array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 159

الاتفاقية الأمريكية ـ التونسية تؤكد أهمية المتوسط ومراقبة التمدد الخارجي

الأحد، 28 شباط/فبراير 2021

تزامن الاحتفال بالذكرى العاشرة للثورة التونسية هذه السنة مع احتفال الشعب الأمريكي بمجيئ رئيس جديد للسلطة وحكومة جديدة؛ ومغادرة رئيس أمريكا السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض غير راض على نتائج انتخابات اعتبرها مزورة تلاحقه تهم ومحاكمة فريدة من نوعها في تاريخ الديمقراطية الأمريكية العريقة على إثر تحريض أنصاره على التمرد ومهاجمة الكونغرس الأمريكي؛ هجومًا أسفر عن ضحايا وتغيير كامل لسير عملية تنصيب الرئيس الجديد تحت حراسة أمنية وعسكرية مشددة تحولت فيها العاصمة واشنطن إلى ثكنة كبيرة.

تسلم الرئيس جو بايدن السلطة مع إدارته الجديدة وتنفس جل الأمريكيين ومعهم العالم الصعداء، حيث وعد الرئيس الجديد بتغيير مسار سياسة سلفه ترامب التي تميزت بالغطرسة و التعالي والدهس على القوانين والاتفاقيات الدولية واحتدام الصراعات والتوترات وإشعال فتيل النزاعات هنا وهناك، وعد الرئيس الجديد الأمريكيين والعالم بالتهدئة وإعادة التوازن للسياسة الأمريكية المنفلتة، وشرع منذ يومه الأول في تنفيذ وعوده ؛ وحبس العالم أنفاسه مترقبًا إلى أي مدى سيمضي الرئيس الجديد في أخلقة وأنسنة السياسة الأمريكية ؛ ونزع فتيل التوترات والصراعات والحروب.

 أما في تونس فقد جاءت الذكرى العاشرة للثورة محملة بالغضب من فشل مسار سياسي رمى بظلاله على الاقتصاد والتنمية؛ وترد في أزمة خانقة اججتها الصراعات السياسية، برلمان معطل ينادي بعض نوابه بعزل رئيسه؛ رئيس برلمان يشكك في صلاحيات رئيس الجمهورية، رئيس حكومة عاجز عن العمل يترقب دعوة رئيس الجمهورية لنصف حكومته التي تم تعديلها حديثا والتي حصل وزراؤها الجدد على ثقة واسعة من البرلمان لأداء اليمين أمامه لمباشرة مهامهم؛ رئيس جمهورية رافض دعوة بعض الوزراء الجدد الذين تحوم حولهم شبهات فساد لأداء القسم ؛منظمات وطنية وأحزاب ضاقت ذرعًا من التردي السياسي والقيادي وتدفع نحو التهدئة حينًا ونحو التصعيد أحيانًا ؛شارع منتفض، و شباب لم تعد له ثقة في الوعود التي يقدمها الساسة ولا أمل لديهم في تحقيق مطالب الثورة من شغل وحرية وكرامة وطنية، التهبت شوارع المدن بصدامات بين شباب غاضب غام أمامه المستقبل ولم تعد الوعود المسكنة قادرة على تهدئة مسيرات حاشدة تقودها أحزاب وجمعيات سئمت وملت انتظار إصلاحات لن تأتي، وزاد تفشي جائحة كورونا في المجتمع الطين بلة؛ أمام تزايد أعداد الإصابات والموتى من أسبوع إلى آخر وتأخر وصول اللقاحات خلافًا لدول الجوار، ومن حين لآخر يتحرك الإرهاب ليضرب بعنف مذكرًا الجميع بهشاشة الوضع الأمني في غياب الوحدة الوطنية والتجاذبات والصراعات السياسية وغياب الرؤية  وتردي الظروف الاجتماعية.

كيف ستكون توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن لتونس في ظل هذا الصراع الدائر في دوائر الحكم في البلاد، وما موقف القوي الإقليمية من هذا الصراع؟  وهل ستشهد دول شمال إفريقيا توجهات أمريكية جديدة؟

 

توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة نحو تونس: -علاقات تاريخية متينة

 

إن العلاقات التونسية / الأمريكية؛ عريقة وتعود إلى نهاية القرن السابع عشر منذ أن كانت الولايات المتحدة تدعم استقلال تونس و تحررها شيئًا فشيئًا من السلطة العثمانية؛ وطورت تلك العلاقات بعد استقلال البلاد في ٢٠ مارس ١٩٥٦م.

لقد اهتمت الولايات المتحدة بربط علاقات مع تونس تحت الوصاية العثمانية منذ ١٧٧٨م، وتواصلت العلاقات منذ تلك الفترة وحتى تحت الاستعمار الفرنسي مع تقطعات ظرفية من حقبة إلى أخرى، في سنة ١٩٥٦م، اعترفت الولايات المتحدة باستقلال تونس؛ وحاولت تونس منذ الاستقلال التعويل على الولايات المتحدة لإحداث توازن أمام الضغوط الفرنسية؛ ومستعينة بها لممارسة الضغط على فرنسا لتفهم حاجة بلدان شمال إفريقيا للتحرر وطلبًا للمساعدات الأمريكية لتعويض نقص الموارد الحاصل بحكم قطع فرنسا لمساعدتها الاقتصادية على البلاد.

تاريخيًا دعمت الولايات المتحدة تونس للمطالبة باستقلالها، ومنذ ١٩٦٣م، تم تقديم تقرير للرئيس كندي ضبط اهداف الدبلوماسية الأمريكية المتمثلة في المحافظة على تونس مستقلة ومعتدلة، وأكثر ديمقراطية وموالية للغرب، مع تطوير علاقات الصداقة بين تونس وجيرانها بشمال إفريقيا، وترميم العلاقات المميزة بينها وبين فرنسا وإنشاء علاقات اقتصادية قوية بين بلدان المغرب العربي وبينها وبين بلدان أوروبا الغربية ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.

منذ ١٩٦٥م، عبرت تونس للإدارة الأمريكية عن رغبتها في دعم المؤسسة العسكرية الفتية لمواجهة التهديدات الناشئة بالمنطقة وحصلت على مساعدة بمائة مليون دولار؛ ودعم إضافي لتكوين وتوفير المعدات العسكرية؛ كما تم تقديم برنامج إضافي يمكن تونس من تطوير قدراتها الدفاعية وصمودها في وجه أي اعتداء خارجي.

 وقد شهدت العلاقات بين البلدين توترات ظرفية، مؤقتة بعد الهجوم الإسرائيلي على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس عام١٩٨٥م، على إثر اغتيال القيادي الفلسطيني خليل الوزير عام ١٩٨٨م، وأثناء حرب الخليج ١٩٩٠م، ولكن كانت العلاقات تعود بسرعة تعبيرًا عن الروابط الثنائية المتينة.

وعمومًا، وتبعًا للاتفاقات الموقعة منذ ١٩٦٨م، قدمت الولايات المتحدة لتونس مساعدات اقتصادية وفنية لدعم برنامج تونسي طموح للتنمية والحد من معدلات البطالة، فوضعت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية استثمارات بقيمة ١،٤ مليون دولار لتطوير قطاعات البنية الأساسية والمياه والنقل، وأصبحت تونس في ١٩٦١م، أول بلد عربي يدعم مهام حفظ السلام بوحدات عسكرية.

كما دعمت الولايات المتحدة تونس عبر معاهدة ثنائية للاستثمار١٩٩٠م، واتفاقية إطارية حول التجارة والاستثمار عام ٢٠٠٢م، وبذلك تتمكن الشركات الأمريكية من الاستثمار والتصدير إلى تونس مع ضمان تمتعها بالتمويلات من الوكالات الحكومية الأمريكية   

وقد دعمت تونس في المقابل برنامج التعاون الأمريكي الإفريقي لشمال لإفريقيا الذي يهدف إلى تشجيع الاستثمارات الأمريكية في دول المغرب العربي والاندماج الاقتصادي للمنطقة، اذ قدم ذلك البرنامج مساعدة لتونس بأربعة ملايين دولار (٢٠٠١-٢٠٠٣م)

وتتويجًا للعلاقات المتميزة بين البلدين، وقف في الأيام الأولي للثورة ٢٥يناير٢٠١١م، أعضاء الكونغرس الأمريكي وسط التصفيق الحار تحية للثورة التونسية.

 ثم رفع الرئيس باراك أوباما رسميًا مكانة تونس في ١٠ يوليو ٢٠١٥م، لتكون حليفًا رئيسيًا غير عضو في الحلف الأطلسي اعترافًا بالتقدم الديمقراطي الذي حققته منذ ٢٠١١م، ليتمكن الجيش التونسي بذلك من وضع برنامج تعاون متطور مع الجيش الأمريكي والتمتع بامتيازات مادية ومالية. وذلك مع تعاون متين في مجالات الثقافة والعلوم والتكنولوجيا.

وعدت الولايات المتحدة وأوروبا وبقية البلدان الأعضاء في مجموعة الثمانية ((G8 بدعم لتونس ومصر في حدود٢٠ مليار دولار للقيام بالإصلاحات في مجال الحوكمة والتنمية الاقتصادية وخلق مواطن الشغل. وعلى المستوى الثنائي ضاعفت الولايات المتحدة ميزانية المساعدة لتونس بخمس عشر مرة لتبلغ ٣٠مليون دولار؛ كما تم إحياء الاتفاقية الإطارية للتجارة والاستثمار(TIFA)الممضاة منذ. ٢٠٠٢م، وذلك لأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تري البلدين في حالة من الفشل والإفلاس.

مع هذه العلاقات المتميزة والمصالح المتبادلة هل يمكن أن تتغير المواقف الداعمة للتجربة الديمقراطية الناشئة في تونس من طرف الإدارة الأمريكية الجديدة بسبب الاضطراب الحاصل لهذه المسيرة وتنازع السلط في نظام هش لم يقو بعد على استرجاع أنفاسه بعد ثورة امتدت إلى عديد من الأقطار العربية؟

  • توجهات السياسة الأمريكية المرتقبة نحو تونس

 هناك مؤشرات هامة تدل على أن التوجهات السياسية للإدارة الأمريكية الجديدة لن تشهد أي تغيير تجاه تونس بل ستكون امتداد للسياسات السابقة وأهم دليل على ذلك إنه في وقت تشهد فيه منطقة شمال إفريقيا توترات وحروب، قام وزير الدفاع الأمريكي بزيارة إلى تونس وتم توقيع اتفاقية عسكرية تشمل عدة مجالات تمتد على عشرة أعوام؛ وفهمت الزيارة على إنها "مقدمة لخطوات أمريكية على الأرض للتفاعل أكثر والتعاطي مع التحديات...التي تهدد أمن ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية" في المنطق.

لان ما يحدث في ليبيا المجاورة لم يعد حربا بين الليبيين بل مسرحًا للتدخلات الأجنبية وتحشيد لقوات عسكرية وميليشيات روسية وتركية وغيرها. علمًا أن روسيا بتصرفها ذلك تكون قد خرقت اتفاقيات يالطا (١٩٤٥م) واتفاقية مالطا (١٩٨٩م) والتي تتمثل في تفاهمات بين روسيا والغرب بقيادة الولايات المتحدة تنص على عدم التواجد الروسي في شمال إفريقيا.

لذلك يبدو أن الاتفاقية العسكرية الموقعة مع تونس لا تتعلق فقط بما يحدث في ليبيا بل تأتي للتأكيد على أهمية البحر الأبيض المتوسط ومراقبة التمدد الروسي والصيني في إفريقيا.

إن لموقع تونس أهمية استراتيجية، ولا شك أن للاتفاقية أهمية بالغة وستكون لها انعكاسات على المستوي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني خاصة في ظل الصراعات السياسية التي تشهدها البلاد والأزمة الاقتصادية الخانقة.  ويبدو أن الإدارة الأمريكية ستغض الطرف عن صراعات القوى السياسية في البلاد وتركز اهتمامها على أهدافهما ومصالحها السياسية والعسكرية والأمنية ومراقبة الصراعات السياسية دون تدخلات وضغط لفرض التوافق والاستقرار.

ومن المرجح أن تكون تلك الاتفاقية بداية الانحسار لدور دول ساعية إلى تأجيج الصراع في تونس في محاولات لضرب قوى الثورة والإجهاز على الديمقراطية الناشئة، ومراقبة دور بعض القوى في ليبيا التي تمد قوات حفتر بالسلاح وتسعى للدفع الى تواصل الصراع.

. كما يبدو من تصريحات وزير الدفاع الأمريكي أثناء زيارته لتونس مدى الاهتمام بالملف العسكري والأمني حيث تم الإعلان عن النية في مواجهة خطر الإرهاب وتامين الحدود المهددة من جراء تطور الحرب في ليبيا. علمًا أنه منذ ٢٠١١م، قدمت الولايات المتحدة. دعمًا للجيش التونسي فاق المليار دولار وفق بيان أصدرته "افريكوم" في ٢٠١٥م، كما تم تدعيم سلاح الجو والبحرية التونسية بمعدات وأسلحة هامة.

 لذلك، ونظرًا للعلاقات المتميزة التي تربط البلدين والاتفاقيات المتعددة وحفاظًا على مصالحها الاستراتيجية من المرجح أن لا يطرأ أي تغيير على توجهات السياسة الأمريكية نحو تونس مع الإدارة الأمريكية الجديدة حفاظا على مصالح البلدين. علمًا أنه تم إنشاء خطة المنسق الخاص للانتقال الديمقراطي بالخارجية الأمريكية وتم تكليف السفير "وليام تايلور" بتنفيذ سياسة أمريكية جديدة داعمة لكل من مصر وتونس وليبيا.

موقف القوى الإقليمية من الصراع الدائر في تونس

أمام  احتدام الصراع الدائر على السلطة في البلاد اختارت القوى الإقليمية مراقبة الوضع عن كثب دون تدخل مباشر وستظل مواقفها رهينة الحفاظ على مصالحها ،فتسعى الولايات المتحدة وكل من فرنسا وألمانيا مع بقية مجموعة (٨+ ٨)  مواصلة دعمها الاقتصادي والأمني والعسكري بينما تحاول تركيا دعم السلطة القائمة نظرًا للعلاقات العريقة وللمصالح المشتركة، كما قدمت قطر خططًا لمشاريع استثمارية مهمة وسعت إلى زيادة حجم التجارة مع إبرام اتفاقية للتجارة الحرة والشراكة في المبادرات الدولية .وقد تودي الجهود المبذولة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين قطر وتونس إلى تحفيز المنافسة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، "وغالبًا ما يتم توجيه الدعم  الدبلوماسي والمالي الخارجي لأحزاب سياسية وأطراف فاعلة معينة ممن يشاركونها مصالح استراتيجية، وهناك معارك دعائية شرسة حول السياسة التونسية في وسائل الإعلام وعبر وسائل التواصل الاجتماعي دعمًا للسياسيين والأحزاب التونسية المفضلة لكل منها، ونظرًا لتأثير حركة النهضة المتواصل على السياسة التونسية بالإضافة إلى تنامي الاستثمار القطري، قد يبدو أن تونس أكثر انسجامًا مع نفوذ الفلك القطري – التركي كمناهض للمدار الإماراتي- السعودي ولكن هناك العديد من الجهات السياسية المحلية الفاعلة التي تتصدى بقوة لهذا التوجه ومن المرجح أن يمثل ذلك انفراجًا للإمارات لزرع معارضة لحركة النهضة في السياسة الداخلية وقد يتطور ذلك لتكوين معقل ضد النفوذ التركي في شمال إفريقيا.

وقد أثارت الاتفاقية العسكرية مع الإدارة الأمريكية عدة ردود أفعال ترجمت في مواقف قوى الثورة ومواقف الأتراك وجيران تونس الجزائر وليبيا. يري البعض من الأحزاب بأن الاتفاقية تحد من النفوذ الفرنسي في تونس وأن ذلك يخدم المصلحة الوطنية؛ خاصة وأن فرنسا لم تكن متحمسة للانتقال الديمقراطي الذي ترى فيه تهديدًا لمصالحها الاستراتيجية عكس الولايات المتحدة التي أبدت موقفًا إيجابيًا من الثورة.  بينما يرى آخرون بأن الاتفاقية ستكون داعمة للدور التركي في ليبيا ومن يرى أن تعزيز موقع الأمريكيين في تونس هدفه مواجهة التمدد الروسي في ليبيا، أما تركيا فلم تعبر عن موقفها من الاتفاقية في ظل تعزير العلاقات بين البلدين كما لم يصدر عن حكومة الوفاق الليبية أي ردود أفعال حول الزيارة أو الاتفاقية واعتبر بعض الباحثين ان الخطوة الأمريكية جاءت متأخرة في محاولة للحاق بما يجري من متغيرات في المنطقة. "أما الجزائر فكان موقفها رافض منذ اعلان منح تونس صفة الحليف غير العضو في الناتو خشية تمدد ذلك الحلف قرب حدودها وتهديد أمنها"

 هل من توجهات أمريكية جديدة نحو دول شمال إفريقيا؟

تعتبر السياسة الأمريكية أن بلدان المغرب العربي مناطق نفوذ لأوروبا وخاصة لفرنسا، ويمكن حوصلة  ثلاث فترات أولت فيها الإدارة الأمريكية اهتمامًا خاصًا بتلك البلدان، كانت الأولى أثناء الحرب العالمية الثانية، فترة طرد الاستعمار، في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم  والثانية أثناء حرب الصحراء الغربية إلى حدود ١٩٩٠م، وقد ازداد الاهتمام بالمنطقة على أثر الحرب الباردة أمام موجة العولمة بسبب انتماء بعض أعضاء شبكة القاعدة "الأفغان العرب "إلى تلك المنطقة، ومن بين أهداف الولايات المتحدة في المغرب العربي أساسًا الدفع نحو تنمية اقتصادية مستدامة، وأهم دليل على ذلك وضع برنامج "ايزنستاط" الحلف الاقتصادي بين الولايات المتحدة وإفريقيا الشمالية الذي انطلق في ١٩٩٩م، والذي أخذ فيما بعد تسمية البرنامج الاقتصادي الأمريكي لشمال إفريقيا. والذي كان يهدف إلى توطيد العلاقات بين الولايات المتحدة وبلدان إفريقيا الشمالية الثلاثة في مجال التجارة والاستثمار. كانت تلك محاولة في سعي لإحياء اتحاد المغرب العربي مع استثناء ليبيا وموريتانيا. والدفع نحو فتح الحدود بين الجزائر والمغرب المغلقة منذ١٩٩٤م، ذلك لأن لليبيا مع أمريكا تاريخ مضطرب برغم أهميتها الاستراتيجية.

وفي السنوات الأخيرة تزايد اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة نتيجة لصعود الإسلام السياسي عبر صناديق الاقتراع. كما تزايد القلق والتخوفات من الاضطرابات الناتجة عن ثورات الربيع العربي، واحتدام الصراع في ليبيا وتدخل قوات أجنبية روسية وتركية ومليشيات متنوعة، وبينما تعتبر الإدارة الأمريكية المغرب ركيزة هامة للتواجد الأمريكي في المنطقة، خاصة بالنسبة للأسطول السادس ولمسار السلام في الشرق الأوسط ، فقد طورت علاقاتها مع الجزائر إثر زيارة الرئيس بوتفليقة لواشنطن (٢٠٠١م) أمام تأثير الجزائر المتزايد صلب منظمة الوحدة الإفريقية والأهمية المتزايدة التي يكتسبها محور الجزائر-نيجيريا- جنوب إفريقيا، أقنع  ذلك الإدارة الأمريكية بضرورة التعامل مع الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب الدولي برغم تأكدها بأن مشكلة الصحراء الغربية لن تحل بدعم من الجزائر.

وأمام التحولات الجارية في المنطقة ظل هدف أمريكا هو تطوير تعاون عسكري واقتصادي مرتبط بالأمن والدفع نحو الإصلاحات السياسية لإنجاح الحلف الاقتصادي. بإعطاء أدوار أكبر للقطاع الخاص ورفع الحواجز التي تعطل التجارة والاستثمار. زيادة على وعي الإدارة الأمريكية بأهمية النفط والغاز بكل من الجزائر وليبيا. ففي هذا الإطار تسعى إلى وضع سياسة جهوية يأخذ فيها صراع الصحراء بعدًا جديدًا. إذ تواصل الولايات المتحدة مع فرنسا مساندة المغرب.

أثناء جولته الأخيرة في بلدان المنطقة أكد وزير الدفاع الأمريكي في الجزائر على أن الهدف من الزيارة هو دعم التعاون دون إعطاء توضيحات، وإن رحبت الجزائر بالاهتمام الأمريكي فإنها لم تنس الفيتو الذي رفعته ضد ترشيح رمضان العمامرة (الجزائري) كمبعوث خاص للأمم المتحدة في ليبيا، وكانت مكافحة الإرهاب والتعاون العسكري في قلب المحادثات في البلدان الثلاثة.

في ١٠ديسمبر٢٠٢٠م، أعلن الرئيس الأمريكي أن المغرب التزم بتطبيع علاقته مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. مسألة قد تزيد من تعقيد العلاقات بين الجزائر والمغرب وربما تضرب مشروع التعاون الأمريكي المذكور. نددت كل من الدولة الصحراوية والبوليزاريو وروسيا بهذا القرار باعتباره خارج الأمم المتحدة. كما نددت الجزائر بما أسمته المناورات الخارجية الرامية إلى إرباك الجزائر، بينما اعتبرت تونس أن مسالة التطبيع التي ذهبت اليها بعض البلدان العربية هي شأن داخلي. كما عبرت الأمم المتحدة على أن موقفها ثابت ولم يتغير من المسالة. 

 نظرًا لذلك، يبدو أن توجه الحكومة الأمريكية الجديدة في هذه المرحلة سوف لن يتغير تجاه بلدان المنطقة وتبقى المصالح الاقتصادية المشتركة والتعاون ومكافحة الإرهاب أهم المحار التي تحدد ذلك الموقف.

 ومن الملاحظ أن الرئيس السابق دونالد ترامب لم يكن يعير اهتمامًا للقارة الإفريقية ولم يقم بزيارة اي بلد منها خلال مدة رئاسته ولم يستقبل إلا عددًا قليلاً من رؤسائها ولم يقدم ولو خطابا حول توجهات وتموقع بلاده في القارة الإفريقية ؛ كما شهد مشروع ميزانية٢٠٢١م، تخفيضًا هامًا للمساهمة الأمريكية في مهام حفظ السلام  بقرابة ٤٥٠مليون دولار، ومع ذلك يتواجد اليوم بين ٦و٧آلاف جندي على الأراضي الإفريقية، وذلك يعني حسب "البنتاغون" رغبة في توطيد العلاقات مع  الحلفاء في المنطقة، ومن الملاحظ أيضًا أن هناك إعادة توجيه للسياسة الأمريكية في القارة ولا يعني ذلك صرف نظر أو تخل عنها بقدر ما يعني توطيد للعلاقات مع شركاء موثوقين مع مواصلة اليقظة أمام تزايد  الحضور والتمدد الصيني والروسي ،و توجيه الاهتمام أكثر فأكثر نحو آسيا. برغم أن الدبلوماسية الأمريكية تبقى ناشطة في المنطقة حيث اقترحت الوساطة في الخلافات حول سد النهضة بين مصر وإثيوبيا. وبمجيء الرئيس جو بايدن للسلطة، انكب فريقه على إعداد سياسة جديدة متوازنة نحو القارة. وذلك ما يرجح تواصل نفس النهج والتوجه في السياسة الأمريكية تجاه بلدان شمال إفريقيا وربما الدفع بها للتحسن ضمانًا لمصالح كل الأطراف ودعمًا للسلم الدولي.

 ختامًا  لقد هيكلت الولايات المتحدة تاريخيًا، علاقاتها مع تونس وبلدان إفريقيا الشمالية عمومًا حول مصالح اقتصادية وأهداف جو سياسية بالأساس ولم تتغير تلك السياسة على امتداد العشرية الماضية، وأن متلازمة الخوف من مزيد اضطراب المنطقة وتدهور الاستقرار وتهديد الأمن الدولي بتدخل قوى إقليمية وما يشكل ذلك من تهديدات وتحديات لمنابع الطاقة وللملاحة في المتوسط ،مع التمدد الروسي الصيني في القارة ، يجعل الإدارة الأمريكية تحرص كل الحرص على الحفاظ على توجهاتها السياسية مع تونس وبقية بلدان المنطقة المغاربية عما هي عليه وربما سيدفع الوضع الجيوسياسي إلى مزيد دعمها في ظل انفراج الأزمة الليبية، وقد اقتنعت الإدارة الأمريكية بإمكانية التعايش والتفاهم مع حكومة تونسية يسيطر عليها الإسلاميون طالما يحترمون المصالح الاستراتيجية الأمريكية ولا يسعون لتحدي هيمنتها. قال الرئيس بايدن "عادت أمريكا ،عادت أمريكا، وعادت الدبلوماسية إلى صميم سياستنا الخارجية ،..... سنصلح تحالفاتنا وننخرط في العالم لمواجهة تحديات اليوم والغد"،  وقد أتيحت أمريكا اليوم الأسباب والفرص لكي ترسم طريقًا حقيقيًا نحو تحرر الشعوب و تنميتها وتجنب ما كان يعاب عليها كقوة عظمى من غطرسة و معاملة الشعوب كما لو كانت" لا شعوب"، اذ أكد الرئيس بايدن في كلمته حول مكانة وموقف أمريكا في العالم قائلا "يجب أن نبدأ بالدبلوماسية المتجذرة في قيم أمريكا الديمقراطية التي نعتز بها، والمتمثلة في الدفاع عن الحرية ودعم الفرص والتمسك بالحقوق العالمية واحترام سيادة القانون …إن التحالفات الأمريكية هي أعظم ما نملكه والقيادة بالدبلوماسية تعني الوقوف جنبًا إلى جنب مع حلفائنا وشركائنا…."  

مقالات لنفس الكاتب