array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 161

المبادرة السعودية بتأسيس آلية الدول المتشاطئة على البحر الأحمر تحاصر الإرهاب

السبت، 01 أيار 2021

"انتقام الجغرافيا: ما الذي تخبرنا به الخرائط عن الصراعات" كتاب لمؤلفه الأمريكي روبرت د كابلان، بالرغم من صدوره منذ عدة سنوات فإنه يصلح لتفسير تأثير الموقع الجغرافي للدول على أمنها القومي ومنظومة الأمن الإقليمي برمتها، صحيح أن هناك العديد من المؤلفات التي استهدفت دراسة تأثير طبيعة الموقع الجغرافي للدول على سياستها الخارجية والتفرقة في هذا الإطار بين الدول الحبيسة وتلك البحرية وأبرزها مؤلفات ضابط البحرية الأمريكي ألفريد ماهان إلا أن كتاب كابلان يتضمن إطاراً شاملاً مهماً لفهم تأثير الوضع في اليمن على أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر، حيث يقدم الكثير من الأبعاد للأعباء التي يرتبها الموقع الجغرافي على الدول البحرية عموماً، وتأسيساً على ذلك تثار ثلاثة تساؤلات :

الأول: ما هي الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن وتأثير ذلك على المصالح الإقليمية والعالمية؟

والثاني: ما هو تأثير الوضع في اليمن على أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر؟

والثالث: ما هي الخيارات الخليجية لمواجهة تداعيات الوضع في اليمن على الأمن الإقليمي لدول الخليج العربي؟

أولاً: الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن وتأثير ذلك على المصالح الإقليمية والعالمية

إن الموقع الاستراتيجي لأي دولة بقدر ما يتضمنه من مميزات فإنه يرتب أعباءً في الوقت ذاته، فاليمن يطل على مضيق باب المندب أحد أهم المعابر البحرية الاستراتيجية في العالم لكونه المدخل الجنوبي للبحر الأحمر نحو قناة السويس، بما يعنيه ذلك من الارتباط الجيواستراتيجي بين تلك المعابر الثلاثة، ولقد عكست أزمة جنوح السفينة البنمية في المجرى الملاحي لقناة السويس على مدى ستة أيام في مارس 2021م، أهمية الملاحة البحرية مروراً بقناة السويس نحو باب المندب والبحر الأحمر حيث ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية، فضلاً عن تعطل مرور 420 سفينة عالمية، بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية لتلك الأزمة وخاصة مسألة زيادة تكاليف الشحن البحري، ووفقاً للتقارير الدولية تمر في المضيق حوالي 21000 قطعة بحرية سنوياً بمعدل 57 قطعة يومياً من خلال قناتي المضيق في الاتجاهين، كما يمر من خلال المضيق حوالي 4,8 مليون طن من النفط الخام والمنتجات البترولية إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وبوجه عام يمر من المضيق سنوياً ما يمثل حوالي 10% من إجمالي التجارة العالمية، ومع أهمية ذلك فإن الموقع الجغرافي لليمن الذي يطل على ذلك المضيق قد رتب مخاطر عديدة على الأمن الإقليمي أولها: المحاولات-التي لم يكتب لها النجاح- من جانب الحوثيين للسيطرة على ذلك المضيق فعندما تواترت أنباء عن نية الحوثيين السيطرة على المضيق عام 2015م، فقد أعلنت مصر عن إرسال أربع قطع بحرية لتأمين خليج عدن الأمر الذي كان عاملاً مهماً لردع تلك المحاولات، وثانيها: أن وقوع اليمن كنقطة تماس استراتيجي بين شبه الجزيرة العربية والقارة الإفريقية قد جعل اليمن مقصداً أو معبراً للهجرة غير الشرعية من دول القرن الإفريقي نحو منطقة الخليج العربي، ففي تقرير للمنظمة الدولية للهجرة فقد عبر نحو 138 ألف فرد خليج عدن إلى اليمن خلال عام 2019م، من دول القرن الإفريقي ووفقاً للتقرير فإن حوالي 92% من هؤلاء المهاجرين كانت لديهم النية في مواصلة رحلاتهم نحو المملكة العربية السعودية مقارنة بــ 110 آلاف عبروا البحر الأبيض المتوسط في هجرة غير شرعية نحو الدول الأوروبية، بما يعني أن خليج عدن يشهد معدلاً مرتفعاً من الهجرة غير الشرعية مقارنة بمناطق أخرى من العالم، وثالثها: عمليات القرصنة البحرية في تلك المنطقة الحيوية من العالم، صحيح أن الأزمة اليمنية لم تكن منشأة لها حيث احتدمت تلك الظاهرة في عام 2008م، مما حدا بمجلس الأمن الدولي لإصدار عدة قرارات دولية بموجب الفصل السابع من الميثاق وكان من أهمها ثلاثة قرارات وهي 1838 -1846-1851 والتي أتاحت حضوراً دولياً في خليج عدن وقبالة سواحل الصومال لمواجهتها تضمن للمرة الأولى إرسال حلف شمال الأطلسي "الناتو" سبع قطع بحرية عالية التسليح للمشاركة في الجهود الدولية لهذا الغرض، إلا أن استمرار الأزمة اليمنية قد ساهم في زيادة حدة التهديدات الأمنية لتلك الظاهرة لسببين الأول: أنه في الوقت الذي يطل من خلاله اليمن بسواحل بحرية تقدر بحوالي 2500 كم منها  حوالي 442 كم على البحر الأحمر بما يمثل نحو 8,8% من سواحل ذلك البحر، والبقية على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي فهناك 9 محافظات يمنية من بين 22 تطل على تلك السواحل لا توجد قدرة على حماية تلك السواحل، والثاني: تزامن الأزمة اليمنية مع حالة عدم الاستقرار في دول القرن الإفريقي عموماً سواء داخل دوله أو فيما بينها والنتيجة لذلك هي عدم قدرة تلك الدول على حماية حدودها البحرية، ورابعها: تهديدات البيئة البحرية والتي تعكسها أزمة ناقلة النفط صافر والتي تنذر بوقوع كارثة بيئية بحرية واسعة النطاق، وهي الناقلة العالقة على بعد خمسة أميال قبالة السواحل اليمنية منذ عام 2015م وحتى الآن وعلى متنها أكثر من مليون برميل من النفط الخام بما قيمته 40 مليون دولار، ويرفض الحوثيون كافة النداءات الأممية لإصلاحها بعد تأكيد تقارير أممية بدء تعرضها للتآكل، ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة فإن هناك حوالي 30 مليون شخص مهددون جراء تلوث البيئة البحرية بمن فيهم مليون و300 ألف يمني، وحال حدوث ذلك فإنه يتوقع إغلاق ميناء الحديدة لمدة 6 أشهر، ووقوع خسائر تتجاوز 1,5 مليار دولار على مدى خمسة وعشرين عاماً، فضلاً عن تعرض 8,5 ملايين شخص لمستويات مرتفعة من المواد الملوثة حال اشتعال النيران في خزان الناقلة، بالإضافة إلى تعرض ما يقرب من 115 جزيرة في البحر الأحمر للتلوث النفطي و نفوق كميات هائلة من الأسمال وتدمير الشعاب المرجانية بما يعنيه ذلك من التأثير على حركة السفن الآتية من مضيق باب المندب باتجاه قناة السويس، ولا تقتصر مخاطر كوارث من هذا النوع على آثار حالية بل تمتد تداعياتها لسنوات ويعيد ذلك إلى الأذهان كارثة تلوث مياه الخليج العربي خلال الغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990م.

ثانيًا: تأثير الأوضاع في اليمن على أمن القرن الإفريقي والبحر الأحمر   

  • عسكرة القرن الإفريقي: ففي ظل مخاوف الدول الكبرى من تأثير حالة عدم الاستقرار الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي سواء بسبب الأزمة اليمنية أو حالة عدم الاستقرار في دول القرن الإفريقي فقد سعت لتأسيس قواعد عسكرية لها في المنطقة ،حيث تشير التقارير إلى أن هناك 16 دولة تدير حوالي 19 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الإفريقي والتي تضم الصومال وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا، وعلى الرغم من أهمية تلك القواعد كونها تجئ ضمن الدعم اللوجستي ونقاط انطلاق للعمليات الحربية التي تقوم بها تلك الدول في إطار مواجهة التهديدات الأمنية وأهمها الإرهاب ومكافحة القرصنة فإن كثافة الوجود العسكري بين قوى إقليمية ودولية ربما تجمعها مهام مشتركة مثل مكافحة القرصنة إلا أن مصالحها يظل بها قدر من التعارض وخاصة إذا ما تم النظر إلى مفهوم القرن الإفريقي من منظور جيواستراتيجي أكبر ليضم مناطق أخرى مجاورة لتلك الدول، وربما يؤدي التنافس في تلك المنطقة وخاصة أنها تشرف على ثالث أهم ممر بحري عالمي إلى مواجهات عسكرية لن تكون المنطقة بمنأى عن تداعياتها ليس أقلها إتاحة المجال للجماعات المتشددة لتهديد الأمن الإقليمي والأمن العالمي في تلك المنطقة من خلال استهداف أهداف بحرية ثمينة بنفقات زهيدة من خلال التواصل بين خلايا تلك الجماعات في شبه الجزيرة العربية ومنطقة القرن الإفريقي، بالإضافة إلى مشكلة النازحين من أتون تلك الصراعات.

 2ـ تهديد الملاحة البحرية لدول الخليج العربي: وتتعدد مظاهر ذلك التهديد ومنها على سبيل  المثال لا الحصر في الخامس والعشرين من يوليو عام 2018م، أعلن خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية تعليق المملكة جميع شحنات النفط الخام التي تمر عبر مضيق باب المندب وذلك بعد تعرض ناقلتي نفط عملاقتين تابعتين للشركة الوطنية السعودية للنقل البحري تحمل كل منهما مليوني برميل من النفط الخام لهجوم من جانب جماعة الحوثي في البحر الأحمر بعد عبورهما مضيق باب المندب وقد أسفر الهجوم عن إصابة طفيفة في إحدى الناقلتين، بالإضافة إلى الألغام البحرية التي تقوم جماعة الحوثي بزراعتها في البحر الأحمر وتهدد الملاحة وعمليات الصيد في تلك المنطقة، ففي 24 نوفمبر 2020م، وفقاً لبيان تحالف دعم الشرعية في اليمن فقد تم تدمير 5 ألغام بحرية زرعتها جماعة الحوثي جنوبي البحر الأحمر وهي من نوع "صدف" الإيراني الصنع  ليصل إجمالي الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي 163 لغماً بحرياً الأمر الذي يمثل تهديداً خطيراً للملاحة البحرية في تلك المنطقة الاستراتيجية من العالم.

 3-إيجاد جبهة جديدة للصراع الخليجي-الإيراني

تدرك إيران أهمية الممرات البحرية بالنسبة لدول الخليج العربي سواء بالنسبة لصادرات النفط أو حركة التجارة مع دول العالم، ومن ثم وبالتوازي مع تهديد إيران للملاحة البحرية في مضيق هرمز فقد سعت إيران للتواجد في المناطق المحيطة بمضيق باب المندب في محاولة لوضع أمن الخليج العربي بين شقي رحى ضمن خطة إيرانية حدد أهدافها محمد باقري رئيس هيئة الأركان الإيرانية بالقول" تنازلنا عن قوتنا النووية ونحن نعوضها الآن ببناء قوة بحرية ستعطينا قيمة أكبر: أسطول عسكري في بحر عمان وأسطول آخر في المحيط الهندي وبناء قواعد بحرية على سواحل أو جزر في كل من اليمن وسوريا وتطوير قدرتنا الاستخباراتية العسكرية من خلال طائرات بدون طيار في امتداداتنا البحرية"، ووفقاً لبعض التقارير تتواجد إيران في إريتريا من خلال قاعدة عسكرية بحرية بالقرب من ميناء عصب الإريتري وذلك في قطاع صحراوي منعزل في شمال إريتريا بالقرب من الحدود مع جيبوتي، حيث قامت إيران بنقل جنود ومعدات عسكرية ومنصات صواريخ باليستية إلى تلك القاعدة بواسطة السفن والغواصات وتتم حمايتها من خلال الطائرات بدون طيار، ومن خلال تلك القاعدة تقوم إيران بتقديم الدعم لجماعة الحوثي في اليمن، وتتجاوز أهداف إيران من تأسيس تلك القاعدة هدف دعم جماعة الحوثي حيث تستهدف التحكم في المضائق البحرية والسيطرة على حركة التجارة الدولية وخاصة أن موقع تلك القاعدة قريب للغاية من مضيق باب المندب الأمر الذي يمثل تهديداً للملاحة البحرية في ذلك الممر المائي الاستراتيجي.

  • احتدام التنافس الدولي تجاه منطقة القرن الإفريقي: في ظل الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي فإنه سيكون من التبسيط تحليل التنافس الدولي تجاه تلك المنطقة من منظور جغرافي ضيق كون أن دول تلك المنطقة هي الصومال وإريتريا وجيبوتي وإثيوبيا، إلا أن السياق الأوسع يعني أن دولاً أخرى تعد ضمن القرن الإفريقي منها السودان الذي لديه ساحل على البحر الأحمر يمتد لمسافة 700 كم ويتوسط ثلاث مناطق استراتيجية وهي الخليج العربي والقرن الإفريقي وشمال إفريقيا، وفي ظل استمرار الأزمة اليمنية، فضلاً عن التوترات بين دول المنطقة فإن ذلك يعد دافعاً للدول الكبرى للتنافس على تلك المنطقة ومن ذلك على سبيل المثال وصول المدمرة الأمريكية "يو إس إس ونستون تشرشل" في الأول من مارس 2021م، إلى ميناء بورتسودان السوداني على البحر الأحمر، وتعد الثانية بعد رسو  سفينة النقل السريع  الأمريكية "يو إس إن إس كارسون سيتي"، وعلى الرغم من إعلان مسؤولي الولايات المتحدة أن ذلك الأمر يأتي في إطار الشراكة بين الجانبين فإن تزامن وصول القطعتين البحريتين مع وصول الفرقاطة الروسية الأدميرال جريجوروفتش والتي تعد السفينة الروسية الأولى التي تدخل ميناء بورتسودان فإنه يمكن اعتباره مؤشراً مهماً على احتدام التنافس الغربي-الروسي في تلك المنطقة وخاصة في ظل إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الموافقة على إقامة قاعدة بحرية روسية في السودان بإمكانها استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية، ومع أن السودان -حتى كتابة هذه السطور- لم يعلن الموافقة على إقامة تلك القاعدة وأن زيارة السفينة الحربية الروسية تعد" أمراً اعتيادياً" فإنها مؤشرات على جبهة جديدة من التنافس الغربي-الروسي عموماً.

ثالثًا: الخيارات الخليجية لمواجهة التداعيات الإقليمية للأوضاع في اليمن:

تؤسس خيارات دول الخليج العربي تجاه التداعيات الإقليمية للأوضاع في اليمن على ثلاثة منطلقات الأول: أن تلك الأزمة لم تكن منشأة للاهتمام الخليجي بإفريقيا عموماً والقرن الإفريقي على نحو خاص وإنما كاشفة لأهمية الارتباط الجيواستراتيجي بين الجانبين معززاً بحقب تاريخية، وتحولات راهنة وآفاق مستقبلية لمصالح خليجية حيوية في إفريقيا، والثاني: اعتماد دول الخليج العربي على النقل البحري والذي يعد مضيق باب المندب الشريان العالمي الثالث في الأهمية بعد مضيقي هرمز وملقا كان دافعاً لتلك الدول لجعل الأمن البحري أولوية ضمن الأمن القومي عموماً، والثالث: قناعة دول الخليج بأن اليمن هو عمق استراتيجي لأمن دول الخليج العربي عموماً والمملكة العربية السعودية على نحو خاص، تلك القناعة التي وجدت سبيلها على المستوى المؤسسي حيث كان اليمن في فترات تاريخية سابقة عضواً في بعض مؤسسات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بالإضافة إلى الدعم الخليجي لليمن في كافة المجالات.

وتأسيساً على هذه المنطلقات والتي تتداخل مع احتدام التنافس والصراع الإقليمي والعالمي في تلك المنطقة في محاولة لإعادة رسم خريطة تحالفات جديدة، فقد عملت دول الخليج العربي على عدة مسارات متوازية:

 المسار الأول :الأمني استمرار العمل مع الشركاء الدوليين وخاصة على صعيد تأمين الملاحة البحرية في مضيق باب المندب من خلال العمل مع القوات البحرية الدولية تحت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية التابعة للأسطول الخامس والتي تضم 33 بلداً تستهدف توفير الأمن والاستقرار على امتداد مليوني مربع من المحيط الهندي إلى الخليج العربي والبحر الأحمر، تلك القوات التي تضم ثلاث قوات وهي 150 و151 و152، ففي حين تضطلع المجوعتان الأولى والثالثة بتهديدات الأمن البحري خارج وداخل منطقة الخليج العربي تضطلع القوة 151 بمكافحة القرصنة وقد تولى قيادتها بالتناوب كبار القادة من القوات البحرية في دول الخليج  العربي مما أكسب قواتها خبرات للعمل خارج المياه الإقليمية لدولها وخاصة في مواجهة تهديدات الأمن البحري في ظل تنامي اهتمام دول الخليج العربي بتأسيس آلية خليجية مشتركة لمواجهة تلك التهديدات وتتمثل في قوة الواجب البحري الموحدة 81، بالإضافة إلى المناورات البحرية المشتركة بين دول الخليج العربي وكل من مصر والسودان، وكان من بينها سلسلة التمارين البحرية المشتركة بين القوات البحرية السعودية ونظيرتها السودانية وكان آخرها"الفلك4" التي أجريت في مارس 2021م، واستهدفت بشكل أساسي تنفيذ فرضيات لمواجهة تهديدات الملاحة البحرية وهو ما أكده اللواء البحري الركن يحي بن محمد العسيري قائد الأسطول الغربي بالقوات البحرية السعودية وقائد التمرين بالقول "سلسلة تمارين الفلك تستهدف رفع مستوى الأداء ومفهوم العمل المشترك مما سوف ينعكس على ضمان حركة الملاحة في الممرات الدولية بالبحر الأحمر"، من ناحية ثانية يوجد تمرين بحري مشترك "مرجان 16" يضم القوات البحرية الملكية السعودية مع القوات البحرية المصرية ويستهدف تنفيذ عمليات للإنقاذ البحري وتفتيش السفن التي يشتبه قيامها بعمليات تهريب ومنع وقوع اعتداءات إرهابية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، ويتشابه مضمون ذلك التمرين مع عملية المسعى النشط التي أطلقها حلف الناتو ضمن ثماني ردود من الحلف تجاه أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، وتجوب مياه البحر المتوسط من خلال دوريات بهدف  تبادل المعلومات المتعلقة بالإرهاب والسفن المشبوهة.     

 المسار الثاني: التعاون الإقليمي المؤسسي: ويتمثل  في المبادرة السعودية لتأسيس مجلس للدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن ويضم 7 دول إلى جانب المملكة العربية السعودية، وهي مصر، والسودان، والأردن، واليمن، وجيبوتي، وإريتريا، والصومال، ففي أعقاب توقيع الدول على الميثاق المنشئ لذلك المجلس في يناير 2020م، والذي اتخذ من الرياض مقراً له قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان "إن التوقيع على الميثاق يأتي استشعاراً من قيادات الدول الثماني لأهمية التنسيق والتشاور حول الممر المائي الحيوي الذي يمثل أهمية اقتصادية وتجارية واستثمارية للاقتصاد العالمي بأكمله، باعتبار البحر الأحمر المعبر الرئيسي للتجارة العالمية بين دول شرق آسيا وأوروبا"، مؤكداً على أنه "لكل دولة قدراتها الدفاعية، ويمكن تطوير ذلك ليكون تنسيقاً جماعياً"، وعلى الرغم من أهمية ذلك المجلس كتنظيم إقليمي جديد يستهدف تعزيز تبادل الاستثمارات وتسهيل حركة التجارة بين الدول الموقعة عليه فإن من شأنه أن يسهم في الحد من تداعيات الأزمة اليمنية على الأمن الإقليمي من ثلاث نواح الأولى: أنه يعيد الارتباط بين أمن الخليج العربي وأمن القرن الإفريقي بشكل مؤسسي، والثانية: أنه سوف يكون آلية جماعية إقليمية لمواجهة تهديدات الأمن البحري  في مضيق باب المندب  والبحر الأحمر في ظل تنامي تهديدات الأمن البحري من ناحية وعدم وجود اتفاقية ملزمة لكافة الدول المتشاطئة بشأن مسألة الحقوق البحرية للدول سواء المياه الإقليمية أو المناطق الاقتصادية الخالصة من ناحية ثانية في ظل خصوصية تهديدات الأمن البحري فخلال مؤتمر التحالفات العسكرية في الشرق الأوسط والذي عقد بمملكة البحرين خلال الفترة من 16-17 أكتوبر 2017م، تزامناً مع معرض البحرين الدولي الثاني للدفاع، قال الفريق بحري جون أكويلينو، قائد القوات البحرية الأمريكية، قائد الأسطول الخامس بمملكة البحرين" البيئة البحرية معقدة للغاية لأن تهديداتها تأتي من البر والبحر والجو، وكذلك الفضاء الإلكتروني، بما يعني أن السفن معرضة لكافة الهجمات"، والثالثة: أنه في ظل احتدام التنافس بين القوى العالمية بالقرب من الممرات المائية الحيوية في العالم فإن وجود تجمع إقليمي على هذا النحو لا يحقق بلورة رؤى ومصالح القوى الإقليمية فحسب بل أنه يعد لبنة أساسية لتحقيق مفهوم توازن القوى والذي يعد متطلباً أساسياً لتحقيق الأمن الإقليمي باعتبار أن ذلك التجمع يعد مركزاً جيوسياسياً جديداً يضم دول الخليج العربي وإفريقيا معاً. 

المساران العسكري والسياسي: تنامي الحضور الخليجي في القرن الإفريقي

 أدركت دول الخليج  العربي ضرورة التواجد والانخراط في تفاعلات الأمن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي وذلك على المستويين العسكري والسياسي، فعلى المستوى العسكري  ووفقاً  للتقرير السنوي لمعهد ستكهولم لأبحاث السلام عام 2019م تم الاتفاق بين المملكة العربية السعودية ي ام 2016م لإنشاء قاعدة عسكرية سعودية لدعم القوات البحرية السعودية المتواجدة في خليج عدن، وتوجد قاعدة عسكرية لدولة الإمارات العربية المتحدة في مدينة بوساسو الصومالية وقاعدة أخرى في مدينة بربرة بإقليم "أرض الصومال"، كما توجد قاعدة عسكرية "سعودية -إماراتية" في جزيرة سقطرى اليمنية قبالة سواحل القرن الإفريقي، ولاشك أنه من خلال تلك القواعد يمكن لدول الخليج التعاون مع شركائها على المستويين الإقليمي والعالمي لضمان أمن الملاحة البحرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، بل أيضاً في حالات الكوارث البحرية وهو ما قرعت ناقلة النفط صافر أجراس الإنذار بشأنه، حيث أثير في أكتوبر 2020م، وخلال الأشهر الأخيرة من حقبة الرئيس دونالد ترامب أنه توجد  محادثات يجريها كبار المسؤولين بالبحرية الأمريكية لتشكيل قوة متعددة الجنسيات للتدخل السريع في المنطقة، ويهدف التحالف الجديد للمساعدة في حالات الكوارث الطبيعية المفاجئة والأزمات الإنسانية ومواجهة التصرفات العدائية في البحر، ووفقًا لتغريدة على موقع تويتر للقيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية فإن التحالف الجديد "سيعمل على صيانة الأمن الإقليمي وأنه سوف يكون للقوة تدريبات وخطط مشتركة لضمان الأمن والاستقرار والدفاع عن المنطقة بمختلف المجالات "، وعلى المستوى السياسي: كانت الوساطة السعودية بين إثيوبيا وإريتريا كانت أبرز التحركات السياسية السعودية تجاه منطقة القرن الإفريقي والتي أسفرت عن توقيع اتفاقية جدة للسلام بين الجانبين في سبتمبر 2018م،بالإضافة إلى الوساطة السعودية الإماراتية لتخفيف التوتر بين السودان وإثيوبيا في يناير 2021م.

وتخلص تلك الرؤية إلى ثلاث نتائج أساسية

 النتيجة الأولى: على الرغم من التداعيات المباشرة للوضع في اليمن على أمن دول الخليج العربي عامة والمملكة العربية السعودية على نحو خاص، فإنه في ظل الموقع الجيواستراتيجي لليمن وعدم القدرة على حماية حدوده البحرية فقد رتبت الأزمة اليمنية مخاطر على الأمن الإقليمي والأمن العالمي تجاوزت المهددات التقليدية المتمثلة في القرصنة والهجرة غير الشرعية لتصل إلى عسكرة القرن الإفريقي بين قوى تتفق مصالحها أحياناً وتتعارض أحايين أخرى.

النتيجة الثانية: قرعت الأزمة اليمنية أجراس الإنذار حول مهددات جديدة للأمن البحري ومنها التلوث البحري الذي قد ينتج عن تسرب النفط من ناقلة النفط صافر المحتجزة لدى الحوثيين، ومن ثم فإن ما تردد بشأن وجود محادثات لتأسيس تحالف إقليمي عالمي لمواجهة الكوارث البحرية والأعمال العدائية في البحار يعد آلية مهمة لمواجهة تهديدات الأمن البحري-حال تنفيذه-.

النتيجة الثالثة: في ظل أن التحدي يخلق الاستجابة فقد انتهجت دول الخليج العربي مسارات متوازية ومتكاملة على المستويات الأمنية من خلال مشاركة القوات البحرية الخليجية مع الشركاء والحلفاء لمواجهة تهديدات الأمن البحري، والمستويات العسكرية والسياسية من خلال الحضور الخليجي في منطقة القرن الإفريقي، فضلاً عن المبادرة السعودية بتأسيس آلية إقليمية تنصهر فيها مصالح الدول المعنية بأمن الملاحة في خليج عدن والبحر الأحمر.

مقالات لنفس الكاتب