array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 159

لم تتضح رؤية بايدن للتحرك نحو عرقلة الجسور المتزايدة بين الصين وأمريكا اللاتينية

الأحد، 28 شباط/فبراير 2021

منذ أسابيع قليلة، ارتعد العالم وهو يشاهد في ذهول ما بدا أنه مستحيل؛ حيث تعرض الكونجرس الأمريكي (مبنى الكابيتول) للغزو والهجوم من قبل المئات من المواطنين الغاضبين، فيما بدت قوات الشرطة الضعيفة وكأنها تفتح الطريق للمتمردين لكي يدخلوا قاعة البرلمان الرئيسية. ومن الواضح أن العديد من المحتجين قد تصرفوا بنية اغتيال البرلمانيين الذين كانوا بدورهم يحاولون التصديق على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالداخل.

 

إن تلك الصور غير المتوقعة والقادمة مما يفترض بأنها إحدى أكثر الديمقراطيات العالمية صلابة، قد أذهلت العالم وأمريكا اللاتينية المجاورة؛ فلقد كان نقل السلطة من ترامب الجمهوري إلى بايدن الديمقراطي عملية خلافية وفوضوية، وهي صورة مصغرة عن الأزمات الداخلية والخارجية المتكررة ومتعددة المستويات التي أثرت على الدول اللاتينية بشكل مباشر وأعادت تشكيل العلاقة طويلة الأمد بين المنطقة والقوة العظمى الشمالية. والآن تراقب أمريكا اللاتينية بحذر كيف تقوم الولايات المتحدة بمحاولة إعادة إرساء بعض الاستقرار وضبط التوجه مجددًا في عهد بايدن. إنه لتغير جيد يتيح لنا ملاحظة أبرز المجالات الجغرافية السياسية والاقتصادية والاجتماعية-الثقافية ذات الاهتمام المشترك والأولويات والتحديات التي تشكل العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية في الأوقات العصيبة لما بعد الجائحة.

 

نحو اليمين أم إلى اليسار؟ التغلب على الاستقطاب الذي تعززه الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية

 

أفادت خطابات وسياسات ترامب اليمينية تجاه المنطقة بأنه على مدى الأعوام الأربعة الماضية، شجعت الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى على الانقسام في أنحاء أمريكا اللاتينية التي كانت متحدة في سالف الأيام، فلقد تحالفت الولايات المتحدة وأيدت بوضوح الحكومات اللاتينية اليمينية كما هو الحال في تشيلي وكولومبيا والبرازيل وفي الوقت نفسه تصادمت مع فنزويلا وكوبا. ولقد اتخذ هذا الصدام شكل العقوبات المتزايدة والتجاهل وحتى المحادثات المفتوحة بخصوص التدخل العسكري ضد ما تسمى "الأنظمة الشيوعية أو الاشتراكية". وبالنسبة للبعض، كانت استراتيجية إدارة ترامب في بعض الأحيان تعيد إلى الأذهان "مذهب مونرو" (سياسة التدخل العسكري في نصف الكرة الغربي في القرن التاسع عشر) المقتحم والدموي من جانب واشنطن. ولقد عمل مصطلح ترامب الذي أعلنه المستشار الأمني جون بولتون بكل فخر "مذهب مونرو ما زال حيًا وبصحة جيدة" على انتشار موجات الخوف في أنحاء أمريكا اللاتينية.

 

ومع حدوث ذلك، تناضل الحكومات المتصاعدة لكل من الأرجنتين والمكسيك بهدف تعزيز التنسيق والحوار كما كان في الماضي، ولقد ناضل اتحاد أمم أمريكا الجنوبية ومجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من أجل استمرار وضع أنفسهم كمناطق ذات سيادة سياسية إقليمية تعمل بنشاط على تعزيز التكامل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وذلك دومًا بهدف تمكين القوى الجنوبية في عالم يسوده تعدد الأقطاب. فمع ضعف المنظمات الإقليمية التي تعمل دون تدخل الولايات المتحدة، سيطر ترامب على مصرف التنمية للبلدان الأمريكية (يعد مصرف التنمية للبلدان الأمريكية أكثر بنوك التنمية الإقليمية أهمية) أو منظمة الدول الأمريكية؛ ولقد قام بذلك لضمان استجابة زعماء تلك المنظمات إلى تكليف المصالح والأولويات اليمينية الذي تمليه واشنطن. ومثال على ذلك: فإن مصرف التنمية للبلدان الأمريكية-بوصفه المزود الرائد للدعم المالي لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي-دائمًا ما انتخب مواطنًا لاتينيًا ليكون رئيسًا له. ومع ذلك، ولأول مرة في التاريخ، عينت الولايات المتحدة الأمريكية الآن (بالتحالف مع الحكومات اللاتينية اليسارية)، موريسيو كليفر- كارون، وهو أحد الزعماء اليمينيين المنفتحين. إن الانقسام في المنطقة يعني أن الولايات المتحدة قد حققت هدفها المتمثل في السيطرة على أحد أهم المؤسسات الإقليمية، وبالتالي، قراراتها الاستثمارية لما لا يقل عن 5 أعوام. ومن شأن تلك القرارات أن تكون بالغة الأهمية حيث تعتبر سبل التعافي الاقتصادي ضرورية؛ فلقد ضربت جائحة كورونا اقتصادات أمريكا اللاتينية بشدة، ما تسبب في متوسط خسائر يبلغ 10% من إجمالي الناتج المحلي خلال 2020.

الآمال الجديدة المتصاعدة

تلوح فرص التغيير مع هزيمة ترامب، فلقد كان بايدن المبعوث الرئيسي لأمريكا اللاتينية بصفته نائب الرئيس باراك أوباما، كما أنه وضح في الأيام الأولى من حملة الانتخابات الأمريكية أنه يريد إيلاء المزيد من الاهتمام إلى سياسة أمريكا اللاتينية. والمثير للاهتمام أن بايدن شديد الإيمان بالمذهب الكاثوليكي ومن معجبي البابا فرانسيس، أول بابا جنوبي عالمي ينحدر من الأرجنتين، وقد يوحد كلا من بايدن والبابا صفوفهما لمواصلة الحث على تخفيف الديون وتطوير النظام الرأسمالي الذي يضع حاجات الناس وحقوقهم في قلب صناعة القرارات. ويتوقع بعض المحللين بالفعل الاهتمام المتزايد بالاستثمارات وتوجيه المساعدة إلى الاستثمارات الخضراء والتكيف مع تغير المناخ والسيطرة على الجريمة المنظمة والحيلولة دون الكوارث الطبيعية مع وجود توقعات كبيرة للحوار تجاه التعزيز التجاري.

 

ولعل أحد التصريحات الأولى الرمزية من قبل بايدن هو الأمر التنفيذي بوقف البناء على الجدار الحدودي الجنوبي (الحدود بين المكسيك والولايات المتحدة). وعلى الأرجح فقد حمل هذا القرار البسيط إعلانًا بأن جسور العلاقات التعاونية والأكثر شفافية قد أعيد فتحها. وتهدف سياسات بايدن تجاه المنطقة إلى التصدي بشكل كبير للأسباب الجذرية لهجرة اللاتينيين نحو الولايات المتحدة الأمريكية. ويعني هذا أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تخصص ما لا يقل عن 4 مليار دولار أمريكي للجهود المتعلقة بمساعدة دول أمريكا اللاتينية لمحاربة الفقر والجريمة داخل حدود تلك الدول، كما سيحصل الملايين ممن يطلق عليهم الأشخاص "الحالمون" الذين هاجروا بصورة غير شرعية وهم أطفال على الفرصة ليصبحوا مواطنين أمريكيين.

 

وعلاوة على ذلك، فمن المتوقع أن يكون هناك نهج أكثر انفتاحًا للحوار مع دول مثل فنزويلا، وبالتالي المساعدة في تيسير الطريق أمام التوصل إلى أرضية مشتركة وتعاون على الصعيد الإقليمي، كما أن دعم الديمقراطيين لوضع جدول أعمال متين لحقوق الإنسان كحقوق المرأة والسكان الأصليين في قلب صنع السياسات قد يكون له أثر منعش، ولا سيما مع انتقال أمريكا اللاتينية مرة أخرى إلى جدول أعمالها المتصاعد وعلى وجه الخصوص بعد الإصلاح الدستوري المتوقع في تشيلي والانتصار الانتخابي الواضح لإيفو مورالس في بوليفيا (أواخر 2020م) وزعامة الأرجنتين في وضع سياسات شاملة، الأمر الذي يضع الطبقة العاملة والشباب والشركات المتوسطة والصغيرة على رأس الأولويات من أجل نمو اقتصادي أكثر عدلًا وإنصافًا.

من الجنوب إلى الشرق ومن الجنوب إلى الجنوب

إن المنافسة المتنامية بين الصين والولايات المتحدة (التي يطلق عليها البعض الحرب الباردة الجديدة) سيكون لها تأثيرها على المنطقة، حيث يتم مراقبة المصالح والاتصالات الصينية المتنامية مع دول أمريكا اللاتينية باهتمام كبير من قبل الولايات المتحدة. ولم يتضح بعد كيف سيتحرك بايدن فيما يتعلق بالمحاولة المحتملة نوعًا ما لعرقلة الجسور المتزايدة بين الصين وأمريكا اللاتينية.

ولقد باتت الصين شريكًا اقتصاديًا هامًا لمعظم الدول اللاتينية؛ إذا تعتلي الصين سوق التصدير بالنسبة لأمريكا الجنوبية كما تعد مستثمرًا رئيسيًا في العديد من أبرز القطاعات الاقتصادية للمنطقة، بما في ذلك: توليد الكهرباء وتوزيعها والتعدين والبنية التحتية للمواصلات. إن الشركات الصينية في وضع يسمح لها بمواصلة الاستثمار في المنطقة، وعلى الأرجح من خلال الاستحواذ على الأصول المتعثرة في صناعات بعينها ذات أهمية استراتيجية للصين، ولا سيما في هذه المرحلة من الحاجة الملحة إلى النقد لإعادة بناء الصناعات المتراجعة بسبب أزمة الجائحة. وتعتبر الآراء الإيجابية للمواطنين اللاتينيين عن الصين مفيدة في السباق نحو النفوذ؛ ففي عام 2019م، عبر حوالي نصف المشاركين من أمريكا اللاتينية في الدراسة الاستقصائية لمعهد بيو للأبحاث عن انطباع إيجابي عن الصين، فيما عبر متوسط 42 بالمائة فقط عن آراء سلبية. إن الصين مرحب بها بالإضافة إلى غيرها من القوى الاستثمارية الناشئة التي لم تُلوث سمعتها على غرار الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ومن خلال العلاقات الجنوبية-الشرقية التي أضحت أقوى من أي وقت مضى، والتي حثت على توقيع مذكرة تفاهم الحزام والطريق، وكذلك يعد بيع وتوزيع لقاحات كوفيد بالتعاون مع روسيا ضمانًا محتملًا من أجل التعافي الاقتصادي الإقليمي الفوري بعد عمليات الإغلاق مع تحقيقه نتائج محدودة. وفي هذا السياق، لم يتضح بعد ما إذا كانت جهود-محاولات التعاون الجنوبية-الجنوبية لإنشاء حوار عبر إقليمي أكبر، والتجارة والتبادل مع المناطق الجنوبية الأخرى ومنها الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، تمثل فرصة أفضل "لإعادة البناء" بعد الجائحة.

 

إن الآمال عظيمة، وها قد بدأ العمل على إعادة البناء، ولا بد من استعادة الجسور التي تربط أمريكا اللاتينية بالعالم لقد حان الوقت.

مقالات لنفس الكاتب