array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 158

السعودية تخطط لوضع اقتصادها بين الـ 15 الأول عالميًا وزيادة الصادرات غير النفطية 50%

الأربعاء، 27 كانون2/يناير 2021

لم تعد معظم دول العالم مخيرة نحو تعزيز قوى الاقتصاد وتنويع مصادره فقط بتنمية الموارد الطبيعية وتمكين الموارد البشرية وتكوين رأس المال، بل بات حتمًا على أي اقتصاد في العالم دعم نمو الناتج المحلي بتلبية طلب الناس والحكومات على سلع وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. حيث أدت الثورة الصناعية الرابعة إلى ضخ الكثير من الأدوات والمتغيرات الاقتصادية والاستثمارية التي تحولت من خلالها المعلومات إلى منتجات اقتصادية تتضمــن مجموعــة واســعة مــن التطبيقــات التكنولوجيــة والتي تختلف في سرعتها ونطاقها وتأثيرها لقانون العرض والطلب مثلها مثل أي سلع أخرى متداولة في الأسواق. ومن هذه الأدوات والمتغيرات الاقتصادية والاستثمارية التي ظهرت في مجال الاقتصاد الرقمي والتي تتسابق دول العالم على توطينها ونقل التقنيات إلى أراضيها (المدن الذكية) التي تعتمد في مختلف معاملاتها على استخدام التقنية الرقمية وتعتمد على مخرجات البحث العلمي في تطويرها وازدهارها، بالإضافة إلى زيادة أهمية استخدام تطبيقات الحكومة الإلكترونية وزيادة الاستثمار فيها لمساهمتها الفعالة في تسهيل حياة المواطنين وربطهم من خلال تقنية المعلومات بأجهزة الدولة المختلفة مهما كان بعد المسافة التي يسكن فيها ذلك المواطن. أيضًا، زادت روابط العولمة في المجتمعات المختلفة من خلال الاستثمار في أدوات التجارة الإلكترونية للتعبير عن الأنشطة الإنسانية المختلفة التي تساهم في رفع النشاط الاقتصادي من خلال تكنولوجيا المعلومات، وعلاوة على ذلك، ارتفعت رغبة الدول في إيجاد ميزة تنافسية لها عن طريق الاستثمار في إنتاج وتصدير المنتجات التي تتسم بجانب عالي من التقنية كالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات مثل أجهزة الجوال والحاسوب والبرمجيات والروبوتات والأجهزة الطبية والمكائن الصناعية والصناعات العسكرية.

وأصبح الابتكار في هذه المنتجات والتطبيقات التكنولوجية هو من يقود التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها اليوم سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الحكومات. فمثلاً على مستوى الأفراد، زاد وعي المستهلك بأنواع السلع وبدائلها وزادت براعته في مقارنة التكلفة والأسعار، وارتفع اطلاعه على الأسواق العالمية وزادت ثقافته في التعامل معها، بالإضافة إلى تسابق الأفراد على تطوير مهاراتهم التقنية الأساسية كاستخدام الانترنت والكمبيوتر لتلبية متطلبات سوق العمل أو اكتساب المهارات التقنية المتقدمة والالتحاق بالكليات والجامعات المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأصبحت التقنية الرقمية على مستوى الحكومات أحد المحددات الحاسمة للنمو الاقتصادي والأمن القومي.  ففي عام 2017م، مثلت مكونات الاقتصاد الرقمي مثل معاملات التجارة الإلكترونية والوسائط الرقمية وغيرها 6.9 % من الناتج المحلي الأمريكي أي ما يعادل 1.35 تريليون دولار.

بل أدت تلك الابتكارات التي قادها التطور الرقمي إلى تخفيف الضغوطات التي عانى منها الاقتصاد العالمي في ظل التأثيرات الكونية غير المتوقعة مثل جائحة كورونا (كوفيد-19). حيث تشير الدراسات أن 20 % من نجاح بعض الاقتصاديات ككوريا الجنوبية وتايوان في مقاومة الآثار الاقتصادية التي ولدتها الجائحة يرجع إلى مستوى التطور الرقمي في تلك البلدان والذي أدى إلى حماية الناتج المحلي الإجمالي بسبب الخبرة والبنية التحتية الرقمية التي توفر الانترنت بأسعار معقولة والتي ساعدت الناس في كافة القطاعات على الانتقال إلى العمل عن بعد.

فبالرغم من أن اقتصاد المملكة العربية السعودية يعتبر أكبر اقتصاد مهيمن في مجموعة دول الشرق الأوسط، بالإضافة إلى أنه أحد أكبر الكيانات الاقتصادية العشرين في العالم، إلا أن المملكة تعمل حاليًا على رفع حجم اقتصادها إلى أن يحتل مرتبة من المراتب الـ 15 الأولى عالميًا وذلك من خلال زيادة صادراتها غير النفطية لتشكل  % 50 من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ورفع نسبة مساهمة القطاع الخاص غير النفطي من 40% عند مرحلة وضع الأساس للرؤية ( 2016-2018م) وحتى 65% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية عام 2030. وبناء على ذلك، بات أنه من أهم المسلمات الآن هو نقل وتوطين التقنية في المملكة والاستفادة من الأدوات والمتغيرات الاقتصادية والاستثمارية التي أوجدها الاقتصاد الرقمي لتحسين جودة حياة المواطنين والمقيمين وزيادة تنافسية الاقتصاد السعودي في المجال التقني وتوسيع التنمية المستدامة والتنوع الاقتصادي.

 

ولتحقيق هذه الخطط الاستراتيجية لنقل وتوطين التقنية قامت حكومة المملكة بإنشاء وحدة التحول الرقمي كجهة مستقلة بعد سنة واحده فقط من انطلاق رؤية المملكة في عام 2016م، كذراع تنفيذي للجنة الوطنية للتحول الرقمي، حيث تتولى اللجنة رسم السياسات والاستراتيجيات الخاصة بكيفية استخدام الأدوات الاقتصادية والاستثمارية في المجال الرقمي على مستوى الأجهزة العامة ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها بينما تكمن مهمة وحدة التحول الرقمي الرئيسية في تسريع وتمكين القطاعين العام والخاص لتحقيق هذه السياسات والاستراتيجيات وتقديم المشورة لسد الفجوة بين التقدم السريع الحاصل في التقنية ونماذج الأعمال التي نتلمسها في خدمات أبشر وإصدار الوكالات الإلكترونية وغيرها عن طريق منصة ناجز.

 

وأطلقت اللجنة الوطنية للتحول الرقمي ما يسمى بسياسة الاقتصاد الرقمي في عام 2020م، لتحقيق متطلبات الاقتصاد المزدهر والذي يعد أحد الركائز الأساسية لرؤية المملكة 2030 والذي تلعب فيه هذه السياسات دورًا حيويًا لتشجيع الاستثمار والتعاون الاستراتيجي العالمي في مجال الابتكار والتحول التقني والرقمي على أراضي المملكة. حيث ترتكز هذه السياسة على 7 مبادئ أساسية من شأنها رفع جاهزية الاقتصاد السعودي للتنافسية العالمية في المجال الرقمي وتوطين ونقل التقنية من خلال أولاً ضمان وصول الانترنت إلى جميع مناطق المملكة بسرعة عالية وأسعار معقولة وذلك من خلال إيجاد البنية التحتية الرقمية بالتعاون مع مقدمي الخدمات في القطاع الخاص المحلي والعالمي ومن خلال مشاركة أدوات الاستثمار المتعددة في هذا المجال. ففي عام 2019م، احتلت المملكة المرتبة 13 في متوسط سرعة الانترنت عالميًا بالإضافة إلى أنه 88.60 % من إجمالي الأفراد 15 سنه فأكثر من في المملكة يستخدمون الانترنت و96.97% يستخدمون الهاتف المتنقل وهذه تعتبر نسب مجدية لمن يرغب في الاستثمار في القطاع التقني في المملكة وتزويد خدمات الانترنت.

 

بالإضافة إلى أن سياسة الاقتصاد الرقمي تطمح إلى تعزيز دعم القرار والشفافية من خلال مشاركة البيانات المفتوحة في إطار حوكمة وأنظمة صارمة لحفظ الخصوصيات ولتعظيم الاستفادة من البيانات وتنميتها. ويبدو أن البنك المركزي السعودي سرع ومكن الاقتصاد الرقمي من هذه الخطوة من خلال ما يسمى بالمصرفية المفتوحة في مطلع شهر يناير من العام الحالي والتي تعني بإشراك طرف ثالث كشركات التقنية مثلا الاستفادة من البيانات المرتبطة بالمعاملات المالية للعملاء باستخدام تطبيقات مبتكرة تحلل هذه البيانات مما يمكن ذلك العميل من تتبع أنشطته المصرفية اليومية وسلوك استهلاكه والتي تعزز من اتخاذه القرارات المالية المختلفة والمرتبطة بعاداته المالية. وهذه تعتبر خطوة مباركة تدعم عمليات نقل وتوطين التقنية المستخدمة في القطاع المالي والاستفادة منها على الأراضي السعودية.

 

وتطمح المملكة أيضًا من خلال اقرار السياسات الخاصة بالاقتصاد الرقمي إلى الاستفادة من الحلول التقنية والابتكارات الناشئة لتوفير منصات مختلفة تصب منفعتها في خدمة المستخدمين من أفراد وجهات حكومية عن طريق تعميق مفهوم ما يسمى بالحكومة الرقمية الذكية. نتيجة للتطورات الهائلة التي تشهدها المنصات الإلكترونية الحكومية في المملكة العربية السعودية فقد تم تنفيذ ما يقارب 26.6 مليون خدمة عبر منصة أبشر للأفراد في عام 2019م، على سبيل المثال، حيث بلغ متوسط تنفيذ أي خدمة إلى 3 دقائق وبواقع تكلفة منخفضة قدرها 15 مليار ريال سنويًا. وهذا دليل على جدوى الاستثمار في منصات الحكومة الإلكترونية حيث أنها تساهم في رفع النشاط الاقتصادي من خلال تخفيض التكلفة والجهد والوقت التي يتحملها الفرد أو الحكومة لإنجاز تلك الخدمة المعينة.  

 

ومن أهم المبادئ الأساسية للسياسة الرقمية للمملكة هي الاهتمام بالتقنيات الرقمية واحتضانها ليكون اقتصاد المملكة المنصة الإقليمية الأولى التي تنتج التقنيات المختلفة لخدمة الإنسان وتسهيل حياته ومعيشته. فمثلاً في نهاية سنة 2020م، وقّعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تعاون مع شركة أمالا المملوكة من قبل صندوق الاستثمارات العامة والتي تم إطلاقها كوجهة سياحية على ساحل البحر الأحمر شمالي غرب المملكة لتبني تقنيات ناشئة وحلول المدن الذكية والتحول الرقمي، واستقطاب الشركات العالمية؛ لضمان نقل وتوطين التقنية على أرض المملكة العربية السعودية.

 

ويأتي الابتكار كأحد الركائز الأساسية لسياسة المملكة الرقمية والتي تساعدها على أن تكون أرض ذات ميزة تنافسية في المجال الرقمي على المستوى العالمي من خلال دعم البحث العلمي الذي يركز على إيجاد حلول مبتكرة ذات قيمة اقتصادية تقوم على مبدأ حفظ حقوق الملكية الفكرية. أيضًا سياسية الاقتصاد الرقمي ستساعد على خفض معدلات البطالة في الاقتصاد السعودي من خلال تكوين رأس مال بشري مدرب في مجال العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات وذلك لشغل وظائف ذات أنماط حديثة تلبي احتياجات سوق العمل وتتلاءم مع متطلبات وظائف المستقبل. تعمل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بشكل دؤوب على تأهيل الشباب وإمدادهم بالمهارات اللازمة ومساعدتهم ليكونوا رائدين في مجال التقنيات الناشئة كخارطة طريق لتوطين التقنية في الاقتصاد السعودي. ومن أهم المرتكزات التي تعمل عليها الوزارة هي تمكين المرأة في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من خلال تأهيل الكوادر النسائية في مجال التحول الرقمي وتمكين هذه الكفاءات النسائية إداريًا وخلق فرص قيادية لهن. بالإضافة إلى أن الوزارة تسعى إلى تمكين رائدات الأعمال في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات ومساعدتهن على الابتكار ورعاية مشاريعهن التقنية وتذليل العقبات الإدارية والتمويلية التي قد تواجههن في المستويات المختلفة خلال التنفيذ.

 

تهدف السياسية الرقمية للمملكة أيضًا إلى تسخير التقنيات الرقمية لتحقيق الرخاء الاجتماعي والشمولية لجميع مدن المملكة ونشر الثقافة الرقمية لإحداث تنمية رقمية متوازنة تشمل حتى سكان المناطق النائية والفئات العمرية المختلفة وتأهيل ذوي الإعاقة ليكونوا أعضاء فاعلين في سوق وظائف الاقتصاد الرقمي. وتسعى حكومة المملكة أيضًا إلى توفير بيئة رقمية آمنه من خلال تعزيز ما يسمى باقتصاديات الثقة وتطوير الأنظمة واللوائح الخاصة بالأمن السيبراني لتكون داعمة لبيئة الاستثمار والابتكار وتعزز من تنافسية المملكة في المجال الرقمي والتي تسهل نقل وتوطين التقنية إلى الأراضي السعودية. حيث يعتبر انهيار البنية التحتية التقنية من أكثر المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها أي دولة ولذلك جاء إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية لحماية البنية التحتية الحساسة للأجهزة الحكومية وخدماتها المختلفة والتصدي لأي نوع من التهديدات التقنية مثل البرمجيات الخبيثة، الاختراق، الدخول والتعديل والاستخدام غير المصرح به لهذه البنى التحتية التقنية، وتسريب المعلومات. وتقوم الهيئة بتقديم مبادرة التدريب للتأهيل والتوظيف حيث يقوم المتدربون بعمل تدريبات من شأنها محاكاة الهجمات السيبرانية كتطبيق عملي لمواجهة هذه الهجمات واكتشافها والاستجابة لها وذلك من خلال توطين التقنية المستخدمة بالتعاون مع الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال. بالإضافة إلى ذلك يقوم الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز من جهة أخرى في المساهمة ببناء القدرات المحلية ومساعدتها على الاحتراف والإبداع في مجال الأمن السيبراني وتطوير البرمجيات والدرونز بناءً على أفضل الممارسات والمعايير العالمية، وذلك من أجل أن تكون المملكة العربية السعودية في مصاف الدول المتقدمة في هذا النوع من الصناعات الحديثة الواعدة.

 

كما تطمح المملكة من خلال تنفيذ سياسات الاقتصاد الرقمي إلى ضمان انفتاح السوق وتشجيع تطبيقات التجارة الإلكترونية بجميع أشكالها وتسهيل إجراءات التمويل لتذليل العقبات وسن الأنظمة والقوانين التي تعزز وتشجع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال في المجالات الرقمية. حيث تعتبر التجارة الإلكترونية أحد الركائز الأساسية لتبادل المعلومات والخبرات بتكلفة منخفضة بين الدول وهي وسيلة من وسائل توطين ونقل التقنية بين الدول.

 

أدت التطورات التقنية من جهة أخرى إلى إيجاد مناطق صناعية ومدن ذكية جذبت الكثير من الاستثمارات حول العالم لنقل وتوطين التقنية وأصبحت مساهمتها في النشاط الاقتصادي يشكل نسبة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي لتلك الدول. فمثلاً وادي السليكون يعتبر أحد أهم مواطن الثورة المعلوماتية في الولايات المتحدة الأمريكية حيث استقطب 140 ألف شخص للعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات وحقق عائدًا سنويًا مقداره 9.2 مليار دولار في سنة 2008.

 

منذ أيام قليلة أطل علينا ولي عهدنا الكريم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وأعلن عن مدينة "ذا لاين" التي تمتد بطول 170 كيلومترًا من ساحل نيوم شمال غرب المملكة وتمرُّ بجبال وصحراء نيوم شرقًا. وهي مدينة طموحة معززة بنيتها التحتية بإمكانيات الذكاء الاصطناعي وتضع رخاء المجتمع وحفظ الطبيعة وتحقيق الاستدامة كأولويات أساسية في تصميمها فهي مدينة خالية من أي مصدر من مصادر التلوث والازدحام بما يتماشى مع ركائز وأهداف نيوم. وستعمل هذه المدينة الواعدة والطموحة لجذب الكفاءات من كل أنحاء العالم لتعزيز الأبحاث العلمية وبناء القدرات المختلقة التي قد تخدم البشرية وتحدث ثورة من الإنجازات على كافة الأصعدة وتعتبر رافدًا مهمًا من روافد نقل وتوطين التقنية على الأراضي السعودية.  وسيُسهم مشروع مدينة "ذا لاين" بما يقارب 180 مليار ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي وكما ستوفر هذه المدينة الواعدة ما يقارب 380 ألف فرصة عمل بحلول 2030.

 

وبالعودة إلى الحاضر ، نجد أن العاصمة السعودية الرياض احتلت المرتبة رقم  16 في مؤشر المدن الذكية لعام 2020م، الصادر عن مركز التنافسية العالمي والخاص بالمدن الذكية حيث أسهمت الوسائل التقنية وأدوات الاقتصاد الرقمي من تمكين المواطنين في مدينة الرياض من الوصول للخدمات الطبية والثقافية بسهولة تامة، وساعد توطين الوسائل التقنية المختلفة على تمكين الأفراد من الحصول على فرص التعلم مدى الحياة من قبل الجهات المختلفة، بالإضافة أن هذه التقنيات أدت إلى سهولة الوصول إلى قوائم وفرص العمل من خلال الإنترنت، وساعدت هذه التقنيات في ارتفاع جودة التدريس وتوفر كافة المهارات الإلكترونية في المدارس. 

 

وبالعودة إلى سنة 2006م، نجد أن حكومة المملكة كانت لها البدايات في زراعة نواة فكرة وادي السليكون في الولايات المتحدة على الأرض الساحلية لمدينة رابغ في الأراضي السعودية من خلال فكرة إنشاء مدينة الملك عبد الله الاقتصادية والتي سعت من خلال فلسفتها الإنشائية إلى جذب العقول والكفاءات من جميع أنحاء العالم ومشاركة الأفكار لبناء قوة اقتصادية مبنية على اقتصاديات التحول الرقمي ونقل وتوطين تلك التقنية.

 

 وحظي موضوع الاستثمار في أدوات ومنصات التحول الرقمي وتوطين التقنية في مجال التعليم والاستفادة من مخرجات الثورة الصناعية الرابعة باهتمام بالغ من قبل حكومة المملكة العربية السعودية. حيث تسعى وزارة التعليم للتخلص من الطرق التقليدية للحصول على المعرفة والتي تعتمد بالدرجة الأولى على الكتاب والمعلم واستخدام أحدث وسائل التعليم التكنولوجي لضمان تلقي الطالب تعليم ذا جودة عالية في كل مناطق المملكة حيث تسهل هذه الوسائل إطلاع الطلاب على آفاق جديدة في مجال البحث والابتكار.  حيث تعمل شركة تتكو كذراع تنفيذي لوزارة التعليم في تطوير وتمكين المعلم والطالب وتعزيز قدراتهم في بيئة تعليمية جديدة قائمة على التطور التقني وجعل الطلاب أكثر جاهزية للتعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل. حيث احتلت المملكة العربية السعودية مكانة متقدمة من بين 193 دولة حول العالم بقدرتها على تنوع خياراتها في التعليم الإلكتروني وسرعة استجابة الأجهزة المعنية لتذليل كافة العقبات التي قد تواجه الطالب أو المعلم خلال استخدام منصات التعليم الإلكتروني.  وتتبنى وزارة التعليم عددًا من المبادرات الواعدة مثل مبادرة الكفاءات والتعليم للثورة الصناعية الرابعة والتي من خلالها تسعى الوزارة إلى تكوين وتمكين رأس المال البشري المؤهل والقادر على تطوير تقنيات وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة.

 

وزارة الصحة أيضًا كان لها السبق في الاستثمار في مجال توطين التقنية وبناء الاقتصاد المعرفي بطابع سعودي بالدرجة الأولى حيث عقدت عددًا من الاتفاقيات التي من شأنها توطين ونقل تقنية صناعة بعض الأدوية إلى المصانع السعودية، ورفع جاهزية القطاع للتصدير الخارجي لدول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، وتبادل الخبرات المعرفية مع الشركات الأم وتوطين تلك الخبرات. بالإضافة إلى سعي الوزارة إلى تحسين جودة حياة المواطن والمقيم الصحية من خلال توطين الحلول المبتكرة للرعاية الصحية لعلاج وتقليل أضرار بعض الآثار الناجمة عن بعض الأمراض المزمنة كداء السكري والفشل الكلوي. وقامت الوزارة بتقديم خدماتها بصورة مبتكرة من خلال استخدام المنصات والتطبيقات الإلكترونية مثل تطبيق موعدي وصحتي، بالإضافة إلى استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتطبيق الاجراءات الاحترازية التي أقرتها الوزارة لحماية المواطنين والمقيمين من خطر الإصابة بفايروس كورونا-كوفيد 19 والتي تمثلت في إنتاج تطبيقي تباعد وتوكلنا. وساعدت الخطط الاستراتيجية للتحول الرقمي في القطاع الصحي إلى توفير ما يقارب 752 مليون ريال أثناء استخدام الملف الصحي الإلكتروني الموحد والذي مكن العاملين في الرعاية الصحية من الاطلاع على بيانات المرضى المسجلين فيه والذي ساهم بشكل كبير في تخفيض الأخطاء الطبية ورفع جودة الخدمة الطبية المقدمة للمرضى.

وبادرت حكومة المملكة بتوطين الصناعات العسكرية من خلال ضخ استثمارات ضخمة في مجال توطين التقنية في الصناعات العسكرية الوسيطة والبسيطة والتي تتضمن تصنيع قطع غيار المعدات العسكرية والمدرعات والذخائر، بالإضافة إلى الاهتمام بتوطين التقنية في الصناعات العسكرية الأكثر تعقيدًا مثل صناعة الطيران والسعي إلى توطين الخبرات في مجالات التصنيع العسكري من شباب مؤهلين في هذا المجال. حيث تسعى حكومة المملكة من خلال برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية والذي يعتبر ركيزة أساسية في رؤية المملكة 2030 إلى توطين ما يزيد على 50٪من الصناعات العسكرية وتخصيص متطلبات الإنفاق العسكري لها بحلول عام 2030م. ففي عام 2015م احتلت المملكة المرتبة الثالثة عالميًا ضمن قائمة الدول الأكثر إنفاقًا في المجال العسكري مما استوجب تقليل هذا الإنفاق من خلال توطين التقنية في هذه الصناعات.

 

انتهى المقال ولم تحصى معظم انجازات الوحدات الحكومية والوزارات في مجال توطين التقنية، فما زالت هناك العديد من الأذرع التنفيذية والبرامج الطموحة التي تسعى من خلالها هذه الوحدات إلى تحقيق الخطط الاستراتيجية والديناميكية التي تعتبر حجر الأساس للوصل إلى الاقتصاد المزدهر والاستفادة من أدوات الاستثمار الفاعل في فرص توطين التقنية في كافة المجالات والقطاعات. فوحدة التحول الرقمي في وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات تعتبر مثال واضح على حفز الوزارات والهيآت الحكومية وتمكينها في مجال التحول الرقمي وتوطين التقنية بعدما كانت الجهود مبعثرة وغير محددة في مرحلة ما قبل رؤية المملكة. ويمكن لوحدة التحول الرقمي الاستفادة من تجربة البرامج الاجتماعية والمصممة باستخدام أدوات الاقتصاد السلوكي التي يقوم فيها أعضاء فريق الرؤى السلوكية-والمعروف باسم Nuge unit في الحكومة البريطانية لحفز جميع فئات المجتمع والشركات في مختلف القطاعات لتنفيذ سياسات وبرامج الحكومة في التنمية المستدامة وتوطين التقنية.

مجلة آراء حول الخليج