدى الاقتصادي العالمي: "إن قطاع تصنيع أكبر سيقود الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى خلق المزيد من الوظائف ذات الأجور الجيدة، خاصة للشباب، وبالتالي التخفيف من حدة الفقر". ويمكن أن يبرز قطاع الزراعة في إفريقيا أيضاً كفائز حيث تسعى دول الخليج إلى تحقيق الأمن الغذائي. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن خسائر الإيرادات من تحرير التعريفات، والتي تقدر بنحو 4 مليارات دولار. وتعتبر السنوات القليلة القادمة مهمة حيث تنفذ اتفاقية التجارة الحرة الأجزاء التنظيمية الرئيسة؛ مثل، الوثائق التجارية، وجداول التعريفات، وقواعد المنشأ، ونظام معالجة الحواجز غير الجمركية، ولكن يبدو أن القارة تستعد للفصل التالي من تطورها بجد ونشاط.

 الخاتمة:

لقد استفادت إفريقيا من عدة عوامل مثل زيادة الوعي والإلمام بإمكانيات دول الخليج، وتقليل القيود المفروضة على بعض الصناعات، وزيادة الروابط من خلال توسيع خطوط الطيران في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث حاولت دول الخليج تحديد الأدوار الخاصة بكل منها في كونها قناة لتحسين وصول إفريقيا إلى السوق العالمية. ففي حين أن العلاقات بين دول الخليج وإفريقيا تبدو غير متكافئة، فإن العلاقات الاقتصادية والسياسية الأساسية تنمو بسرعة، وتعزز الوصول إلى الفرص، وزيادة الاستثمار الخليجي إلى جانب الواردات والصادرات على كلا الجانبين.

ولطالما قيمت دول الخليج الوعد الهائل للقارة الإفريقية؛ من مهارات وإمكانيات شعوبها، إلى مواردها الطبيعية وحاجتها إلى الاستثمار في البنية التحتية والشركات، فقد اعتبرت إفريقيا وجهة استثمار ديناميكية من قبل الدول الخليجية، التي كانت من كبار المستثمرين الاستراتيجيين في المنطقة لعقود. ومع رفع القيود المفروضة على الاستثمارات الأجنبية، سيتدفق المستثمرون الخليجيون على القارة، وهذا يضيف رأس المال لتوسيع الصناعات المحلية، وتعزيز الأعمال التجارية المحلية. إن رأس المال الجديد يعزز دورة الإنتاجية الصاعدة، التي تحفز الاقتصاد بأكمله. ويمكن أن يؤدي تدفق رأس المال الأجنبي إلى تحفيز الأنظمة المصرفية، مما يؤدي إلى مزيد من الاستثمار وإقراض المستهلكين". تتفوق الإمارات العربية المتحدة على نظيراتها الخليجية في الاستثمارات في إفريقيا، وتستفيد من خبرتها في البناء والشحن والخدمات اللوجستية والسياحة وتطوير الطاقة لتضع نفسها كبوابة إلى إفريقيا. وتنظم غرفة تجارة وصناعة دبي كل عام منتدى أعمال عالمي لتحديد فرص الاستثمار والأعمال في القارة.

 

مقالات لنفس الكاتب