array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

2020 عام الأزمات المفاجئة .. وعام 2021 للتعاون ونهاية الأزمات

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

د. أحمد سليم البرصان

يمكن وصف عام 2020م، بأنه عام المفاجأة والأزمات، المفاجئة ؛ جائحة كوفيد-19 وما ترتب عليها من أزمات اقتصادية واجتماعية، وعلاقة الإمارات والبحرين والسودان بالتطبيع مع إسرائيل، ومن الإنجازات المهمة خلال العام عقد قمة العشرين في الرياض نوفمبر الماضي وبروز دور السعودية الفاعل على المستوى الدولي كقوة اقتصادية عالمية، ولكن المفاوضات حول سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا لم تصل بعد لإتفاقية تحقق الأمن المائي لكل من مصر والسودان، ويمكن أن يكون عام 2021م، أكثر تعاونًا على المستوى العربي وخاصة الخليجي وحل الخلافات السياسية بين بعض الدول العربية ونهاية الأزمة بين دول مجلس التعاون الخليجي، ويشهد أيضًا حلاً للأزمة الليبية والأزمة اليمنية وعودة سوريا للجامعة العربية حيث تعمل مصر على عودتها، وتقارب بين الدول العربية ودول الجوار العربي، تركيا وإيران .

           كوفيد-19 وآثارها: تراجع الناتج المحلي والبطالة والعمالة الأجنبية

انتشرت جائحة كورونا-19 في جميع دول العالم تقريبًا، وخلقت تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية متباينة، وكغيرها من الدول حاولت ولا زالت دول مجلس التعاون وغيرها من الدول العربية مواجهة الآثار السلبية لهذه الجائحة، فقد شهدت معظم دول العالم وخاصة دول الشرق الأوسط ركودًا اقتصاديًا، فحسب أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في يونيو 2020م، تراجع الناتج المحلي الإجمالي العالمي 13% تقريبًا، وتأثرت اقتصاديات الدول، فمثلاً ثروة دبي تأتي من السياحة والبناء وأعمال الموانئ والشحن، وقد استقبلت عام 2019م، أكثر من 16 مليون سائح، درّت إيرادات تصل إلى 20 مليار دولار ، وفي ظل أزمة كوفي-19، من المتوقع تراجع الإيرادات بسبب القيود التي فرضت على الحركة الجوية وتوقف السياحة توقفًا شبه كامل،  وحسب تقرير الأسكوا ESCWA  فمن المتوقع أن تخسر المنطقة العربية في عام 2020 م، 42 مليار دولار، وإثر الجائحة، انخفضت  أسعار البترول بسبب تراجع الطلب، وخلال الفترة من يناير إلى مارس 2020م، قدرت خسارة المنطقة العربية من الإيرادات البترولية 11 مليار دولار تقريبًا، وفي ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي من المتوقع، أن تنخفض صادرات المنطقة العربية بمقدار 28 مليار دولار، مما يهدد استمرارية الشركات والصناعات المعتمدة على التصدير، وأن تخسر حكومات المنطقة إيرادات جمركية قد تصل 1.8 مليار دولار . وسجلت الشركات في المنطقة العربية قي الفترة السابقة خسائر هائلة في رأس المال السوقي قدرت قيمتها 420 مليار دولار، ويتوقع أن تخسر المنطقة 1.7 مليون وظيفة عام 2020م، مما يرفع معدل البطالة 1.2%.  ويؤثر الفيروس على فرص العمل في القطاعات العامة، لا سيما قطاع الخدمات نتيجة ممارسة التباعد الاجتماعي علمًا أن قطاع الخدمات على المستوى العالمي تراجع بمعدل النصف، وحيث أن قطاع الخدمات هو المصدر الرئيس لفرص العمل في المنطقة العربية، فإن هذا يؤدي لخسائر كبيرة في الوظائف.

الأمن الغذائي والمساعدات الإنسانية العربية

تقلصت الطبقة الوسطى في المنطقة العربية بسبب أزمة كوفيد-19، مما قد يدفع 83 مليون شخص إضافي إلى خط الفقر، ويؤثر التباطؤ الاقتصادي بسبب انتشار الفيروس على تراجع الأجور وانخفاضها وخاصة على فئات النساء والشباب والعاملين في القطاع غير النظامي في ظل عدم توفر التأمين الصحي والاجتماعي لبعض الفئات، ومن المتوقع أن يعاني 1.9 مليون شخص إضافي من نقص التغذية.  وتتأثر عملية إنتاج الغذاء: الإنتاج والنقل والتوزيع بأزمة الجائحة مما يؤدي إلى انخفاض للصادرات الغذائية من الدول المنتجة للغذاء وهذا يؤثر على الأمن الغذائي في الدول العربية بسبب اعتمادها على استيراد المواد الغذائية، فالدول العربية تستورد 65% من القمح الذي تحتاجه، وتنفق 110 مليار دولار على الواردات الغذائية مما قد يؤدي لمجاعات في بعض الدول التي تعاني من حروب أهلية في المنطقة العربية.  

وتشير أرقام الأسكوا، أن حوالي 55 مليون شخص في المنطقة العربية بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، وأن حوالي 24 مليون من هؤلاء هم من اللاجئين والنازحين داخل دولهم، كما لا تستطيع الدول التي تعاني من صراعات داخلية احتواء آثار الفيروس، بسبب تدمير البنية الصحية ونزوح العاملين في المجال الصحي كما في سوريا واليمن وليبيا والسودان وغيرها، كما أن عدم توفر وسائل الحماية للقطاع الصحي أصبح هو يعاني من الإصابات للممرضين والممرضات والأطباء مما يزيد من أعباء انتشار الفيروس.

وقد تحركت الدول العربية لمواجهة تبعات وآثار كوفيد19، فأخذت تقدم المحفزات لدعم المواطنيين ولتعزيز قدرة الشركات على معالجة التراجع الحاد في نشاطاتها، فقد أعلنت السعودية عن حزمة تحفيز بقيمة 13 مليار دولار ، الهدف منها دعم الشركات وزيادة تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة بالاضافة لتقديم المساعدات للأفراد، كما كشفت مصر عن خطة شاملة تكلفتها 6 مليارات دولار لمكافحة فيروس كوفيد-19 السريع الانتشار ودعم النمو الاقتصادي، كما قدمت بقية الدول العربية مساعدات كل حسب ظروفها الاقتصادية لمعالجة الجائحة وقدمت الدول الغنية مساعدات مالية لبعض الدول لمواجهة الأزمة، فقد أخذت المؤسسات المالية مثل البنوك بتأجيل الأقساط المترتبة حتى إن كثيرًا من المواطنيين استجابوا لمبادرات التكافل الاجتماعي وتأجيل استحقاق الأجور أو تخفيضها. وقد حثت الأمينة التنفيذية لمنظمة الأسكوا رولا دشتي الحكومات العربية إلى إنشاء صندوق إقليمي للتضامن الاجتماعي لدعم الدول العربية الأقل نموًا والمعرضة للخطر ويضمن التعجيل في الاستجابة لاحتياجات الشعوب العربية ويوفر الإغاثة في حالات نقص المواد الغذائية والطوارئ الصحية.

وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن دور العلماء العرب في الغرب في مجال مكافحة كوفيد-19، وقد ظهر هولاء في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا، فقد عين الرئيس ترامب عالم البيولوجيا من الأصل المغربي منصف السلاوي مستشارًا ومشرفًا على مشروع وتوزيع لقاحات كفيد-1، كما أن العالمة من أصل مصري هبة مصطفى مديرة مختبر الفيروسات الجزئية بجامعة جون هوبكنز شاركت في تطوير اختبار تشخيص فيروس كوفيد ــ 19، كما كانت مفاجأة الرئيس الفرنسي ماكرون في زيارته لأحد المستشفيات الفرنسية أن معظم أطباء المستشفى من لبنان وتونس والجزائر والمغرب والسنغال، وذكرت صحيفة انديبندنت عربي، أن 280 طبيبًا سعوديًا في فرنسا بين الصفوف الأمامية لمحاربة الجائحة .  إن هذه الجائحة تنبه الحكومات العربية للاستفادة من علمائهم المهاجرين في الخارج بتوفير المختبرات واستقطابهم لما لهم أهمية علمية وعائد اقتصادي فمليارات الدولارات عائد شركات الأدوية، ويحتاج لها اقتصاد الدول العربية إذا شجعت العلماء على تسخير اكتشافاتهم لبلدانهم بتوفير البيئة العلمية والمادية لهم فهم جزء من الأمن القومي العربي، الأمن الصحي،  الذي يستفيد منه الغرب باستقطابهم، وهذا يحتاج إلى استراتيجية عربية ضمن مؤسسات العمل الجماعي العربي للاستثمار في مختبرات علمية على غرار الشركات الغربية التي تقدر أرباحها بالمليارات، والجدير بالملاحظة أن فرنسا مثلا تستغل الأطباء من الدول النامية فالطبيب الجزائري في فرنسا لا يعامل مثل الطبيب الفرنسي في أجوره  فهناك 15 ألف طبيب جزائري في مواجهة كورونا في فرنسا.   

عام 2021م، عام التعاون وتسوية الخلافات السياسية

يتوقع أن يشهد عام 2021م، انفراجًا في العلاقات بين الدول العربية وأيضًا في العلاقات العربية مع دول الجوار العربية، تركيا وإيران وإثيوبيا، كما تسهم دول الخليج في حل الخلافات بين الأطراف الليبية ودعم المغرب العربي في قضية الصحراء، حيث افتتحت الإمارات العربية لها قنصلية في مدينة العيون مركز الصحراء الغربية بالمغرب حيث الخلافات مع جبهة البوليساريو، كما أن السعودية والإمارات وقطر كلها لها استثمارات في المغرب وحسب إحصائيات رسمية كما ذكرت صحيفة الأيام 24 الإلكترونية المغربية 9 نوفمبر 2019م، فقد وصل حجم الاستثمارات الخليجية في المغرب 120 مليار دولار خلال الـ 12 عامًا الماضية،  أغلبها في قطاعات العقار والخدمات السياحية والاتصالات والطاقة والتمويلات البنكية التشاركية، وحسب رأي الخبير الاقتصادي عبد النبي أبو العرب، فإن المغرب استفاد بعد 2011م، من تدفق استثماري كبير جاء في إطار رغبة الدول الخليجية في المساهمة في الحفاظ على استقرار دول صديقة لها كما هو الحال بالنسبة للمغرب". فقد ارتفع الاستثمار السعودي المباشر في المغرب 53% منذ 2011م، كما أن السعودية تحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية بكونها أول شريك تجاري عربي للمغرب حسب تصريح لطيفة الشهابي وكيلة وزارة التجارة والصناعة المغربية، كما أن السائح الخليجي يأتي في المرتبة الثالثة بعد الأوروبي وهناك حملات ترويجية لدول مجلس التعاون الخليجي لجذب مزيد من السياح، وهذا يعكس عمق العلاقات الخليجية مع دول المغرب العربي وخاصة المغرب.

                        التعاون الخليجي- المغاربي  في الأزمة الليبية

عانت ليبيا من عدم الاستقرار منذ سقوط نظام معمر القذافي، وحيث أن ليبيا دولة بترولية وموقع استراتيجي على البحر المتوسط على الضفة الجنوبية له، فهناك تنافس دولي وإقليمي  في ليبيا أدى لتدخل دولي مما يهدد الأمن القومي العربي، فروسيا تتدخل في ليبيا بقوات المرتزقة الروس فاغنر التي أكدت التقارير الأممية وجودها، كما تلعب فرنسا دورًا عسكريًا وسياسيًا في ليبيا وأن تركيا لها قوة عسكرية في ليبيا تدعم حكومة الوفاق الليبية، وقد عبرت   رئيسة البعثة الأممية بالإنابة ستيفاني وليامز عن التنافس الدولي والتدخل الخارجي بقولها في الاجتماع الثاني من الجولة الر ابعة لملتقى الحوار الليبي بتونس" أن عدد القواعد الأجنبية في ليبيا، والذي وصل إلى عشر ، تدار جزئيًا أو كليًا بقوات أجنبية، وأن عدد المرتزقة وصل إلى عشرين ألفاً""، الغريب في الأمر، أن أحدًا من المسؤولين الليبيين من شرق البلاد أو غربها لم يسبق له أن أشار لحجم هذا الوجود، والخطير في الأمر أن كل جهة في ليبيا مرتبطة بطريقة أو أخرى بطرف خارجي.

 وفي ظل هذا التدخل العسكري والسياسي الدولي تتحرك الدول العربية لحل الأزمة الليبيةـ فتحركت المغرب بجمع الأطراف الليبية وبدعم خليجي ورعاية الأمم المتحدة في الصخيرات المغربية  ديسمبر 2015م، وبناء على اتفاق الصخيرات، تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني والمجلس الأعلى للدولة وحاولت المغرب بناء الثقة بين الأطراف الليبية، كما ساهمت المغرب في جمع أكثر من 120 عضوًا  من  أعضاء البرلمان الليبي من شرق ليبيا وغربها في طنجة نوفمبر 2020م، في سبيل إنهاء النزاع في ليبيا، ولم يقتصر الأمر على الدور المغربي، فقامت تونس أيضًا بدور فعال في جمع الأطراف الليبية وكذلك الجزائر ومصر باعتبار أن عدم الاستقرار في ليبيا يهدد الأمن القومي المصري على حدودها الغربية والتداخل السكاني بين القبائل الليبية والمصرية في شرق ليبيا وغرب مصر ، كما تدعم دول الخليج دور مصر في حل الأزمة الليبية وتقف ضد التدخل التركي، كما أن نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني وليامز أسهمت بدور فعال في جمع الأطراف الليبية  وخاصة بدعم الولايات المتحدة لها .

المبعوثة الأممية بالإنابة في ليبيا ستيفاني وليامز تتحدث في تونس (11/11/2020)

ويبقى الاتفاق الدولي بين الولايات المتحدة وروسيا والأطراف الإقليمية تركيا ومصر وبدعم من دول الجوار المغاربية والسعودية، يمكن أن تؤدي لاتفاق المصالحة الليبية، وبدون الاتفاق بين هذه الأطراف وضغطها بما يكفل مصالح الجميع يصعب إيجاد اتفاق واستقرار في ليبيا، وفي ظل إدارة أمريكية جديدة وفي عهد الرئيس الديمقراطي جوزيف بايدن يمكن للأطراف أن تصل لتوافق، فنشأة ليبيا وتوحيدها واستقلالها بعد الحرب العالمية الثانية، ما كان ليتم لولا الاتفاق الدولي بين فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

 ويأمل أن يكون عام 2021م، هو عام وحدة ليبيا واستقرارها، لأن تقسيم ليبيا سيكون كارثة للامن القومي العربي في حالة حدوثه، ولذلك فإن الدول العربية بدعمها لحل الأزمة الليبية ووحدة ليبيا بالاتفاق مع الأطراف الدولية والإقليمية يعني حماية الأمن القومي العربي وخاصة الدول المغاربية والأمن القومي المصري.

             أزمة اليمن ودور مجلس التعاون الخليجي في حل الأزمة

إن استقرار اليمن ووحدتها عامل مهم في استقرار وأمن الخليج العربي، لأن إيران تحاول زعزعة هذا الاستقرار بدعم جماعة الحوثي في اليمن التي تحدت الشرعية اليمنية، وجاءت عاصفة الحزم عام 2015م، بقيادة المملكة العربية السعودية لدعم الشرعية اليمنية، ولكن التدخل الخارجي وخاصة الإيراني والخلافات الداخلية أطال أزمة اليمن، ودخول أطراف دولية تتنافس على اليمن سواء أطرافًا دولية إقليمية من خارج المنظومة العربية، فبريطانيا لها تاريخها الطويل في اليمن وخاصة جنوب اليمن كما أن الولايات المتحدة لها مصالحها الاستراتيجية في اليمن، بالاضافة للتنافس الدولي في القرن الإفريقي لإقامة قواعد عسكرية، وتحاول السعودية جاهدة لإنهاء النزاع الداخلي باليمن وفي ظل تطورات الوضع الدولي وخاصة بعد الانتخابات الأمريكية سيكون عام 2021م، عامًا لحل أزمة اليمن بعد استنزاف الأطراف الداخلية في اليمن لموارد بلادها والأزمة الإنسانية في اليمن ولذلك تبقى المسؤولية الأولى لحل أزمة اليمن على الأطراف اليمنية من أجل تعمير اليمن واستقراره ، فالسعودية تولي اهتمامًا كبيرًا لإعمار اليمن ودعت لمؤتمر المانحين لليمن بالاشتراك مع الأمم المتحدة 2020م، وهو المؤتمر الرابع الذي تتبنى السعودية الدعوة إليه، وتعتبر أكبر الدول الداعمة لليمن بحكم الروابط التاريخية والجوار وحرصها على وحدة اليمن واستقراره لأنه مرتبط بالأمن الوطني السعودي.

القضية الفلسطينية: الفيصل إسرائيل آخر القوى الاستعمارية  

تبقى القضية الفلسطينية في صلب السياسة السعودية والعربية عامة لأنها تتعلق بالأمن القومي العربي، وقد عبر الأمير تركي الفيصل مدير الاستخبارات السعودية السابق بصراحة ووضوح عن واقع إسرائيل الاستعماري في منتدى المنامة ديسمبر 2020م، الذي نظمه المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) بوصفه لها " أنها آخر القوى الاستعمارية الغربية في الشرق الأوسط، تدمر المنازل وتغتال من تشاء، وتُهٌجَر الفلسطينيين قسرًا، وتٌصدر قوانين عُنصرية تجعل من إسرائيل وطنًا لليهود فقط، وتٌحرَم الحٌقوق المتٌساوية للعرب المسيحيين والمسلمين، وتٌقيم الأسوار العازلة وتتوغل في بناء المستوطنات ": وأضاف الفيصل إن إسرائيل تعتمد نهجٌا يتسم بالنفاق كونها " تدعي من جهة أنها مهددة وجوديًا وتريد السلام، لكنها من جهة أخرى تحتل الأراضي الفلسطينية وتقصف الدول العربية وتمتلك السلاح النووي"، ونرفض المبادرة العربية التي أقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت 2002م، ورغم معاهدات الصلح التي عقدتها الدول العربية، مصر 1979م، والأردن 1994م، إلا أنه سلامًا باردًا وترفض الشعوب أي نوع من التطبيع معها، فقد وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بريجنسكي للرئيس كارتر أن السلام بين مصر وإسرائيل سلامًا باردًا لرفض الشعب التطبيع، وفي التطورات الإقليمية والدولية وإدارة بايدن الجديدة قد يمكن الرجوع إلى حل الدولتين، فقد كانت سياسة ترامب مخالفة لكل الإدارات الأمريكية السابقة في دعمه لضم إسرائيل للجولان السورية والضفة الغربية والقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس، وفي تصريحات الرئيس الجديد بايدن أعلن أنه سيعيد العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن وتقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية الذي أوقفه ترامب، ويأتي هذا في ظل تنسيق مصري-سعودي –أردني مع السلطة الفلسطينية لتطبيق القرارات الدولية في دولة فلسطينية على حدود 1967م، وعاصمتها القدس وهذا يتفق مع المبادرة العربية التي قدمتها السعودية ووافقت عليها الدول العربية بالإجماع .

 
الانفراج في العلاقات العربية ودول الجوار الجغرافي العربي

إن الجغرافيا عامل مهم في سياسة الدولة، فالجغرافيا ثابت وليس متغير، فأمن الدولة مرتبط بأمن جيرانها، وكما قال عالم الجغرافيا الألماني راتزل "إن تاريخ  دولة ما هو بنفس الوقت جزء من تاريخ الدولة المجاورة "، ودول الجوار العربي إيران وتركيا وإثيوبيا لها تأثير على الأمن القومي العربي ويتداخل الأمن القومي لها مع الأمن العربي، فمصالح إيران مع العالم العربي والجغرافيا تفرض عليها أن تكون في علاقة متوازنة وتبادل المصالح، وسياسة إيران الحالية أو في العقود الماضية أدت لعدم استقرار في المنطقة أثرت حتى على الاقتصاد الإيراني لأنها دخلت في نزاعات ليست ضرورية وتهدد جيرانها، وفي ظل الإدارة الأمريكية  الجديدة، والعودة للاتفاق النووي 5+1، يمكن أن يفسح المجال للاستقرار ، وأن تعيد إيران علاقاتها مع جيران في منطقة الخليج لأنه أمن مشترك .

 أما تركيا فلها تاريخ طويل مع المنطقة العربية وقد أدى التدخل التركي في سوريا وليبيا والتدخل في الخلافات العربية إلى برودة في العلاقات العربية التركية، وفي اتصال  بين العاهل السعودي والرئيس التركي في قمة العشرين واجتماع وزير الخارجية التركي مع وزير الخارجية السعودي في مؤتمر وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي بالنيجر في نوفمبر الماضي، خطوة مهمة للأمن العربي التركي وهما الدولتان في قمة العشرين، ودولتان مركزيتان في العالم الإسلامي، وفي إيجاد تعاون بين تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية ومصر، يؤدي لاستقرار الشرق الأوسط ومواجهة التحدي الإسرائيلي والتدخل الأجنبي في المنطقة، كما أن التقارب التركي المصري ضرورة لأمنهما ومصالحهما في شرق المتوسط، وفي الاجتماعات بين الاستخبارات التركية والمصرية بادرة أمل في تحسن العلاقات بينهما، لأن مصر دولة مركزية في الأمن العربي والشرق الأوسط وتلتقي مصالح تركيا مع مصر في البحر المتوسط وشمال إفريقيا وتعاونهما يعزز مصالح الطرفين، ويتوقع أن تفتح صفحة جديدة بينهما بسياسة برجماتية تحددها المصالح وليس الأيديولوجيا.

أما بالنسبة لإثيوبيا، فهي دولة محورية في القرن الإفريقي ومجاورة للسودان والصومال وإرتيريا وتجمع مياه النيل بين الأمن القومي لمصر والسودان وإثيوبيا، وتاريخيًا لا يمكن تجاهل حقوق مصر في النيل، ولذلك فإن القوى الخارجية التي تتدخل لدفع إثيوبيا لتهديد مصر كما هي إسرائيل بتقليص حصتها من مياه النيل يعتبر تهديدًا خطيرًا يهدد الأمن القومي العربي، وعلاقة إثيوبيا ومصالحها مرتبطة بالعالم العربي وخاصة الدول العربية بإفريقيا والخليج العربي، وهي دولة مغلقة ليس لها منفذ إلا من الدول المجاورة التي هي عربية، وتاريخيًا لها علاقة مع الجزيرة العربية، والجيوبولتيكا تفرض على إثيوبيا أن تتعاون مع مصر والسودان ودول مجلس التعاون الخليجي لتحقيق الاستقرار في القرن الإفريقي ولمصلحة وحدة إثيوبيا نفسها، فتحدي الأمن المائي العربي وخاصة مصر والسودان قد تكون له آثاره على وحدة إثيوبيا خاصة في ظل الصراع الحالي في تيغري .

إن المصالح المشتركة والتداخل الاستراتيجي Strategic Interdependence بين مصالح الدول العربية ودول الجوار الجغرافي وفي ظل تغيرات النظام الدولي وتعدد القطبية الدولية وإدارة أمريكية جديدة أكثر واقعية تتبنى القوة الناعمة قد يشهد عام 2021م، أكثر توافقًا واستقرارًا من أجل حل الخلافات والمشاكل الإقليمية وتعاون بين الدول المحورية في الشرق الأوسط في مواجهة التحدي النووي الإسرائيلي وغطرسة القوة الصهيونية آخر القوى الاستعمارية.  

مقالات لنفس الكاتب