أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه في 4 فبراير الماضي، أن الولايات المتحدة عادت لدورها العالمي، وعودة المؤسسات الأمريكية لاستئناف عملها وعودتها إلى القيم الأمريكية، وهي قيم العدل والمساواة ونبذ التفرقة العنصرية واحترام حقوق الإنسان، وكأن بايدن يوحي أن عهدًا جديدًا بعد نهاية عهد ترامب الذي كان رئيسًا استثنائيًا في تاريخ الولايات المتحدة الذي انتهج سياسة عنصرية وهمش عمل المؤسسات الأمريكية ودعم الدكتاتوريات السياسية فبنى علاقة مع دكتاتور كوريا الشمالية والرئيس الروسي بوتين. تميز عهد ترامب بعدم الاستقرار في المؤسسات الأمريكية فكثرت الاستقالات في البيت الأبيض، ظاهرة لم تشهدها من قبل كما تولى وزارة الخارجية بومبيو بعد استقالة الوزير تيلرسون، وتولى وزارة الدفاع ثلاثة وزراء بسبب توالي الاستقالات، واصطدم مع المؤسسات الإعلامية وتجاهل حتى تقارير الاستخبارات الأمريكية حتى تردد أنه لا يطلع على التقارير التي تقدم إليها، رئيس غريب عن المؤسسات الرسمية الأمريكية ولا يتمتع بالخبرة السياسية وإنما يمارس الصفقات التجارية وخاصة العقارية منها ويأتي بايدن على النقيض من ذلك رجل المؤسسات الأمريكية ويعيد الدبلوماسية الأمريكية لدورها، ولذلك كانت زيارته لوزارة الخارجية وتأكيد دورها الفعال التي كان ترامب همشها، وكانت صفقاته السياسية في الشرق الأوسط تتم من خلال البيت الأبيض والمقربين منه عائليًا صهره جاويد كوشنر الذي جعل مصالح إسرائيل ومصالحه الشخصية قبل مصالح الولايات المتحدة
بايدن رجل المؤسسات والشرق الأوسط
دخل بايدن معترك السياسة مبكرًا في حياته، فانتخب إلى مجلس الشيوخ عدة مرات، حيث أمضى 36 عامًا في المجلس، وتولى رئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وانتقل عام 2009م، ليتولى منصب نائب الرئيس لباراك أوباما حتى يناير 2017م، عندما انتخب ترامب للرئاسة بعد فوزه على الديمقراطية هيلاري كلنتون التي كانت تتولى وزارة الخارجية في عهد أوباما، ولذلك فالرئيس بايدن متمرس وعلى اطلاع واسع على السياسة الأمريكية والخارجية، وعلى علاقات متوازنة مع الدوائر السياسية في واشنطن، وعلى دراية بالشرق الأوسط ومشاكله. ويعمل الرئيس بايدن من خلال المؤسسات الأمريكية فلا يتوقع أن يتجاوز آراء المؤسسات والطاقم السياسي فيها سواء في الخارجية الأمريكية والدفاع والاستخبارات الأمريكية، فسيكون لها دورها الفعال في السياسة الخارجية، وفي دراسة لتحليل شخصية بايدن من قبل بعض الخبراء الأمريكيين تقول "سيكون منفتحًا يستمع للمستشارين والمسؤولين وهو زعيم تصالحي وتوافقي وليس لديه مشروع كبير لتشكيل النظام الدولي بكيفية معينة، ويستجيب للتغيرات "، ولهذا سيكون متصالحًا مع الجمهوريين ويسعى لتوحيد المجتمع الأمريكي وستكون إدارته أكثر استقرارًا وأقل ميلاً للتدخل العسكري على المستوى الدولي ويعمل على إنهاء الحروب الأهلية وتخفيف حدة الخلافات مع الصين وروسيا وإيران وهذا يظهر من الأوامر التنفيذية التي وقعها وتلغي أوامر ترامب االتنفيذية بالعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ وبقاء القوات الأمريكية في ألمانيا واتفاقية المشروع النووي الإيراني اتفاقية 5+1 وتعزيز العلاقات مع حلف الناتو وإلغاء الحظر الذي فرضه ترامب على رعايا بعض الدول الإسلامية من دخول الولايات المتحدة وتوقف العمل في الجدار الفاصل مع المكسيك وإعادة النظر في قوانين الهجرة والجمع بين الأسر وسياسة التجنيس، وأعاد الولايات المتحدة لمجلس حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وعلق على الأوامر التي وقعها بقوله " أنا لا أسن قانونًا جديدًا بل ألغي سياسات خاطئة " مؤكدًا أن إدارة ترامب انتزعت أطفالاً من حضن عائلاتهم من أي خطة للم شملهم"؟
فريق الشرق الأوسط
إن اختيار بايدن لفريقه يعكس توجهاته السياسية، فمعظم الذين عينهم لهم خبرة في المنطقة العربية ـ فمدير الاستخبارات الأمريكية (( CIA وليم بيرنز ، له خبرة طويلة في المنطقة العربية فقد أعد رسالة الدكتوراه بجامعة أكسفورد عن المساعدات الأمريكية لمصر ( Economic Aid and American Policy toward Egypt 1955-1981)، ويتحدث العربية والروسية بطلاقة عمل سفيرًا في الأردن(1998-2001م) ومساعدًا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى (2001-2005م)، ونائبًا لوزير الخارجية للشؤون السياسية ، وكان رئيس فريق التفاوض مع إيران حول المفاعل النووي (JCPOA)، وبعد ثلاثين عامًا في الخارجية تولى بعد تقاعده مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي حتى توليه إدارة الاستخبارات الأمريكية، وكارنيجي مؤسسة بحثية تعكس في الغالب توجه الحزب الديمقراطي، ولذلك نحن أمام شخصية ذات اطلاع واسع على المنطقة والنظم السياسية فيها وتأكيدة على القوة الناعمة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة.
وأثار تعيين الرئيس بايدن لروبرت مالي مبعوثًا خاصًا للتعامل مع الملف النووي الإيراني قلقاُ في بعض دوائر الكونغرس الأمريكي وحتى إسرائيل ، فهو خبير في الصراع العربي-الإسرائيلي ومحامي كان زميلاً في هارفارد لباراك أوباما وهو يعتبر من التيار اليساري في نظر بعض قادة الكونغرس، عمل في إدارة كل من كلنتون وأوباما، شارك في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000م، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، في عهد أيهود باراك وياسر عرفات، وكان روبرت مالي ضمن الفريق الأمريكي، وكان فشل الوصول لإتفاق وزيارة شارون للمسجد الاقصى سببًا في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كما عمل مالي في مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group مسؤولاً عن ملف الشرق الأوسط، والجدير بالذكر أن والد مالي يهودي ولد بمصر من أصول سورية، انتقل يغطي الأخبار الصحفية في باريس وبسبب انتقاده لفرنسا، وانتقاده لسيياستها الاستعمارية انتقل الأب إلى الولايات المتحدة حتى التقى بزوجته في نيويورك التي كانت تعمل ضمن فريق جبهة التحرير الجزائرية حتى أن مالي روبرت نفسة أول كتبه عن الجزائر، وتنعكس الاتهامات على روبرت مالي على اعتبار أن والده يساري ينتقد الاستعمار .
وأثارت مقالة كتبها مالي عام 2001م، ( Camp David: The Tragedy of Errors ) بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، حيث نفى مالي مسؤولية عرفات وحده عن الفشل الذي حدث مما أثار غضب إسرائيل واللوبي الصهيوني في واشنطن، وإن تعيين مالي كمبعوث لإيران يؤكد نية بايدن في العودة للاتفاق النووي الإيراني، فقد كان مالي ضمن فريق التفاوض، وهذا يقلق إسرائيل وتيار اليمين المتشدد في واشنطن، وبالفعل بدأت اتصالات مالي مع المسئولين الإيرانيين والأوروبيين لتهيئة العودة للاتفاق النووي الذي كان قد انسحب منه ترامب .
كما عيٌن بايدن الدبلوماسي الأمريكي تيم ليندركينج مبعوثًا خاصًا لليمن في تأكيد أمريكي لايجاد حل للأزمة اليمنية، وهي المرة الأولى منذ الحرب في اليمن 2015م، ترسل واشنطن مبعوثًا خاصًا لليمن رغم وجود السفير الأمريكي فيها، مما يعني النية الأمريكية الجادة لإنهاء النزاع في اليمن التي تعتبر مأساة إنسانية، والسعودية دائمًا تدفع إلى حل سياسي في اليمن وإنهاء الخلافات بين الأطراف اليمنية. وتعيين ليندركينغ له دلالة لأهمية المهمة فهو دبلوماسي مخضرم عمل سابقًا في المنطقة، في الرياض وبغداد والكويت والرباط ومساعدًا لنائب وزير الخارجية الأمريكية لشؤون إيران والعراق ومشرفًا عن شؤون باكستان في الخارجية الأمريكية، وفي ظل هذه المناصب المتعددة يعكس خبرته الطويلة مما يسهل وجود حل للأزمة اليمنية في جمع الأطراف اليمنية والإقليمية للوصول لحل للحرب الأهلية فهو يتحرك بمعرفة وخبرة عملية وشاملة في الشرق الأوسط وخاصة منطقة الخليج العربي.
ويأتي تعيين بريت ماكغورك مبعوثًا للشرق الأوسط ومنسقًا مع مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون المغرب العربي والمشرق العربي ذات أهمية لإكمال الفريق، فقد عمل المبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة داعش ومبعوث خاص للرئيس لحملة الولايات المتحدة ضد ما عرف بالدولة الإسلامية (داعش) ومساعدًا للرئيس بوش في شؤون أفغانستان ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون العراق وإيران وأسهم في إعداد الدستور العراقي، لذا يعتبر على اطلاع واسع عن العراق وإيران وخاصة في التنسيق ضد داعش ويؤيد التقارب مع إيران، علمًا أن الأخيرة تعاونت مع واشنطن في احتلال أفغانستان والعراق .
كما أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، هو أول وزير دفاع أسود في تاريخ الولايات المتحدة، وعمل قائدًا للقوات الأمريكية في العراق ثم قائدًا للقيادة المركزية الأمريكية للشرق الأوسط USCENCOM، فهو يعرف واقع الحال بأمن المنطقة والأخطار التي تهددها وقدراتها العسكرية، وعلى رأس هذا الفريق كله يأتي وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلنكن الذي قاد اجتماعات سرية مع إيران للوصول للاتفاق النووي وعمل نائبًا لوزير الخارجية الأمريكية ومن المقربين جدًا إلى الرئيس بايدن لأنه عمل معه أثناء عمله نائبًا للرئيس، لذا فإدارة بايدن بالنسبة للشرق الأوسط خبيرة ومطلعة على أوضاعه وذات خبرة طويلة، لا تستطيع بعض القيادات السياسية في المنطقة تضليلها حول تقاريرها عن مشكلاتها الداخلية والمعارضة فيها ، وحيث أنها كلها ذات توجه ليبرالي لا تتجه لاستعمال القوة العسكرية قد نجد نشاطًا دبلوماسيًا قويًا في المنطقة على مستوى النزاعات الداخلية وعلى رأسها مشكلة المفاعل النووي الإيراني وأزمة اليمن وسوريا وليبيا ودور الأكراد في شمال سوريا.
بايدن وتجميد صفقة القرن
كانت إدارة ترامب تعمل وفقًا لما تريده حكومة نتنياهو ، فالفريق الذي فوضه ترامب من اليمين الصهيوني كوشنر صهر الرئيس وجيسون غرينبلات والسفير الأمريكي في إسرائيل ديغيد فريدمان وهؤلاء من المتبرعين للمستوطنات ومع فريق ترامب في البيت الأبيض كانت هندست صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية وتجاوز القيادة الفلسطينية والضغوط المستمرة لفرض التطبيع مع إسرائيل، ولذلك اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وأيد ضم مناطق الضفة الغربية وأوقف دعم الولايات المتحدة للأونروا وأغلق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، كانت سياسة ترامب مخالفة لكل رؤساء الولايات المتحدة السابقين وللقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
ويظهر مما أعلنته إدارة بايدن، إعادة فتح القنصلية الأمريكية في شرق القدس وهذا يعني اعتبارها أرض محتلة، تأييدها وتبنيها لحل الدولتين، إعادة فتح مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن ودعم ألأونروا (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة) واستئناف الدعم المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية. ولا شك أن هذا تحول عن سياسة ترامب المؤيدة بشكل مطلق لسياسة نتنياهو باعتراف ترامب بضم إسرائيل للجولان السوري المحتل.
إن إدارة بايدن ستبقي السفارة الأمريكية في القدس لأن مجلس الشيوخ صوت على بقاء السفارة حيث أيد البقاء 97 عضوًا مؤيدًا مقابل ثلاثة أعضاء، ولكن مسألة حل الدولتين تبقى مرتبطة بالواقع على الأرض، هل هي دولة على الضفة الغربية وغزة وفقًا لحدود ما قبل الخامس من يونيو/ حزيران، فهناك 375 ألف مستوطن في القدس الشرقية و427 ألف مستوطن في الضفة الغربية وانتشار المستوطنات يعني أن الضفة الغربية أصبحت كانتونات متقطعة تعقد التواصل بينها، وكانت إدارة ترامب اعتبرت المستوطنات قانونية، ورغم أن إدارة بايدن مع حل الدولتين، فهل يعني التأكيد على العودة عن سياسة ترامب بالنسبة للمستوطنات، وعدم الاعتراف بها والضغط لإيقاف الاستيطان، ولا شك أن المستوطنات والمستوطنين عقبة كبرى أمام إقامة دولة فلسطينية، ورغم اتفاق أوسلو الذي تم 1993م، فلم تنفذ إسرائيل الاتفاق وإسرائيل عمليًا تسيطر على كل الأراضي الفلسطينية، وفي ظل الضعف العربي والتطبيع قد لا تجد إدارة بايدن الصدام مع اللوبي المؤيد لإسرائيل لفرض منع الاستيطان وتوقف ضم الأراضي، والواقع أن التأييد الدولي لحل الدولتين سواء في أوروبا أو غيرها من الدول الكبرى هو تأييدًا لفظيًا دون إيجاد خطط لذلك الدعم، بل الدعم اللفظي نتائجه سلبية في تشجيع إسرائيل في استمرار الضم، ولقد أكد وزير الخارجية الأمريكية الأسبق جون كيري في عهد أوباما أثناء محاولته التوسط في النزاع عام 2014م، بقوله " معنا سنة واحدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفي حال عدم التوصل إلى حل سيغلق باب الدولتين "، وهذا القول مضى عليه ستة أعوام، وطاقم ترامب بالشرق الأوسط هو فريق كيري وأوباما آنذاك.
السلاح الفلسطيني: القنبلة السكانية والانتفاضة
إن السلاح الفعال في يد الفلسطينيين، هو وحدتهم، فالانقسام الفلسطيني هو الخطر الحقيقي عليهم كما أن عدد السكان الفلسطينيين في كامل فلسطين يتفوق على اليهود، فهناك 7.4 مليون نسمة عرب مقابل 6.8 مليون نسمة يهود، هذا التفوق له دلالة مهمة بفشل سياسة الدولة اليهودية وفشل التهجير ، الفلسطينيون متمسكون على أرضهم وهذا سلاح قوي في ظل تراجع الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتزايد الهجرة اليهودية للخارج لأنه رغم قرن من الصراع لم يتم تحقيق الاستقرار في فلسطين، ويعني فشل المشروع الصهيوني في المستقبل مع تزايد العرب في الداخل مقابل تراجع مواليد اليهود إذا استثنيا الطائفة الحريدية، كما أن انتفاضة ثالثة تبقى ضرورة استراتيجية في ظل الغطرسة اليهودية وتراجع الدعم الدولي.
ولكن ما هي خيارات السلطة الفلسطينية في ظل إدارة بايدن، إن مشكلة السلطة الفلسطينية أنها إتحذت من اتفاقية أوسلو استراتيجية بينما اعتبرتها إسرائيل تكتيكًا سياسيًا لتكون السلطة مسؤولة عن حماية إسرائيل، ورغم كل ممارسات إسرائيل فإنها متمسكة بالتنسيق الأمني وحتى في ظل توقف الاتصالات مع حكومة نتنياهو وإدارة ترامب كان التنسيق الأمني مستمرًا، ولأول مرة في تاريخ حركات التحرر الوطني من فيتنام والجزائر ينسق المتحل مع القوة الاستعمارية التي تحتله، وينسق معها أمنيًا لحماية المستعمر الذي يمارس القتل والتدمير والاحتلال.
ولذلك تحتاج السلطة الفلسطينية لتوحيد الصف الفلسطيني لأنه لا يمكن مواجهة القوة المحتلة بالانقسام الداخلي الذي تستغله إسرائيل، وكيف تستطيع القوى الدولة مساعدة السلطة الفلسطينية في ظل الانقسام وقد تبشر المفاوضات بين حماس والسلطة بوحدة فلسطينية بعد إعلان الانتخابات للمجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية، ويمكن فتح مجال المفاوضات مع إدارة بايدن الذي معظم طاقمها للشرق الأوسط على اطلاع على الملف الفلسطيني وكانوا ضمن الفريق المفاوض. وقد نبه روبرت مالي المسؤول الحالي عن الملف إيران القيادة الفلسطينية في مقابلة معه في 28 نوفمبر 2012م، بقوله "إنني لا أعرف حالة واحدة من حركة التحرر الوطني نجحت وحققت مطال شعبها وهي منقسمة على بعضها"، والملاحظ أن مالي يصف المقاومة الفلسطينية حركة تحرر وطني كما أنه التقى قادة حماس عام 2008م، وعندما وجه له الانتقاد استقال من فريق أوباما وبرر اللقاء أنه من خلال عمله في مجموعىة الأزمات الدولية التي تحاول أن تجد حلولاً للمشاكل الدولية، فكيف تجد حلاً بدون معرفة مطالب أطراف النزاع.
وتطرح الرئاسة الفلسطينية عقد مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية، والمؤتمر الدولي يحتاج وحدة فلسطينية وتنسيق مع الجانب العربي في محاولة لموقف موحد ووقف هرولة التطبيع أو على الأقل تسخيره للمصلحة الفلسطينية بشكل فعال.
ولكن على أرض الواقع في ظل عدد المستوطنين والمستعمرات المنشرة في الضفة الغربية على ماذا تقام الدولة الفلسطينية على 30% من الضفة الغربية أم العودة لحدود الرابع من حزيران/ يونيو ، إن المقاومة الشعبية الفلسطينية بمشاركة جميع التنظيمات يمكن أن تفرض المطالب الفلسطينية ـ فالسياسة الأمريكية إدارة أزمات، فإذا استمر الأمر الواقع الذي ترغب فيه إسرائيل ستبقى الإدارة الأمريكية تراوغ، ولكن إذا تحرك الشعب الفلسطيني وخلق حالة من عدم الاستقرار تهدد إسرائيل وتحرك شعوب الإقليم، يمكن أن تتحرك الإدارة الأمريكية للضغط على إسرائيل ـ خاصة أن هناك تحركًا وتعاطفًا مع الفلسطينيين داخل الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية ولأول مرة في تاريخ الرئاسة الأمريكية تضم إدارة ترامب عشرة من الأمريكيين ذوي الأصول العربية والإسلامية وحتى هناك تعاطفًا على مستوى المنظمات الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
ولكن هناك أصواتًا تطرح دولة واحدة تكون فيها الحقوق متساوية للعرب واليهود والتخلي عن العنصرية الصهيونية، وهذا لا توافق عليه إسرائيل التي اعتبرت أسرائيل دولة يهودية وتطلب من القيادة الفلسطينية الاعتراف بها دولة يهودية. والخيار الذي قد يطرح دولة فلسطينية بكنفيدرالية مع الأردن، وهو ما تريده إسرائيل والقيادات الإسرائيلية دائمًا تردد الخيار الأردني وهو ما يرفضه الأردن، حتى أن صفقة القرن كانت ضمنيًا تتبنى ذلك، ولذا يبقى خيار الدولتين مطروحًا ولكن ليست دولة قابلة للبقاء في ظل احتلال إسرائيل وانتشار المستوطنات والمستوطنين؟
الخليج العربي: أهمية استراتيجية للولايات المتحدة
يبقى الخليج العربي ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة ولكن المتغيرات الدولية تجعل الأولويات تختلف في الأهمية فلم يعد البترول ذات أهمية استراتيجية للولايات المتحدة ولكن أمن إسرائيل هو الهدف الأول وهذا ما أكده بايدن مرارًا رغم انتقاده لإسرائيل، وثانيًا الاستقرار الإقليمي والمحافظة على العلاقات التاريخية بين السعودية والولايات المتحدة وهذا ما أعلنته إدارة بايدن أن الولايات المتحدة معنية بأمن المملكة وعلاقاتها التاريخية، وما أعلنت عن توقف صفقات السلاح تبقى تجميد لفترة لأن الشركات الأمريكية بحاجة لصفقات السلاح في ظل الأزمة الاقتصادية بسبب كورونا-19.
إن دول الخليج ترى في إيران تهديدًا لأمنها وتتدخل في شؤونها الداخلية، وإدارة بايدن تسعى للعودة للاتفاق النووي الإيراني، وقد يمتد التفاوض حول الصواريخ البالستية الإيرانية وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ولكن إدارة بايدن لا ترى في إيران تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي ولكنها ترى فيها تهديدًا إقليمًيا، وكانت في عهد الشاه تنفذ مبدأ نيكسون Proxy Force وشرطي الخليج وحتى في عهد الثورة ورغم الخلافات بينهما تعاونت مع إدارة بوش الابن في أفغانستان والعراق، ولأن التوجه الأمريكي منذ عقدين إلى شرق آسيا حيث المنافسة الحقيقة للولايات المتحدة من الصين، تحشد الإدارة الأمريكية تحالفًا في شرق آسيا وأوروبا لمواجهة الخطر الصيني وخاصة في مجال التجارة الخارجية والتفوق الاستراتيجي، ولذلك في حالة عودة إدارة بايدن لاتفاقية المفاعل النووي، أن تعمل على تشجيع التعاون الإقليمي في منطقة الخليج العربي كما دعت إدارة أوباما التي طاقمها هم الآن في إدارة بايدن، تفاهم وتعاون بين دول الخليج وإيران، وخاصة بين السعودية وإيران، لأنهما عماد أمن الخليج ورئيسيه في أي توازن إقليمي وهذا التفاهم من مصلحة الجميع .
وتبقى مشكلة اليمن أولوية بسبب المأساة الإنسانية، ووحدة اليمن، لأن عدم استقرار اليمن يهدد منطقة الخليج والبحر الأحمر ويمتد للقرن الإفريقي، والسعودية حريصة على وحدة اليمن والاستقرار فيه، وعملت وزارة الخارجية الأمريكية بالطلب من الكونغرس رفع جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب التي وضعتها إدارة ترامب في آخر أسبوع من عهدها، علمًا بأن الحوثي يغزل الإدارات الأمريكية رغم شعارات الموت لأمريكا وهي تعرف ذلك، وهي محاولة من إدارة بايدن لجمع جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات لحل سياسي وتفعيل دور مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وحل الأزمة اليمنية مطلب دولي وتحرك الاتحاد الأوروبي لدعم الموقف الأمريكي لإنهاء الأزمة ومحاولة جمع الأطراف الإقليمية المؤثرة للمشاركة في الحل السياسي، ومن هذا المنطلق زيارة المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة مارتن غريفتس لإيران، لأن تفكك اليمن أو تقسيمه يعني الدخول في نفق مظلم وصراع يهدد المنطقة ويؤثر على التجارة الدولية في منطقة ممرات مائية استراتيجية، وهذا ما لا ترغب به السعودية وتسعى لدولة يمنية موحدة