تحظى منطقة غرب إفريقيا بمكانة هامة في استراتيجيات القوى الدولية والإقليمية، نظرًا لامتلاكها العديد من المقومات الاقتصادية والجغرافية والسكانية والطبيعية التي جعلتها محط أنظار تلك القوى. ولما وجدت إيران ضالتها في قارة إفريقيا من أجل ضرب عزلتها الإقليمية والدولية وتعزيز موقفها إقليميًا ودوليًا، كانت منطقة غرب إفريقيا هي الساحة الرحبة التي تحركت فيها إيران من أجل تحقيق أهدافها واستراتيجيتها في القارة الإفريقية، مستخدمة في ذلك العديد من الأدوات والمداخل لتعزيز نفوذها وحضورها في الغرب الإفريقي، بما شكل مصدر تهديد للدول الإفريقية والقوى الإقليمية لا سيما الدول العربية وكذلك بعض القوى الدولية.
الاستراتيجية الإيرانية في غرب إفريقيا
ويتمتع إقليم غرب إفريقيا بأهمية كبرى في استراتيجية المد الإيراني، وذلك لعدة عوامل؛ أبرزها انتشار الدين الإسلامي في تلك الدول، وتشكيل المسلمين للنسبة الأكبر فيها مثل نيجيريا والسنغال وموريتانيا وغانا، وكذا الحال بين بقية دول إقليم غرب إفريقيا.
المد الإيراني في دول غرب إفريقيا ليس مسألة حديثة، بل النظام الإيراني بدأ ذلك بعدما فرغ من الحرب الإيرانية ــ العراقية، وبدأ بالتغلغل في المنطقة من خلال مدخل المراكز الثقافية وتقديم المساعدات "الإنسانية".
وكان للحرب الأهلية اللبنانية، أثر كبير في هذا المد بسبب هجرة بعض الشباب اللبناني الشيعي للخارج وكانت إفريقيا وجهة له، وساعد ذلك على التغلغل الإيراني، ثم تطور المد الإيراني وأصبح واضحًا.
يضم إقليم غرب إفريقيا 16 دولة ويمتد جغرافيًا من موريتانيا غربًا حتى النيجر شرقًا، ومن موريتانيا شمالًا حتى ليبيريا جنوبًا، ومن ليبيريا غربًا حتى نيجيريا. ويحد هذا الإقليم من الشرق دولتي تشاد والكاميرون، بينما يحده من الغرب والجنوب المحيط الأطلنطي، ومن الشمال دولتي الجزائر وليبيا، وهو ما منحه دورًا وتأثيرًا ملحوظًا على حركة التجارة الدولية، فضلًا عن كون الإقليم يشكل مسرحًا للتنافس الدولي من الجهة الاقتصادية، مع تنامي الاكتشافات النفطية في معظم بلدانه، بما أدى إلى تصارع القوى الكبرى على الموارد والنفوذ في المنطقة.
ويُعد النفوذ الإيراني في دول غرب إفريقيا هو الأبرز في دول القارة كلها، حيث ترتكز استراتيجية إيران في غرب إفريقيا على عدة محاور تسعى طهران من خلالها إلى تحقيق أهدافها في المنطقة، وتتمحور الأهداف الإيرانية حول هدف رئيسي وهو نشر المذهب الشيعي في المنطقة، حيث يمثل إقليم غرب إفريقيا بيئة خصبة لنشر التشيع، خاصة أن الكثافة الإسلامية المرتفعة في بلدان المنطقة من الممكن أن تتعاطف مع إيران، كونها دولة إسلامية وعضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، بالإضافة إلى بعض التحديات التي تواجه المسلمين في بعض دول غرب إفريقيا وتسهل من مهمة طهران في التغلغل هناك مثل الوضع الاقتصادي، والفقر، وعمليات التنصير، وانتشار المذاهب المختلفة مثل البهائية والديانات التقليدية في إفريقيا. وتقوم إيران بمحاولات نشر التشيع في غرب إفريقيا باعتبارها تعاني من التنظيمات الإسلامية المتطرفة والأفكار السلفية المتطرفة، الأمر الذي استغلته إيران لنشر المذهب الشيعي تحت ذريعة نشر الإسلام الوسطي.
وثمة ارتباط بين ما سبق وسعي إيران نحو إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة، ولذلك تقوم بتوطيد علاقاتها مع شعوب غرب إفريقيا، وتقيم علاقات جيدة بشيوخ القبائل وشيوخ الطرق الصوفية حيث تستغل طهران التصوف وشيوخ الطرق الصوفية من أجل بلوغ أهدافها في تعظيم المذهب الشيعي في بلاد غرب إفريقيا، من أجل تعزيز النفوذ، الذي يرتبط باستغلال الموارد والثروات الطبيعية التي تمتلكها دول غرب إفريقيا.
ولما كان إقليم غرب إفريقيا يمثل كتلة إسلامية كبيرة في قارة إفريقيا، فالدين الإسلامي هو الدين الرسمي لأغلبية السكان، ويقدر عدد سكان المنطقة نحو 257 مليون نسمة، 161 مليون منهم من المسلمين السنة، وهناك عدد من دول المنطقة يفوق فيها نسبة المسلمين 95% من إجمالي سكانها مثل السنغال ومالي وجامبيا، بينما يصل في بعض الدول مثل غينيا بنسبة 85%، وفي النيجر 80%. ومن هنا تكثف طهران مساعيها للتغلغل لنشر مذهبها بين شعوب المنطقة، بحيث أشارت بعض التقديرات إلى أن أعداد من يعتنقون المذهب الشيعي في دول غرب إفريقيا تجاوز 7 ملايين نسمة.
وتتعدد أهداف ودوافع السياسة الإيرانية في التقارب مع غرب إفريقيا، حيث يرجع اهتمام إيران بالمنطقة إلى مكانة الأخيرة استراتيجيًا في التجارة الدولية، ومحاولة إيران إيجاد موطئ قدم في الممرات المائية المهمة في القارة، لا سيما المحيط الأطلنطي، كما أن الإقليم من الناحية الاقتصادية يمثل مسرحًا للتنافس بين القوى الدولية والإقليمية للنفوذ والسيطرة على الموارد والثروات في المنطقة. ويمنح تحسين طهران لعلاقاتها مع دول القارة الإفريقية وبناء علاقات ثنائية مع دول غرب إفريقيا على وجه الخصوص ثقلًا لطهران على المستويين الإقليمي والدولي، يرجع التمدد الإيراني في إفريقيا لكونها تمثل ثقلًا استراتيجيًا وجغرافيًا بجانب الكثافة السكانية لدولها، كما أنها ترغب في توسيع خارطة تحالفاتها الدولية بعد تأزم الاتفاق النووي مرة أخرى. ومن ثم، تسعى إيران إلى ضمان تصويت الدول الإفريقية لصالحها في المحافل الدولية ضد أي قرار يكون في غير صالحها، أو على الأقل تحييدها. كما ترغب إيران في إيجاد وكلاء لها لحماية مصالحها الاستراتيجية في غرب إفريقيا بشكل خاص. وكسر العزلة التي فُرِضت عليها منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتبعتها سلسلة العقوبات الأمريكية.
وتهدف طهران لتمرير سياستها الاقتصادية وخلق سوق لمنتجاتها والاستيلاء على المواد الأولية والثروات والموارد التي تزخر بها القارة الإفريقية، وأقامت إيران عددًا من المشروعات الاستثمارية في السنغال وجامبيا ومالي وسيراليون وبنين ونيجيريا وغانا وكوت ديفوار، وكذلك في النيجر وتشاد وبوركينافاسو وليبيريا وغينيا من أجل تحقيق بعض المكاسب الاقتصادية، وبما يمنحها ساحة جديدة تعوض بها العزلة الدولية التي فرضت عليها من أمريكا قبل الاتفاق النووي وبعده وثاني تلك المحفِّزات ينصرف إلى ثراء القارة الإفريقية بالموارد الطبيعية، فعلى سبيل المثال، تمتلك القارة الإفريقية 21% من إجمالي احتياطيات الذهب في العالم، فدولة جنوب إفريقيا تمتلك حوالي 56% من إجمالي احتياطيات الذهب الإفريقية، بينما تمتلك تنزانيا قرابة الـ 10% من إجمالي احتياطيات الذهب في القارة، كما تمتلك جنوب إفريقيا نحو 97% من احتياطي البلاتين في القارة الإفريقية، وتزخر أنجولا بثلاثة موارد طبيعية رئيسية، هي: الحديد، والنفط، والماس، وهي ثالث أكبر دولة إفريقية في إنتاج الأحجار الكريمة.
آليات التغلغل الإيراني في غرب إفريقيا
تستخدم إيران كافة الأساليب لاختراق القارة الإفريقية وتعزيز نفوذها فيها، بما يعزز من حضورها في القارة، وبما يحقق لها مكاسب سياسية واقتصادية، ويحول دون عزلتها الإقليمية والدولية، فضلًا عن جذب المزيد من العناصر لاعتناق المذهب الشيعي في غرب إفريقيا، وهو النجاح الأكبر بالنسبة لإيران.
وتتعدد أدوات ومداخل السياسة الإيرانية للتواجد في إقليم غرب إفريقيا، يتمثل أبرزها في:
المدخل الأمني: ويتمثل في توقيع اتفاقات أمنية ومذكرات تفاهم بخصوص التعاون الأمني والعسكري والتدريب، إلا أن للسياسة الإيرانية وجوه أخرى منها الآليات الاستخباراتية في دعم الحركات الانفصالية في دول القارة مثل دعم حركة القوات الديمقراطية في منطقة "كازامانس" جنوب السنغال، وتقديم السلاح لها، وهو ما تسبب في قطع العلاقات بين البلدين في الفترة من 2011 حتى 2013م.
كما تستخدم إيران وكلاء إقليميين في تحقيق أهدافها في القارة الإفريقية، ومن أبرزهم حزب الله الذي يعد بمثابة وكيل طهران في غرب إفريقيا حيث يتحرك الحزب تحت إشراف عناصر الحرس الثوري الإيراني، وتتركز أنشطته في سيراليون وغينيا بيساو والسنغال وكوت ديفوار وجامبيا ونيجيريا. كما تقوم إيران بتجنيد العملاء حيث تبرز تحركات عناصر من الاستخبارات الإيرانية وأعضاء من البعثة الدبلوماسية في نيجيريا لتجنيد قيادات في الشرطة النيجيرية ومسؤولين في الموانئ والمطارات. وكذلك استقطاب بعض مشايخ الصوفية، وعلى رأسهم مشايخ الطريقة القادرية. ومن المحطات الرئيسية للتغلغل الإيراني في غرب إفريقيا هي محطتين كبريين هما نيجيريا وغانا. ويعد الحرس الثوري الإيراني بمثابة الجهاز القائم بالاستخبارات ذات الطابع العسكري في إفريقيا، في الوقت الذي يختزل فيه نشاط الاستخبارات الإيرانية على القوة الناعمة. وينحصر استخدام إيران لآلية الوجود العسكري الفعلي لإيران في شرق القارة الإفريقية، حيث تستخدم آلية الدعم اللوجستي والفني في مجال الدفاع مع دول شرق القارة أكثر من غيرها في إفريقيا. وتستغل آلية المساعدات والمنح والقروض المالية كمدخل لبناء العلاقات الثنائية مع الدول المستهدفة لها.
دبلوماسية القوة الناعمة (المساعدات التنموية): تطمح إيران لأن تكون قوة إقليمية مؤثرة، وتسعى نحو خلق النموذج الإيراني لنشره في مختلف أنحاء إفريقيا. وتستغل إيران بنجاح القوة الناعمة من أجل التغلغل داخل المجتمعات الإفريقية وبخاصة المسلمة منها، من خلال الاستثمارات وتوفير فرص عمل للشباب وغير القادرين، ودعم الطرق الصوفية ماديًا، وإنشاء العديد من المدارس والمعاهد الدينية الضخمة، وتقديم المنح الدراسية للشباب للدراسة بطهران. لذلك، تعد سياسة المساعدات التنموية من أبرز الأدوات التي تستخدمها الدبلوماسية الإيرانية لتحقيق هذه الغاية، لكسب عقول وقلوب الأفارقة. وتستفيد إيران من التجارب الإقليمية لبعض القوى والفواعل الإقليمية والدولية في القارة الإفريقية، مستغلة حاجة البلدان الإفريقية للمساعدات التنموية والتعاون المشترك، وتسويق النموذج الإيراني في إفريقيا. وتتنوع المساعدات التنموية في عدد من المجالات مثل مجال التكنولوجيا ومجال الطاقة والنفط ومعامل تكريره والصناعات البتروكيماوية والغاز وتنمية القطاعات الزراعية والصحية وإنشاء السدود. كما تستغل إيران في تأسيس جسور التواصل مع شعوب الدول الإفريقية من خلال التعليم، حيث تقوم بإنشاء فروع لجامعاتها، ومدارس، وكذلك فصول للتعليم في دول المنطقة، وتوفير المنح الدراسية لأبناء غرب إفريقيا لمدينة قم الإيرانية والحوزات العلمية لدى الشيعة، وتدعم إيران التعليم العالي والبعثات الخارجية من خلال تمويل منح دراسية للتخصصات النادرة لطلبة دول غرب إفريقيا في جامعات العالم.
دبلوماسية النفط: تولي إيران أهمية لغرب إفريقيا من الناحية الجيو-اقتصادية خاصة مع تمتع بعض دول المنطقة بمناطق إنتاج النفط، فضلًا عن وجود المناطق الغنية بمناجم اليورانيوم التي تعتبرها إيران مادة حيوية، ومناطق استخراج الماس من مناجم تقع في دول أفريقية مثل سيراليون وليبيريا وإفريقيا الوسطى. ومن ثم تعمل إيران على توظيف دبلوماسية النفط لكسب ود دول القارة، ومن أجل تعظيم مكاسبها الاقتصادية في المنطقة.
الأداة المذهبية (التمدد الشيعي): تتمثل في نشر المذهب الشيعي، ووفقًا لإحصائية نشرتها وكالة "فارس" الإيرانية تخطى عدد من اعتنق المذهب الشيعي في إفريقيا إلى أكثر من 20 مليون شخص، وبلغ حجم انتشار المذهب الشيعي في منطقة غرب إفريقيا وفق إحصائيات موقع World Shia Muslims Population نحو 7 ملايين نسمة. وتقوم طهران من أجل نشر مذهبها بتأسيس المراكز الثقافية الإيرانية لاجتذاب الشباب لتبني أفكار المذهب الشيعي، وإنشاء أقسام الدراسات الإيرانية في عدد من الجامعات الإفريقية والتركيز على اللغة الفارسية وحضارتها كونهما مدخل مهم لتمرير التشيع. ففي دولة مالي يلعب المركز الثقافي الإيراني في باماكو دورًا مهمًا في اجتذاب المزيد من الماليين من خلال منح فرص عديدة للدراسة في مدارس المصطفى الدولية التي تمولها جامعة قم الإيرانية، والتي تعد واحدة من 13 مؤسسة يديرها المركز في مالي. كما تستقطب طهران القيادات الإسلامية المؤثرة في الدول الإفريقية، علاوة على بناء مؤسسات تعليمية ودعوية ومطبوعات صحفية تكون مهمتها نشر المذهب الشيعي مثل المركز الاجتماعي الإسلامي، ونادي الرسول، وجمعية الهدى الخيرية، والمستوصف الإسلامي في السنغال، والمركز الثقافي الإيراني في مالي. وغيرها من المراكز في شتى أنحاء القارة.
الطرق الصوفية: حيث تعمل طهران على استثمار البعد الصوفي، حيث لم تعادِ التصوف في القارة، بل تعاونت مع الطرق الصوفية واستغلتها جسرًا نحو التغلغل في المجتمعات الإسلامية في غرب إفريقيا، بما جعل الطرق الصوفية تغض الطرف عن التحركات الإيرانية لنشر المذهب الشيعي، قبل أن تدرك المخاطر الناتجة عن نشر إيران للتشيع في غرب إفريقيا، حيث حاولت إيران التقارب مع قيادات التيارات الصوفية مستغلة أوجه التشابه في بعض الطقوس الدينية بين الشيعة والصوفية، والتواصل مع العديد من الطرق الصوفية في منطقة غرب إفريقيا مثل التيجانية والمريدية والقادرية وأتباعها الذين يقدرون بالملايين، حيث تلعب قيادات هذه الطرق دورًا في الشؤون الدينية وكذلك أدوار اقتصادية وثقافية وسياسية، وقد دعمت إيران الطرق الصوفية بالمال وعبر إنشاء عدد من المباني والمؤسسات التعليمية.
الجالية اللبنانية في غرب إفريقيا: حيث تشير بعض الإحصائيات إلى أن هناك 350 ألف لبناني منتشرون عبر القارة في عدد من دول القارة، مثل كوت ديفوار، والسنغال، ونيجيريا. كما تبلغ الاستثمارات اللبنانية في إفريقيا حوالي 45 مليار دولار في العديد من القطاعات مثل البنوك والاستيراد والتصدير والعقارات والمهن الحرة. كما أن هناك علاقات ارتباطية بين الشيعة في غرب إفريقيا وحزب الله اللبناني حيث يقوم الشيعة في غرب إفريقيا بتمويله بنحو 200 مليون دولار سنويًا. وبالتالي فهم يشكلون روافد لنشر التشيع في قارة إفريقيا.
السفارات الإيرانية: حيث تستغل الملحقية الثقافية لها في نشر أهداف الثورة الإيرانية والمذهب الشيعي وفتح المجال أمام تدريس المذهب الشيعي والمؤسسات الطوعية والثقافية في بلدان المنطقة. وقد انحرفت المراكز الثقافية الإيرانية عن الدور المنوط بها في دول إفريقيا وغرب إفريقيا بالأخص، فأضحت أحد المنصات التي يروج منها الأفكار الدينية الخاصة بالمذهب الشيعي، وفي سبيل ذلك عمدت إلى تعميق العلاقات الثقافية مع دول المنطقة، وقيام حفلات ذات طابع شيعي مثل الاحتفال بميلاد السيدة فاطمة الزهراء، وذكرى كربلاء. كما تقوم بنشر الكتب والتسجيلات المسموعة والمرئية على الطلبة في المعاهد الفنية والتابعين للطرق الصوفية، بهدف اجتذاب المزيد لاعتناق المذهب الشيعي.
الإعلام: للإعلام دور قوي في الترويج للسياسة الخارجية الإيرانية، خاصة فيما يتعلق بنشر التشيع في غرب إفريقيا، مثل توزيع الصحف اليومية والشهرية باللغات الرسمية والمحلية، والبث الإذاعي وامتلاك محطات البث أو من خلال استئجار ساعات من الإذاعات المحلية، والمشاركات التليفزيونية. كما تشمل السياسة الإعلامية استغلال شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ويشرف على ذلك مركز الأبحاث العقائدية تحت إشراف آية الله السيستاني، والذي يشرف على أكثر من مئة موقع على شبكة الإنترنت
المساعدات الإنسانية: من خلال تقديم المساعدات والأعمال الخيرية في كثير من دول غرب إفريقيا، بالرغم من الانتقائية في السياسة الإغاثية لإيران حيث تستهدف دول غرب إفريقيا المسلمة التي تعاني أزمات اقتصادية وتقدم لها الدعم، دون غيرها من دول المنطقة التي يسيطر عليها أغلبية مسيحية.
حزب الله اللبناني: وجود الجاليات اللبنانية الشيعية في غرب إفريقيا أفسح المجال وسهل تغلغل إيران في منطقة غرب إفريقيا وغيره من التنظيمات مثل حزب الله اللبناني، حيث أن تواجد الحزب في غرب إفريقيا يمثل أحد أدوات إيران في المنطقة، فإفريقيا هي منطقة جاذبة لحزب الله حيث يستطيع من خلالها استثمار وغسيل الأموال، واستغلال التجمعات الشيعية واللبنانية المتمركزة في بعض دول غرب إفريقيا. وتعتبر منطقة غرب إفريقيا بؤرة مثالية لتدريب وميليشيات تابعة لحزب الله وللتنظيمات الإرهابية في المنطقة.
مخاطر النفوذ الإيراني في غرب إفريقيا
تشكل التحركات الإيرانية في قارة إفريقيا بشكل عام ومنطقة غرب إفريقيا بشكل خاص مصدر تهديد للدول الإفريقية، فمن ناحية محاولة إيران الاستقواء بالكتلة التصويتية الإفريقية في الأمم المتحدة ضد قرارات الولايات المتحدة الأمريكية من شأنها أن توتر العلاقات الأمريكية ــ الإفريقية، ومن ناحية أخرى إن المساعي الإيرانية لتغيير الحالة الدينية لمعظم شعوب المنطقة لاعتناق المذهب الشيعي من شأنها أن تتسبب في صراعات داخلية بدول المنطقة خلال المرحلة المقبلة. ومن ناحية ثالثة أن الحضور الإيراني يفتح المجال أمام صدام إقليمي ودولي في المنطقة في ظل التنافس الإيراني/ العربي لا سيما الخليجي في إفريقيا، في ضوء استراتيجية المواجهة التي تحرص دول الخليج على أن تضم معظم دول غرب إفريقيا -السنغال، نيجيريا، غينيا، الغابون، كوت ديفوار، موريتانيا، مالي، وبنين- ضمن التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب الذي أعلنت عن تشكيله، والذي يعد موجهًا بالأساس ضد الخطر الإيراني، وفي ظل رفض بعض القوى الدولية للدور الإيراني في إفريقيا بشكل عام ومنطقة غرب إفريقيا بشكل خاص، حيث تضغط القوى الدولية من أجل تحجيم النفوذ الإيراني في إفريقيا.
رؤية تقييمية للمد الإيراني في غرب إفريقيا
من الملحوظ أن دول غرب إفريقيا مسألة ذات أولوية عالية في سياسة إيران الخارجية. وبات يُنظر على نحو متزايد في المنطقة والعالم إلى النفوذ الإيراني في الغرب الإفريقي على أنه أمر مرتبط بتصدير النموذج الإيراني للتشيع والإسلام السياسي، وهو ما أدى إلى المزيد من الاهتمام والتركيز على الدور الإيراني في تلك المنطقة، خاصة من دول الجوار الإقليمي لإيران مثل دول الخليج العربية، وإسرائيل. وهو ما يقلّل من الأفضلية التي تتمتع بها طهران في منطقة الغرب الإفريقي، نتيجة الخطوات التي اتخذتها تلك الدول لمزاحمة النفوذ الإيراني واحتوائه، وهو ما يحظى بتشجيع وتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية. ومع هذا، لا ينبغي التقليل من شأن الاستثمارات الإيرانية السياسية والاقتصادية والتعليمية والدينية في منطقة غرب إفريقيا، وحضورها المستمرّ من خلال آليات الدبلوماسية الناعمة.
وإجمالاً، فإن هناك اختراق إيراني طائفي للنسيج الاجتماعي السني بغرب إفريقيا، حيث تركز إيران على مناطق انتشار المذهب السنّي المالكي، واستطاعت فعلاً بناء نفوذ أفقي داخل بعض النخب المؤثرة. من جهة أخرى، تعمل إيران على ربط التشيّع المحلي بالسياسة الدولية لإيران وأهدافها القومية، مما يهدد غرب إفريقيا بمزيد من التوترات والحروب الداخلية، خاصة مع تنامي الصراع الدولي على إفريقيا.
وعلى أية حال، فإن الاختراقات التي حققتها إيران في إفريقيا يجب أن تقابل بمشروع عربي شامل واستراتيجية واضحة في القارة الإفريقية، بل أكثر من ذلك حتى على المستوى الإقليمي والبيئة المحاذية التي تشكل تهديدًا لأمنها القومي، خاصة في منطقة الغرب الإفريقي بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر، والذي يشكل عمقًا استراتيجيًا للدول العربية المغاربية أيضًا.