array(1) { [0]=> object(stdClass)#13013 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

إيران: القراءة الأيديولوجية المضللة للربيع العربي

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

عبّر وزير خارجية الإمارات سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، عن أسفه لأن الجارة إيران لا تتعامل مع المنطقة ودول مجلس التعاون بالاحترام والتقدير نفسيهما اللذين تبديهما الدول الخليجية لها، وشدد على أن هناك (عدم اتزان في هذه العلاقة) متمنياً على القيادة الإيرانية (إعادة النظر في علاقاتها مع دول مجلس التعاون).

أتى هذا التصريح في أعقاب الموقف الجماعي الموحّد لوزراء خارجية دول مجلس التعاون في الرياض، حيث أصدروا بياناً قوياً وحازماً إزاء التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، وأعرب الوزراء الخليجيون عن بالغ قلقهم من استمرار هذه التدخلات من خلال التآمر على الأمن الخليجي الوطني وبث الفرقة والفتنة الطائفية بين مواطنيها في انتهاك لسيادتها واستقلالها ومبادئ حسن الجوار والأعراف والقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ودان البيان التصريحات الإيرانية ووصفها بالعدائية والمستفزة، وكانت إيران قد صعّدت حملاتها على دول الخليج إثر انكشاف شبكتها التجسسية في الكويت وصدور أحكام قضائية ضدها، بعد فشل خططها في توظيف اضطرابات البحرين الأخيرة لإحداث انقسام طائفي وإثارة الفتنة في مملكة البحرين، وجاء الرد الخليجي القوي بإرسال قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين تنفيذاً لاتفاقية الدفاع الخليجي المشترك، فكان هذا العمل الحاسم والبيان الخليجي القوي مربكين لحسابات طهران، وأفقداها التوازن، فراحت تصعّد وتهاجم وتتهم دول مجلس التعاون بالخضوع للضغط الأمريكي، وتكشفت الأحداث الأخيرة أن حسابات طهران كانت تقوم على استغلال أحداث البحرين والتظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاحات السياسية لتحقيق أهدافها في المنطقة عبر المناورات والمراهنة على عاملين:

العامل الأول: الإيحاء بأن الثورات الجماهيرية في عدد من الدول العربية ونجاحها في إسقاط النظامين التونسي والمصري ما هي إلا نجاح للثورة الإسلامية في إيران، لأن هذه الثورات الشعبية ثورات إسلامية تستوحي النموذج الثوري الإيراني، وتهدف إلى إقامة شرق أوسط إسلامي تقوده إيران ضد أمريكا وإسرائيل، وغرّ طهران ما صرح به بعض رموز الإسلام السياسي من إعجابهم بالنموذج الإيراني وإشادتهم بقادته وتوافدهم إليها، وكان أحد المرشحين الإسلاميين للرئاسة المصرية قد زار طهران مؤخراً وامتدح النظام الإيراني، لذلك هللت طهران لانتصار ثورات الربيع العربي، وصرّح خامنئي بأن التحركات الشعبية في مصر وتونس وسائر دول العالم الإسلامي ذات طبيعة إسلامية، ويجب تعزيزها، وخاطب حشداً من الضيوف والمفكرين الإسلاميين المشاركين في المؤتمر الدولي الـ 24 للوحدة الإسلامية في طهران وقال (إن التجربة الناجحة للثورة الإيرانية المباركة تعتبر تجربة لكافة الدول الإسلامية).

وخططت إيران لاستثمار موجات الاحتجاج في المنطقة لتوجيه المظاهرات والاحتجاجات في البحرين نحو دفعها للمطالبة بتغيير النظام وإسقاطه، ظناً منها أن دول الخليج لن تتدخل وستكتفي بموقف المتفرج أو ستنقسم وتتردد في الدعم والمساندة.

اعتقد النظام الإيراني أن الدول العربية الكبرى ستكون منشغلة بقضاياها الداخلية ولن تبادر إلى مساندة البحرين

العامل الثاني: اعتقد النظام الإيراني أن الدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر ستكون منشغلة بقضاياها الداخلية، ولن تبادر إلى مساندة البحرين، وغرّ طهران ما كان يردده وزير خارجية الثورة المصرية الجديدة د. نبيل العربي الذي سارع إلى عقد مؤتمر صحفي، وصرح بأن إيران دولة صديقة، وأن القاهرة تريد فتح صفحة جديدة معها وكان مجيء هذا التصريح المجاني في عِزِّ التوتر الخليجي-الإيراني، برداً وسلاماً على طهران التي كان لسان حالها يتحدى أهل الخليج، قائلاً: (ها هو كبيركم الذي كنتم تقولون عليه أصبح معنا ويتودد إلينا.. فإلى متى تناكفون به).

صعّدت إيران حملاتها على دول الخليج بعد انكشاف شبكتها التجسسية في الكويت

وهكذا ظنت طهران أن الجو خلا لها فأرادت أن تبيض وتصفّر كما يحلو لها، لكن التحرك الخليجي الحاسم كان فعالاً في إجهاض المخطط الإيراني وإفشاله، للمرة الأولى وبعد طول صبر وترو يبادر الخليجيون -الذين اشتهروا بسياسة الأدب الجم وإيثار الحلم والتسامح وعدم التصعيد ومراعاة حسن الجوار وعدم الرد على الاستفزازات الإيرانية المستمرة – إلى اتخاذ إجراء حاسم وسريع ومباغت لمخططات إيران في البحرين، لقد كلّ صبر الخليجيين أمام تدخلات طهران ووجدوا أن التدخل أصبح سافراً ومهدداً لأمن الخليج وعروبته وهويته، فكانت وقفتهم الحاسمة التي أفقدت طهران حجمها ومبرراتها وأوقفتها عند حدها، وأثبتت الوقفة الخليجية أن تهديدات إيران لا جدّية فيها، إيران تهدد كثيراً وتطلق تصريحات استفزازية ضدّ دول الخليج دائماً ، لكنها لا تستطيع أن تعمل شيئاً إذا رأت جدّية الطرف الآخر، فإيران تخشى كثيراً من ردود الفعل، هي نمر من ورق! وسارعت مصر على لسان وزير خارجيتها لتصحيح موقفها ولتدارك ورطتها وليصرح وزير خارجيتها – الذي كان يغازل إيران من غير أية مصلحة وطنية أو قومية أو أي مبرر إلا التملق لتيار الإسلام السياسي المصري المتحالف مع الخط الإيراني المخدوع به والمراهن عليه عوناً في محور المقاومة ضد الغرب وأمريكا وإسرائيل – وليقول (إن منطقة الخليج العربية تمثل عمقاً استراتيجياً أساسياً للأمن القومي المصري، وإن الحفاظ على الاستقرار في الخليج يمثل التزاماً قومياً وضرورة استراتيجية، وهو من أهم ثوابت السياسة المصرية التي تعتبر أمن واستقرار وعروبة دول الخليج العربية خطوطاً حمراً لا تقبل مصر المساس بها). هذا الموقف الخليجي الموحد والقوي وذاك الدعم المصري الصريح أكدا خطأ الحاسات الإيرانية وخطأ قراءتها لأحداث المنطقة عامة ولأحداث البحرين خاصة، كما أكدا خطأ مراهنتها على قطف ثمار الربيع العربي وجني مكاسبه لصالحها، بل العكس هو الصحيح لأن الثورات الشعبية العربية أصبحت تمد حركة المعارضة الإيرانية بمزيد من الأمل في النجاح والتغيير والصمود وتحيي آمالها وتطلعاتها في غد أفضل لشعب إيران، ثم إن هذه الثورات تسعى إلى مزيد من الحريات والمناخ الديمقراطي والخيار الانفتاحي لا الخيار الإيراني الانغلاقي الذي يفرض خطراً معلوماتياً شاملاً على كافة وسائل الاتصال، لكن هذه القراءة الإيرانية الخاطئة للتحركات الشعبية في المنطقة، تبدو أنها سِمة ملازمة لكافة الأنظمة الأيديولوجية – دينية أو علمانية – لأن النظام الأيديولوجي لا يحاول قراءة الواقع بحسب المعطيات الموضوعية، بل يقرأ ما يتمناه ويتصوره واقعاً بحسب منظاره الذي يلوّن الأحداث باللون الذي يريده هو ويسعى إلى فرضه، وهذا ما يجعل النظام الإيراني – أيضاً – يتصوره تجاه مظاهرات واحتجاجات الشارع الإيراني، إذ يراها حركة عملاء ينفذون مخططات الخارج فلا يبادر إلى تبني حركة إصلاحات داخلية في مبادرة استباقية لحماية النظام، فتتراكم الأخطاء وتتضخم ويشيع الفساد وتعم المظالم وتغلي النفوس وتتعمق الكراهية والعداء ضد كافة الأوضاع القائمة إلى أن ينفجر النظام من الداخل، ويتعذر الإصلاح بعد فوات الأوان، هذا على مستوى الداخل الإيراني، أما على المستوى الخارجي فيعتقد النظام – واهماً – أنه حقق مكاسب وانتصارات بسبب قراءته الخاطئة للأحداث وبسبب ترديد أنصاره ووكلائه في المنطقة ما تحب إيران سماعه من أن ثورات الربيع العربي تستلهم تجربة الثورة الإسلامية في إيران، وهذه حكمها من جملة الخرافات والأوهام المسيطرة على البعض، ثم يتبين للنظام بعد ذلك أن ما كان يعتقده انتصاراً وكسباً هو بمثابة خداع للذات، تعتقد إيران أنها تستطيع الاستمرار في سياسة خداع المجتمع الدولي ودول المنطقة وشعبها عبر سياسة المراوغة والتضليل الإعلامي وشراء الوقت والذمم واصطناع الوكلاء وقمع المعارضة والحظر الإعلامي على وسائل الاتصال الحديثة، وأنها بذلك نجحت في إحداث اختراقات في جدار الحصار الدولي لها، وأن بيدها أوراقاً إقليمية: حزب الله، حماس، جماعات الإسلام السياسي، سوريا، تستطيع أن تناور بها المجتمع الدولي لتحقيق طموحاتها وأحلامها، كأنها لا تدرك كما يقول صالح الختلان – أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود – أن هذه مكاسب وقتية سلبية وليست من صنعها، حصلت عليها بسبب أفكار الآخرين، كما أن المجتمع الدولي لن يسمح لها بامتلاك سلاح نووي أو حتى بلعب دور مهيمن في منطقة الخليج الحيوية للعالم، بل إن المجتمع الدولي وبسبب تصرفات إيران المهددة للسلام والاستقرار، يزداد قناعةً وتمسكاً بموقفه تجاه إيران، إنها القراءة الأيديولوجية التي تعمي أصحابها عن قراءة الواقع قراءة صحيحة.

 

مجلة آراء حول الخليج