يعتبر اليمن ذات أهمية جيواستراتيجية للأمن القومي العربي، فهي الدولة الثانية في عدد سكانها في الجزيرة العربية بعد المملكة العربية السعودية (30.3) مليون نسمة ومجتمع شاب، تطل على باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي، طول سواحلها البحرية على بحر العرب والبحر الأحمر 1906 كيلومتر ، وحدودها مع سلطنة 288 كم ومع السعودية 1458 كم، ولذلك يرتبط الأمن السعودي باليمن ارتباطًا قويًا لطول الحدود، ويمتلك اليمن العديد من الجزر ذات الأهمية الاستراتيجية للأمن القومي العربي ودول الخليج العربي ، من أهمها سقطرى وهي تعد مفتاحاً "لسبعة بحور" وجزيرة ميمون الواقعة في مضيق باب المندب وهي مفتاح البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، كان لها دوراً هاماً في حرب أكتوبر 1973م، عندما قامت القوات المصرية واليمنية بإغلاق المضيق أمام السفن الإسرائيلية، كما توجد جزر حنيش التي حاولت إرتيريا السيطرة عليها بدعم إسرائيلي ولكن الحكومة اليمنية أخرجتها منها، كما أن جزيرة زقر تتميز بموقعها الذي يتوسط البحر الأحمر ومنها يمكن مراقبة مساحات واسعة من البحر الأحمر ، فاليمن يشكل أهمية كبرى للأمن القومي بارتباطه بالقرن الإفريقي وشرق آسيا واليمن عضو في منتدى الدول المطلة على المحيط الهندي .
إن الموقع الاستراتيجي لليمن جعله عرضة للتنافس الدولي والٌإقليمي، فبريطانيا سيطرت على ميناء عدن عام 1839م، لحماية خطوط أسطولها البحري إلى الهند، التي اعتبرت آنذاك درة التاج البريطاني، وأقامت فرنسا قاعدة عسكرية لها في جيبوتي، وتنتشر القواعد العسكرية في دول القرن الإفريقي لأهمية البحر الأحمر ومضيق باب المندب ومحاربة القرصنة البحرية في المحيط الهندي، وتتنافس القوى الدولية والٌإقليمية حول اليمن مما يهدد الأمن القومي العربي مستغلة الصراع حاليًا في اليمن، مع وجود قواعد عسكرية إسرائيلية في أرتيريا ودعم إيران لجماعة الحوثي، فالحرب الأهلية في اليمن هي الأخطر في تاريخ اليمن في ظل انهيار النظام الإقليمي العربي والصراعات الداخلية في بعض الدول العربية من سوريا إلى ليبيا والعراق والسودان، مما يدفع إلى ضرورة إنهاء الحرب الأهلية في اليمن وجمع كافة الأطراف اليمنية لطاولة المفاوضات السياسية، وقد طرحت السعودية مبادرة لحل الأزمة اليمنية للمحافظة على وحدة اليمن وحماية الأمن القومي العربي وخاصة أمن الخليج العربي .
الأهمية الاستراتيجية لموقع اليمن
جذور الأزمة اليمنية: التعقيدات الاجتماعية والسياسية
برزت جماعة الحوثي كقوة سياسية من خلال الصراعات السياسية بين الأحزاب اليمنية والصراع القبلي بعد أن كانت جماعة دينية منعزلة في مناطق صعدة، عاش اليمن حرب الاغتيالات السياسية، اغتيل في اليمن منذ 1977م، خمسة رؤساء، ابراهيم الحمدي عام 1977م، ثم أحمد الغشمي 1978م، ثم علي عبد الله صالح فيما بعد، أما في الجمهورية الجنوبية قبل الوحدة فقد اغتيل سالم علي ربيع علي 1978م، وعبد الفتاح إسماعيل 1986 م، وكما قال الرئيس علي عبد الله صالح " إن حكم اليمن يشبه الرقص على رؤوس الثعابين " ، وحيث المجتمع القبلي ودور القبائل في الحياة السياسية وقيادات الجيش، فبعد قيام الوحدة بين الشمال والجنوب، نص الدستور على التعددية الحزبية مع تعدد المدارس الفكرية والأيديولوجية، فقد تأسس حزب المؤتمر الشعبي العام 1982م، أي قبل الوحدة وفي سبتمبر 1990م، أعلن تأسيس حزب التجمع الوطني للإصلاح ( يوصف بانتمائه للإخوان المسلمين )، أما الحزب الاشتراكي فهو استمرار لوجود الحزب في اليمن الجنوبي قبل الوحدة، وأصبحت هذه الأحزاب هي الرئيسة في اليمن الموحد، وإن كانت قد ظهرت أحزاب هامشية تمثل تيارات سياسية امتداداً لأحزاب عربية مثل حزب البعث والحزب الناصري وجماعات سلفية وزيدية، وبعد محاولة انفصال الجنوب عام 1994م، التي قادها بعض القيادات للحزب الاشتراكي، وأدت الحرب إلى المحافظة على الوحدة، وبرز حزب التجمع الوطني للاصلاح كقوة هامة ومؤثرة مما أقلق الرئيس صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام ، ومن هنا بدأ التوظيف السياسي لجماعة الحوثي في الحياة السياسية التي كان زعيمها حسين الحوثي عضواً في البرلمان اليمني، ورغم خمسة حروب خاضها الرئيس صالح مع جماعة الحوثي إلا أن اللعبة السياسية دفعته لاستخدامها، فحزب المؤتمر الشعبي حزب الدولة يفتقد للقاعدة الجماهيرية وكان حزب التجمع الوطني للإصلاح يتمتع بقاعدة جماهيرية قوية وأخذ شعبية في نهاية الحركة الانفصالية، ومن هنا حاول صالح الاستفادة من جماعة الحوثي لما لها من جذور اجتماعية دينية تنتمي إلى الجارودية إحدى مشارب الزيدية التي تقول بوجوب الإمامة التي انتهت مع انقلاب عبد الله السلال عام 1962م، وشجع الرئيس على صالح عضو مجلس النواب حسين الحوثي الذي قام بتأسيس المدارس الدينية لتدريس الفكر الزيدي المناهض للفكر السلفي خاصة أن الدعوة السلفية قد أخذت تجد قبولاً في مناطق صعدة حيث جماعة الحوثي، كما أن الرئيس صالح حاول استخدام جماعة الحوثي كجماعة دينية زيدية في حالة خلافات السياسية مع دول الجوار وخاصة السعودية، وكان 90% من أتباع الحوثي الذين اطلقوا على أنفسهم (الشباب المؤمن) في بداية تاسيس جماعة الحوثي كانوا يحملون بطاقة عضوية حزب المؤتمر الشعبي الحاكم، كما أن النخبة السياسية الحاكمة المنقسمة والمتصارعة قامت باستخدام جماعة الحوثي لمواجهة التوريث الذي كان يعد له على صالح، وبالتالي أخذ نظام الرئيس صالح يغض الطرف عن التسليح والتدريب الذي تقوم به جماعة الحوثي .
إن التوظيف السياسي للحوثي ضد حزب الإصلاح ومحاولة استغلاله ضد دول الجوار وورقة النخب السياسية لاستخدام الحوثي ضد التوريث يدفعه للإعلان عن الحق في الوراثة الدينية، وفي ظل هذا التوظيف السياسي للحوثي داخلياً وإقليمياً حصل الحوثي على الدعم المالي والعسكري وأخذ يتطلع إلى السلطة السياسية؟ فمن جبال صعدة التي كان معزولاً فيها إلى السلطة في صنعاء.
كان صالح يحاول في حروبه مع جماعة الحوثي يوظفها للحصول على الدعم الأمريكي كما كان يفعل مع تنظيم القاعدة في اليمن، ولكن الولايات المتحدة رفضت طلب الرئيس صالح في تصنيف جماعة الحوثي كحركة إرهابية، وإن كان ترامب في آخر عهده أدخلها في قائمة الإرهاب إلا أن إدارة الرئيس الحالي بايدن أخرجها من قائمة الإرهاب تحت ذريعة تسهيل الأعمال الإنسانية والإغاثة للشعب اليمني، ولكنه يعكس موقف الحكومات المتعاقبة الجمهورية والديمقراطية للحركة الحوثية رغم دعم إيران لها منذ عهد مؤسسها بدرالدين الحوثي؟
الانتفاضة الشعبية 2011 وتحالف صالح مع الحوثي
عندما قامت الانتفاضة الشعبية في اليمن عام 2011م ، بسبب فساد حكم صالح الذي استمر 33 عاماً، وسوء الأحوال الاقتصادية والبطالة التي وصلت 35% في آخر عهده، ومع انتشار الربيع العربي تحرك شباب اليمن ضد النظام ووجد التحرك دعمًا وتأييداً من حزب الإصلاح والحزب الاشتراكي وانحياز بعض قيادات الجيش للانتفاضة الشعبية، كما تعرض صالح لعملية إغتيال يونيو 2011م، أدت لعلاجه بالسعودية وبعد عودته لليمن وإثر المبادرة الخليجية، وافق علي صالح في فبراير 2012م، على الاستقالة مقابل الحصانة له، كما وافقت المعارضة على تولي عبد ربه هادي نائب الرئيس، كرئيس توافقي مؤقت لمنصب رئيس الجمهورية، وهو قائد عسكري ينتمي للجنوب، ولكن الحقيقة أن صالح لم يتنازل فعليًا عن الحكم وكان يضمر المحاولة للعودة للسلطة، فوجد ضالته في التحالف مع جماعة الحوثي، وكان تحالفًا مميتاُ أدى إلى مقتله على يد الحوثي الذي كان لا يثق فيه .
استغل الحوثي الصراعات في داخل اليمن خلال الانتفاضة الشعبية رغم مشاركتهم، وأخذوا في تعزير نفوذهم في صعدة وما وحولها وحاصروا دار الحديث وتطهير المنطقة من معارضيهم السلفية، وتدخلت الحكومة اليمنية لوقف القتال بين الحوثيين والإصلاح وامتد نفوذ الحوثيين إلى محافظة عمران في يناير 2014م، وتوسع الصراع حتى محافظة صنعاء يوليو 2014م، وكانت سرعة تقدم الحوثيين بالاتفاق مع الرئيس صالح الذي كما أشرنا يسعى للعودة للحكم.
إن ميكافلية الرئيس صالح دفعته للتحالف مع الحوثي وتسهيل دخولهم صنعاء والاستيلاء على الأسلحة ومؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014م، وكما تردد عنه قوله "علي وعلى أعدائي " فحسب شهادات كثير من القيادات العسكرية والجنود، فإن تقدم الحوثي في عمران والسيطرة عليها وعلى صنعاء كانت بدعم صالح، فكان له منظمة إعلامية ومالية وعسكرية وقبلية سهلت تحرك الحوثيين، كما أن سياسة التردد للرئيس هادي كان لها دور في سيطرة الحوثي على صنعاء ودخول القصر الرئاسي في يناير 2015م، وقد أكد وزير الخارجية اليمني جمال السلال في خطابه في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة (69) سبتمبر 2014م، بقوله " ما كان لذلك ليحدث لولا الدعم السياسي والتنسيق اللوجيستي من قبل بعض عناصر النظام السابق ".
ويقول العميد محسن خصروف " إن علي عبد الله صالح ضالع في دعم الحوثيين لإسقاط صنعاء وبقية المدن من أعلى الرأس إلى أخمص قدمه"، وكان الهدف من التحالف بينهما هو رغبة صالح العودة للحكم، وتطورت الأحداث بخروج عبد ربه هادي من صنعاء 2015م، إلى عدن باعتبارها العاصمة المؤقتة، ولكن تقدم الحوثي جنوباً إلى عدن ودخلها في مارس 2015م، واستعمل الحوثي الغارات الجوية على عدن وكذلك الأسلحة الثقيلة بل ذهب إلى استعراض قوته على حدوده مع السعودية مما دفع هادي بطلب التدخل من دول المجلس لعودة الشرعية واستقر به الأمر في الرياض التي قادت عملية عاصفة الحزم لإعادة الشرعية اليمنية المتمثلة في الرئيس هادي إلى العاصمة صنعاء.
التحالف العربي والتدخل الإيراني
تشكل التحالف العربي بقيادة السعودية ويضم مصر، والمغرب، والأردن، والسودان، والإمارات العربية المتحدة، والكويت، وقطر (استبعدت في 17في يونيو 2017م)، والحقيقة أن القوة الرئيسة في التدخل السعودية وبعدها الإمارات العربية. انطلقت عاصفة الحزم في 26 مارس 2015م، وقد جاء في بيان دول مجلس التعاون " قررت دولنا الاستجابة لطلب الرئيس عبد ربه هادي لحماية اليمن وشعبه العزيز من عدوان الميليشيات الحوثية، التي كانت ولا تزال أداة في يد قوى خارجية لم تكف عن العبث بأمن واستفرار اليمن " كما جاء في البيان "أن العملية العسكرية جاءت حيث أن الاعتداءات قد طالت كذلك أراضي المملكة العربية السعودية".
ويأتي تدخل التحالف العربي بسبب الدعم الإيراني للحوثي وتزويده بمختلف الأسلحة والتدريب ومشاركة الخبراء الإيرانيين في الحرب مع الحوثي، وهو تدخل في الشؤون العربية وتهديد للأمن القومي العربي، وأدى تدخل التحالف إلى إخراج الحوثي من عدن وتراجعه في المناطق الجنوبية، فالحوثي يعتبر ورقة في يد إيران تستخدمها في علاقاتها الخارجية إقليميًا ودوليًا، فهي بعيدة جغرافياً وترى أن تدخلها لا يعتبر مكلفاً لها سوى بتقديم الدعم المادي والأسلحة، وتستخدم الحوثي لأهداف سياسية في العلاقات مع دول مجلس التعاون، كما تعتبرها ورقة في التفاوض مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتدة باعتبارها قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها .
إن الحوثي ينفذ أجندة سياسية إيرانية ولا يتمتع باستقلالية القرار السياسي حتى في مفاوضاته مع المبعوثين الدوليين أو المفاوضات الإقليمية أو حتى مع الأطراف اليمنية، والذي ساعد الحوثي في تعزيز موقفه هو تحالف الرئيس السابق علي صالح معهم على أمل العودة للحكم، وأخذ صالح فيما بعد يفتح قنوات سرية مع التحالف العربي للإنقلاب على الحوثي الذي انقلب هو أيضًا على حليفه علي صالح وتم قتله في 4 ديسمبر 2017م، مما عقد الوضع السياسي في اليمن وانقسم حزب المؤتمر الشعبي، وأخذ ابنه أحمد وابن أخيه طارق صالح لهما تشكيل قوة عسكرية، مما أدى لتعدد الأطراف السياسية المسلحة في اليمن، قوات الحكومة اليمنية وقوات المجلس الانتقالي وقوات الإصلاح التي تحت الشرعية اليمنية، بالإضافة لتنظيم القاعدة وداعش مما عقد الوضع في اليمن ؟
الحوثي كورقة مساومة بين إيران والولايات المتحدة
تتابع الولايات المتحدة جماعة الحوثي منذ أكثر من عقد، وقد أعدت مؤسسة راند الأمريكية دراسة عن ظاهرة الحوثي ونشأتها عام 2010 م، لوكالة استخبارات وزارة الدفاع ( DIA) ، وجاءت الدراسة تحت عنوان (Regime and Periphery in Northern Yemen: The Huthi phenomenon, 410p), ، كما نشرت دراسة أخرى تحت عتوان ،
Yemen and the Houthi Rebellion in the Context of the Global War on Terror,
كما يصدر مركز أبحاث الكونغرس دراسة دورية سنويًا، والمهم أن المؤسسات الأمريكية على وعي كامل بشؤون اليمن وأهداف جماعة الحوثي، ويظهر أن الولايات المتحدة تتعاطف في كثير من المواقف مع الحوثي، فإدارة أوباما رفضت تصنيفها كجماعة إرهابية، مع أن إدارة ترامب صنفتها ضمن الجماعات الإرهابية في الأسبوع الأخير من إدارتها، وجاءت إدارة بايدن لتخرجها من قائمة الجماعات الإرهابية، وحسب قول روبرت مالي مبعوث الرئيس الأمريكي بايدن لإيران والعضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي بإدارة أوباما، إن إدارة أوباما كانت ترى مبالغة في ربط الحوثي بإيران، وكان متردداً في دعم عاصفة الحزم 2015م، والحقيقة أن إدارة كارتر وريغان بعدها كانت ترى في ثورة إيران والجماعات الإسلامية التي تقاتل السوفيت في أفغانستان أنها تخدم المصالح الأمريكية، ووفقاً لنظرية بريجنسكي إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقاوم الشيوعية بقوة، وأن تكون ثورة إسلامية على حدود الاتحاد السوفيتي تخدم المصالح الأمريكية لأنها تثير المسلمين في داخل الاتحاد السوفيتي، ونؤكد على علاقة إدارة ريغان بإيران ( فضيحة إيران جيت 1986م) وهدية ريغان للخميني في زيارة الوفد الأمريكي السري لإيران، وهذا يؤدي بنا للقول أن إدارة أوباما عقدت صفقة المفاعل النووي الإيراني (5+1)، وهو استمرار لسياسة سابقة في التعاون مع إيران ، كما فعلت إدارة بوش الابن في احتلال أفغانستان(2001م) واحتلال العراق (2003م) بالتنسيق مع إيران، ولذلك فالدعم الإيراني للحوثي لا يقلق الولايات المتحدة وكما فعلت إدارة ترامب خلال سنواتها الأربعة هو التأكيد على بيع الأسلحة بمعنى آخر استنزاف الأطراف المتحاربة من خلال بيع الأسلحة ولم تتدخل فعليًا في إيجاد حل للأزمة اليمنية ولسيطرة الحوثي على صنعاء وطرد الشرعية رغم المأساة الإنسانية في اليمن، ولذلك ليس غريبًا أن تستخدم إيران جماعة الحوثي في اليمن كورقة في التفاوض مع إدارة بايدن كما فعلت مع الإدارة السابقة، وكما قال روبرت مالي في مقالة له في مارس الماضي في مجلة Foreign Affairs ، أنه كلما شددت إدارة ترامب العقوبات على إيران تدفع الأخيرة الحوثي لاستعمال الصواريخ البالستية وطائرات درون التي تقوم هي بتزويد الحوثي بها، بضرب أهداف في السعودية لإحراج الولايات المتحدة باستهداف حليفها الاستراتيجي في الخليج العربي، ولذلك تستعمل إيران الحوثي والكتائب الشيعية المسلحة في العراق في تعزيز استراتيجية التفاوض الإيرانية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في المفاعل النووي الإيراني ودورها الإقليمي.
رفض الحوثي مبادرات الحلول الدولية والإقليمية وتعقد الأزمة
تغيرت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اليمن، فحالة اليمن عند دخول الحوثي صنعاء ليست كما هو الحال بعد ست سنوات من الحرب، فالحوثي تحت قيادة سياسية واحدة، بينما تعددت الأطراف السياسية اليمنية التي تواجه الحوثي، الشرعية بقيادة هادي، المجلس الانتقادي، وبقايا حزب المؤتمر الشعبي وغيرها من جماعات وتيارات سياسية، لذا فتعدد الخلافات السياسية والدعوى لانفصال الجنوب كلها عززت مكانة الحوثي الذي يريد السيطرة على مأرب حيث الغاز والبترول، وفرض الحوثي نفسه كقوة يتم التفاوض معها إقليميًا ودوليًا، ولذلك فإن الحل للأزمة يحتاج موقف دولي ضاغط على أطراف الصراع في اليمن.
عرضت السعودية مبادرة سياسية لحل الأزمة رفضها الحوثي، وأصبحت الأزمة من ناحية أخرى مرتبطة بالتفاوض بين واشنطن وطهران حول المفاعل النووي الإيراني، وإدارة بايدن تحت ضغط الكونغرس وجماعات حقوق الإنسان تدفع الإدارة الأمريكية للتحرك لإنهاء الأزمة وخشية واشنطن من تصاعد الأزمة وتوسعها لصراع إقليمي.
ولكن يظهر أن هناك تحركاً دوليًا نشطاً لجمع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة المفاضات، لأن الأزمة اليمنية أصبحت قضية إنسانية وسياسية عالمية وقضية رأي عام المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ولذلك تحركت الدول الكبرى لإيجاد حل للأزمة، فقد استضافت الحكومة الألمانية في 12 أبريل الحالي اجتماعاً للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لبحث الأزمة اليمنية وحضر الاجتماع مسؤولون عن الاتحاد الأوروبي والكويت والسويد، كما شارك في الاجتماع مارتن غريفيث مبعوث الأمم المتحدة والمبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيموثي ليندركينغ، ولكن غابت جميع الأطراف اليمنية عن الاجتماع التي لم تدعى للاجتماع في برلين وكذلك غابت سلطنة عمان التي تعتبر وسيطاً بين الأطراف اليمنية؟
ويظهر أن هناك رغبة دولية للضغط باتجاه الحل السياسي، فقد علق المبعوث الأمريكي الخاص ليندركينغ على الاجتماع بقوله "إن هناك فرصة حقيقية لحل دائم للصراع اليمني " ومما يعطي أهمية أن تعليقه جاء على موقع السفارة الأمريكية في صنعاء، كما دعا المبعوث الدولي غريفيث الأطراف اليمنية لإغتنام الفرصة للاتفاق على حل سياسي، بقوله "أومن أن هذا هو وقت اتخاذ القرار والقيادة المسؤولة من جانب الأطراف اليمنية، لإنهاء النزاع، وجودنا هنا في برلين يعبر عن إدراك اللحظة الحرجة التي نمر بها الآن "؟
وأشار المبعوث الدولي غريفيث إلى خطة للأمم المتحدة تتضمن " تأمين وقف شامل لإطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وفتح الطرق الرئيسية التي تصل بين الشمال والجنوب، بما يتضمن تعز المدينة التي تحت الحصار منذ وقت طويل " وتتضمن الخطة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات الدولية والمحلية، وضمان التدفق المنتظم للوقود وغيره من السلع التجارية إلى اليمن من خلال موانئ الحديدة، وتوجيه الإيرادات المرتبطة بدخول سفن الوقود نحو المساهمة في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية"، ويظهر أن هذه الخطة التي إذا أعلنت رسمياً فإنها تلغي كافة حجج الحوثي للمبادرات السابقة، وتعري موقفهم ، وحيث أن بريطانيا لها تاريخ طويل في العلاقات مع اليمن، وغريفيث البريطاني الجنسية والمبعوث الأمركي الخاص ليندركينغ له خبرة طويلة في المنطقة، ومن خلال الضغط على إيران وعودة واشنطن للاتفاقية للمفاعل النووي الإيراني سيؤدي بالتأكيد لانفراجة لحل الأزمة اليمنية التي أنهكت الأطراف اليمنية رغم أن بعض الفئات اليمنية وجدت في الأزمة فرصة للاستفادة اقتصاديا من طول الأزمة .
إن نتيجة معارك مأرب ستحدد موقف الأطراف اليمنية في المفاوضات، وخلال زيارة كل من المبعوث الأمريكي والمبعوث الدولي لسلطنة عمان لعرض خطة الأمم المتحدة، ومع طول النزاع الذي أنهك أطراف النزاع وضغط الدول الكبرى ستؤدي إلى الانفراج لحل سياسي تشارك فيه كل الأطراف اليمنية التي تشارك في العملية السياسية، وأن يدرك قادة اليمن أن لعبة الأمم وصلت للنهاية، وأن الأطراف الدولية أرادت إنهاءها كما أنهت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، والموقف الدولي مع وحدة اليمن وهو ما تدعو له السعودية، الحوار بين الأطراف اليمنية وتأكيد وحدة اليمن .